أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عادل زكى - أزمة دارفور. كيف يراها رجال مؤسسة الحكم فى الخرطوم؟















المزيد.....


أزمة دارفور. كيف يراها رجال مؤسسة الحكم فى الخرطوم؟


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3355 - 2011 / 5 / 4 - 02:35
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


وجهة نظر النظام السودانى بشأن أزمة دارفور، كما هى لدى مصطفى عثمان إسماعيل
وزير الخارجية السودانى سابقاًًُ
لقد اشتهر تجار دارفور بالتجارة وكانت لهم علاقات اقتصادية مع مصر، وكان تجار القاهرة يمدونهم بالسلاح مقابل الحصول على الذهب. تركز حكم سلطان التنجور على الجزء الشمالي من دارفور ويرجح بعض المؤرخين قيام مملكتي الداجو والتنجور جنبا الى جنب حتى القرن السادس عشر، واحدة في الشمال واخرى في الجنوب. بدأ تاريخ دارفور يتضح مع التنجور، وفي عهدهم اختلط العرب بالفور حتى ظهرت طبقة (الكُنجارا) ومنها خرجت أسرة كيرا التي انتقل اليها الحكم من التنجور في منتصف القرن السابع عشر واستمر حتى نهاية حُكم السلطان علي دينار في 1916م. اما الفور فهم الجزء الرئيسي من سكان البلاد، والسكان الوحيدون في سلسلة جبل مرة. وكان يطلق على قبائلهم (التورا) وهي تعني العمالقة، حيث اقاموا بجبل مرة ولم يختلطوا بغيرهم من القبائل إلا بعد دخول الاسلام، حيث اختلطوا بالتنجور وحدثت بينهم مصاهرات. كان السلطان سليمان سلونق، أي سليمان العربي، اول سلطان يقوم بتأسيس دولة دارفور الاسلامية عام 1445م. استمر الفور يحكمون دارفور ما يقارب من 430 عاما بدون انقطاع، اي من سنة 1445 وحتى سنة 1874 عندما استولى عليها الزبير باشا نيابة عن الادارة التركية ـ المصرية بالسودان وضمها الى بقية بلاد ما كان يعرف بالسودان التركي المصري آنذاك، ثم عاد السلطان الشهير علي دينار وحكمها من سنة 1898م وحتى 1916م. وأرض الفور تقع في الجنوب الغربي وتُعد اكثر اراضي دارفور خصوبة على طول وادي ازوم. ويزرع الفور الدخن والذرة والفول والسمسم ويمارسون انواعا من الحرف المختلفة كالغزل والنسيج واعمال الفخار. ويعتبر جبل مرة جوهرة دارفور، وكان قاعدة وملجأ للسلاطين في الازمان التاريخية. وبدأ الفور تحركهم من الجبل نحو الجنوب والجنوب الغربي وتسارع تحركهم ابان الحكم الثنائي البريطاني المصري 1916 ـ 1956م اذ انهم وجدوا ان الامان اكثر في السهول، وسكان الجبل يتحدثون لهجة مختلفة عن لغة الفور العامة. ويغلب على الفور انهم تجمعات متباعدة لسكان يتحدثون اللغة العربية كالبرقو والحمر والجوامعة ودار حامد والبديرية عبر منطقة القوز على خط عرض 14 درجة. وقد حدثت هجرة الى دارفور من سكان غرب افريقيا استمرت بلا عوائق، وخلال ثلاثمائة سنة انتقلت مجموعات من الحجاج والفقهاء والعلماء والتجار والفولاني رعاة الماشية الى دارفور واستقروا فيها وكانوا يقصدون الحج الى مكة، وتزايد بمدار التاريخ استخدام طريق الحج وبعضهم استقروا بعد عودتهم من الحج. وفي المنطقة دلائل حركة قديمة لمختلف المجموعات الحالية في دارفور، وفي جنوب دارفور اقام الفلاتا وجزء منهم اسفل التلال الجبلية لجبل مرة بسبب ان مواشيهم لا تتحمل مشاق الهجرة جنوبا. ومن القبائل العريقة الجذور في دارفور قبيلة الزغاوة التي تمتد حتى خارج ذلك الاقليم، ويؤلفون مع سكان انيدي البِديَّات وقبيلة الوانية الصغيرة التي تحتل اقليم ونيانقا الصغير على الطريق المؤدي من بنغازي