منذر مصري
الحوار المتمدن-العدد: 1002 - 2004 / 10 / 30 - 12:51
المحور:
الادب والفن
- لا يوجد تقديم للكتاب ولا إهداء، هناك استهلال، يبدو وكأنه يفسر عنوان الكتاب: ( الشاي ليس بطيئاً... نَحنُ سَريعون ) مما لا مني لأجله بعض الأصدقاء، حيث أنه بعرفهم قتل الغموض الذي أحبوه في العنوان. غير أني ممن يرون عكس ذلك، فلطالما رددت أن ديدني في هذا هو أنه يجب دائماً الوصول بالفكرة، الصورة، إلى غايتها. لهذا يجب بالتالي الحرص على إعطائها حقها، حقها دون زيادة ودون نقصان، كما كل حق. حقها من الوضوح وحقها من الغموض بآن. أي أن يكون وضوحها غامضاً وغموضها واضحاً. إذا سمحتم لي بهذا النوع من الكلام، كأن تقول: أرى هذا غامضاً بكل وضوح!
ـــــــــــــــ
- عنوان القسم الأول من الكتاب : (يَحسَبُني الدُّخانُ نافِذَة ) يتألف من خمس قصائد نشرت جميعها في الملحق الثقافي لجريدة النهار عام 1995 لا أذكر تاريخ اليوم ولا رقم العدد، ولكنها كانت مرفقة برسم لطيف لشارل شهوان ( قهوة القهوة ). القصيدة الأولى منها مهداة لصديقي المفكر الراحل بو علي ياسين. مكتفياً باسمه ( ياسين ) الذي اعتدت، طوال خمس وعشرين سنة عملت بها معه، أن أناديه به كل يوم ألف مرة. أما الزميل ميم فهو أنا كما لقبني في آخر كتبه ( شمسات شباطية ).
ـــــــــــــــ
1- يَحسَبُني الدُّخانُ نافِذَة
ـــــــــــــــ
- الأَصدِقاء... ما عادوا قَتَلَةَ ضَجَر
ـــــــــــــــ
( إلى ياسين مِنَ الزَّميل مِيم )
ما عادوا يَصلُحون
لِدَفعِ الأَيَّامِ مِن ظُهورِها
ما عادَ بِحوزَتِهِم
ما يَملأُ الجَماجِم
الأَصدِقاء
ما عادوا قَتَلَةَ ضَجَر.
/
أُحَيِّيهِ هازِلاً :
( هَل فعَلتَ الشَّاي؟ )
يُجيبُني وَعَقبُ سِيجارَةٍ
عالِقٌ في زاويَةِ فَمِه :
( لَم تَأتِ لِشُربِ الشَّاي
بَل لِشُربِ الوَقت )
فأََخلِطُ جِدَّهُ بِهَزلي :
( الشَّايُ لَيسَ بَطيئاً
نَحنُ سَريعون ).
/
أَبطَلتُها
عادَةَ أَن أَحتفِظَ بِحُطامِ
كُلِّ ما يَقَعُ مِن يَدي
ويَنكَسِر
عَلى أَن أُلصِقَهُ بِبَعضِهِ غَداً
أَو بَعدَ غَد
أَو أَن أَنحَني وأَلتَقِطَ حَصَىً
عَنِ الأَرصِفَة
هَذهِ كامِلَةُ الاستِدارَة
وتِلكَ لَها عَينانِ مُجَوَّفَتان
كأَنَّها جُمجُمَة
أَو شَيئاً لا يُرجى مِنهُ نَفعاً
كمِفتاحٍ ضائعٍ يُطابِقُ بِأَسنانِه
نِصفَ وَجهِ شَخصٍ
أَعرِفُه.
/
هُوَ امرَأَةٌ ما أَحتاجُه
تَراني بِغَيرِ وَجهي
وتُناديني بغَيرِ اسمي
لا يُعيقُني في الطَّريقِ إلَيها
أَيَّةُ ذِكرى
أَنا الباحِثُ عن المَعنى
في حُجرَةٍ مُغلَقَة
أَدخُلُ وأَخرُجُ مِنها
لا مِن بابٍ
ولا مِن نافِذَة
الاكتِشافُ هُوَ
لَذَّتُها
في الظُّلمَةِ حينَ تَتَعرَّى
كَأَنَّهُ
الفَجرُ
الأَوَّل.
