أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - غناء لقمر بعيد -6-














المزيد.....

غناء لقمر بعيد -6-


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 3353 - 2011 / 5 / 2 - 12:46
المحور: الادب والفن
    


غناء لقمر بعيد -6-
غريب عسقلاني قصة قصيرة


تابوت الجليد

هذا الصباح أطلت كردة عروس من شمع, تسمرت على جفنها الناعس دمعة وردية بين التفتح والذبول, فيما المذياع يعلن عن غيوم ورياح عابثة تقشر الحجر والشجر, وموجة صقيع قادمة من بلاد الثلج..
أحكمت المعطف حول جسدي مثل دب قطبي يلوذ بدفء الفراء, وبخار قهوة الصباح يموت قبل أن يغادر فم الفنجان.. رجفة البرد ترجني.. من لي يدفئني هنا!! ومن له يدفئه هناك؟!!
كردة مع موج الصقيع تلوح بعد غياب سنين, آخر لقاء.. كنا نمشي على ضفة النهر نبحث عن أيامنا, كان النهر حزينا يرثي الأشجار التي فقدت بالقصف هاماتها وأعشاش العصافير, أخبرتها بقرار الرحيل إلى عمان والعمل هناك لعل شملنا يلتئم هناك.. قالت:
- سيفتقدك النهر وتبكيك الشمس.. أبقي هنا لتكوني يا هناء..
- هو غادر قسراً, قلبي معه هنا.. وخوفي عليه من نساء الجليد هناك.
سرحت كردة.. كان النهر يحمل جثث حيوانات نافقة يسير بها نحو المصب.. قلت:
- وأنتِ يا كردة! هل ستنظرين وقد حل الخراب؟!
- قدري أن يكون رفيقي النهر والنخيل وشمس البلاد..
- وهو؟!
- يبدو انه استعذب الغياب..
تطل علي كردة هذا الصباح.. أفيق على رنين هاتفي النقال.. صوت الطبيب المناوب مقتول من السهر:
- صباح الخير دكتورة, آسف على الإزعاج, لكن المريضة دخلت غيبوبة مفاجئة..
***
انطلقت بسيارتي هبوطا من قمة الجبل إلى بطن باتجاه المستشفى, فيما الريح تبخ ندفا ابيض يكسو الموجودات بعباءة بيضاء.. يتكاثف الثلج على زجاج السيارة تتحرك المساحات ببطء سلحفاة, وتموت الرؤية على بعد أمتار, والمذياع لا يكف عن توجيه السائقين إلى الطرق السالكة ويحذر من حوادث السير والمنزلقات.. تومض ومضة " يتوه المساء في عينيها, بين صيف يغفو في جفن المغيب ورواق طوي ينته بسراب.."
غابت.. وقبل عامين أطلت على غير انتظار:
- سأسافر إلى المانيا للعلاج..
- تعالي إلى عمان أكون إلى جانبك!!
- ربما تجذبه شمسي.. ربما ألقاه هناك..
عادت كرده ذات يوم محمولة على صوت:
- دخلت كردة في غيبوبة الغياب..
- عفوا.. من معي؟؟
- أنا هو.
***
مريضتي مسجاة مثل طفل وديع, وجهها يكتسي بروح الثلج, ترقد على شفتيها ابتسامة هازئة.. وتمارس بقايا شهيق وزفير.. يا إلهي هي كردة قبل عشرين, وأشحت بوجهي حتى لا يرى من حولي دمعة تعلقت على بياض عيني.. ووجدت نفسي أهمس.. صوتي لا يبعد عن فمي:
- انهضي يا كردة أنا هنا.. أنا هناء
تغمض المريضة عينيها, يتأبط ظلها طائر يحلق بها نحو بلاد الشمس, هي كردة أيام كنا أجمل فتيات الجامعة, ننهل ما يطيب لنا من حياة.. تسبقنا كردة بضحكتها الصاخبة, وخرخشة أساورها, على وقع مشي مهرة تفرد شعرها الخيلي مثل موج بحر.. تأخذني إلى صدرها:
- لا أرضى بأقل من رجل نهر
- ولِمَ النهر؟!
- النهر يحفر مجراه, لا يغير عاداته, ويفيض..
فجأة كست المريضة صفرة لاهثة, ربما اعتراها إعياء, أو غضب.. أخذت أمسد وجهها, استفز الدم يصعد إلى الوجنتين.. أطبقت المريضة عينيها على دمعة ساخنة, وأشرت للممرضة أن تبقى يقظة, وغادرت..
أغلقت عليَّ باب مكتبي وكردة معي.. المذياع ما زال يحذر من إغلاق بعض الطرقات ويعلن عن توقف الدراسة غدا.. انتبهت على طرق على الباب:
- ادخل..
أم المريضة خاشعة:
- طمئنيني يا دكتورة هل تعود؟؟
- ساعدني بما تعلمين يا سيدتي
ابتلعت المرأة بعض الكلام.. ثم قذفت:
- من قطف وردتها فجأة غاب
***
أسابق العاصفة للوصول إلى بيتي أعلى الجبل, تظل كردة من بعيد, صوتها الهامس يأتي من هناك, حيث " لمواسم الجليد بلاغة استدراج الجنون, واقتناص القلوب, حيث تخلو الشوارع من الناس وتحصد الريح الذكريات.."
في البيت كانت بانتظاري رسالة على الهاتف:
" ذهبت كردة إلى الغياب.. ولكِ طول العمر.."
عدت إليه:
- هل كنت عندها:
- لم أتمكن..
"ذهبت كردة وحيدة, تعد أنفاسها, وطائر غيب يحوم عند شباكها.. يوشوشها بأن هناك أفقا من ضياء يأخذ المسافرين للأمس.."
اتصلت بالطبيب المناوب أطمئن على المريضة, وقبل أن يرد أغلقت الخط, فقد تعلقت عيني برجل ما زال مرسوما على جدار القلب تاه عني بلاد الصقيع..



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غناء لقمر بعيد -5-
- غناء لقمر بعيد -4-
- غناء لقمر بعيد -3-
- غناء لقمر بعيد -2-
- غناء لقمر بعيد -1-
- قيامة غزة
- العزف على الوتر الثامن – 10 -
- عزف على الوتر الثامن –9–
- عزف على الوتر الثامن –8–
- هذا بيت أبي
- عزف على الوتر الثامن –7–
- عزف على الوتر الثامن –6–
- عزف على الوتر الثامن –5 –
- عزف على الوتر الثامن – 4 –
- عزف على الوتر الثامن – 3 –
- عز ف على الوتر الثامن – 2 -
- عزف على الوتر الثامن – 1 -
- غريب عسقلاني في هموم امرأة خضراء – 7 –
- هموم امرأة خضراء – 6 –
- هموم امرأة خضراء – 5 -


المزيد.....




- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - غناء لقمر بعيد -6-