جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3349 - 2011 / 4 / 28 - 22:48
المحور:
كتابات ساخرة
النظام السياسي الأردني يشغل ذهنه في مشاكل تافهة لا يمكن أن ينشغل فيها إلا الأطفال الصغار أو الناس ألقليلي العقل, وأذكر قبل عدة سنوات بأن ظهر شاب طائش في محافظة اربد يكتب على الأسوار (الجو بارد) فكنا أينما ذهبنا نجد هذه العبارة مكتوبة بالخط العريض من خلال عُلبة رَشْ على أبواب الدكاكين وعلى أسوار المدارس وأسوار الملاعب والدوائر الحكومية وغير الحكومية, وكنا نجدها على الأسوار مشطوبة ومكتوبة مرة أخرى, أي أن هنالك من يشطبها وهنالك من يعيد كتابتها وكذلك على الحيطان وعلى الشوارع وفي الأزقة وقد استنفر جهاز الأمن الوقائي وجهاز المخابرات والبحث الجنائي لمعرفة من الذي يكتب مثل هذه العبارة(الجو بارد)؟!, وقامت الدنيا وقعدت من أجل معرفة من يكتب مثل تلك العبارة على الحيطان وما هدف الذي يكتبها؟فمن الخبراء العسكريين من قال بأن الذي يكتبها يعتقد بأن الحكومة فاضية أشغال وأعمال حتى تركض خلفه, ومنهم من طرح هذا التساؤل :ما هو المقصود من هذه العبارة(الجو بارد)؟ ومن الناس من قال بأن الكاتب الذي يكتب هذه العبارة يريد أن يقول بأن الحركة الثقافية باردة ويجب على الحكومة أن تُفعّل الثقافة وأن ترفعَ من حرارتها, وقال آخرون بل قصد الكاتب بأن الجو في الخارج بارد وفي داخل قلوبنا حار جدا, وقال مقاولون معماريون أن الحركة الاقتصادية باردة ولا وجد في البلد حركات عمرانية, وبرز خبراء في علم النفس قالوا بأن العبارة قد كشفت عن العقل الباطن والوعي الجمعي, ومن الخبراء الأمنيين من قال بأن الهدف منها كشف مقدرة جهاز المخابرات على معرفة من كتبها وما الدافع لها فإذا كان جهاز المخابرات قوي فعليه أن يعرف من يكتب مثل هذه العبارة في غضون ساعات وليس أياما وأثبتت التجربة بأن جهاز المخابرات ضعيف ولم يكتشف الكاتب وما هو الدافع من وراء هذه الحركة الصبيانية,وقال بعض الناس معلقين على نشاط المخابرات بأنه نشاط يركض ويلهث للكشف عن النسوان الجميلات ومش فاضي هيك جهاز للمشاكل السياسية, وفي غمرة كل هذا قال آخرون بأن هذه الحركة ليست صبيانية, وقال خبير آخر في علم النفس: يا جماعة الموضوع بصراحه : هو أن الكاتب واحد مريض نفسي يتخيل بأن الجو فعلا بارد, ورد رجل سمع هذا الرأي وقال ووجهه غاضب: اللي كتبها مش مريض وإنما رجل حقير وواطي أوطى من الشفره على البلاط, وهنالك رجل طاعن في السن وله خبرة في الحياة ومشاكلها وشاهد في حياته كثيرا من هذه العبارات التي اعتبرها حركات صبيانية فقال: اللي كتب هذه العبارة واحد وجهه أصلاً بارد ومصقع و(صِلجْ) حتى أنه ما بسواش ملات آذانه طبيخ, ولو ما كان وجهه بارد ومصقع وصلج ما كان كتبها نهائيا, أما النساء عموما لم يلتفتن إلى الكاتب وإنما إلى الكاتبة وقالت غالبية النساء : إحنا شو مالنا ومال هذي المشاكل,الحكومة والناس فخار ويكسر بعضه, وقالت بعض الأخوات: الذي كتبها رجل يتمتع بشجاعة, ولكن قالت نساء من اتحاد المرأة من خلال تساؤل مطروح: لماذا لا تعتبرون المرأة هي التي تكتب مثل تلك العبارة؟ لماذا تفترضون الرجل هو الكاتب!؟ لماذا لا تكون الكاتبة امرأة؟... شجاعة!؟, أما بالنسبة إلى الجماعات الإسلامية وخصوصا حزب التحرير فقد قالوا بأن الذي يكتب عبارة (الجو بارد) هي الحكومة نفسها وذلك لكي تعرف رأي الشارع ولكي تشغل رأي الناس في مواضيع تافهة نظرا لأنها تستعد لرفع بعض المواد التموينية الأساسية مثل السكر والطحين والحبوب والزيوت النباتية, لذلك هي التي تكتب مثل تلك العبارات نظرا لأن هذا العام لا يوجد به لا انتخابات بلدية ولا برلمانية وبالتالي كيف ستشغل عقول الناس!, أما بالنسبة للجماعات الإسلامية الأخرى فقد قال الأغلبية بأن الحكومة تعرف من كتبها ولماذا كتبها, وبالنسبة للعمال الوافدين مثل المصريين فقد قالوا: انتوا شاغلين بالكوا في العبارة دي ليه يعني ما أتسيبوا اللي يكتب يكتب!.
