|
ايها المعلم لا تكون أناني
بن بوزيد
الحوار المتمدن-العدد: 3347 - 2011 / 4 / 26 - 18:21
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
أيها المعلم أيها الأستاذ ، أنت الذي لا تتوقف عن المطالبة بالحقوق و التهديد بالإضراب في كل مرة ، و تريد من الدولة تحسين ظروفك الاجتماعية . أنت أيها المربي ، لنفترض أن الدولة استجابت لكل مطالبك ، فرفعت أجرتك إلى مستوى يفوق كل القطاعات التابعة للوظيف العمومي ، و وفرت لكل معلم و أستاذ السكن اللائق ، وضمنت لأبنائه الرعاية اللازمة ، حتى يتفرغ لمهام التعليم و صنع رجال المستقبل ، وحددت لك 25 سنة كحد أقصى للخدمة يأتي بعدها المعاش . ستكون في وضعية مريحة جدا ، و ستحتل مركز اجتماعي مرموق ، و ستحظى بالاهتمام و التقدير من كل فئات المجتمع ، بل وتكون مثل أعلى يقتدى به افراد المجتمع ، وهنا يتحقق قول الشاعر فيك . قم للمعلم ووفه التبجيل كادا المعلم أن يكون رسول لنفترض ان كل هذا تحقق ، فما هي النتيجة أيها المربي ؟ انك لا تتصور حجم الكارثة التي تنجر عن الاهتمام بك. ان الرفع من قيمة المعلم يشكل طامة كبرى و تهديد مباشر بالنسبة لكثير من القطاعات التابعة للوظيف العمومي ، فلا تكون أناني أيها المعلم . نعم تهديد مباشر لأرزاق الناس . وتهديد للأمن القومي . إيه الأمن القومي . إن الاهتمام بالمعلم و جعله يتربع على صدارة الفئات النشطة في المجتمع نتيجته واضحة و سريعة ، ان هذا الكائن ـ المعلم ـ سيتفرغ الى التعليم نتيجة لهذه الرعاية ، و يأخذ عمله كل وقته ، مادامت الدولة تكفلت بمشاكله الاجتماعية الأخرى ، وستكون مردوديته كبيرة جدا ، وسينجح أخيرا في بناء المواطن الصالح ، و يبني العقل الذي يساهم في تجاوز التحديات المعرقلة لسير الأمة ، إن التلميذ الذي يدرسه هذا المعلم ـ المهتَم به ـ سيكون مهئ للفعل الحضاري ، و يحوز على وعي تاريخي ، و على دراية تامة بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ، سيكون هدف هذا التلميذ هو التطور و اللحاق بالركب الحضاري ، و المساهمة في تشييد الحضارة الإنسانية . و فضلا عن هذا ، سيكون ابعد الناس عن الفساد و الإجرام و اللصوصية و الرشوة و التزوير و الغش و المحاباة ، و يكون معتمدا على نفسه و قدراته ، ولا يضع في الحسبان اي اعتبار " للمعريفة " و المحسوبية ، لن يفكر هذا التلميذ في المستقبل بعقلية " عندي لكتاف " سواء كانت هذه الأكتاف مرصعة بالنجوم او اليورو ، لا يوجد اعتبار عن هذا التلميذ الذي درسه ذلك المعلم الذي اهتمت به الدولة لكل هذا ، لن يفكر في الوسائل الملتوية حتي ينال مناصب معينة . كما انه سيكون ابعد خلق الله عن تعاطي المخدرات و الحبوب المهلوسة . اي ... اسمع أنت ... أيها المعلم ربما تعتقد ان بناء المواطن الصالح مدعاة للافتخار ، و قد يذهب بك الغرور إلى حد الاعتقاد بانك تساهم في تحقيق مشروع مجتمع مستقبلي . ايها المربي " افطن " ، ان روادك هذا الشعور فأنت مخطئ تماما ، وحالم ، انك في الحقيقة أناني فقط ، لا تفكر الا في نفسك . تصور معي ايها المعلم الحالم تصور معي يا افلاطون ، مجتمع أفراده على وعي كبير بحاضر و مستقبل أمتهم ، أفراده يتمتعون بوعي تاريخي ، فلا يفسدون في الأرض ، لا يتورطون في جرائم ، لا سرقة ، لا رشوة ، لا محسوبية ، لا تزوير ، لا نصب و احتيال ، لا كذب لا نفاق ، لا عنف . انه المواطن الصالح . لنفترض مرة اخرى انك تمكنت من تكوين المواطن الصالح ، الم تفكر ايها المعلم للحظة ، قبل ان تقدم على هذا العمل الخطير ، في مصير الآلاف من الموظفين مثلك في قطاعات أخري غير التعليم ، ما مصير قوات مكافحة الشغب ايها المحترم ، اذا كان الجمهور على وعي تام ، فيتابع مثلا مباراة في كرة القدم بروح من يتابع عمل فني او مسرحية فليس له من غرض الا المتعة البعيدة كليا عن العنف . ماذا نفعل بقوات مكافحة الشغب ؟ نسرحها أيها الأناني أليس كذلك . ثم اذا انعدمت اللصوصية و الإجرام في المجتمع ، فماهو دور الشرطة ، التي كنا نعمل على الرفع من تعدادها الى درجة شرطي لكل مواطن ،هل يبقى لها من دور ؟ وجود المواطن الصالح ايها المعلم يعني تسريح اغلبية الشرطة ، فهل هذا يرضيك ؟ لا اظن ، و انت المعلم ، صاحب الضمير الحي . و اذا انعدم الإقبال على المخدرات و تجارة الأسلحة فما فائدة حرس الحدود و الدرك الوطني . نسرحهم كذلك ايها المجرم ، او على الأقل نخفض التعداد الى ادنى المستويات اذ لا مبرر لهذا العدد الكبير من هذه الفئات التي تنهك الخزينة العامة بدون سبب في ظل المجتمع الصالح . و بالطبع اذا زالت مبررات وجود الشرطة و الدرك الوطني ، و الحماية المدنية ، فان المحاكم بدورها تكون مهددة . ايها المعلم الم تفكر في مصير القاضي ؟ الا تعلم ان المواطن الصالح يجهل طريق المحاكم ، ان المواطن الصالح يضع القضاة وكتاب الضبط و كل من ينتسب الى هذه المؤسسة ، في حالة بطالة ، الأمر الذي يفرض تقليص عددهم ، و اذا كان القاضي لا عمل له ، فقل على المحامي و المحضر القضائي السلام ، وانصحهم ايها المعلم بتغيير المهنة . ثم ان الدولة يجب ان تلغي كل المشاريع ، بسبب ظهور المواطن اصالح على يديك ، المشاريع التي كانت مبرمجة لإقامة المزيد من السجون ، و العمل على تحويل المنجز منها الى مراكز ثقافية و نوادي للمواطن الصالح ، الم تفكر ايها المعلم في مصير السجانين ، لا تكون أناني بربك . كما ان المواطن الصالح سيهتم بصحته اكثر ، و بالتالي سيحافظ على نظافة المحيط ، و نظافة المحيط تعني عدم الحاجة لعمال النظافة فنسرح الكثير منهم كذلك ايها المجرم ، بل ان نظافة المحيط و الاهتمام بالصحة اذا كانت ناتجة عن وعي يملكه المواطن الصالح ، نتيجة التربية و التعليم ، فان هذا المواطن قلما يتعرض للأمراض ، و اذا لم يمرض المواطن ، فهذا يعني غلق الكثير من المصحات العمومية و الخاصة ، والتهديد بالغلق يمس ايضا الاف الصيدليات . ويعني الحكم على الموظفين هناك بالبطالة . فهل تريد التوظيف لنفسك فقط ايها الأناني ؟ وفي المحصلة نصل الى إلغاء وزارة العدل بشكل تام او دمجها في وزارة أخرى في أحسن الأحوال ، وإلغاء وزارة الصحة ووزارة الشؤون الدينية ، ووزارة الداخلية في شقها الأمني . فهل يرضيك هذا ايها المعلم ؟ هل يجب التضحية بكل هذه القطاعات من اجلك " ما تحشمش" خسئت ايها المعلم , عد لرشدك و اعرف قدرك و لا تكون أناني . لهذه الأسباب يجب ان تُهان و تُداس بالإقدام ويجب تصويرك دائما في شكل كاريكاتوري يبعث على الضحك و الاحتقار ، و السخرية . ينبغي ان لا تكون مثل اعلى للتلميذ ، يجب ان لا يراك التلميذ الا و أنت في وضع مأساوي ، أشعث ، اغبر ، بائس ومنبوذ من كل فئات المجتمع . حتى لا تكون قدوة بل تكون عبرة لمن يعتبر، لا بد من التشهير بك و الحط من قيمتك و التقليل من دورك في المجتمع ، و تشويه سمعتك ومحو ما سطره الشاعر فيك من مديح ، هل يمكن تشبيهك بالرسول ؟ عن اي رسول تتحدث بل قم للمعلم ووفه التركيل ، لا تبجيل و لاهم يحزنزن . يقال ان فتاة تقدم معلم لخطبتها ، فعرضت قضيتها على امها ، فكان رد الام معبر عن ما يجب ان تقوم به الدولة تجاهك ، قالت لابنتها " شدي به ـ المعلم ـ يدك ، هو خير من مكانش " وهنا فان التلميذ لن يأخذ مأخذ الجد ، كل ما تنفثه فيه من إصلاح و تهذيب . و بالتالي لن تنجح أيها البائس في تصنيع المواطن الصالح . و لن نسمح لك ان ترمي بآلاف الموظفين مثلك الى الشارع ، بتهورك و رغبتك في تكوين المواطن الصالح .
#بن_بوزيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رأسه يحمل ألوان -الكوفية- الفلسطينية.. الحوثيون ينشرون فيديو
...
-
مقتل 4 أشخاص في حرائق غابات اجتاحت مناطق سكنية في لوغانسك
-
الدفاعات الروسية تسقط 16 مسيرة أوكرانية غربي البلاد
-
واشنطن تعاقب شركة تنتج برمجيات تجسسية يديرها ضابط إسرائيلي س
...
-
طبق طائر يناور في أحد الأنهار الفيتنامية.. ما القصة؟ (فيديو)
...
-
طريق رسائل السنوار .. كيف تخرج وتصل إلى المتلقي؟
-
الاتحاد الأوروبي يعلن إجلاء ناقلة نفط أحرقها الحوثيون في الب
...
-
كيف قنصت مصر أغلى طائرة تملكها إسرائيل؟
-
الأردن يؤكد استلامه جثمان المواطن ماهر الجازي
-
السنوار يقول إن حماس مستعدة لخوض -معركة استنزاف طويلة- ضد إس
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|