أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحاب ضاهر - بيضاء














المزيد.....

بيضاء


رحاب ضاهر

الحوار المتمدن-العدد: 999 - 2004 / 10 / 27 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


إليها حيث تتلهى بنفث دخان أركيلتها من ثقوب أيامها

تقف أمام مرآتها تمتص شهوة جسدها ؛وتقرض لوعة الأيام على فراش الوحشة.
تقارن بين بياضها,وسواد أقدارها!
أيهما اشد وطأة عليها؟!!بياضها؟!أم سواده ؟؟!!
تقضي الوقت بنثر مسحوق الصبر على سطح ذاتها ؛وتدلك أياما بلغت من الكبر عتيا, وتحاول آن تحيي العظام وهي رميم. يأتيها في اليوم المخصص لها, يرمي جسده البالي أمامها طالبا نشوة فردية!!!!
من خلف الأبواب تعيش أيامها، وخلف الأبواب تخفي رغباتها.
تتدحرج كرة الأيام للخلف....تتسرب من خلف الباب كلمات تمر بها وتنزلق إلي داخلها:
- لا تقلقي "جيهان" بيضاء ستتزوج سريعا ....اهتمي ب"وفاء خذيها إلى المزينات واشتري لها كريمات لتفتيح بشرتها. أخاف أن لا يلتفت إليها أحد لأنها شديدة السمرة ...
بين سمرتها وبياضها أقدار كثيرة وتدرج لألوان الحظ ،وتبادل لكراسي الأمنيات .
بيضاء ....ستتزوج سريعا ....سمراء ......لا أحد.........
من خلف الباب تسمع وقع أيامها،ومن خلف باب الصالون نظر إلى بياضها،ونظرت إلى شاربيه. لم تستطع آن ترفع بصرها اكثر من ذلك, ولم تستطع آن تستمر معه اكثر من سنة، كانت المشاكل السوداء تلطخ بياضها، وكل مرة تمسح والدتها الهباب عنها وتعيدها إليه. تعطيها شيئا من مسحوق الصبر ليدوم الزواج.
تنظر في مرآتها ،وتحدق في بياض الثلج المتساقط عليها من بشرتها ، تهطل عليها قطعة سوداء محترقة سببها استعمال ذلك المسحوق. لم تصدق انه قد ينفذ تهديده بحرقها آن هي أصرت على الطلاق. لن يدع أحدا غيره يستمتع ببياضها. يقترب منها حاملا سيخ الحديد الملتهب كألسنة جهنم .....تهرب منه ...خافت آن يسيل بياضها على المرآة, تخفي وجهها، لكن بقعة سوداء لطخت كتفها الأيمن ووشمت أيامها على مر السنين با لسواد والحرمان من طفلة لم ترها ،وأمومة لم تحسها.
نظرات "وفاء"اشد سواداً من كحل عينيها ،تسدد إلى بياضها نظرة الانتصار الشامخة. لطالما كانت المدللة عند والدها وهي الفأرة السوداء كما كان يناديها. تتباهى بزوجها وأطفالها وحظها الأكثر بياضا منها هي البيضاء المطلقة .لكن والدها لا زال يستعمل مسحوق الصبر, ويأمل. فهي بيضاء والخطاب يقرعون أبوابها .الجميع يريدها بيضاء لذة للناظرين !!!!
من خلف الباب تزوجت مرة أخرى وتنفس والدها الصعداء ،وبرقت عيناه وقال في سره :بيضاء .لكن سريعا هب غبار القدر وغطاها بسواده ،عادت مطلقة مرة أخرى ،وانكسرت نظرات والدها ،وازدادت نظرات "وفاء" شموخا وسخرية .
عادت لمنزل أبيها تكدس الأيام على ظهر خزانتها ،وتجمع الوجع في صدرها، وتسدل ستائر القدر على نافذتها لاترى نور الحياة ولا ابنتها ،وترش مسحوق الصبر على خفقاتها حتى لا تظهر بقع الدنس على بشرتها.
أغلقت الأبواب ، وتكومت في فضاء الملل تحاول آن تلون بياضها بألوانا أخرى فلم يعد يجلب لها السعد ويميزها عند والدها ، يثور عليها لاتفه الأسباب, يحاصر نظراتها، ويجمع بياضها في قارورة معتمة حتى لا يلطخه الناس بسواد الهمز واللمز.
سنواتها تمر وهي حبيسة صفيح الطلاق ،وتستهلك كميات وافرة من مسحوق المرارة ،وتوصد أبوابها كل ليلة بالانتظار. تسحب الهواء من داخلها خوفا من تسرب وساوس طائشة تبعثرها.
كان عليها آن تفتح الأبواب حتى لا تختنق. قبلت به بحثا عن أنبوب أوكسجين تتنفسه، ارتضت آن تكون زوجة ثانية لرجل يبحث عن جنة عدن لديها هربا من زوجة متصحرة متناسيا آن رياح السموم مرت به وهي في طريقها إلى زوجته الأولى ،فلم يلحظ بياض الأيام على مفرقه وتجاعيد السنين الغابرة على جبينه ويديه اليابستين .
ما أن بزغ بياضها من خلف الباب حتى عقد عليها. تحاول أن تمتص من جسده اليباب لوعة النشوة. ينفض قطرات جسده سريعا ويدير ظهره لعويل حواسها. ينقر سمعها صوت والدتها :
- يجب أن تنجبي منه طفلا ....يجب أن تؤمني مستقبلك .
تتحسس بطنها. عليها أن تملأه بنطفة منه حتى لاتستولي زوجته الأولى وأولاده على الميراث. تجمع حطب الأيام وتسكب عليه زيت الخوف وتوقده. تدهن جسده بزيت اللوز وتدلكه علها تنشط دورته الدموية فيصب في جسدها شيئا من مائه الراكد .

