خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3354 - 2011 / 5 / 3 - 20:12
المحور:
القضية الفلسطينية
كفلسطينيي لا يجب ان يحد موقفي ويشغل مساحته من توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية, الفرحة فقط, او ان ارى فقط انه يستجيب فحسب لشعار الشعب يريد انهاء الانقسام. لان الوقوف عند هذا الحد من رد الفعل عليه هو التجسيد الفعلي للانفعال العاطفي مع الوقائع السياسية, ان حق الوطنية علينا تتطلب قراءة متانية لهذا الاتفاق حتى نرتقي الى تعامل بناء معه, فنؤيد ايجابياته ونعترض سلبياته, بل ونعمل على حصارها واجهاض اليتها الضارة, ولا يمكن ذلك الا من خلال ادراك كيف ستتفاعل الحركة التي ينتجها الاتفاق مع حركة الصراع الفلسطيني مع الاطراف المعادية ومشاريعها,
ان الحد الادنى لمهمة الاتفاقات بين اطراف التعددية الفلسطينية, ان تخلق علاقات جبهوية تعزز وحدة الاتجاه القومي في الصراع وتطيل عمر العلاقات الجبهوية بين هذه الاطراف, الى ان تنجز على اقل تقدير الحد الادنى البرنامجي من الاهداف المشتركة,
فالاتفاقات تعقد بين اطراف متعددة لها حد ادنى من الاهداف المشتركة, ومهمتها بناء هيكل ذي حجم وقوة وقدرة اداء تعجز قدرات طرفا منفردا منها على تامينه, وهي تستهدف التاثير المبرمج بالواقع المحيط باطراف الاتفاق عن طريق تداخل حركتها مع حركة الواقع الموضوعي المحيط بها, والمجتمع الفلسطيني هو الطرف الضمني في الاتفاق والذي سيقع على عاتقه تيسير تطبيقه وتحمل تكلفته, وهو من حقه وعي وادراك الاتفاق بصورة سليمة فلا يستغفل فيه, ويكون هو الخاسر الاكبر.
وفي مقال سابق ابدينا تاييدنا لمبدأ التصالح وفي سياقه تاييد الاتفاق, معتبرين حسن نوايا الاطراف التي وقعته , مشترطين اعتباره _خطوة ومدخل_ يمكن مع توفر النوايا الحسنة, الولوج منه لمسار استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية السليمة, ووضحنا مسار تحقيق هذه الوحدة والمؤشر النظري السياسي على سلامتها كانجاز في حال تحققه, وصورة ذلك هي تعزيز _ وحدة _ التوجه القومي الفلسطيني في صورة تعددية سياسية ديموقراطية تتكيء الى مركزية قوة, وغياب تعددية القوة التي تمنع هن اي فصيل القدرة على الخط الاحمر لحال الوحدة الوطنية, لذلك ايدنا الاتفاق باعتباره خطوة في الاتجاه المعاكس لاتجاه _الصوملة_ الذي كانت تتحرك على مساره علاقات الفصائل الفلسطينية,
ففي تاريخ التجربة الفلسطينية قدم السلوك الفصائلي, ما يعزز مقولة اقتران الثقة بالشك, ليس في مجال العلاقات الداخلية فحسب وانما في مجالات التعامل مع مجمل _ ثوابت الحق القومي الفلسطيني_ والتي منها التمسك بالوحدة الوطنية الفلسطينية, فقدمت الفصائل بديلا لها هو السلوك الميليشياتي, مما عكس حجما للشك دائما اكبر من حجم الثقة ليس بين الفصائل فحسب وانما ايضا في الفصائل بالمجتمع الفلسطيني, فكانت التورية بديلا عن التربية السياسية السليمة, وكانت هذه التورية السياسية تخفي دائما ما ينطوي عليه النهج الفصائلي من روح انشقاقي انقسامي,
لقد كان الاستقلال _النظري السياسي المسلح _ لكل فصيل على حدة هو طابع النهج الانشقاقي قبل اتفاقيات اوسلو, اما بعد هذه الاتفاقيات فقد تفاقم الى استقلال وسيادة فصائلية سلطوية ديموغرافية وجيوسياسية كاملة, شلت الفاعلية القومية الفلسطينية وقدرتها على المناورة, وشكلت رافعة تخدم تطبيق برنامج العدوان الصهيوني, وعاملا من عوامل تفوق مناورته السياسية, الامر الذي مكن الطرف الصهيوني من احكام قبضته على كامل وضعنا القومي وحركته, وكانت خير عون لتهرب الطرف الصهيوني من اداء استحقاقات الثوابت الفلسطيني لا بل حتى استحقاقات اتفاقيات اوسلو المهينة. وقدرته في نفس الوقت على الزام طرفي الانشقاق الفلسطيني بشروط امنه الخاص,