بليبيا الى وداي، مجموعة اثنية متجانسة الى حد كبير. والزغاوة هم بدو رحل يعيشون في الصحراء او في اطراف الصحراء. وينقسمون الى اربعة اقسام: الزغاوة كوبي، الزغاوة دود، الزغاوة عنقا، والزغاوة كيلتيو. وكل تلك القبائل اختلطت بالقبائل العربية بل ان بعضها يعيش بين القبائل العربية مثل قبيلة الرزيقات. تنتشر قبيلة الزغاوة بين دارفور وتشاد ويعيش ثلثها في دارفور والثلثان الاخران في تشاد حيث ينتمي اليهم الرئيس التشادي ادريس دبي. دارفور كانت على مر التاريخ محط أطماع القوى الاجنبية، ويعتبر السلطان محمد الفضل 1802 ـ 1839م، ابن السلطان عبد الحميد الرشيد 1787 ـ 1802م حفيد السلطان سليمان صولونج سلطان الفور 1640 ـ 1670م، اعظم سلاطين الفور، وكان يلقب بقمر السلاطين كما جاء في كتاب «تشحيذ الاذهان بسيرة بلاد العرب والسودان» تاليف محمد بن عمر التونسي والذي وصف السلطان بالكرم والشهامة والشجاعة. وكان للسلطان محمد الفضل اخ يكرهه ويزاحمه على الملك يسمى «ابا مدين» هرب الى مصر واخذ يؤلب محمد علي باشا على فتح دارفور. ولما كانت سنة 1830م ـ 1245هـ ارسل محمد علي باشا كتابا الى السلطان محمد الفضل يدعوه فيه الى التسليم، فاجابه سلطان الفور محمد الفضل بخطاب هذا نصه: «من حضرة من امَّن الله به البلد، وجعل ملكه مسموعا من كل احد، وصيَّره في قلوب الاعداء نارا تستعر، وجمرا يتقد، وجعل الله على يده ضرب كل من طغى وتمرَّد، ومن ضلَّ وتعنَّد. اخينا العزيز محمد علي باشا سلمكم الله تعالى من المحذورات، واستعملكم بالباقيات الصالحات بمنه وكرمه اما بعد : فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته لديكم. قد وصلنا جوابكم، اوصلكم الله الى رضوانه، وفهمنا خطابكم ومقتضى جوابكم، وكل كلمة من المرقوم تستحق جوابها المفهوم. ولكن يكفي من ذلك كله كلام الحي القيوم حيث قال : «له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم إلا كباسط كفيه الى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين الا في ضلال». «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا». انكم طالبون دولتنا، وطاعتنا، وانقيادنا لكم، فهل بلغكم انا كفَّار وجب لكم قتالنا، وابيح ضرب الجزية علينا، ام غرَّكم قتالكم مع ملوك سنار والشايقية، فنحن السلاطين وهم الرعيَّة. اوَرَدَ لك الدليل من الله تجد فيه ملكك، ام وَرَدَ لك حديث من رسول الله تَجد فيه تمليكك، ام خطر لك خاطر من عقلك بان لك ربا قويا ولنا ربُ ضعيف. الحمد لله نحن مسلمون وما نحن كافرون ولا مبتدعون، ندين بكتاب الله وسنة رسوله ونؤدي الفرائض ونترك المحرمات ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، والذي لا يصلي نأمره بالصلاة والذي لم يزك نأخذ منه الزكاة ونضعها في بيت المال ولا ندخرها، ونرد الامانات الى اهلها، ونعطي كل ذي حق حقه، حتى دانت لنا القبائل العظام. ومن اتى دولتنا يرجع مكرَّما باذن الله تعالى، ولو اشتدت به الريح في يوم عاصف، ألم تر الى قوله صلى الله عليه وسلم «لو بقي جبل على جبل لَدُكَّ الجبل الباغي». اما علمت ان دارفور محروسة محمية، بسيوف قطع هندية، وخيول جرد ادهميه، عليها كهول وشباب يسارعون الى الهيجاء بكرة وعشية. اما علمت ان عندنا العُبَّاد والزهَّاد والاقطاب والاولياء الصالحين، من ظهرت لهم الكرامات في وقتنا هذا وهم بيننا يدفعون شر ناركم فتصير رمادا، ويرجع الملك الى اهله، ويكفي من بعد ذلك والله يكفي شر الظالمين». وتقع