لقد شغلت تلك العبارة القائلة(الجو بارد) أذهان الكثيرين من الناس العاديين والخبراء السياسيين وأطلقوا الحملات الكثيرة من أجل الكشف عن هوية كاتبها وكانت أغلبية الحملات سرية واعتبرت القضية مثل قضية (قناص نيويورك)أو (قناص المدينة) واعتبرت بحق إزعاج للسلطات المحلية بينما المواطنون كانوا ينظرون لها بشكل عادي على أنها ليست مشكلة, بينما الخبراء ما زالوا يعتبرون الموضوع خطيرا أي أنه من الممكن أن تكون هذه العبارة كلمة سرية بين عصابة وعصابة أخرى لفعل شيء بالبلد ومن الممكن أنها تهدف إلى صرف انتباه الحكومة إلى محافظة إربد فقط لا غير لتفعل ما تريده في محافظة أخرى, وقال بعض المستهترين بالقضية: يا جماعة الخير والله اللي بكتب هذه العبارة ولد صغير يا دوب عمره 15 سنة أو 14 سنة أو 17, يعني لا يمكن أن يكون بالغ السن القانوني, أما بعض الناس الذين يعتبرون أنفسهم خبراء في كل شيء فقد أكدوا على أن الذي يكتب مثل تلك العبارة واحد مختل عقليا وانتهى الموضوع.
وقال خبراء مثقفون من كتاب القصة القصيرة والكتابات الواقعية:ألحكومة لا تقرأ ولا تكتب, فكيف عرفوا بالموضوع؟ هنالك من ينقل الخبر للحكومة, وقال كتاب من صنف آخر: لماذا لم يكتب البطل عبارة أخرى غير هذه العبارة؟وقال كتاب من نوع آخر: لماذا أنتم تعتبرون الكاتب بطلا؟هل كاتب تلك العبارة(الجو بارد بطل)؟ الكاتب ليس بطلا من أبطال المدينة ولا روائيا ولا ثوريا ولا يساريا, الكاتب هو عبارة عن كومبارس أو إنسان تافه جدا, أما الكُتاب الذين غاروا وتحسسوا من الموضوع فقد قالوا: بأن الذي يُقبض عليه سيصبح كاتبا مشهورا ويا نياله , ورد خبراء بأن قالوا: لن يصبح مشهورا ولن يحاكم كسيلسي وإنما سيحاكم كأزعر متحرش بالنساء, وآخرون نصحوا الحكومة بأن تسكت عن الموضوع لكي لا تعتبر الناس الكاتب بطلا من الأبطال الأسطوريين, وقال فنان تشكيلي مشهور: القصة أو الرواية أصبحت لوحة تجريدية, وقال أستاذ ضليع في نقد النص والتناص والأدب المقارن: بأن الموضوع تم تحميله فوق طاقته وبأن النَصْ لا يستحق كل هذا البحث لذلك يجب أن نعتبر فعلا أن الجو بارد وخلص انتهى الموضوع, وقال نقاد فانتازيون لماذا مثلا لم يكتب عبارة تقول(الجو حار) ولماذا اختار فقط كلمة الجو بارد؟, أما بخصوص النقاد الأدبيين الذين وصل إليهم الموضوع متأخرا فقد قالوا بأن القارئ يعيد كتابة النص مرة أخرى لذلك أنا كقارئ أرى بأن العبارة لا تعني مضمونها العادي فهنالك جملة توليدية أخرى على حسب رأي (اتشومكسي)..., وسمعت من بعض الناس من قال بأن كاتب العبارة هو رجل طاعن في السن ومخرفن ولا يوجد عنده شيء ليفعله فأراد أن يشغل باله وفكره وفكر الناس معه,ووافق آخرون هذا الرأي وقالوا بأن الكاتب يريد الشهرة فقط لا غير, أما رأي بعض رجال الشرطة فقد كان عبارة عن وعد ووعيد للأزعر الذي يكتبها أي أنهم تعاملوا مع الموضوع كما تعاملوا مع الزعران الذين أحرقوا مكب النفايات.
وقال أناس يعتبرون أنفسهم حكماء بأن الذي يشغل باله وفكره في مثل تلك العبارة يكون عقله صغير ومحتل مثل الذي كتبها, فالذي كتب عبارة(الجو بارد) وما زال يكتبها في كل مكان أصلا عقله صغير, وقال حكماء آخرون: يا جماعة الخير أصلا العبارة ليست بذات أهمية وليست خطيرة حتى نشغل بالنا في جملة قالها طائش لا راح ولا أجا, لو مثلا قالها وزير أو رئيس جمهورية لقلنا بأن لنا الحق في البحث عن معناها, وقالت شخصيات حقوقية: من حق المواطن أن يعبر عن نفسه وعن رأيه في طبيعة الجو ويحق له أن يقول احساسه وفعلا من الممكن أن يكون إحساس الكاتب بأن الجو بارد, وعملية البحث عن الكاتب من أجل معاقبته لا يجوز ولا في أي قانون.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