|
حوار مع صبري يوسف، أجراه د. ليساندرو 8
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3346 - 2011 / 4 / 24 - 15:34
المحور:
الادب والفن
حوار مع صبري يوسف، أجراه د. ليساندرو 8
د. ليساندرو
معاناة الاديب
يخوض الأديب صراعاً على ثلاث جبهات: صراعاً مع الذَّات، صراعاً مع المجتمع - كما سبق أن بيّنت فيما تقدَّم - وصراعاً ثالثاً مع فنون البيان. في حلبة الصراع مع البيان وفنونه - من الكلمة المتخيرة والتركيب المحكم والصورة الجميلة الموحية والخيال المجنح وما شاكل هذا من المحسنات المؤثرة - يلقى الأديب عنتاً شديداً ويكابد مشقة أدهى وأمرّ وتراه لايتوانى عن الشكوى واظهار الضَّجر من المعاناة، وليس بنادر أن يسقط في هذه الحلبة وينتهي أمره الى الصمتِ المروَّع.
ترى إلى أيِّ مدى يبلغ بك وجع اللفظ وعذابات الصياغة الفنية وأنت – قلمك - في حال المخاض؟!
أهنئك على إجاباتك الموفّقة على أسئلة إيلاف، حول الترجمة، وعلى اصرارك الشجاع على الاستمرار في معركة الخير.
الى أيِّ مدى يبلغ بك وجع اللفظ وعذابات الصياغة الفنية وأنت - قلمك - في حال المخاض؟!
صبري يوسف
لا تصادفني أيّة مشكلة في موضوع البيان، وما تسمّيه وجع اللفظ وعذابات الصياغة الفنية لا يخطر هكذا وجع على بالي نهائيّاً! تولد عندي الكتابة بإنسيابية عذبة، لا أفكِّر إطلاقاً بالمفردة، والصياغة الفنية، تولد المفردات من رحم الحياة كما نشهق شهيقنا بعمق ونحن نعبر حديقة وارفة بالزهور والورود، أكتبُ نصوصي عن تجربة، حتّى النصّ المتخيل، يمرّ في حالات ومخاضات، وعندما تحين لحظة إنطلاقة الشرارة فلا أحتاج إلا إلى ومضة، فكرة، شرارة تندلع في رحاب الذاكرة والمخيلة ثم تتدفَّق الأفكار بشكلٍّ عفويٍّ خالص ..
لا يوجد عندي مخطّط مسبق لقصّة أو رواية أو لوحة، تولد الأفكار من رحمِ الحياة، من تلقاء ذاتها، ربما هي إنعكاسات أفكار غافية في تجاعيد اللاشعور، أحياناً يستهويني فكرة ما فأعبِّر عنها وإذ بي أجدني تائهاً عابراً عوالم أخرى وتبقى الفكرة التي أمسكتها في البداية وكأنّها فكرة عابرة في سياق النصّ وتولد أفكار أخرى تتحوَّل إلى محاور للنصّ، وهكذا لا أجد أية مشكلة أو صعوبة في مسألةِ الصياغة الفنية، طبعاً عندما أكتب نصاً ما أعود وأراجعه وأصيغه وأصطفي منه وأضيف وأحذف لكنّ كلّ هذا هو مجرّد رتوشات لا أكثر وأحياناً وأنا أنقِّح النصّ تتوالد أفكار جديدة عبر الصياغات النهائية، وعندما أكتب نصّاً شعرياً، ففي كلّ مراجعة أضيف إليه وأشعر أنَّ النصّ الذي أكتبه خاصّة "أنشودة الحياة" لا نهائية، لأنني عندما أصيغ مقاطع منه كي أربطها وأبوّبها مع ما يتناسق معها تولد جملاً شعرية جديدة، ويراودني أنني قادر على الإضافات الجديدة المناسبة في كل مرة أراجع النصّ! وهذا الأمر أحياناً يتعبني لأنني أراني عندما أكون في رحاب نصّي تائهاً في عوالمه، متدفِّقاً مثل شلال من الفرح، أنجرف في بهجة النصّ ويختطفني من ذاتي وأبقى في حالة عشقية لذيذة لساعات طوال، أكتب وأصيغ وأنقِّح ولا أملُّ، وأحياناً عندما أشعر بنشوة ولادات النصّ، وأصل إلى مرحلة الامتلاء الفرحي، أجدني أضع موسيقى راقصة وأرقص على أنغام الموسيقى وكأنَّني في حفلة ساهرة، أرقص بفرح عميقٍ، لأنّني أجدني منتعش فرحياً فلا بدَّ من تفريغ طاقاتي الفرحية بعد أن أشعر بحالة الامتلاء من نشوة الكتابة، فأرقص أحياناً لوقت طيب، ربع ساعة، نصف ساعة، أعرق فآخذ دوشاً، أتجدَّد جسدياً وروحياً، أسترخي قليلاً أعود للنصّ بشهيّة مفتوحة أقرأ النصّ كقارئ ناقد، وأحذف ما لا أراه مناسباً وما يبدو لي نافراً، لا أحبُّ الجملة المفتعلة والجاهزة، والتعبير القوي من دون معنى، الجملة عندي تشبه حديقة من كلّ الزهور والأشجار المثمرة والشَّوق والحيوانات المفترسة والأليفة، البشر الأخيار والأشرار، تشبه تلاوين الحياة، أحياناً تأتي مفردة في صياغة غير متوقّعة ولا تبدو مناسبة كصياغة شعرية وفنية أو جمالية فأتركها على حالها لو تحوي إيحاءاً شفيفاً، يسرُّني أن تنبعثَ جملة فيها غرائبية وتجديد في الصياغة، هناك مفردات عديدة، أشعر أنها ملتحمة في جوانحي، فأحياناً تتكرر في بنائي الشعري والقصصي فأستدرك هذا لكني أتحايل على البناء ببنائها بناءً جديداً مع صورة جديدة بحيث أن يكون تكرارها مريحا وهادئاً عليّ وعلى المتلقِّي، بصراحة لا يخطر على بالي المتلقِّي لحظة الكتابة إطلاقاً، لا رقابة عليّ سوى رقابتي، ورقابتي جامحة غير مرتبطة بأي قيد أو رقيب، وهكذا حتى رقابتي غير رقيبة عليّ بالمعنى الدقيق للرقابة، لكن هناك لاشعوري الضمني وشهوة ولادة الإبداع تأتي في سياق ما تعكس رؤيتي وأفكاري في الحياة، ربما أفكاري الهائجة هي الرقيب الأقوى فلا أكتب إلا ما يستهويني وبهذا تكون رؤاي هي التي تحدِّد الرقابة المفتوحة المتاحة، لكن بعد أن يولد النصّ أهذِّبه لغوياً وبنائياً وأجري عليه تعديلات بحيث أحافظ على عفويتّه وجموحه وأخفِّفُ من الاسترسال ما أمكن!