اليوم يامل شعبنا ان يكون اتفاق المصالحة المنوي التوقيع عليه, مدخلا لتغيير ملامح هذه الصورة الكئيبة, هل فعلا يستجيب الاتفاق لهذا الامل؟
جوهر الخلاف الفلسطيني:
لا يتمحور الخلاف بين الاطراف الفلسطينية حول المناورة , بل كان الخلاف دائما حول _ التعريف النظري السياسي _ للذات والوضع الفلسطيني نفسه, فهو تعريف فكري عرقي ديني نتيجته الاساسية هي الانقسام والانشقاق الطائفي, اما التعددية الفصائلية فهي شكل خاص يجسد الروح الانقسامي داخل التحالف الفلسطيني الاسلامي المسيحي من المجتمع, ان التعددية السياسية الفلسطينية كما في اي مجتمع اخر, هي نتيجة منطقية لصراع الاتجاهات الفكرية, الرجعية المحافظة والليبرالية التحررية والوطنية, غير ان هذا الصراع الفكري في الواقع الفلسطيني لا يحتكم الى رؤية قومية فلسطينية مستقلة, مما سمح للتعدديات السياسية الاقليمية بالتداخل من موقع التفوق فيه ومعه وعلى حساب استقلاليته البرنامجية وقراره السياسي, فارتهنت مناورته الداخلية والخارجية, للمناورة الاقليمية المتعددة الاتجاهات,
لقد عملت التعددية الاقليمية على تحويل التعددية الديموقراطية في الواقع الفلسطيني الى تعددية ميليشياتية مسلحة, يسود خطابها تطرف الانحياز والاستعداد للجوء الى السلاح كمسار من مسارات الحوار السياسي بين الفصائل, وكانت الصورة الاكثر عنفا في تجسيد هذا الخلل وقائع عملية الانشقاق المعروفة.
ان الفكر الصهيوني يدرك وجود ويتعامل مع هذا الخلل في الواقع الفلسطيني منذ وعد بلفور, وقد وظفه بصور ومستويات مختلفة لصالحه, كان اولها في فصل الفلسطينيون اليهود عن باقي مجتمعهم وتوظيفهم ضده, وكان اخرها انسحابه المنفرد من قطاع غزة, والذي اتخذه بعد قراءة ميزان قوى العلاقات الفصائلية في القطاع حيث وجد انه يخدم تعميق نهج الانشقاق والانقسام في الواقع الفلسطيني ويفاقمه الى مستويات خطيرة, بان يحوله من تعددية ديموقراطية فكرية سياسية الى تعددية سلطوية ذات اطر ديموغرافية وجيوسياسية مستقلة.
ان الاطراف الاجنبية لم تخلق روح الانقسام والانشقاق في المجتمع الفلسطيني, فهذا نتج عن مسار من التقلبات العرقية الاجنبية على واقعنا وترسبات نتائجها تاريخيا فيه, لكن الاطراف الاجنبية تمده بمادة الاشتعال اللازمة لتبقيه مستعرا. ولتستفيد منه لصالحها الخاص,
لم يكن غريبا وهذه الحال ان يشكل هذا الخلل اساسا لعلاقة الواقع الفلسطيني بالواقع العالمي والاقليمي, وان تبقى الحركة الذاتية الفلسطينية ذات تعددية تتناغم مع التعددية المحيطة بها, ولا تعبر عن احتياجها وضرورتها الفلسطينية الخاصة, فوحدتها وانقسامها بقي انعكاسا لوحدة او تعددية اتجاه الخارج المؤثر عليها, ولم يكن غريبا ان تكون حالة الانشقاق الفلسطينية الاخيرة انعكاسا وصدى لحالة الانشقاق الاقليمية, وان يصل خدرها الى مستوى ان تكون رافع من روافع تسريع وتائر برنامج الاستقلال والسيادة الصهيوني, حيث ساهمت بصورة رئيسية في توسيع هامش استقلاله عن النفوذ العالمي, بان ساعدته في التحول من اداة وظيفية تعمل اقليميا لصالح النفوذ الاستعماري الى شريك مستقل لهذا النفوذ,
الخلل الرئيسي في اتفاق المصالحة:
ان قراءة بنود الاتفاق الذي وقعت عليه حركة فتح وحماس, يسقط منها توحيد تعريف الذات والواقع الفلسطيني باعتباره ذاتا وواقعا قوميا مستقلا في محيط اقليمي عرقي, وهو الجوهر الوحيد القادر على ان يؤسس لوحدة وطنية فعلية, تعزز وحدة التوجه الوطني الفلسطيني, في صورة برنامج حد ادنى جبهوي يحفظ وجود تعددية ديموقراطية جذرية متكافئة, ومركزية قوة متفق على وجه واتجاه استخدامها,
لذلك بقي نص الاتفاق يعكس حالة اتفاق اضطرارية بين اطراف متناقضة على قبول وضع _ تعايش مؤقت استثنائي_, فرضه عليهم ما يسمى بالربيع العربي الذي اعاد للنفوذ الامريكي في المنطقة وزنه وحجمه وهيبته بعد حالة التاكل التي المت به حتى نهاية العام الماضي,
بل ان الاتفاق يذهب الى مدى سلبي ابعد من ذلك, فهو يتاسس على اعتراف متبادل من و بين الطرفين بشرعية الاخر السلطوية, غير انه يحاول جمعهما في الية حركة متوازية تسير مؤقتا بنفس الاتجاه, لذلك كانت محاصصة القرار هي طابع الاتفاق, ولم تكن الاستجابة للضرورة الفلسطينية هي موجهه,
نعم لقد حمل الاتفاق توحدا على ضرورة التعامل مع مقولة التسوية, التي تعود القوة الى فاعليتها, بفعل استعادة الولايات المتحدة الامريكية لنفوذها الاقليمي, وبفعل انهيار فاعلية محور ممانعة هذا النفوذ, بل هو توحد واقرار بوحدانية الرؤية الامريكية للتسوية تحديدا, وفي هذا الاطار يتمحور التنازل الذي قدمته حركة حماس, في حين يتمحور تنازل حركة فتح لصالح حماس في اطار المحاصصة, الذي قبلته حركة حماس كونها تدرك دوره المؤثر في صياغة القرار ووجهة المناورة التفاوضية الفلسطينية, مع الخضوع لان لا يكون تاثيرها في القرار والمناورة خارج اطار الرؤية الامريكية بل في مجال المساومة على ارضها وفي اطارها. وشجعها على ذلك استمرار اختلال موازين القوى بين الطرفين لصالحها في قطاع غزة تحديدا,
ان صيغة _ اتفق الطرفان_ هي الشرط الاساس في هذا الاتفاق, اما صيغة بالتوافق مع باقي الفصائل, فهي الحاقية وتحيل القرار من صيغة الاجماع الفصائلي الى صيغة الاغلبية الفصائلية, وفي هذه الصيغ نجد تعزيزا لمكانة الفصيلين على حساب مكانة باقي الفصائل . فالصورة الائتلافية الفلسطينية في هذا الاتفاق مقتصرة على ائتلاف حركتي فتح وحماس, دون وجود ما يلزمهما بعدم العودة الى التنافر والانقسام.
ان اختفاء احتمال العودة للانقسام والانشقاق, مشروط باختفاء صورة التعددية الميليشياتية الفلسطينية, واستبدالها بحالة مركزة للقوة, وهو امر لم تتعرض له صيغة الاتفاق, وبات رضى اي من الفصيلين او غضبه من العلاقة الائتلافية هو ضامن استمرار العلاقة او فضها, يضمن ذلك حجم تسليح حماس في غزة وحجم تسليح فتح والسلطة في الضفة الغربية,
ان غياب المقومات السليمة للوحدة الوطنية, لا يجعل معنى لكافة الاجراءات الاخرى التي نص عليها الاتفاق, طالما ان الحركتين فتح وحماس هما السندان والمطرقة التي يجد نفسه بينهما الشعب الفلسطيني, وعمليا فان الاتفاق يقدم للشعب الفلسطيني فرصة ديموقراطية جرى تقنينها مسبقا, ولم يكن هذا التقنين بحسب احتياجنا القومي بل بحسب احتياج تعزيز سيطرة وسلطوية فتح وحماس فحسب, ومن الواضح ان الفصيلين يرقصان باداء متفاوت على انغام الهيب هوب الامريكي,
ربما يفسر الاتفاق هنا اذن توقيت تسريب الاعلام الامريكي افكار الادارة الامريكية حول التسوية, وكانه شرط مسبق تضعه الولايات المتحدة الامريكية امام اتفاق المصالحة الفلسطينيو وربما يفسر ايضا ان الجهد المصري ليس خارج هذا السياقو ويذكرنا بتصريح نبيل العربي في مؤتمره الصحفي المشترك مع هيلاري كلينتون في زيارتها الاولى لمصر بعد سقوط مبارك, حين اعرب السيد نبيل العربي عن حالة التطباق في وجهات النظر السياسية الامريكية
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