|
سياسة العصاية من غير جزرة (تصور لطبيعة العلاقة بين النظام والشعب المصري قبل ثورة 25 يناير)
أحمد سامي عنتر
الحوار المتمدن-العدد: 3345 - 2011 / 4 / 23 - 19:02
المحور:
كتابات ساخرة
كنت قد كتبت هذا المقال قبل ثورة 25 يناير موضحاً فيه تصوري لطبيعة العلاقة بين النظام المصري والمواطن، وهي العلاقة التي أفقدت المواطن كل حقوقه الانسانية، وعندما حاولت نشر هذا المقال فيبعض الجرائد المستقلة قالوا بأنه من الصعب عليهم نشر مثل هذه الأنواع من المقالات لعدم الصدام مع النظام، والآن أنشرها بعد أن رحل النظام، وأضفت إليها في النهاية خمسة سطور حينما فكرت في نشرها مرة أخرى بعد نجاح الثورة. العصا و الجزرة هي مصطلح أطلق على ما تستخدمه الأنظمة الديكتاتورية من استخدام للقوة و القمع وهو ما أطلق عليه مصطلح العصا، فالعصا مرادف للقوة والقهر، و الجزرة ترمز إلى بعض الإغراءات التي كانت تقدمها تلك الحكومات الديكتاتورية لشعوبها لتظل مستسلمة لقمعها وتنشغل عن التفكير في ظلمها. وقد اعتدنا نحن شعب مصر على إستخدام العصا معنا طيلة العقود الثلاثة الماضية، حتى أنه من كثرة ما اعتدنا على تلك العصا وأحببناها صار كلٌ منا لا يعمل إلا تحت ضغط العصا، ولا أن يسيّر من هم في رعايته إلا باستخدام عصاته، فمنذ الصغر ننشأ على إستخدام العصاة في منزلنا دون أن نشعر بذلك، فنجد في سن الطفولة عندما نهم أن نفعل شيئاً لا يرض ِ أمنا تلوح لنا بعصا والدنا التي كنا نرى و نحن أطفال أنها أكبر و أقوى عصاة، فتقول لنا الأم اذا فعلت هذا.... أبوك هيضربك، فاذا كبرنا قليلاً ضعفت عصاة الوالد، و ظهرت عصا المدرس: اعمل الواجب، ولا المدرس هيضربك، فنتحاشى دائماً عصا المدرس و نقوم بواجبنا لا حباً في القيام بالواجب، ولكن كرهاً في عصا المدرس، و نعتاد تلك العصا، بل ونألفها أيضاً، ثم تمضي بنا السنون فنكبر وندخل الجامعة ونظن أننا أصبحنا مثقفون ولم تعد في حاجة للعصا، التي لا تستخدم إلا مع الحيوانات- بل إن بعض البلاد الآن تجرم العنف ضد الحيوانات- وعندما ندخل الجامعة نفاجأ بعصاة كبيرة هي عصا أستاذنا الجامعي، الذي يلوح لنا بعصا المستقبل الذي يملك هو جزءً منه، فلا تتحدث مع الأستاذ بطريقة سيئة و لا تغضبه واسمع كل ما يقول، ليس لأنه هو الأستاذ الذي يعلمنا، بل لأنه يمكن ان يضربك بعصاه الكبيرة فيفصلك من الجامعة التي تعطيك شهادة تشهد بأنك متعلم، وبهذا نخرج من الجامعة ونحن على أتم الاستعداد لننساق بالعصا، وهنا نمني أنفسنا بأن زمن العصيان انتهى، ونظل نقنع أهلنا بأن يكسروا عصيهم. وخرجنا بحمد الله لسوق العمل طامعين أن ننال ولو حتى جزرة واحدة من حكومتنا، ونذهب إلى العمل وفي طريقنا لعملنا نصادف كثيراً وكثراً من عصا حكومتنا التي تميزت بصنع أجود العصي، بل وتسعى لتصديرها للخارج أيضاً لتأتي بدلاً منها بجزرٍ تمتلئ به سفرة المسئولين، فنجد في طريقنا في للعمل، اذا كنت مثل بقية الشعب بنركب المترو، تجد ميكروفوناً في المترو يتوعد بصوتٍ كالرعد، أيها الراكب! لا تقترب من الباب! لماذا؟? لأنك ستتعرض للمساءلة القانونية!، أو اذا كان ركبت سيارة أجرة كي تذهب بدلاً من عناء الوقوف في المترو، تجد السائق لا يهتم كيف يقود سيارته، ولا حتى يهتم بأرواح الركاب الذين يحلمهم، وفجأة تتعجب من التزام السائق بكل القوانين، فتقول لنفسك: الله ده عقل، لكن أحد الركاب يستكثر عليك تلك الفرحة فيقول له بشماتة: لا ده أصله داخل على كمين، وفي ظابط رخم أوي، واذا أكرمك الله ووصلت شغلك سالماً، تجد أحد أصدقائك الذين اعتادوا الكسل يعمل بحماسٍ لا يفتر، فتظن أن ضميره قد استيقظ أو أنه سمع حديث الرسول عليه الصلاة والسلام "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" وتهم أن تشجعه قائلاً: ايه الهمة ده، فيرد قائلاً": أصل النهاردة فيه تفتيش ولو ما خلصتش شغلي هتجازى"، وهكذا أصبحنا لا نفكر إلا في تفادي تلك العصا، ونسينا طعم تلك الجزر، ولم نعد نتشوق لها. وأما عن عصا الحكومة فحدث ولا حرج، فقد أقامت حكومتنا في إطار دعمها للاستثمار