|
الحالمون2004:أين كنا عام 1968
بلال سمير الصدّر
الحوار المتمدن-العدد: 3355 - 2011 / 5 / 4 - 17:32
المحور:
الادب والفن
فيلم الحالمون 2004:أين كنا عام 1968 قد يكون فيلم الحالمون فيلما مصيرا للجدل فعلا،ولكن هذه المرة ليس بسبب العري المبالغ فيه وتغطية كل حدود ما يدعى بالتابوهات لأن الفيلم لم يثر أي فضيحة بل مر مرور الكرام فيلما محايدا في مسيرة هذا المبدع الكبير ولم يحسم الجدل بعد عن كان محسوبا عليه أو ضده،فزمن الفضائح التي سميت ذات يوم(بالتانغو الأخير في باريس) قد مرت وولت لسببين مهمين أولوهما وباختصار هو أن الزمن قد تغير فنحن نتحدث عن فترة قد تصل إلى ثلاثين عاما بين زمن إخراج التانغو الأخير في باريس والحالمون في فترة كانت محملة بقصائد سينمائية منحنا إياها هذا المخرج مع تسعة اوسكارات لفيلم الإمبراطور الأخير ،كما أن فيلم التانغو الأخير في باريس لازال يعاد اكتشافه حتى هذه اللحظة الأمر الذي يقودنا إلى السبب الثاني وهو أن برتولوتشي محسوب على شعراء السينما وليس البورنوغرافية. ولكن الجدل يضعنا أمام مشكلة وهي تحليل العلاقة بالغة التعقيد بين ثلاثي بشري شهواني على خلفيات ثورة قد تكون هي الأهم في تاريخ أوربا المعاصر ألا وهي ثورة الشباب عام 1968 التي حدثت أولا وأخيرا في فرنسا وأبطالها هم صانعي ما بات يعرف بالموجة الجديدة على شاكلة غودار وتروفو... فيلم الحالمون هو فيلم يقدم تحية واضحة إلى السينما ولكنه ليس فيلما عن السينما،فهناك الشاب الأمريكي القادم إلى فرنسا لتعلم اللغة الفرنسية(Michel Pitte) و أنضم تلقائيا إلى ماسونية الأفلام أي نادي معجبي الأفلام،والسينما كانت هي الفن الرئيسي في تلك الأيام عام 1968 عندما اندلعت ثورة الطلبة مطالبة بإرجاع (هنري لانغلو) مدير متحف السينما الفرنسي السابق والذي ساهم في إنقاذ العديد من روائع السينما الفرنسية زمن الاحتلال النازي. ولكن بتعرفه على ايزابيل (Eva Green) وثيو (Louis Garrel) وكلاهما في أول أدوارهما السينمائية تبدأ إشكالية مثيرة للجدل لأنها ضمن خلفيات الفيلم وزمنه عصية على الفهم. فسرعان ما سيجتمع هؤلاء الثلاثة في شقة باريسية عادية تذكر طبعا بأجواء التانغو الأخير في باريس والثلاثة عاشق غير طبيعي للسينما بل أن إيزابيل تتماهى في حركاتها مقلدة حركات لممثلات في أفلام مشهورة مثل فيلم حتى آخر نفس لغودار فالفيلم يقدم تحية كبيرة وعطرة للسينما مع انضمام بيرغمان وربما كيراساو إلى القائمة ولكنا في نفس الوقت لا نتعامل مع فيلم على شاكلة سينما براديسو بقدر ما نتحدث عن العلاقة بين الفرد والسينما وهذه الاشكالية هي الواضحة للفيلم. ولكن هناك شيء ما...شيء آخر هناك العلاقة الغرائبية بين ثلاثي منحرف،وهي في الأصل بين التوأم ايزابيل وثيو والتي تشبه علاقتهما بالأزواج ولكن من دون جماع فهم يستلقون بجانب بعضهم البعض عراة ولا يخجلون من هذا العراء أبدا...وإذا أردنا أن نسأل عن ماهية هذه العلاقة بين الاثنين وهل لها أي تفسير علمي أو نفسي وإذا كنا نتوقف طويلا عند بيرغمان لنفسر فأين التفسير عند برتولوتشي،وإذا كان الجنس ذا مدلول في التانغو كتعبير عن اليأس الروحي فالتوحد بين التوأم المنفتح على الرغبات المكتشفة-وليس ضمن الاكتشاف-يفقد معناه على خلفية الأحداث السياسية التي تغيب طويلا في فيلم برتولوتشي سوى أنها تمثل الروح التحررية للثورة وحتى إن كان هذا التفسير ضئيلا لإن التحرر لو كان إلى درجة الانحلال فهذا ما لا تعبر عنه هذه العلاقة الغرائبية ضمن مفهوم أو فهم-وكلاهما صحيح-أدبي كافكوي أو حتى ضمن فن إباحي إنحلالي... مع انضمام الفتى الأمريكي المتحفظ تزداد