لا أخفي عليكَ ولا على القارئ العزيز أنَّ نَفَسي يتناسب لكتابة أعمال روائية، لأنني أعشق السرد، السرد هو رحيق فرحي، أشعر أحياناً أنني أكتب عملاً روائياً حتى عندما أكتب الشعر أو القصة القصيرة، أحبّ أثناء كتابة نصّ سردي أن أنقش تفاصيل صغيرة ودقيقة وكأنّها مرسومة لفيلم سينمائي وتشبه سيناريو لفيلم أو تشبه نصّ جاهز لسيناريو فيلم، بمعنى آخر أميل إلى لغة التصوير، ولا أحبّ التسلسل عبر خيط منطقي دقيق ضمن أحداث سببية متتالية، فعندما أكتب سرداً يفرحني أن أقفز من حالة إلى أخرى ربما لا يجد القارئ أي رابط تربط الأحداث لكني أربطها عبر جموحات السرد، وأحب أن أفاجئ القارئ بما لا يتوقّعه!
أريد أن أعترف أنّ لديّ شراهة في الكتابة، شراهة مفتوحة، ولا تزعجني هذه الشراهة رغم أنها تصلبني ساعاتٍ طويلة خلف الكومبيوتر، أنقش حرفي بمتعة غريبة ولذيذة، أتأمّلُ، أسمعُ موسيقى، وأقرأ كثيراً!
لدي طاقة كبيرة في تحمّل العزلة، التأمّل، الكتابة، ... عندما أتعب أنام فأستسلم لنومٍ عميق، أنام خلال ثوانٍ، لا يقلقني شيئاً، أكبر مشكلة تعترضي لا أعتبرها مشكلة فأعتبر مشاكل الحياة أصغر من أن تزعجني وتقلقني وتعكّر مزاجي ..
أستثمر همومي وأوجاعي ومشاكلي وغربتي وآهاتي وفرحي وحزني وبهجتي وعمري وموسيقاي وتواصلي وحبي وعشقي في الكتابة! كل شيء عندي يصبُّ في بهجة الحرف، النصّ الحزين أيضاً يبهجني عندما أحلِّق في عوالمه بعفوية جامحة!
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع صبري يوسف، أجراه د. ليساندرو 7
-
حوار مع صبري يوسف، أجراه د. ليساندرو 6
-
حوار مع صبري يوسف، أجراه د. ليساندرو 5
-
حوار مع صبري يوسف، أجراه د. ليساندرو 4
-
حوار مع صبري يوسف، أجراه د. ليساندرو 3
-
حوار مع صبري يوسف، أجراه د. ليساندرو 2
-
حوار مع صبري يوسف، أجراه د. ليساندرو 1
-
تفجِّرينَ جموحاً شعرياً على خضمِّ الوفاءِ 50
-
دراسة تحليلية لرواية صموئيل شمعون 4
-
دراسة تحليلية لرواية صموئيل شمعون 3
-
دراسة تحليلية لرواية صموئيل شمعون 2
-
دراسة تحليلية لرواية صموئيل شمعون 1
-
تعالي على أجنحةِ الرِّيحِ 49
-
قفشات والدي مع الفنان عمر اسحق
-
تشبهينَ حلماً هائجاً 48
-
صوتُكِ متلألئٌ بنداوةِ الحنينِ 47
-
تحريرُ فلسطين والأراضي المحتلة بطريقةٍ تخرقُ الأساطير 10
-
تحريرُ فلسطين والأراضي المحتلة بطريقةٍ تخرقُ الأساطير 9
-
تحريرُ فلسطين والأراضي المحتلة بطريقةٍ تخرقُ الأساطير 8
-
تحريرُ فلسطين والأراضي المحتلة بطريقةٍ تخرقُ الأساطير7
المزيد.....
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|