ولاية دارفور في منطقة اقصى غرب السودان في مساحة تقدر بـ 196.404 ميلا مربعا وتجاورها من ناحية الشرق الولاية الشمالية وولاية شمال كردفان، ومن جهة الجنوب ولاية شمال بحر الغزال وغرب بحر الغزال، ومن جهة الشمال الغربي تحدها الجماهيرية الليبية، ومن جهة الغرب جمهورية تشاد ومن جهة الجنوب الغربي جمهورية افريقيا الوسطى. هذا الوضع الجغرافي جعل من دارفور منطقة مفتوحة على ثلاثة اقطار متجاورة ومتداخلة اثنيا وثقافيا. وتمتد دارفور في الرقعة الجغرافية التي تمتد ما بين خطي عرض 2010 شمالا وخطي طول 27.3022 شرقا. وتجدر الاشارة هنا الى ان مساحة دارفور تمثل خمس مساحة السودان، وهي تعادل مساحة فرنسا، ويبلغ تعداد سكان دارفور حوالي ستة ملايين نسمة تقريبا، حيث ينتمون الى قبائل عدة يبلغ عددها 80 قبيلة تتوزع بين قبائل تحترف الزراعة واخرى تحترف الرعي وابرز هذه القبائل: الفور، البني هلبة، التنجر، البرتي، الهبانية، الزغاوة، الزيادية، الرزيقات، المساليت، المعاليا، التعايشة، الميدوب، البرقدٍ، الداجو، البني حسين، التاما، الماهرية، المحاميد، السلامات، المسيرية، العريقات، العطيفات، الفلاتة، القمر، بني منصور، التعايشة، دردوق، الصليحاب، الميما، الترجم المراريت، الهوارة، الجوامعة وغيرهم من القبائل. هذه القبائل هي خليط من القبائل العربية والقبائل الافريقية، او العرب والزرقة او العرب والزنج. غير ان هذه القبائل امتزجت وتزاوجت واختلطت منذ اكثر من الف عام. وقد تعايشت القبائل الرحل المحترفة للرعي والقبائل المستقرة المحترفة للزراعة في سلام على مدى كل القرون الماضية قبل التصعيد الاخير الذي حدث بدارفور. وكل قبيلة من القبائل الكبرى تملك دارا او ما تسمى حاكورة وهي رقعة جغرافية تكون معروفة الحيازة منذ قديم الزمان تكون إما منحت لها بواسطة سلطة كانت حاكمة وسميت باسمها كما هو الحال والتسمية بدار المساليب ودار الميدوب ودار الرزيقات ودار الهبانية ودار كوبي ودار زغاوة. وكانت منطقة دارفور فيما مضى منطقة خصبة تتميز بتساقطات مطرية غزيرة. الا ان موجات من الجفاف ضربت المنطقة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي واحدثت تراجعا كبيرا في الاراضي الصالحة للزراعة وفي الموارد المائية التي كانت تستفيد منها القبائل المترحلة والقبائل الزارعة، وتتمتع دارفور بتنوع بيئتها وظروفها المناخية ما ادى الى تنوع النشاط الاقتصادي وسبل كسب العيش، وتمثل الزراعة القطاع الرئيسي ويتداخل النشاط الزراعي بين الزراعة من اجل الاقتصاد المعيشي وبين زراعة المحاصيل النقدية من اجل السوق. ولدارفور اهمية خاصة من ناحية توفير محاصيل الصادر والمواشي. وتمثل المساحات المزروعة بالذرة نسبة 11% من المساحات الكلية المزروعة بالذرة تقليديا، ري مطري في كل السودان والدخن المحصول الرئيسي للغذاء بالمنطقة يمثل 63% من جملة المساحة المزروعة بمناطق الزراعة التقليدية بعموم السودان. وتقدر الثروة الحيوانية في دارفور بـ 27.987.610 رؤوس من الابقار والماعز والضان والابل. وتعتبر دارفور اكثر مناطق السودان تأثرا بموجات الجفاف التي ضربت المنطقة خلال سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي وكان من نتاجها تدهور بيئي كبير وانخفاض في مستوى الامطار وتدهور الغطاء النباتي والشجري وزحف صحراوي هدد المنطقة فوقعت جراء ذلك هجرات للسكان بالاخص في الشمال من ديارهم الى مناطق اخرى داخل الاقليم، وقد لازم التدهور البيئي زيادة في عدد السكان وتغير في السلوك المعيشي والنزاعات الاقتصادية.