|
نقد موضوع الإقتصاد السياسى عند محمد دويدار
محمد عادل زكى
الحوار المتمدن-العدد: 3356 - 2011 / 5 / 5 - 15:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
فى عباراتٍ شديدة الوضوح والتعبير، عن أزمة الماهية التى يُعانيها الإقتصاد السياسى"عند البعض" كعِلم إجتماعى، كََتبت روزا لوكسمبورج:" الإقتصاد السياسى عِلم فريد مُلفت للنظر، تبدأ الخلافات والصعوبات معه منذ الخطوة الأولى، أى منذ أن يُطرح هذا السؤال البديهى: ما هو، بالضبط، غرض هذا العِلم؟ إن العامل البسيط، الذى ليست لديه سوى فكرة مبهمة عن العِلم الذي يلقنه الإقتصاد السياسى، يعزى عدم يقينه إلى النقص الحاصل فى ثقافته الخاصة. غير أنه يُُشاطر، بمعنى مِن المعانى، سوء حظه كثيراًً مِن العلماء والمثقفين الذين يكتبون مجلدات ضخمة، ويلقون فى الجامعات عشرات المحاضرات أمام الشبان، حول الإقتصاد السياسى. إذ مِن واقع الأمر أن معظم أخصائيى الإقتصاد السياسى، ومهما بدا هذا أمراًً غير قابل للتصديق، ليست لديهم سوى فكرة مشوشة للغاية عن الغرض الحقيقى للإقتصاد السياسى" أظن أن روزا تدعونا هنا إلى إجراء التعرف على مفهوم العِِِلم؛ حتى يُُمكن أن نُُُكون، مِن ثم، الوعى بعِِلم الإقتصاد السياسى. وهو العِلم الذى نستعين بأدواته الفكرية ونحن فى طريقنا الباحث عن إشكالياتنا النظرية التى ننشغل بها عبر صفحات الكتاب. فما هو العِلم؟ عِلم الإقتصاد السياسى. هكذا يتردد؛ إذاًً نحن ظاهرياًًً، على أقل تقدير، أمام جسم نظرى يُدعى عِلم، فهل هو عِلم حقاًً؟ ولعل السؤال من باب أولى يكون عن ما هو العِلم؟ إنطلاقاًً مِن رفض التعريفات، والإعتماد على التحديدات يُمكننا القول بأن العِلم هو طريقة تفكير لتفسير ظاهرة مُعينة تُميز نفسها بمنهج وموضوع خاص، ومِن ثم الكشف عن القوانين الموضوعية الحاكمة للظاهرة. ولا يُمكن على الإطلاق الحديث عن وجود عِلم دون وجود الظاهرة؛ فالظاهرة هى السبب الرئيسى وربما الوحيد الذى يُؤدى إلى ظهور الطريقة التى مِن خلالها يسعى الذهن مِن أجل تفسيرها، أى الظاهرة، والكشف عن قوانينها الموضوعية؛ فيمكن القول بأن عِلم الفلك، على سبيل المثال، مِن أسبق العلوم ظهورأً؛ إذ نشأ كى يُفسر ويُقيّم القوانين والشروط الموضوعية للعديد مِن الظواهر(المتكررة) التى أرقت الذِهن البشرى منذ بداياته الأولى، مِن رعد وكسوف وخسوف وأمطار إلى آخر تلك المظاهر الطبيعية (المتكررة) التى إستلزمت تبلور طريقة تفكير معينة شكلاًًً وموضوعاًً تنهض بتفسير الظاهرة وتُحدد لها الشروط والقوانين الموضوعية. أُُحدد هنا العِلم ولا أعرفه، أحدده بتحديد إنعكاسه المباشر وهو التفكير العِلمى. وذلك تجاوزاًً لكون العِلم هو: مجموعة القوانين والشروط الموضوعية المستنبطة والتى تفسر ظاهرة معينة. فطالما كان تحديد العِلم مِن خلال ما يَكشف عنه أكثر إيجابية فمِن الأوفق الركون إلى تحديده فى حالته الديناميكية، ومِن ثم القول بأن العِلم هو طريقة التفكير، تعبيراًً عن العِلم والتفكير العِلمى معا، لعدم إمكانية فصل الموضوع عن المنهج إلا كحيلة منهجية لإعتبارات التبسيط ودَرس كل منهما على إستقلال. ولكن، ومنعاًً للإرتباك حينما نَنتقل إلى التعامل مع عِلمنا، فسنَعمد إلى تفصيل التحديد