أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي سلمان - في حضرة الفن البدائي















المزيد.....

في حضرة الفن البدائي


غازي سلمان

الحوار المتمدن-العدد: 3357 - 2011 / 5 / 6 - 01:03
المحور: الادب والفن
    


في حضرة الفن البدائي

غازي سلمان
وصل الفن البدائي الينا بفضل البحوث والاكتشافات:

(جاءت هذه الاكتشافات كأنها شعائر وطقوس اظهرت بقايا البشرية الأولى
رفات وعظام، أدوات وأسلحة
قش واخشاب مغطسة
وصلتنا ممزوجة كجذور في خميرة الرطوبة الارضية
طاقة بشرية عنيفة وطاقة كونية قديمة
في بطن الأرض
الأرض تلك المادة التي تبتلع الموت لتغذي الحياة
فيها الاشياء الحية تذوب والأشياء الميتة تنتجع في احشائها طبقات كرفوف رصفت عليها بقايا شاركت
في تهيئتها يد البشر والعناصر الطبيعية على السواء
فبدت وكانها حدائق متجمدة في الزمان والمكان...) 1

يرتبط تاريخ الفن بتاريخ الانسان، وتاريخ الفن هو بوابة معرفة الانسان نفسه، معرفة فنية وواقعية. فالفن قد لازم مصير الانسانية التي عبّرت من خلاله عن طموحاتها وآمالها، وسجلت به تجارب نجاحاتها واخفاقاتها ومخاوفها، انه بالتالي سجل لبدايات الحضارات وتطورها وشاهد على امجادها وافولها...
في البدء، كانت - اللغة، الصوت - حين كانت لاتقوى على وصف حيوان، فشل الفرد البائي في صيده (مثلا) وبفعل ضغط الحاح الحاجة للتعبير لوصف ذاك الحيوان ونكوص كل ما توفر لدية من (اصوات واشارات)، تناول عظمة او حجرا وخط قوسا على الجدار وخطوطا اخرى، وبنشوة وحماسة عارمة، تجسد ت صورة الحيوان! ذهل الآخرون، منبهرين بسذاجة وبراءة، فيما وقف (فناننا) الاول منتشيا ومزهوا....!!
ولد الفن إذن!