ولمواجهة مشكلة الجفاف والتصحر وجهت الحكومة السودانية قسما كبيرا من مواردها المحدودة في ذلك الوقت لتوفير مياه الشرب للانسان والحيوان وتطوير المشروعات الزراعية. من اهم هذه المشروعات مشروعات تنمية جبل مرة في جنوب دارفور والتي خصصت لها قسمة كبيرة من نصيب السودان من اتفاقية لومي. غير ان الدول الاوروبية وبإيعاز وتأثير بسياسة الولايات المتحدة القاضية بعزل ومقاطعة الحكومة السودانية قامت بتجميد استحقاقات السودان من اتفاقية لومي، الأمر الذي انعكس وبالا ودمارا على العديد من المشروعات خاصة مشروعات المياه والزراعة في دارفور. وكان هذا واحدا من اهم اسباب الصراع على الماء والكلأ في منطقة قبلية تعتمد اساسا على الرعي والزراعة. اضافة الى ان توقف هذه المشروعات زاد من اعداد العاطلين عن العمل وبعضهم تحول الى قطاع طرق، وانتشرت عمليات النهب المسلح خاصة في المناطق الصحراوية في شمال دارفور. يتدين سكان دارفور بمختلف اصولهم ومرجعياتهم بالدين الاسلامي على مذهب اهل السنة والجماعة ومدرسة الامام مالك ابن انس الفقهية، ويهتمون بالانشطة الثقافية والروحية مثل حفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية. ويلاحظ كذلك ان التصوف يمثل نسبة عالية عند سكان دارفور إذ يبدو واضحا ان اكثر من 85% من مواطني دارفور يسلكون الطريقة التجانية التي تنحدر اصلا من المغرب العربي وتحديدا من جنوب الجزائر (عين ماضي) حيث وُلد الشيخ احمد التجاني ومنها انتقل ليستقر بفاس بالمغرب التي انطلقت منها طريقته واشتهرت. وهذا يعد مؤشرا لوجود تداخل ثقافي اقليمي. وتزخر دارفور بمختلف انواع الفنون الشعبية كالغناء والرقص وبعض الفنون اليدوية والفلكلورية. ظاهرة الحكامات ظاهرة معروفة في دارفور حيث تنشد النساء اشعار الحماسة وهو ضرب من الفن الشعبي، لكنه مؤثر جدا في تأجيج الصراع بين القبائل.لقد عاش في دارفور منذ القدم العديد من القبائل الافريقية، ولكن مع مرور الزمن جاءت جماعات من الساميين والحاميين في موجات متتالية عبر حقب تاريخية مختلفة من الشمال والشرق والغرب، والتي كان من اهم دوافعها الاستقرار السياسي في المنطقة وتوفر البيئة الطبيعية والظروف المناخية الملائمة لتربية الحيوان، وهما الشيئان اللذان يغريان القبائل الرعوية وبخاصة القبائل العربية الهلالية من شمال افريقيا، فكانت تلك بداية التلاقح والتمازج بين الثقافتين العربية والافريقية، ولذلك لما الف الشيخ محمد بن عمر التونسي كتابه حول وقائع رحلته الى دارفور في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، اختار له عنوان :«تشحيذ الاذهان بسيرة بلاد العرب والسودان». ولهذا العنوان دلالة واضحة على حقيقة التمازج العرقي والاثني الذي ظل قائما في دارفور منذ عدة قرون خلت. فالعرب هم افراد القبائل العربية، والسودان هم القبائل الافريقية او من يعرفون بـ«الزرقة» في تلك المنطقة. والسواد الاعظم من قبائل دارفور يجيد اللغة العربية، بل ان الكثيرين من قيادات دارفور التي تنتمي الى القبائل الافريقية، سواء تلك التي في التمرد او معارضة للتمرد، متزوجة من قبائل عربية الأمر الذي يدحض مقولة ان القبائل العربية تقوم بعمليات التطهير العرقي ضد القبائل ذات اصول افريقية. فالذين يمارسون عملية الخروج على القانون والاعتداء على الاخرين مهما تصفهم او تسميهم لا يمكن ان تلصقهم بقبيلة دون اخرى.