بشكله التقليدى، على النحو التالى، تاركين، مؤقتاًً، ما نفضله مِن تحديدات. أولاًً: العِلم، وبالطبع نقصد هنا العِلم الإجتماعى: فهو مجموعة القوانين الحاكمة لظاهرة إجتماعية ما، والوصول إليها بالبحث فى، وعن، شروطها الموضوعية. ثانياًً: أما التفكير العِلمى: فهو الطريقة التى يتبعها الذهن مِن أجل البحث والكشف عن أو/و فى تلك القوانين الحاكمة للظاهرة، بحثاًً فى، وعن، الشروط الموضوعية التى تَحكُم الظاهرة. ثالثاًً: لا يوجد، ولن يوجد عِلم، بدون "ظاهرة واضحة وجوهرية ومتكررة"، فالذى يُنشىء العِلم هو الظاهرة المتكررة وليس العكس، فالذى يُنشىء عِلم الإقتصَاد السياسى للنقود هو هيمنة النقود فى التعامل اليومى بين البشر، والذى يُنشىء الإقتصاد السياسى للمصارف والمؤسسات المالية، هو ظهور المصارف والمؤسسات المالية، وليس العكس، كما وأن أنشأ الخسوف والكسوف والرعد والبرق(كظواهر طبيعية متكررة تحتاج إلى تفسير) عِلم الفلك، وعلوماًًً أخرى، وليس عِلم الفلك أو عِلم الجغرافيا مثلاًً، هما مَن قاما بإنشاء الرعد أو البرق، أو السهول والأودية وممرات السيول. وهكذا، فحينما يتحول الإنتاج مِن الإنتاج بغية الإشباع المباشر، ويُصبح بقصد التداول. بقصد البيع. بقصد الربح، كظاهرة منتظمة ومتكررة الحدوث، فيتعين حينئذ ظهور مجموعة مِن القوانين الموضوعية التى تَحكُم ظاهرة الإنتاج السلعى تلك، ومن ثم إقتصاد المبادلة النقدية المعممة. فهل الإقتصاد السياسى علم؟ فى كتابِِهِ القيّم والأصيل" مبادىء الإقتصاد السياسى"قام أستاذنا الدكتور/محمد دويدار، بالتصدى لهذا السؤال، وطرَح السؤال التالى: هل الإقتصاد السياسى عِلم؟ وإنطلق بخطواته المنهجية الواثقة المعهودة نحو الإجابة، وبعد أن حدد معنى العِلم(أبستمولجياًًً، أى معرفياًً) وصولاًً إلى تحديد موضوع الإقتصاد السياسى المنشَغِل، من وجهة نظره، بدراسة العملية الإنتاجية بين الإنسان والطبيعة مِن جهة، وبين الإنسان والإنسان مِن جهةٍ أخرى؛ فقد ذهب إلى أن الإقتصاد السياسى يَكُُون عِلماًً إذ ماتجمعت له العناصر المكونة للعِلم مِن جهة: (الموضوع) و(المنهج) و(الحد الأدنى مِن المعرفة اليقينية) تلك العناصر يتعين أن تكون حين توافرها موضع إختبار للتيقن مِن صحتها على أرض الواقع؛ فما هو، نصيب الإقتصاد السياسى مِن تلك العناصر؟ فبشأن الموضوع؛ وبعد أن قرر صراحة بأنه عِلم طرق الإنتاج فأستاذنا الدكتور/محمد دويدار، يرى، وتلك وجهة نظر، أن للإقتصاد السياسى موضوع مُحدد يتعلق بالعلاقات الإجتماعية التى تأخذ مكاناًً بوساطة الأشياء المادية والخدمات، وهو ما يُميزها عن غيرها مِن العلاقات الإجتماعية كالعلاقات فى داخل الأسرة والعلاقات السياسية، وغيرها. كما أن الظواهر الإقتصادية التى يتعلق بها موضوع الإقتصاد السياسى، تحكمها قوانين موضوعية تُُمثل خصيصة حقيقية لهذه الظواهر، يزيد على ذلك أن هذه القوانين مُستقلة عن إرادة الإنسان بمعنى آخر، هذه القوانين تَحكم الظواهر الإقتصادية دون إعتداد بإرادة الأفراد ولا بوعيهم أو عدم وعيهم بهذه القوانين؛ وذلك لسببين: أولهما: إن الظروف الإجتماعية التى تُباشِر فيها جماعة معينة نشاطها الإقتصادى، ظروف محددة تاريخياًً؛ فكُُُل جيل يتلقى مِن الأجيال السابقة