تطرق الكلمات أبوابها....حمل ...ميراث ....طفل ....
من أين تأتي بمن يمنحها شيئا من ....صلبه ليمتزج مع ترائبها !!!!!
تحدق في بريق مرآتها وتلمع الرغبات تحت بياضها. من خلف الباب يناولها دائما "البيتزا" التي تتطلبها إلي المنزل. تشهق عيناه كلما لمح طيف بياضها .
تبحث عن حملٍ يأتيها أيضا من خلف الباب !!!!!
تحدق في ذاتها وتدق رغباتها الأبواب بعنف ، يروق لها شبابه ونضارة الحياة في يديه عندما يناولها "البيتزا" .
"ماذا لو لم يحدث حمل من مرة واحدة"
تشتد طرقات الرغبات، ويتسرب الهواء إليها فيبعثرها. تحاول سد الباب، لكنها لم تعد تقوى على إبقائه موصدا على أيامها التي مرت في انتظار الانتظار، وامتلأ قاع الجسد بحشائش الأمنيات المفترسة.
ترفع سماعة الهاتف وتطلب "بيتزا" .تقف أمام مرآتها ،وتعدل حواسها وتغسل عن ذاتها مسحوق الصبر وترش على بشرتها عطر الحياة وتخرج رغبات حفرت لها خنادق في بياضها.
"كانت دائما بيضاء ،لكنها منذ اليوم تريد أن تشعر أنها بيضاء" يدق الباب فيدوي جرس عاصف في أرجاء جسدها !



#رحاب_ضاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لنطفئ شمس بيروت -1
- وطن
- الساعة السادسة
- زهرة الشمس - قصة قصيرة
- كوليسترول ثقافي
- مقابلة مع الكاتب اليمني وجدي الاهدل
- هل تنشب أزمة بين ليبيا وفلسطين في سوبر ستار؟


المزيد.....




- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحاب ضاهر - بيضاء