اكدت عدة دراسات ان الرحل والمجموعات المستقرة من المزارعين عاشوا في انسجام، ونشأت بينهم علاقات مصاهرة، وقد كانت هنالك صراعات قبلية على المرعى والارض ومصادر المياه، لكن هذه الصراعات كانت محدودة، وتتم تسويتها من خلال الاطر والاعراف المحلية، إلا ان هذه الاوضاع بدأت في التغير مع تشعب النزاع وتأثير بعض العوامل الاقليمية، فالدول التي تحيط بمنطقة دارفور من الناحية الغربية ـ تشاد وافريقيا الوسطى ـ تعرضت لموجات من الاضطراب وعدم الاستقرار الامني لفترات طويلة اواخر القرن الماضي، حيث دارت هنالك حروب وسقطت انظمة وتصارعت قوى اقليمية وعالمية في المنطقة مما اثر على الاستقرار في المنطقة، حيث اصبحت دارفور مسرحا تعكس ما يدور حولها من قلاقل. هذه العوامل ساهمت في نشوء ظاهرة النهب المسلح وهذه الظاهرة لم تكن لها اهداف سياسية او ابعاد فكرية او حتى قضايا مطلبية وظلت محصورة على مجموعة من قطاع الطرق غايتهم فقط الاستيلاء على ما تقع عليه ايديهم من ممتلكات، ولذا نجد ان بداية هذا الصراع هو صراع تقليدي محلي بين القبائل على الموارد الطبيعية الشحيحة المتناقصة وعلى امتلاك الارض والحواكير وقد تم تطوير هذا الصراع بسبب عدة عوامل ساعدت في اشتعال الفتنة في المنطقة نذكر منها:
ـ النزاعات التاريخية بين القبائل.
ـ تناقص الموارد الطبيعية (المراعي الخصبة والارض الصالحة للزراعة).
ـ التداخل القبلي بين دول الجوار والحدود المفتوحة.
ـ تدني التعليم وانتشار البطالة.
ـ الانتشار الواسع للسلاح.
وبالمجمل يمكن القول إن اسباب النزاعات التي وقعت في دارفور تتعدد في اربعة عوامل اساسية: الاول العامل البيئي، اذ ان الجفاف نال من اقليم دارفور اعوام السبعينيات وفي الثمانينيات (منتصفها) من القرن الماضي ادى الى نقصان الموارد الطبيعية وهلاك الزرع والضرع وحدثت مجاعات مشهورة، وموجات نزوح قبلي بين الشمال والجنوب، اوقعت احتكاكات وتوترات قبلية، وفي الاونة الاخيرة بفضل توسع في الرقع الزراعية انتقل الناس من اسلوب الاقتصاد المعيشي ومحدودية الرقع الزراعية للاسر الى اقتصاد السوق. والعامل الثاني الذي تسبب في النزاع يتمثل في اجراءات سياسية اتخذتها الحكومات المتعاقبة حلت فيها الادارات الاهلية وحورت حدود القبائل وتخالطت وتداخلت الحدود القبلية مع الحدود الادارية التي كانت تصدر بين كل فينة واخرى بمراسيم سياسية مختلفة اسهمت في خلق واقع متوتر، ولم تنج حكومة الانقاذ الوطني من هذا الفعل. والعامل الثالث اقتصادي تنموي خلاصته حدوث تأخر دارفور في البنيات التحتية، وللأسف فإن ابرز مشروع تم التخطيط له تشييد طريق الانقاذ الغربي بعد ان بدأ تنفيذه توقف العمل فيه وصار متقطعا، وللأسف ايضا ان مساهمة ابناء دارفور في تنمية اقليمهم فيها تقصير كبير وكثيرون منهم يقيمون في الخارج ومنقطعون عن