حينما كانت مفردات اللغة عاجزة عن ايصال الفكرة والوصف، لفد كان لها دور ضئيل في خلق التفاهم بين المجموعة البشرية، لم يكن لها صفة المعنى بقدر ماكان لها طابع الاشارة الايقاعية - صوتية -
ولد الفن...
وسيلة للتعبير والتفاهم بين البشر، وبينهم وبين الحيوانات والنباتات وكل موجودات محيطهم.
وسيلة جمعت كل ما هو يدوي وروحي وفكري، أصبحت فيما بعد في متناول الجميع..
ان ممارسة - العمل - القيام بعمل ما، بغية تحقيق الغاية - هو اول خطوة على سلم انفصال الانسان عن عالم الحيوان، مثل جمع الثمار والصيد، مثلا، فالانسان الاول كان كائنا غير منتج لشيء بعد بل يكتفي باستعمال ما هو متوفر وجاهز في محيطه، وإذ صار يدّخر مؤونته، لأيام ولربما لفصول بابتكاره طرقا معينة لحفظها، فقد اصبح لا يتصرف بدافع الحاجة الملحة للجوع. تعتبر مرحلة الانفصال تلك مرحلة تاريخية عظيمة في مسيرة تطور الوعي البشري. فعندما استطاع ان يخط اول الخطوط والرسوم على جدران كهفه بات يعرف سلفا، السبب من وراء ذلك ويكتشف الغاية منه، وقد أنجز عمله وفق تصور مسبق، وليبتدئ بذلك مرحلة انتاج الافكار:
(عند هذه الدرجة من الانتاج الاجتماعي ظهرت حقيقة شاملة، راحت - المادية الميتافيزيقية - تتعثر في فهمها واستيعابها فيما بعد، فالوعي، أو نموذج الشيء ليس مجرد ازدواجبة لاحسية، ليس مجرد انعكاس للعالم المحيط،هو انتاج روحي، انه ابداع، اضافة الى الوجود، فالانسان يبدأ حين يضيف الى الوجود)2.
وهكذا، فأول الخطوط التصويرية انما هي عملية اضافة، فنية، للواقع المعيش من خلال اعادة خلق الحيوان او اي موجود في الواقع مسبغا عليه الافكار والمواقف والرؤى وليكشف للآخرين من اقرانه حقائق غبر ظاهرة لديهم.. فالفن هو الحالة الابداعية الاولى للعقل البشري، لقد اخضع الانسان البدائي كل ماهو غرائزي، لما هو عقلي بوساطة حواسه، التي هي الادوات الرئيسية في اكتشافه لمحيطه من اجل طمأنة نفسه ومحاولة إخضاع الطبيعة للعملية الذهنية لتفسيرها وفق تصوراته التي استمدها اساسا من معايشته اليومية لها..
تلك المعايشة التي حتمت عليه محاكاتها(الطبيعة)، فاللغة والرسم ولدا من رحم المحاكاة، صوتا واشارات وكتلا من خطوط تعبيرية.. كانت اغلب التمثيلات بالنسبة للرسوم هي الحيوانات التي تعرّفها ، في محيطه بما فيها التي لم يكن يصطادها، وان وجدت تمثيلات بشرية فانها مقترنة برسوم الحيوانات ايضا.
ان تغليب الحيوانات في رسوم الانسان الاول ناتج عن رغبة داخلية لديه في السيطرة عليها، اخضاعها لارادته، لان ذلك يشعره بالقوة ازائها ويدفعه الى الاقدام على الصيد دون الشعور بالخوف. ولمعرفة مواطن القوة والضعف لديها وكذلك تحديد ادوات صيده لها، وبذا ستغدو رسومه اداة ً معرفية لأجياله، فقد وجدت اثار غرزات سهام حقيقية على رسوم وجهت السهام اليها بعد رسمها..ان رسوم الجدران الاولى اعتمدت الاسلوب التخطيطي - مجردة من التفاصيل، دون تجسيم، بالرغم من استخدام الانسان الالوان في رسوم كثيرة مثل الاحمر والبني والاسود المستخرجة من التربة والنباتات، هذا الاسلوب أخذ بالتطور في مراحل زمنية متقدمة، حيث ادخل الانسان اساليبا تصويرية اكثر غنى باستخدامه التظليل والحفر والنقش البارز.لاضفاء طابع التجسيم واغناء الكتلة المصورة بادخال التفاصيل الدقيقة وبمهارة فنية راقية، ومدهشة حقا..
ومثلما تترك الحيوانات اثار اقدامها على الارض، راح الانسان البدائي يحاكيها في ان يترك آثار اصابعه على الطين اللين أو آثار كفيه على الجدران بعد غمسها بالالوان...
ان طبيعة الحياة البدائية، قسوة ظواهرها الطبيعية التي كان الانسان يجهل اسباب حدوث وظهور الكثير منها وكذلك جهله بنتائجها لربما المخيفة. وإضطراره المتواصل من اجل تأمين ومتطلبات بقائه حيا وكذلك اصراره على اخضاع الطبيعة لارادته، مدفوعا بغريزة حب البقاء والتكاثر، كل ذاك يجعل تفكيره منصباً على كل ما يمكن ان يساعده على استمراره حيا وقويا، فكان ان اتخذ الفن كحاجة نفعية بحتة، بالرغم من احساسه بالنشوة والزهو لرؤية موضوعه - مصورا - اضافة الى انه لم يوظف الرسم كدافع لتجسيد المقدس والاله، بعد، لان ذلك احتاج الى فترات زمنية ومراحل اخرى غذتها تطورات ونمو وعي الانسان وتعدد حاجاته الانسانية المرتبطة بوجوده وبعلاقته بأقرانه وبما يحيط به من موجودات وظواهر الطبيعة التي تعرف الى الكثير من مواقيت وأسباب حدوثها في حين يبقّى الكثير منها مغلفا ازاء دائرة وعيه ومعارفه، لكن الفن بملازمته للانسان كان يمهد بل يساهم بدرجة او باخرى في استخدام التمائم والايحاء بالمقدس ماديا كان غير مادي عبر تجسيده في صور ونقوش وتماثيل فيما بعد، علاوة على استيلاد الكتابة الصورية ومن ثم الحرف المجرد من فن التصوير مما ادى الى تدوين ماامكن تدوينه من اساطير نشأة الالهة...
كل ذاك، كان البداية العظيمة لكل توسعات الانسان واعظم اكتشافاته،
اكتشافه لوسيلة تعقلن عالمه ومحيطه...
---------------------------------------------------------------------------------------
1 . سعدية بيرو فنانة تشكيلية مغربية تقيم في الصويرة المغرب. http://www.minculture.gov
2 . غيورغي غاتسف/ الوعي والفن ص 28/ عالم المعرفة 1990.)...



#غازي_سلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعوب العربية وتحقيق الذات المستقلة
- قصيدة
- لبيا ضنا رؤى


المزيد.....




- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غازي سلمان - في حضرة الفن البدائي