والمستشمرين عدة مصانع للعصي، بل إنها كي تنافس وتتصدر السوق العالمية قد أنتجت أحجاماً مختلفة من العصي، فتجد العصا الكبيرة و الصغيرة والمتوسطة والرفيعة، بل إنها أيضاً أنتجت أنواعاً مختلفة من العصي ما بين العصا الحديد، والخشب، والعصا الخشبية تنقسم بدورها إلى زان وأرو وخشب أبيضا وغيرها، وده كله طبعاً عشان الحكومة مش عاوزة تحرمنا من العصاية اللي اتعودنا عليها طول عمرنا. بل إن حكومتنا تراعي العدل الاجتماعية في توزيع العصي على أفراد الشعب، فهناك العصا الجاهزة لأعداء النظام وراغبي التغيير، فهؤلاء قد أقاموا لهم جهازاً خاصاً في تحديد العصا الخاصة بهم، وهناك العصا المتوسطة التي تصلح لكافة الشعب، بل إن حكومتنا الرشيدة قد صنعت لنا عصا بنفس لون ومواصفات جزرتنا التي نرجوها من الدنيا، وننخدع نحن بشكلها وعندما نهم أن نلتهمها نفاجأ أنها عصا طاحنة وليست جزرة كما تصورنا، وذلك مثلما يخرج علينا الرئيس في عيد العمال ويتكلم وكأنه يمن على شعبه من ماله الخاص، ثم يعلن أن الزيادة الدورية التي ينتظرها الناس بفارغ الصبر، وقبل أن تصرف تلك الزيادة تفاجأ بارتفاع أسعار البنزين والأرز والغاز وكل السلع الأساسية، ونقول ساعتها لا نريد زيادة ولكن نريد بقاء الأسعار كما كانت. ولهذا نجدنا الآن كلنا نبحث عن عصا تقينا شر العصي الأخرى، وأصبحت أمنية أغلب الأبناء أن يكون ضابطا، او قاضياً، وذلك كي أكون قوياً، أي صاحب عصا كبيرة، ولكنها عصا لا أضرب بها من أريد أنا، ولكن من يريد غيري، ولكني ساعتها أستطيع أن أصد هجوم غيري عن نفسي! ولكن هل معنى ذلك أن الجزر لم يعد ينبت في بلدنا؟ بالطبع ينبت بكثرة، ويوجد في بلدنا بكثرة زائدة أيضاً، ولكن يتم شحنه لبيوت الكبار الذين اعتادوا أكله، أما عامة الشعب فلم يعد لأسنانهم طاقة على مضغ ذلك الجزر لأنهم تركوا أكله منذ زمنٍ كبير، وأصبح أكله يضر بأسنانهم ولثاهم، وهؤلاء المسئولين قد تفننوا في أكل وتصنيع ذلك النبات الذي يسمى جزراً، فملئوا به بيوتهم، وثلاجاتهم، بل إنهم أصبحوا يرسلون ذلك النبات إلى ثلاجات خاصة في أوربا ليتم تخزين الفائض الرهيب، كي يخفوه عن أعين الناس، وكي يتكاثر هناك بفعل التزاوج، وقد أقيمت ثلاجات خاصة في كثير من البلاد الأوربية متخصصة في استغلال الجزر العربي عامة لتحقيق أكبر عائد من ورائه. أما نحن عامة الشعب، فلم نعد نستلذ ذلك الجزر لأننا تعودنا على مذاقٍ آخر، ولكنهم قالوا قديماً: الجزر بيقوي النظر! لذا فشعبنا يحتاج قليل من الجزر كي يستطيع أن يرى "طشاشاً"، لأن نظره راح من كتر ما اتضرب على "قفاه"! هذا ما كنت كتبته قبل الثورة، ولقد كان النظام هو المسئول الرئيسي عما وصل إليه الشعب من ذلٍ وهوان، بل إنه بالغ في ذل الشعب المصري وهوانه، وكان حريصاً على أن يطفئ في شعبه أي جذوة تتقد حتى لا يستطيع السؤال عن حقوقه، بل لم أكن أستطيع تفسير تلك الحالة العدائية التي كان يحسها المسئولون تجاه أفراد الشعب الذي من المفترض أنه خادمهم في الأساسا، و لكن يجب القول إن الشعب ساعد النظام على ذلك بفرقته وتهاونه في حق نفسه، ولكن بعد هذه الثورة الفاصلة في حياة الشعب المصري فلابد ألا يعود الشعب إلى ما تعود عليه من ذل ٍ وهوان بعد أن ذاق طعم الحرية.
#أحمد_سامي_عنتر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دكتور الجمل دع الأفعال تحكم
-
حول تطبيق الحدود -السكوت من ذهب-
المزيد.....
-
الحكم بسجن الفنان الشعبي سعد الصغير 3 سنوات في قضية مخدرات
-
فيلم ’ملفات بيبي’ يشعل الشارع الاسرائيلي والإعلام
-
صرخات إنسانية ضد الحرب والعنف.. إبداعات الفنان اللبناني رودي
...
-
التراث الأندلسي بين درويش ولوركا.. حوار مع المستعرب والأكادي
...
-
الجزيرة 360 تعرض فيلم -عيون غزة- في مهرجان إدفا
-
من باريس إلى عمّان .. -النجمات- معرض يحتفي برائدات الفن والم
...
-
الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
-
ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي
...
-
حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|