تراثاًً، بالمعنى العام، ومِن العلاقات الإقتصادية، ومِن قوى الإنتاج، ومِن المعرفة العِلمية والفنية المتراكمة عبر الأجيال، كُُل ذلك يُمثل بالنسبة لهذا الجيل نقطة البدء فى عملية الإنتاج، يُضاف إلى ذلك أن عملية الإنتاج هى فى ذات الوقت عملية للإنتاج ولتجدد الإنتاج، بمعنى أن الإنتاج فى خلال فترة معينة، ولتكن السنة الحالية، يُحقق فى نفس الوقت شروط الإنتاج فى الفترة التالية، ولتكن السنة التالية، وهو ما يَعنى أن الإنتاج فى خلال فترة ما يَعتمد على تحقق شروطه فى الفترة السابقة. وثانيهما: إن النتيجة الإجتماعية للنشاط الاقتصادى هى مُحصلة لتفاعل الجديد مِن النشاطات الفردية المتشابكة، الأمر الذى يُعطى لهذه النتيجة الإجتماعية تفرداًً عن كُُل عمل من الأعمال الفردية التى ساهمت فى تحقيقها فيما لو أُُخذ هذا العمل على حده، فعلى الرغم مِن أن كل مَن قام بجزء مِن النشاط قد ساهم فى تحقيق النتيجة الكُُلية، إلا أن هذه الأخيرة تبرز كنتاج لتفاعل النشاطات المختلفة للأفراد والمجموعات الإجتماعية، وهو ما يُعطى هذه النتيجة إستقلالاًً معيناًً عن إرادة الأفراد الذين يُمارسون النشاط الإقتصادى فى المجتمع. بإعتباره:"العِلم المنشغل بدراسة النظرية الكمية والنظرية الموضوعية فى القيمة، والتناقُُضات الكامنة فيها، والتى تَتَطور على أساسِها، أى التناقُُُُضات، الظاهرةُُ الإجتماعية مَحل البحث"، موضوع الإقتصاد السياسى، لدينا، هو عِِلم نمط الإنتاج الرأسمالى، وإنما إبتداءًً من هو القيمة، فى تطورها الجدلى، وإننى أعتنق هذا التحديد لموضوع الإقتصاد السياسى، كعِلم إجتماعى مُنشغل، فى المقام الأول، بالقيمة وتطورها الديالكتيكى، ومن ثم أعيد النظر فى"الموضوع"كما يقدمه أستاذنا الدكتور دويدار، بالتأسيس على الحجج الأتية: (1) موضوع العِلم كما هو مُقدم عاليه، من قبل أستاذنا، إنما يَخلط بين (ما هو نمط إنتاج) وبين (ما هو تاريخ) إذ يخلط ما بين الإقتصاد السياسى كعِلم نمط الإنتاج الرأسمالى، وعِلم نمط الإنتاج الرأسمالى فقط، وبين التطور التاريخى لأنماط وعلاقات الإنتاج السابقة على الرأسمالية. (2) إن القول بأن موضوع عِلم الإقتصاد السياسى إنما ينشغل بالعلاقات الإجتماعية التى تأخذ مكاناًً بوساطة الأشياء المادية والخدمات، وهو ما يُميزها عن غيرها مِن العلاقات الإجتماعية كالعلاقات فى داخل الأسرة والعلاقات السياسية، إنما هو، بظنى، قول يتسمً بالغموض، كما أنه لا يؤدى فعلياًً إلا إلى تعريف العلاقات الإجتماعية، وليس الإقتصاد السياسى، بل وحتى تعريف العلاقات الإجتماعية لا يخلو من غموض هو الآخر، فمسألة الأشياء المادية والخدمات والتى تميز، وفقاًً للتصور عاليه، العلاقات الإجتماعية إنما تحتاج إلى تصحيح؛ إذ يُُمكن فى داخل الأسرة، بل وفى العلاقات السياسية أيضا، ظهور علاقات الخدمات وتبادل الأشياء المادية، دون أن نصل لا إلى تعريف العلاقات الإجتماعية، وهى لا تعنينا بشكل مباشر، ولا إلى تعريف الإقتصاد السياسى. (3)إن الظواهر الإجتماعية التى تبلورت، وتكررت، حتى صارت من القواعد العامة، والتى نشأ الإقتصاد السياسى كى يُفسرها ويَكشف عن القوانين الموضوعية التى تحكمها، هى ظواهر تعتمد بالأساس على "القيمة"،كمياًً وموضوعياًً، فلولا "الإنتاج الرأسمالى وتجدده بوجهٍٍ عام" أى الإنتاج مِن خلال نمط الإنتاج الرأسمالى، وتجدد هذا الإنتاج، ما كان للإقتصاد السياسى الوجود المستقل عن باقى العلوم الإجتماعية. (4)وذلك، وكما أسلفنا، بأن الظواهر التى طرحت نفسها لم تكن لتتعرف عليها المجتمعات السابقة على الرأسمالية، فلم يكن هناك "رأس مال، كعلاقة إجتماعية"، ولم يكن هناك" تضخم"، ولم يكن هناك ما يسمى بـ "التراكم" ولم يكن الإنتاج يتم بغرض البيع فى السوق، ولم يكن العمل سلعة ، ولم يكن "الربح" ليتكون فى حقل الإنتاج، بل ولم يكن هناك ما يسمى بـ "الربح " إلا فى حدود ضيقة، وتخص العمل التجارى، الذى يقوم بالأساس على الشراء مِن أجل البيع، والعكس، ولكن الشراء أو البيع إنما يكونا لسلع نهائية الصنع. شراء السلع ثم بيعها، وليس تصنيعها ثم بيعها، كان الذى يُمثل القاعدة. (5)ولأن كُُل تلك الظواهر لم تكن إلا مع ظهور الرأسمالية كنمط إنتاج سائد، فقد كان لابد مِن ظهور عِلم يفسر ويَرُد تلك الظواهر إلى الكُُل الذى تنتمى إليه، ومِن ثم ظهر الإقتصاد السياسى، كعِلم، كى يُفسر، فى المقام الأول:" الظواهر الرأسمالية، بمعنى آخر:كى يُُفسِر الظواهر الإجتماعية التى تتعلق بقوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وتطورهما الجدلى فى سياق الرأسمالية كنمط للإنتاج". وعلى وجه التحديد كى يُفسر ذلك التعديل الطفيف، والعميق جداًً فى نفس الوقت، الذى طرأ على نص الصيغة (ن - س – Δ ن) إلى حيث نص الصيغة(ن- و أ، ق ع- س- Δ ن)وكى يُفسِر كذلك جميع الظواهر التى تتماس مع نص الصيغة الأخيرة، مِن أرباح، وأثمان، وفوائد، وأجور، وريع. وهكذا أفهم الإقتصاد السياسى، كعِلم مُنشغل بالإنتاج وتجدد الإنتاج والوحدة الإنتاجية(مِن الفرد حتى الدولة، مروراًً بالمؤسسات دولية النشاط) ولا يقتصر مفهوم العامل على حقل الصناعة، كما فهمت أوروبا وأفهمت العالم، وإنما ينسحب المفهوم، أياًً ما كان المسمى، على العاملين فى قطاع الزراعة والعاملين فى قطاع الخدمات. طالما نشطت الصيغة (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) إذ، كما ذكرنا، مع الرأسمالية تحول الطبيب والمعلم والشاعر وإمام الجامع، والكاهن، إلى شغيلة فى عداد المأجورين. (6)فالصيغة (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) والتى بمقتضاها، كما سنرى، تتحول النقود (ن) إلى أمرين: وسائل إنتاج(و أ) تتمثل فى مواد العمل، وأدوات العمل، أما الأمر الثانى فهو: قوة العمل(ق ع)، تتحول النقود إلى قوة عمل بدفع الأجرة. وحينما يجتمع للرأسمالى، ومِن ثم لعماله الأجراء، الوسائل اللازمة للإنتاج، ينقطع التداول؛ ويبدأ الإنتاج. الإنتاج مِن أجل السوق، وبإنتهاء العملية الإنتاجية تُطرح السلعة فى السوق، وحينئذ تعود (ن) إلى الرأسمالى، ولكنها مُحمَلَة بـ(Δ) الذى يسمونه الربح (سندرس مصدره فيما بعد) فيُصبح لدى الرأسمالى ليس (ن) فقط، وإنما (ن) + (Δ) . ووفقاًً للصيغة العامة تلك وقانون الحركة الحاكم لأداء الرأسمالية، فسوف يقوم، تاريخياًً، أحد الأشخاص بجمع شتات الحرفيين ويضعهم فى مكان واحد ويوفر لهم مواد العمل وأدواته ويدفع لهم الأجرة، وليس عليهم سوى الإنتاج، وإنما لأجل السوق(وقانون الحركة هذا، إنما يعمل، بتصورى، فى مؤسسات فورد، وروتشيلد، كما يعمل فى أحقر "ورشة" لصنع أربطة الأحذية فى أحط أحياء القاهرة أو كاراكاس، دون فارق يُذكر). (7) والصيغة تلك والتى تُعد القانون العام للرأسمالية، لا يُمكن فهمها إلا إبتداءًً مِن فهم القيمة والكشف عن القوانين الموضوعية التى تحكم عملها، كما تحكم تطورها عبر الزمن. فقانون القيمة بمفرده هو القادر على الإجابة على سؤال كيف تعمل الرأسمالية؟ وكيف تجدد نفسها؟ (8) ماذا نُنتِج؟ ولماذا نُُنتِج سلعة ما، ولا نُُنتِج أخرى؟ وكيف نُنتِج؟ وكيف نُوزع المنتَج؟ تلك مِن أهم الأسئلة التى ظهر عِلم الإقتصاد السياسى كى يُجيب عليها، وجميعها لا يُمكن الإجابة عليها إلا إبتداءًً مِن الوعى بقانون القيمة الذى على أساسه تقوم العملية الإنتاجية بأسرها، وإنما إبتداءًً مِن الصيغة العامة التى تمثل قانون الحركة الحاكم لأداء الرأسمالية (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) (9) الإقتصاد السياسى إذاًً هو عِلم نمط الإنتاج الرأسمالى، فهو ينشغل أساساًً بملف الإنتاج، الذى يخضع للقانون العام الحاكم لأداء النظام الرأسمالى، وما القيمة، والقيمة الزائدة،كمياًً وموضوعياًً، سوى مُرتكز النظام، على صعيد كُُل مِن الإنتاج وتجدد الإنتاج. (10)إن الصيغة (ن- و أ، ق ع- س- Δ ن) التى تُُمثل عصب نمط الإنتاج الرأسمالى، وتمثل فى نفس الوقت ركيزة رئيسية فى موضوع عِلم الإقتصاد السياسى، فقط التى تتمكن مِن تقديم أدوات فكرية نتمكن من خلال التسلح بها حين توجهنا صوب الظاهرة المراد تفسيرها. فالصيغة العامة الحاكمة لحركة الرأسمالية كنمط إنتاج، تمدنا بـعدة أدوات فكرية تقع مباشرة فى حقل الظواهر التى نشأ عِلم الإقتصاد السياسى كى يفسرها، فهى تمدنا على سبيل المثال بـ"القيمة، والقيمة الزائدة، والثمن، والرأسمال، الثابت منه والمتغير، والأساسى منه والدائر، وثمن الإنتاج، وثمن التكلفة، والربح، والأجر كثمن لقوة العمل،....." وهكذا أفهم موضوع وأدوات عِلم الإقتصاد السياسى. أما عن المنهج: فإن الباحث فى عِلم الإقتصاد السياسى يَستخدم المنهج العام للبحث العِلمى، مِن جهة وصف وتقسيم الظاهرة، وفرض الفروض، وإستعمال الإستقصاء، وأخيراًً التيقن مِن عدم إرتباك النظرية وتناقضها الداخلى فيما بين عناصرها؛ وذلك بمواجهتها بالواقع، إذ أن الخط المنهجى المقترَح لا يُمكن أن يُمَثل سوى فرضية منهجية تَعين إختبارها والتأكد مِن صحتها على أرض الواقع، وإذ يَجد الناظر فى عِلم الإقتصاد السياسى نفسه عاجزاًً عن إستخدام التجربة، كما فى العلوم الطبيعية، فإنه يَستعيض بالتجريد والذى يعنى العلو بالظاهرة عن كُُل ما هو ثانوى. أما بشأن الحد الأدنى من المعرفة اليقينية: فالإقتصاد السياسى، يُعطينا بحالته الراهنة حداًً أدنى مِن المعرفة اليقينية التى تِصلح أساساًً لتفسير الظواهر الإقتصادية، والتنبؤ المعقول بحركاتها المستقبلة، والأمر هنا يَتعلق بمجموع القوانين الإقتصادية النظرية التى توجد تحت تصرفنا والخاصة بالأشكال التاريخية المختلفة للعملية الإقتصادية، والتى قد ثبت التحقق مِن صحتها على الصعيد العِلمى، وهو الأمر الذى يستتبع إستبعاد النظريات التى ثبت عدم صحتها بمواجهتها بالواقع الإقتصادى فى