صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3349 - 2011 / 4 / 28 - 04:32
المحور:
الادب والفن
رحلة فسيحة في رحاب بناء القصيدة عند الشَّاعر الأب يوسف سعيد
6
وفي قصيدة رمل القمر، التي أهداها إلى الشَّاعر وديع سعادة، نراه يركِّزُ على، أهمّية الكلمة ونكهتها الطيّبة أكثر من العسل، ناسجاً فكرة أن يترك الشَّاعر لأطفالة الكلمة الطيّبة أفضل من أن يتركَ لهم قفائر العسل:
"عيناكَ حبّتان من رمل القمر،
ولعلَّها من قمح السَّنابل،
عيناكَ من فرط حبّكَ،
تحوّلتا إلى كهفين
لا يستوعبان هسيس خفّاشة صغيرة،
وعندما تنهدم أسوار مدينة القريض،
تلتهم ما بعثرته الرِّياح من شجن.
تلقيها في قفيرة نحل، وترحل،
ثمَّ تعود مثقلاً بالهموم، تبحثُ عن روضة ،
تخبِّئ فيها قفيرة جديدة، وترحل،
ثمَّ تعود إلى كلّ القفائر
فلا تجد فيها عسلاً، ولا خبزاً، ولا طعاماً.
ولكنَّكَ سترحلُ من جديد،
بعدَ أن تتركَ للرفاق قصيدة،
يحملونها إلى أطفالكَ،
ويقرأون في سطورها الأخيرة:
(القفار كلَّها فارغة، فكلوا من طيبات الكلمة) صبحاً، وظهراً، ومساءً." ..
لقد وضع، القفار كلّها فارغة، فكلوا من طيّبات الكلمة، بين قوسين فهل اقتبسها من الكتاب المقدّس لأنّها تحمل رؤية نكهة الحكم والأمثال الواردة في الكتاب المقدّس، وقد جاءت إنسيابيّة وكأنّها جزء لا يتجزّأ من النصّ.
وفي قصيدة فاتحة، يركِّز الشَّاعر على حميميّة القصيدة، على أنّها ثمينة للغاية، إلى درجة أنّه قارنها بالطُّفولة التي لا يمكن للإنسان أن يبيع طفله حتّى ولو كان الطّفل الخامس عشر، حيث يقول:
" من الممكن أن تبيع أثمن قلادة لؤلؤة في عنق التي تحبّها،
ولكنَّكَ لا تستطيع أن تبيع طفلكَ الخامس عشر،
ولا يمكن أن تبيع قصائدكَ للناس
وقصائدى أنا، أبداً لا تُباع" ..
والشَّاعر يحبُّ الطَّبيعة حبّاً عميقاً، إلى درجة أنّه يريد أن يتوحَّد مع الطَّبيعة، ويتجلَّى لنا حبّه هذا من خلال قصيدة بعنوان، حديقة:
" لأنّني وحدي أحبِّذ ماء يتفصّد من مسامات جسدي
تمتدُّ أصابعه عبر السُّهول،
وأطرافه تلوب، تتكوَّر، تمتدّ،
وفي الأخير جسدي يصنع حديقة" ..
والشَّاعر معروف بنصّه الجامح نحو إدهاش القارئ، يقول في ختام قصيدة نصوص:
" .. وبعد أن تعشّى جسد الغمامة،
توارى ثانيةً داخل أحشاء اللغة" ..
ومن شدّة شغفه بالموجودات التي تحيطه يتواصل معها وينغمس فيها وكأنّه جزء منها أو جزء منه، ففي قصيدة أثداء ، يقول:
" غداً، عندما يبحثُ اللَّيل عن جدائله القديمة
يعانق صوتي مساءات عظيمة،
ويرتدي جسدي صبائح مستقبل بعيد،
حينئذٍ أكونُ كساقية، يرتعش الضَّوء في خريرها .." ..
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