جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3357 - 2011 / 5 / 6 - 12:20
المحور:
كتابات ساخرة
بعض القراء يعتقدون أن كل كتاباتي رمزية و(فانتازيا) أي يوتوبيا خيالية, وهذا لا ينطبق على هذا المقال فهذا المقال حصل فعلا عشية الأمس وليس به لا زيادة ولا نقصان .
ذهبتُ مساء اليوم إلى صالون حلاقة رجال لأحلق شعر رأسي, وصاحب الصالون شاب يكبرني بثلاثة أعوام وكنتُ وما زلتُ صديقه أو من أهم أصدقائه الذين انقطعت علاقته بهم من عشرة سنين بسبب عوامل المعيشة وتباعد الجغرافيا بيننا في بعض الأوقات, ولكن يُقربني منه شعر رأسي حين يطول, فحين يطول شعر رأسي آتي إلى صالونه للحلاقة ومع الحلاقة وصوت المقص نستعيد أجمل الذكريات الحلوة ولعب الورق(الشدة) وخصوصا (التركس) وفن لعب الشطرنج, فقد كنت أنا وهو من أهم أبطال لعبة الشطرنج في حارتنا, وكثيرون من اللاعبين المحترفين يعترفون أنهم تعلموا بي فن لعبة الشطرنج, فأي شخص كان يتمكن من أن يغلبني كان يعتبر بحق بطلا من أبطال الشطرنج لا تقل شهرته عن شهرة خطة نابليون نفسها وكان اللاعبون لا يعتبرون أي لاعب مميزا إلا إذا غلبني بل وبعض الشباب كانوا ينتقلون من حارة إلى حارة أخرى للعب مع شخص فاز على جهاد مرة أو مرتين وكان يعتبرُ الفوز عليّ عملا بطوليا يستحق صاحبه أن يتوج ملكا على لعبة الشطرنج, يعني أن هنالك الكثيرين ممن تعلموا بي لعبة الشطرنج وبعض الألاعيب الخبيثة مثل كيف تسقط رئيس بلدية في الانتخابات أو عضو مجلس بلدي, كيف أيضا تراقب شخصا دون أن يشعر بأنك تلاحقه أو تراقبه, فحتى الأجهزة الأمنية في الأردن كانوا يتدربون عليّ في فنون عملهم ذلك لمعرفة الجميع بأن لجهاد العلاونه حس أمني كبير , وحقيقة ودون مجاملة أنا شخص يتمتع بحس أمني ليس له مثيل وأستطيع أن أتحسس تواجد رجل الأمن عن بعد 100متر مني وأستطيع كشف أقوى شبكة للرقابة لذلك يتعلم عليّ كبار المراقبين الأمنيين.
ودعوني أن أنسى الأمن واللحس الأمني والحس الوطني لأعود بكم إلى صالون الحلاقة والتزيين والمهم في الموضوع أنني كنتُ سنة 1990م أقدم لصاحب الصالون نفسي بالمجان لكي يتعلم عليّ حلاقة شعر الرأس , وأنا أول أو من أول الذين اقترحوا عليه بأن يتعلم مهنة الحلاقة للحصول على مهنة محترمة , فكان يقول لي: بدي ناس أتدرب عليهم, فكنتُ أقدم له نفسي وأنا أقول(فداك شعر راسي) وذلك من البداية لكي يتعلم بي فن الحلاقة, وكنتُ أحضر له أولاد عمي وهم أطفال صغار ليتدرب علي رؤوسهم فنون الحلاقة كما يتدرب العسكري على فنون القتال في ميادين التدريب والرماية, وبعد ذلك صديقي وقريبي تقدم للحصول على شهادة خبرة تؤهله لأن يفتح صالوناً لحلاقة الرجال, وكنت سنة 1990م أذهب معه إلى مركز تدريب على الحلاقة وطبعا كنتُ أذهبُ معه ليتعلم بي فن الحلاقة أمام الفنيين أو المُدربين, ومن كثرة ما حلق لي تعلم الحلاقة وفنها على أكمل وجه, وأنا بحق كنتُ أُعتبرُ بالنسبة له حقل تجارب ناجح 100%.