حركته التاريخية، والتى يُرد عدم صحتها إلى سوء تَصور أصحابها لموضوع ومنهج العِلم فى إرتباطهما العضوى. وعليه، فنحن أمام عِلم يصل عمره إلى خمسة قرون، وليس منذ الأزل، إذ هو العِلم الذى ينشغل بالقوانين والشروط الموضوعية لظواهر الرأسمالية غير الشفافة (الأثمان، الأسواق، القيم، الأرباح، الفوائد، الريوع. . . . . إلخ) وحتى يُمكن إستدعاء هذا العِلم كى يتولى تفسير الظاهرة يتعين مِن البداية معرفة الأساس الذى يُبنى عليه، هذا الأساس هو، كما ذكرنا وسنتابع البرهنة فيما يأتى، الإنشغال بدراسة النظرية الكمية والنظرية الموضوعية فى القيمة، والتناقضات الكامنة فيها، والتى تتطور على أساس منها، أى التناقضات، الظاهرة محل البحث، إذ بدون الإنطلاق مِن القيمة لا يمكن الوصول إلى شىء سوى أن كُُل شىء متوقف على كُل شىء!! فبدون الوعى بالقيمة، كمياًً وموضوعياًً، لا يُمكن الوصول إلى مفهوم السوق، كما لا يُمكن التعامل مع الأثمان، ولا يُمكن كذلك فهم علاقات التبادل، وإقتصاديات المبادلة النقدية المعممة، بل ولا يُمكن إستيعاب باقى المظاهر التى ستطرح نفسها فى لحظة تاريخية معينة وفى ظروف معينة، كالتضخم، والكساد، والركود، والفائض، والعجز، إلى آخر المظاهر الإقتصادية التى تبلورت مع نمط الإنتاج الرأسمالى وأدت بشكل رئيسى إلى تبلور الإقتصاد السياسى، كعِلم إجتماعى. إذاًً، ما الإقتصاد السياسى؟ الإقتصاد السياسى إذاًً عِلم، وهو (عِلم) ظواهر(نمط الإنتاج) (الرأسمالى) تحديداًً هو:(عِلم) ظواهر نمط الإنتاج الرأسمالى وإنما إبتداءًً من القيمة كظاهرة تاريخية.
#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعادة طرح موضوع الإقتصاد السياسى كعلم إجتماعى
-
التسرب فى دول النفط
-
أزمة دارفور. كيف يراها رجال مؤسسة الحكم فى الخرطوم؟
-
كارل ماركس (العظيم الآخير)
-
لماذا إنفصل جنوب السودان؟
-
الإقتصاد السياسى للمشروع الإستعمارى الإستيطانى الإسرائيلى
-
المختصر فى العمل المأجور والرأسمال
-
معالم الإقتصاد السياسى لدى روزا لوكسمبورج
-
موجز نظرية القيمة لدى كارل ماركس
-
ثم اما قبل!!
-
مقدمة الطبعة الثانية من كتاب (الإقتصاد السياسى للتخلف)
-
النيوكلاسيك
-
التطور الرأسمالى وتعميق التخلف
-
جذور التخلف الإجتماعى والإقتصادى فى مصر
-
كيف تنظر النظرية الرسمية إلى التخلف
-
(فى التناقض) لماو تسى تونج
-
أمثلة على أزمة فهم الأزمة
-
الشركات الإمبريالية
-
تراث البله
-
االإقتصاد السياسى هو علم فائض القيمة
المزيد.....
-
وزارة العدل الأمريكية تتهم إيران بالتورط في خطة اغتيال مأجور
...
-
-لحظة إصابتها وسقوطها-..الحوثيون يعرضون مشاهد لإسقاطهم مسيّر
...
-
نيبينزيا: مؤسسات الرعاية الصحية الروسية تتعرض بانتظام لهجمات
...
-
ضجة في إسرائيل عقب أحداث أمستردام
-
إيران: امتداد المواجهة مع إسرائيل دولي
-
فوز ترامب يخيم على قمة بودابست
-
كيف سيتعامل ترامب مع إيران وبرنامجها النووي؟
-
وزارة العدل الأمريكية تتهم إيرانيا بالتخطيط لاغتيال دونالد ت
...
-
إشكال دبلوماسي قديم جديد بين فرنسا واسرائيل ..ما الرسائل؟
-
ما جدوى مقترح -تقدم- بإنشاء مناطق آمنة لحماية المدنيين بالسو
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|