اقليمهم، بل العديدون منهم لعبوا ادوارا سلبية اذ نشطوا واسهموا في مفاقمه سوء الاوضاع بدارفور عبر نشر الغسيل الوسخ في حبال الانترنت والشباك العالمية. حتى اضحت دارفور حديث كل مهتبل ومستهبل. العامل الرابع هو السلاح وانتشاره في دارفور خارج القوات النظامية. اشير هنا تحديدا الى اربعة مصادر للسلاح كانت تتدفق على دارفور، سودانية، تشادية، ليبية واسرائيلية. وروى الاستاذ جبر الله خمسين فضيلي، وهو محام من ابناء دارفور والنائب بالجمعية التأسيسية فترة الديمقراطية الثلاثة 86 ـ 1989م عن حزب الامة، أن اول دفعة من السلاح دخلت دارفور بكميات كبيرة كانت ابان نشاط الجبهة الوطنية السودانية التي قادت المعارضة ضد حكومة المشير جعفر نميري. وكشف فضيلي في تصريحات لصحيفة «الحياة» السودانية انه تم تخزين كميات كبيرة من السلاح في عشرين حفرة بوادي هور بدارفور. وعندما بدأ الحوار بين الجبهة الوطنية وبين حكومة المشير نميري في اطار المصالحة الوطنية اعلنت الجبهة الوطنية اهداءها تلك الكميات للجيش السوداني وارشدت على مكان السلاح، وعندما ذهبت قوة من الجيش السوداني لإحضار السلاح وجدت ان عددا من تلك الحفر اخليت مما بها من سلاح وتأكد انه تسرب لايادي مواطنين من ابناء دارفور، ومثَّل ذلك انفلاتا وانتشارا للسلاح. وفي العام 1986م سلحت حكومة الديمقراطية الثالثة برئاسة السيد الصادق المهدي ميليشيات قبيلتي المسيرية والرزيقات بهدف مواجهة تمرد حركة قرنق نحو دارفور، وهو ما مضت فيه من بعد حكومة الانقاذ الوطني لذات الهدف. النزاعات التشادية شكلت مصدرا رئيسيا لانتشار السلاح في دارفور، اذ اصبحت دارفور مسرحا معبرا للسلاح بين الخصماء، ولعدم وجود موانع طبيعية فاصلة بين البلدين حيث تتداخل القبائل على الحدود. وهكذا ظلت دارفور مسرحا ومأوى للفصائل التشادية التي قاتلت الاستعمار الفرنسي (فصائل جبهة فرولينا) ثم حروب فترة ما بعد الاستقلال، ولعل اهمها المجموعة التي خرجت على الرئيس التشادي السابق حسين هبري يقودها العقيد وقتئذ ادريس دبي اثر محاولة انقلابية فشلت وتحولت المجموعة الى معارضة مسلحة ناهضت هبري الى ان اسقطته مطلع التسعينات. تشكلت تلك المجموعة التي قوامها ابناء الزغاوة وتجمعوا في معسكرات بدارفور وساعدهم ابناء عمومتهم الزغاوة في السودان. أما السلاح الليبي فمرده السياسة الليبية الثورية في السبعينات والثمانينيات حيث كان الرئيس التشادي حسين هبري حليفا للولايات المتحدة وخصما للجماهيرية الليبية بتوجهاتها الاشتراكية وتحالفها مع موسكو، ودخل معها في معارك عديدة بدعم من الولايات المتحدة ومصر (عهد الرئيس السادات) والسودان (عهد الرئيس نميري). وكونت ليبيا ما سمي وقتها بالفيلق الاسلامي الذي ضم عددا من ابناء دارفور لدعم المعارضة التشادية واتخذ من دارفور معبرا للدخول الى تشاد.