وليس صديقي الحلاق هو الشخص الوحيد الذي تعلم بي فن المهنة, فهنالك أيضا أكبر خياط في قريتنا تعلم ببنطلوني الأخضر اللون فن الخياطة وقال لي مرة: كنتُ سأترك مهنة الخياطة لو أنني فشلت في خياطة بنطلونك, فقلت له: وأنت لأنك كنت غشيم تسببت لي بإتلاف قطعة قماش أصلية من الصناعة التركية سنة1989, فوافقني وهز ورأسه بالموافقة, وكذلك الذي قام بتفصيل أبواب لبيتي اعترف أمام الناس أنه تعلم هذه المهنة في أبواب الخشب الداخلية لمنزلي والتي خربها جميعا, فكثيرون هم الذين تعلموا بي فنون كسبهم للقمة خبزهم , لذلك أنا لي الفضل وكل الفضل على هؤلاء الأشخاص الذين تعلموا بي فن المهنة, فهنالك من تعلم بي فن النصب والاحتيال, فأكبر نصاب في قريتنا كنتُ أنا بالنسبة له أول ضحية يقوم بالنصب وبالاحتيال عليها وبعد ذلك مارس فنون النصب والاحتيال على كثيرين من أهل قريتنا الذين يتمتعون بقلوب طيبة, وهو لا يخجل بأن يقول أنني كنتُ أول رجل يحتال عليه بمبلغ 1000دينار أردني, وهو ما زال يقول أمام الناس : لو كانت عملية النصب على جهاد قد فشلت لتركت النصب والاحتيال من بداية حياتي ولكن نجاح العملية على جهاد شجعني جدا على أن أستمر بهذه المهنة, وهو أحيانا يداعبني ويقول لي: أنا أشكرك جدا يا أبو علي, أنا عاجز عن الشكر, لأنك بحق علمتني كيف أنصب وأحتال على الناس,فأقول له (روح احمد اليسار) طبعا هو اليوم لا يستطيع أن يعيد عملية النصب والاحتيال على شخصي الطيب لأنني قد تعلمت من جيبتي الخاصة, ولم يعد قلبي طيبا لدرجة أن أكونَ أضحوكة.
وإذا ما عدنا إلى الحلاق صاحبنا ستجدونني الآن جالساً على كرسي فرار إلى جوار الكرسي الرسمي للحلاقة وهذا الكرسي للمتدربين الذين يتدربون عند صاحب الصالون على الحلاقة, فأنا الآن أجلس على الكرسي ورأسي متدلي يحركه بأصابع يديه يمينا ويسارا ومستعد للاختبار وللتجربة وعلى عنقي فوطة للحلاقة يشدها المتدرب بقوة تكاد أن تخنقني أو أن تخرج روحي من عنقي بسببها فقلت له وصوتي يختنق:
- أنت متدرب جديد؟.
- صح, كيف عرفت يا أبو علي؟.
-يا زلمه ما هو واضح جدا من طريقة ربطك للفوطة حول عنقي, خففها إشويه شو هو كاين أنا بدي أفل من هون؟أي يلعن..د...ك.