/
سَأَلتُهُ :
( لِماذا سُقتَني
إلى هَذِهِ التَّلَّةِ الجَرداء
يا أَبي
لِماذا عَصَبتَ عَينَيّ
لِماذا
أَوثَقتَني؟ )
أَجابَني :
( رَأَيتُ في حُلُمي
الرَّبَّ جائعاً ).
/
في ذَلِكَ الخَوف
سَمِعتُ صَوتَكِ
فنَصَبتُ أُذُنَيّ
إنَّهُ
يُشبِهُ
ما يَجِبُ
عَلَيهِ
أَن
يَكونَ
لَحمُ
الأُنثى..
ـــــــــــــــ 4-1-1995
- قَبلَكِ كانَ العالَمُ وَحيداً
ـــــــــــــــ
يَنامُ بِقَسوَة
يَحلُمُ بِقَسوَة
حَولَهُ لَم يَكُن سِوى
حَيواناتِهِ وشَياطينِه
ومَلائكَتِهِ الَّذينَ يَتَظاهَرونَ
بأَنَّهُم مَشغولونَ عَنهُ
واللَّه.
/
واللَّه
لا بُدَّ أَن يَكونَ
أَفضَلُ ما قامَ بِصُنعِهِ
هُو آخِرُ ما قامَ بِصُنعِهِ
مُتَلافياً أَخطاءَهُ الكَثيرَة
في المَوادِ وفي الخَلطَةِ
وفي القالَب
حينَ وَجَدَ العالَمَ وَحيداً
يَمشي ذَهاباً وإياباً
دُونَ مَقصَد
يَلُفُّ حَولَ نفسِهِ
بِلا نِهاية
لَيسَ لَدَيهِ ما يَقولُهُ لأَحَد
أَو لا يَقولُهُ لأَحَد
لأَنَّه لَيسَ لَدَيهِ أَحَد
وليسَ لَديهِ ما يَفعَلُهُ اليَوم
أَو يُؤَجِّلُهُ للغَد
كَي يَكونَ لَدَيهِ غَد
حينَ وَجدَهُ ناقِصاً
النَّقصُ الضَّئيل
الَّذي مَهما بَلَغَت ضَآلَتُه
يَبقى فارِغاً.
/
فهوَ يَعلَمُ
مَرَّةً خلَقَ مِسخاً
لأَنَّهُ لَم يَضَع في داخِلِهِ
قَلباً
ثُمَّ وضَعَ في داخِلِهِ قَلباً
لَكِنَّهُ لَم يَضَع في قَلبِهِ
شَهوَةً
فلَم يُطلِق صَرخَةً
ولَم يَفتَح
عَيناً
ولَم يَنتَصِب مِنهُ
عُضوٌ.
/
وتَعلَمينَ أَنِّي رَغمَ جُوعي
فَضَّلتُكِ عَن جَنَّتي
تارِكاً لَكِ
ثَلاثَةَ
أَرباعِ
تِفَّاحَتي..
ـــــــــــــــ 23-1-1995
- بَيتٌ مُضاءٌ لا يَسكُنُهُ أَحَد
ـــــــــــــــ
إذا راقَبتَهُ
مِن نافِذَةِ بَيتٍ قَريب
أَو مِنَ الرَّصيفِ المُقابِل
خَلفَ جِذعِ شَجَرَة
لَن تَرى رَجُلاً
يَخرُجُ أَو يَدخُلُ
أَو امرَأَةً تَقِفُ عَلى الشُّرفَة
لن تَلمَحَ رَأساً
يُطِلُّ مِنَ النَّافِذَة
أَو ظِلالاً
تُرسَمُ عَلى السَّتائر.
/
وإن بِدافِعِ الفُضول
عَبَرتَ المَسافَةَ الَّتي تَفصِلُ
بَينَهُ وبَينَ مَكمَنِك
فَسَوفَ تَجِدُ مِصباحاً صَغيراً
يُنيرُ غُرَّةَ بابِه
وهذا يَعني
أَنَّ في داخلِ البيتِ مَن سَوفَ
يَفتَحُ لكَ البابَ إذا قَرَعتَه
لَكِنَّهُ الصَّمتُ
هُوَ مَن يَستَقبِلُكَ
فاتِحاً لَكَ ذِراعيه
مُغلِقاً عَلَيكَ ذِراعَيه
مَثَلُهُ مَثَلُ غِيابِكَ
تَدريبٌ عَلى
المَوت.