السلاح الاسرائيلي لم يكن بعيدا عن دارفور حيث ان الرئيس التشادي السابق حسين هبري ما كان يخفي علاقته باسرائيل امام التهديدات الليبية وكان يقول إنه مستعد للتعامل مع الشيطان، وليس اسرائيل وحسب، في سبيل حماية بلده مما سماه الغول الليبي. ومعلوم ان اسرائيل مدت الرئيس التشادي هبري باسلحة القوات الفلسطينية واللبنانية التي استولت عليها القوات الاسرائيلية في لبنان نقلتها الى تشاد بجسر جوي، عقب زيارة اسحق شامير وزير الخارجية الاسرائيلي وابراهام ازمير احد كبار قادة الموساد (جهاز المخابرات الاسرائيلي) الى تشاد. عليه ادت كل تلك العوامل الى بروز الجريمة المنظمة حيث ازداد عدد عصابات النهب وازدادت حوادث النهب واصبحت الحركة بين المدن محفوفة بالمخاطر وصار السلاح والجريمة وسيلتي كسب للعيش وللمواقع الاجتماعية مما فاقم الاوضاع. وأدى ارتباط عمليات النهب بالصراعات الموجودة في مجتمع دارفور الى اضفاء طابع قبلي على تلك العمليات في بعض الاحيان وإكسابها مشروعية لدى بعض القبائل باعتبارها عملا عدوانيا ضد قبيلة اخرى وليست جريمة، لذلك تجدهم يحصلون على حماية قبائلهم حتى اخذوا يشكلون عنصرا مؤثرا في المجرى العام للاحداث لدرجة انه لا توجد قبيلة مهما صغر حجمها ليست لديها ميليشيا مكونة من خارجين على القانون. وتداخلت عوامل اخرى وزادت الوضع سوءا وابرز تلك العوامل هي طموحات بعض المتعلمين من ابناء القبائل الذين حاولوا استثمار ازمات قبائلهم وازمة دارفور لتحقيق مكاسب ذاتية وذلك بإشعال نيران الفتنة بدلا من إخمادها، ونجد ان هذا العامل هو اخطر المؤثرات على قضية دارفور. ولا ننسى موجة الجفاف التي ظلت تحكم الخناق على القارة الافريقية منذ عام 1983م، الامر الذي زاد من حدة التنافس على الموارد الطبيعية الشحيحة اصلا، خاصة مع تزايد قطعان الحيوانات والتوسع المضطرد في الزراعة. وادى النمو الزراعي مع ازدياد عدد السكان الى توسع المزارع لتشمل (المسارات) التقليدية والتي كانت تتيح تحرك الحيوانات بدون اقتحام المزارع، مما صعد الاحتكاكات بين الرعاة. اما إلغاء نظام الادارة الاهلية في حقبة السبعينات فقد ازال الآلية المحلية الفعالة التي كانت تعمل على معالجة الخلافات التي ظل يتكرر حدوثها دوما منذ عهد الاستعمار البريطاني بين الزراع والرعاة، بسبب دخول الحيوانات للمزارع. لقد أوجد المستعمر البريطاني جهاز الادارة الاهلية سنة 1921م ليكون تنظيما للقيادة العشائرية التي كانت تسود في المجتمع السوداني قبل مجيئه، واستفاد المستعمر من مؤسسات المجتمع التقليدي في بسط الامن القبلي داخل القبائل وبين بعضها البعض. وبعد ذهاب المستعمر اصبحت الادارة الاهلية متهمة لدى القيادات السياسية السودانية في معظم طوائفها وتياراتها خاصة التيار اليساري الذي كان يقوده الحزب الشيوعي السوداني، ولا يستثنى من ذلك ابناء دارفور الذين ينتمون لهذه التيارات الوطنية المختلفة. فالادارة الاهلية كان ينظر اليها باعتبارها صنيعة استعمارية لمنع المجتمع الريفي من الانضمام لحركة التحرر الوطني وللمحافظة على المصالح الاستعمارية في المناطق الريفية والقبلية. وبعد ثورة اكتوبر 1964م التي انهت حكومة الفريق ابراهيم عبود (رحمه الله) وتولى الحكومة الحزبية، صدر قرار حل الادارة الاهلية في عموم السودان. وبعد خمس سنوات، اي في العام 1970م بعد