فصار يضحك(أبو علوان) صديقي صاحب الصالون, فقلت له:
-يعني بصراحة انتوا شعب وحكومة ما بدهاش تتركني في حالي, يعني أي واحد بده يتعلم بتجيبوني على شان يتعلم بي, حتى الوزراء تعلموا بي فن الكذب,دائما أنا الضحية ودائما أنا حقل التجارب وجسمي ترهل من كثرة التجارب الناجحة والفاشلة ومنظري لم يعد يوحي بذلك الإنسان الأنيق, من شان ألله اتشوفوا ناس غيري تتدربوا عليهم, أنا خلص أكبرت وشعر رأسي صار فيه كثير من اللون الأبيض, يعني اللي من جيلي ودوري الآن إما وزراء وسفراء وإما أمناء أحزاب وأنا ما زلتُ ذلك الحصان الذي يجري عليه الخبراء تجاربهم, مش عيب عليكوا بعدكوا بتتدربوا عليّ أي (استحوا على شيبتي...يلعن ..د...كوا) , يا ناس..يا عالم..يا هو..من سنة1990م إلى اليوم وأنتم تتعلمون بي وياما ..ياما..ياما ياما..حلاقين متدربين فتحوا في رأسي شوارع ومطبات وكاد أحد المتدربين على الحلاقة يوما من أن يقص أذني, أي ما فيش حلاق تدرب عندك إلا وتعلم بي (يا أبو علوان) فن الحلاقة, يعني مثل ما بقول المثل(تعلموا البيطره في حمير النور) يا رجل حلقت عندك في هذا الصالون سنة1990م وكان شعر رأسي أسود أسوَد وكثيف الشعر, واليوم أصبح ربع شعر رأسي أبيض أبيض وما زلتم تتعلمون بي فن الحلاقة وفن النصب والاحتيال, وامتلأتُ من الجروح بما يكفيني والمشكلة أنكم تجرحوني ولا تداوني.
فضحك صاحب الصالون وضحكت معه ضحكة طويلة وبصوت عالي جدا سمعها كل من في السوق وجاء على صوت الضحكة صاحب محل لبيع المعلبات الفاسدة, فقال شو في؟ فقلت له: وأنت كمان أسألك بالله يا رجل أكم مره تعلمت بمعدتي بيع اللحوم الفاسدة, فضحك وقال: كلهن 5 مرات يا أبو علي وجسمك والحمدُ لله قوي وما زال يحتمل فقلت له: حرام عليكوا معدتي صارت توجعني الآن من أي شيء أأكله حتى الماء النقي صار يؤلم معدتي من كثرة تجاربكم على جسمي, منشان ألله اتشوفولكوا شعب آخر غير الشعب الأردني تتعلموا به بيع السمك الفاسد, فقال لي: بالنسبة للسمك عندي سمك رخيص ستنتهي صلاحيته بعد يومين شو رأيك أبيعك 5 كيلو بنصف السعر الحقيقي, فصرخت وقلت : لالالا الآن أولادي سيتضررون جراء تلك السياسة , فقال لي الحلاق المتدرب: إذا ابنك علي بده يحلق رأسه جيبه خليني أحلقله, فضحكت وأنا أنظر إليه وأقول: حتى أولادي والجيل القادم تريدون أن تتعلموا به, لالا الجيل القادم أوعى مني ولن يقبل بأن يكون الحصان الذي تجرون عليه تجاربكم, وبدء صاحب الصالون حديثا شيقا وممتعا عن أيام زمان حين كنتُ أنا وهو نذهب إلى صالون تعليم حلاقة في محافظة إربد, وذكرني بحوادث كثيرة وهو يقول للمتدرب عنده( ضبط أبو علي ضبطه, غالي علينا أبو علي وبالنسبة لأبن أبو علي مش رايحين نؤذيه زي أبوه سنتدرب عليه دون أن نتسبب له بأي أذية), نعم, ذكرني بصالونه كيف من البداية كنا قد حولناه إلى نادي للشطرنج... ومن ثم يعيد توجيه الكلام لي كيف كنت أجلس ليحلق لي شعر رأسي ليتدرب عليه وكيف كنت مصدرا لجمع الزبائن الذين كانوا يتوافدون على الصالون ليتعلموا بي ومني فن الشطرنج...إلخ, فقلت للمتدرب والحكي للجميع:
-أبو علي, وهو أنا, تاريخ طويل من نضال وكفاح الشعوب العربية, وأخص بالذكر الشعب الأردني واللحوم والمعلبات الفاسدة التي طفحناها غصبا عنا, لم يتعلم بي هذا الحلاق وأنت فقط لا غير , بل حتى الوافدين تعلموا بي, فالمصريون تعلموا في منزلي فن القصارة والملاط, والسوريون تعلموا بمنزلي فن طلاء الجدران , والفلسطينيين تعلموا بي السبعه وذمتها,,حتى الكوريين تعلموا بي والصينيين تعلموا بي ,بل كثيرون هم الذين تعلموا بي فنونهم, فسنة1983, أجرى لي طبيب عيون عملية جراحية في عيني اليسار, وبسبب العملية فقدت البصر في عيني اليسار بشكل كامل وخرجت يومها من المستشفى بعد العملية الجراحية بقوة نظر 6/60في عيني اليسار وهذا معناه أن العملية فشلت تماما, ولكن بعد عمليتي نجح الطبيب في إجراء عمليات جراحية للعيون لأنه تعلم بي حين ارتكب خطئا فادحا لا أدري أنا ما هو ذلك الخطأ الطبي الجسيم ولكن بسببه فقدت 98% من قوة إبصاري, أبو علي يا ابني مثل ما حكيتلك سينديانه طالعه فوق الريح, جبل صخري وأمواج من البحر تضرب به ليل نهار, أبو علي مجموعة مآسي للمتعلمين الذين تعلموا به فن الكسب المشروع وفن الكسب الحرام, أبو علي عِبارة عن عَبّارة وجسر مر من فوقه الكثيرون إلى العوالم الأخرى وإلى عوامل الشهرة,فأشهر المهنيين في قريتنا تعلموا أول ما تعلموا عندي وعلى يدي, وأشهر المعمرجية في بلدتي تدربوا على يدي وتعلموا على أدواتي وأصبحوا من أكبر الأثرياء وأنا كل عام أرجع100خطوة للوراء, وجميعهم صاروا فوق بالعلالي وأبو علي ما زالت أقدامه على الأرض, أبو علي حصان تجارب حدث عنه ولا حرج فتستطيع أنت وأقربائك أن تتعلموا به فنون القتال والمصارعة والرجم بالحجارة والشيوخ في بلدتنا تعلموا بي فنون التكفير, وتستطيعون أن تتعلموا بجهاد ظلم الناس وإحباطهم جميعا, وأجرى عليّ ذات يوم طالب علم اجتماع دراسة ميدانية عن المثقفين كنت أنا أهم حصان فيها ونال ذلك الطالب شهادة الدكتوراه في تخصص(تعليم المقهورين), مش بس أنت يا عمي اللي تعلم بي فن الحلاقة, فمعظم الحلاقين الذين تربوا هنا كانوا قد تدربوا وتعلموا على شعر رأسي, حتى أن القهر قد تعلم بي شدة الألم, والليل تعلم بي فن السهر, ولن أنسى أولئك الذين تعلموا بي فنون كذبهم ودجلهم على لساني, وأخص بالذكر أولئك الذين تعلموا بي فن تجويع المثقفين وفن قهر المبدعين وفن ملاحقة الشرفاء وفن الإشاعات الكاذبة, ولن يفوتني في هذه العجالة القصيرة أن أذكر أولئك الذين تعلموا بي فن إذلال الشعب الأردني وتركيعه, وفن سرقة الشعب, وفجأة وأنا أتكلم أحسستُ بأنني خرجتُ عن صلب الموضوع وتحول الموضوع من موضوع طالب متدرب على الحلاقة إلى خطاب سياسي جماهيري ولقد تأكدت من ذلك حين صفق لي الجميع وأنا أتحدث.
كل هذا والمتدرب ما زال في لمساته الأخيرة يمسح على رقبتي بالشفرة وقد جرحني وسال بعض دمي, فقلت له: لا اتخافش..اجرح...اجرحني..اجرحني وداويني, ولا تجرحني كبعض الذين تعلموا بي فنون العشق والتجريح دون أن يشفوني من جراحي, كثيرون هم الذين جرحوني ولم يداوني.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