العلاقة تعقيد بل تزداد انحلالا،وإقحام الأمريكي بين فرنسيين ليس من باب الصدفة طبعا،لأنه سيحب ايزابيل بل وسيكون أحد أهدافه هو تخليص ايزابيل من هذا التوحد وشدة تعلقها بأخيها التي ستبوء بالفشل لأن الأمريكي في النهاية سينسحب من هذه المعركة الأخلاقية وحتى السياسية لأن القضية أو المعركة ليست معركته. والحديث عن الفيلم ضمن النظريات الثورية من ماوتسي تونغ وحتى غودار أعطى الفيلم تداخلا غير مفهوما لعالم داخلي منزو يحكمه الشذوذ بالفعل الذي يبدو بأنه لا يحمل أي طابع جنسي فالفرنسي عندما يتعرى أمام الأمريكي فنحن على يقين بأنه لا يقصد الشذوذ الجنسي... وحتى الغرامة المتعلقة بممارسة العادة السرية أو فض بكارة أمام مرأى الجميع هي شذوذ بالفعل المنفصل والمتعلق في نفس الوقت بالجنس ولكن ليس الفعل الجنسي نفسه. لذلك بدت الأحداث الخارجية ضئيلة الأهمية لما يحدث بالداخل ولا يوجد أي ارتباط فعلي بين ما يحدث في الداخل وبين ما يحدث بالخارج،سوى إذا قلنا بأن هذا التركيز الطويل من برتولوتشي على هذه العلاقة الخاصة بين الشبان الثلاثة ليست سوى تعبير ساذج عن روح فترة همشها المخرج أصلا بجعل المشاهد يركز على أبعاد داخلية شديدة الخصوصية أكثر منها خارجية،وبكل بساطة فبرتولوتشي عمل على تهميش هذه الفترة أكثر من إبرازها وكانت الأبعاد السياسية تأتي على شكل شذرات وكان المكان والزمان والانتماءات تخدم هذه العلاقة غير المفهومة وليس العكس ولنوقف هنا حتى لا نظلم مخرجنا كثيرا وهو المحسوب بقوة بين الكبار. فيلم الحالمون قدم تحية قوية إلى السينما ولكنه وقف محايدا في مسيرة هذا المخرج الذي أراد تصوير الزمن السينمائي الذي برز فيه غودار بقوة. والحياد هنا يجب أن يفسر لأن الحياد أتى كحل لفيلم لم يعرف أحد ماذا يريد أن يقول،وتاه في نجاحات ماضية-ربما أراد برتولوتشي أن يكررها-*لفيلم أعتبر أفضل فيلم قدم الجنس على الشاشة،ولكن هل ثورة عام 1968 كانت محايدة وأي فيلم من أفلام غودار كان محايدا في تلك الفترة على الأقل. إذا كان فيلم الحالمون يطرح سؤالا قويا وملحا:أين كنا عام 1968 فالإجابة تتوقف عند السؤال نفسه:أين كنا عام 1968.
#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
راقص في الظلام:رؤية تشاؤمية للأخلاق البشرية:لارسن فون تراير
...
-
التانغو الأخير بباريس:الحواس كتعبير عن اليأس الروحي:برتولوتش
...
-
أضواء المنوعات 1950 استعراض لحياة فليني القادمة من خلال قصة
...
-
مدينة النساء1980(فدريكو فليني):صورة لمجتمع نسائي منفصل عن ال
...
-
مدينة الملائكة(1998): فانتازيا رومانسية تعالج مسألة الحب وال
...
-
لارسن فون تراير وتأسيس سينما الدوغما
-
حب في المدينة -1953- لقاء العمالقة في نقطة لن تتكرر أبداً
-
بروفة اوركسترا لفليني 1978قصة تحذيرية عن خطر الفوضوية
-
أغيرا: غضب الرب 1972 فيلم عن الشخصية بامتياز
-
(Little Chilren2006) أطفال صغار نظرة طبيعية لمجتمع مستقر أو
...
-
ليلة القديس لورنزو(ليلة تساقط النجوم)1982
-
ثلاثية صمت الله لبيرغمان:(من خلال زجاج معتم-ضوء الشتاء-الصمت
...
-
ساتيركورن فليني 1970: رؤية لفليني عن أسطورة غير منتهية
-
روما فليني 1972:روما بعيون فليني
-
فيلم21غم:قصيدة ساحرة عن العبثية الحياتية وعن الموت
-
حسن ومرقص:فيلم أيديولوجي بدون رؤية أيديولوجية واضحة
-
فيتيزجالدو:1981/العظمة البصرية وتحقيق الأحلام البشرية
-
غرفة الابن(لناني موريتي): ضرورة التعايش مع فكرة الموت
-
فيلم Gomorra/نجح في حصد أكبر الجوائز الأوروبية وفشل في الحصو
...
المزيد.....
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|