اقل من عام من قيام حكومة مايو برئاسة المشير جعفر نميري والتي سيطر عليها اليسار في سنواتها الاولى، جاءت طامة أخرى على الادارة الاهلية حينما اصدرت حكومة مايو قرارا اوقفت بموجبه النظار والسلاطين من قيادات الادارة الاهلية. احدثت تلك التراكمات آثارا سيئة في دارفور التي عرفت بسلام قبلي اجتماعي يرعاه زعماء العشائر بالصلات الحميمة التي انشأوها مع بعضهم البعض على مر السنين، فازدادت المعارك القبلية بعد قرار حل الادارة الاهلية الذي لم يأخذ في الاعتبار واقع التنافس على الموارد المتناقصة امام تزايد وتكاثر السكان خصوصا ان الغالبية من اهل دارفور يقيمون بالريف. وقد ادى تعاظم الشعور لدى بعض الدوائر المحلية، خاصة في بعض اوساط الشباب، بأن دارفور تعاني من قلة التنمية والتهميش السياسي، مع تدخل جهات خارجية ذات مطامع وخطط جاهزة لاستغلال الوضع بتوفير السلاح. وفاقم ذلك وجود عطالة زائدة في اوساط الشباب ممن تركوا المدارس لاسباب مختلفة. وذكر الفريق محمد زين العابدين، نائب رئيس هيئة اركان الجيش السوداني في مطلع التسعينات وسفير السودان لدى الدول الاسكندينافية منتصف التسعينات، أن اسبابا اخرى ساهمت في تفاقم الاوضاع في دارفور منها تسرب ما نسبته 60% من الاطفال في سن الدراسة من مجال التعليم للانخراط في عمليات نهب مسلح وتكوين ميليشيات محاربة وسط سلاح منتشر في الفيافي والقرى




#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كارل ماركس (العظيم الآخير)
- لماذا إنفصل جنوب السودان؟
- الإقتصاد السياسى للمشروع الإستعمارى الإستيطانى الإسرائيلى
- المختصر فى العمل المأجور والرأسمال
- معالم الإقتصاد السياسى لدى روزا لوكسمبورج
- موجز نظرية القيمة لدى كارل ماركس
- ثم اما قبل!!
- مقدمة الطبعة الثانية من كتاب (الإقتصاد السياسى للتخلف)
- النيوكلاسيك
- التطور الرأسمالى وتعميق التخلف
- جذور التخلف الإجتماعى والإقتصادى فى مصر
- كيف تنظر النظرية الرسمية إلى التخلف
- (فى التناقض) لماو تسى تونج
- أمثلة على أزمة فهم الأزمة
- الشركات الإمبريالية
- تراث البله
- االإقتصاد السياسى هو علم فائض القيمة
- بصدد 25 يناير
- خواطر وأفكار أستاذنا العلامة محمد دويدار(الجزء الثانى)
- خواطر وأفكار أستاذنا العلامة محمد دويدار


المزيد.....




- في تركيا.. دير قديم معلّق على جانب منحدر تُحاك حوله الأساطير ...
- احتفالا بفوز ترامب.. جندي إسرائيلي يطلق النار صوب أنقاض مبان ...
- وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد يتسلم مهامه ويدلي بأول تصريحات ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض عدة اهداف جوية مشبوهة اخترقت مجالنا ...
- شاهد.. لحظة هبوط إحدى الطائرات في مطار بيروت وسط دمار في أبن ...
- -هل يُوقف دونالد ترامب الحروب في الشرق الأوسط؟- – الإيكونومي ...
- غواتيمالا.. الادعاء العام يطالب بسجن رئيس الأركان السابق ما ...
- فضائح مكتب نتنياهو.. تجنيد -جواسيس- في الجيش وابتزاز ضابط لل ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لقتلى قوات كييف في كورسك
- تحليل جيني يبدد الأساطير ويكشف الحقائق عن ضحايا بومبي


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - محمد عادل زكى - أزمة دارفور. كيف يراها رجال مؤسسة الحكم فى الخرطوم؟