/
وإن تَجَرَّأتَ
ودَفَعتَ دَفَّةَ البابِ قَليلاً قَليلاً
فسَيُبهِرُ عَينَيكَ
فَجأَةً
انفِلاتُ ضَوءٍ حادٍّ
مِنَ الشَّقِّ الَّذي صَنَعتَهُ بيَدِكَ
لأَنَّ أَحَداً
أَضاءَ غُرَفَ البَيتِ كُلَّها
وَالمَطبخَ والحَمَّام
والمَمَرَّ الضَّيقَ الطَّويل
الَّذي نُصِبَتَ عَلى حائطِهِ
بِمُواجَهَةِ المَدخَل
المِرآةُ الفِضِّيَّةُ الكَبيرة
الَّتي وَحدَها مَن رَآه
يَخرُج.
/
خَرَجَ
دُونَ أَن يُغلِقَ البَابَ خَلفَهُ
وكَأَنَّهُ كانَ يَخشى أَن
يَسمَعَ صَوتَ إغلاقِهُ
نائمٌ
أَو غافِل
خَرَجَ وكَأَنَّهُ سَيبتاعُ غَرَضاً ما
مِنَ الدُّكانِ المُجاور
أَو خَرَجَ مُسرِعاً
ولَيسَ لَدَيهِ دَقيقَةٌ مِنَ الوَقت
لِيُضَيِّعَها بَحثاً عَنِ المِفتاح
وَقَد تَنَبَّهَ
رَغمَ قَلَقِهِ واضطِرابِهِ
أَنَّه لَن يَحتاجَهُ أَبداً
لأَنَّهُ لَن يَعودَ إلى هذا البَيت
أَبداً
خَرَجَ دُونَ أَن يَقولَ كَلِمَة
أَو يَترُكَ عَلى الطَّاولة
وَرَقَةً صَغيرة
أَو حتَّى يُلقي خَلفَهُ
مُجَرَّدَ نَظرَة
خَرَجَ
وَكَأَنَّ أَحَداً يَنفُخُ لَهُ
بوقَ السَّيارَة
خَرَجَ وكَأَنَّهُ
امرَأَةٌ
تارِكَة.
/
هَكَذا
بَيتٌ مُضاء
وَلا يَسكُنُهُ
أَحَد..
ـــــــــــــــ 25-1-1995
- حِرامٌ مَرسومٌ عَلَيهِ نِمرٌ مُخَطَّط
ـــــــــــــــ
لَستُ مُجبَراً عَلى التِقاطِ
كُلِّ شَيءٍ يَقَع
في الغُرفَةِ المُحكَمَةِ الإغلاق
إذا تَكَلَّمتُ
يَدخُلُ شُعاعٌ مِنَ النُّور
مِن صَدعٍ في الجِدار
أَو ثُقبٍ في النَّافِذَة
ويُضيءُ فَمي.
/
إذا وَقَفتُ مُديراً للعَالَمِينَ
ظَهري
تَأتي امرَأَةٌ
وتَضَعُ رَأسَها عَلى كَتِفي
مُسدِلةً شَعرَها الأَخضَرَ الطَّويل
خَلفي.
/
حينَ سَمِعتِني أَتباهى :
( لا أُريدُ أَن أَكونَ
أَفضَلَ مِن أَحَد )
كُنتُ أُصدِّقُ أَنِّي
كَما تَقولين
أَفضَلُ الجَميع
لأَنَّهُ أَينَما جلَستُ
عَلى يَمينِكِ أَو يَسارِكِ
يَتَّجِهُ الدُّخانُ نَحوي
يَحسَبُني
نافِذَة.
/
هبَطَ جِبريلُ لِيُلَقِّنَني
آخِرَ
ما أَنزَلَ
اللَّهُ
عَلَيَّ
مِن آيات
بَعدَ آيَتَينِ أَو ثَلاث
وجَدَني نائماً
لأَنَّ أَروعَ ما يَحدُثُ لِي
هُو
...
في حُلُمي رَأَيتُكِ عاريَة
ومُلقاةً عَلى ظَهرِكِ
فَوقَ سَريرٍ حَجَري
يُشبِهُ المَذبَح
وأَنا أُغَطِّيكِ
كَحِرامٍ مَرسومٍ عَليهِ
نِمرٌ مُخَطَّط.
/
كُلَّما بَحَثتُ عَن شَيءٍ
لأُعطيهِ لَكِ
عَلَيَّ أَن أُعيدَ
تَرتيبَ
العالَم..
ـــــــــــــــ 1-2-1995
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت الحلقة ( 2 من 8 ) يتبعها ( 3 من 8 )
#منذر_مصري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