|
منفيون من جنة الشيطان 17
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3345 - 2011 / 4 / 23 - 04:00
المحور:
الادب والفن
منفيون من جنة الشيطان 17
الكلبُ يَجْعَلُ شَعْرَ البَرْدِ يَابِسَاً وَحْدي أنا أسْبِقُ الكلبَ في النُّهُوضِ دُونَ أنْ أعْوي أشِقُّ طُرُقَ المُرورِ خَلَلَ الثّلْجِ أكَرِّرُ المُرورَ عِدَّةَ مَرَّاتٍ عَلَى نَفْسِ الأثَرِ حَتّى يَصْبِحَ عُمْقَ الْخُطوَةِ أكْثرَ من مَترٍ عِنْدَهَا أسْألُ رَئيسَ الْعَمَلِ هَلْ أدَّيْتُ..؟ فَيَضْحَكُ أوتونَبَشتم صَديقي العَزيزُ أوتونَبَشتم وَتَهْتزّ لِحْيَتُهُ البَيْضَاءُ الطّويلَةُ وَيَتَوارَى شُعاعُ عَينيهِ تَحْتَ حَاجِبَيهِ الكَثّينِ.. عِندَهَا أترُكُهُ مُسْتَغْرِقَاً في ضِحْكتِه الطّويلَةِ الّتي قد تَسْتَمرُّ دُهُوراً مُنْصَرِفاً إلى عَمَلِي في شَقِّ طَريقٍ آخَرَ وَلَكِنَّ في الثّلْجِ فأسْألُ.. لِمَاذا هُمْ يَثقُبونَ الجِّبَالَ.. وَنَحْنُ الثّلُوجَ.. ألَيسَ هَذا مُضْحِكَاً يَا أتونَبَشتم فَيُحَرِّكُ يَديهِ في اتِّجَاهَينِ مُتَعَاكِسَينِ وَاحِدَةً نَحْوَ الأعْلَى وَالأخرَى بِالعَكْسِ دُونَ أنْ يَقطعَ ضِحْكَتَهُ فأقولُ لُهُ.. وَلَكِنَّ الصّحْراءَ لَيْسَ فيها ثلْجٌ وَلا جِبَالٌ وَنَحْنُ أبْناءُ الصَّحْرَاءِ عِندَهَا يُحَاوِلُ تَلَفُّظَ بَعْضِ الكلِمَاتِ مُتلَعْثِمَاً.. الثلْجُ في الصُّدُورِ.. الثلْجُ في الأرْحَامِ وَالصّدُورِ.. بَعْدَ ذَلِكَ انْصَرَفْتُ لِلْعَمَلِ وَحْدِي بَاحِثاً عَن مَعْنَى لِكَلِمَاتِهِ هَذِهِ.. وَاسْتَغرَقَ ذَلِكَ وَقتاً طَويلاً..! * في يَوْمٍ آخَرٍ.. أثناءَ اسْتِرَاحَةِ العَمَلِ الْتقيتُهُ دَعَوْتُهُ لِمُشَارِكتي في لَفّةِ الخَنزيرِ الّتي يُقدّمُهَا الضّمَانُ الاجْتِمَاعي لِلْعُمَّالِ لَكِنَّهُ لَمْ يَكْتَرِثْ لِي عِنْدَهَا عَرَفْتُ أنًّهُ مَا يَزَالُ مُسْتغْرِقاً في سُكْرَةِ البَارِحَةِ..! * أتونَبَشتم صَديقي الوَحيدُ في هَذِهِ البِلادِ البَارِدَةِ تَعَرَّفْتُ عَلَيهِ في سِجْنِ تسْفيرِ الأجَانِبِ قابِعَاً في زَاوِيَةِ بَارِدَةٍ خَلْفَهُ تَحْتَشِدُ عَناوينُ الْعُشّاقِ وَالسُّجَنَاءِ رَغَبَاتُ الوَداعِ وَالتّقاويمِ غَارِقاً في لِحْيَتِهِ الكَثّةِ لا يُكَلِّمُ أحَدَاً.. وَلا يُكَلِّمُهُ أحَدٌ.. اسْتَدْعُوا لَهُ أكْثرَ من مُتَرْجِمٍ لَمْ يَفْهَمُوا رُمُوزَ لُغتِهِ ثمَّ أجْمَعُوا.. بِمَنْ فيهُمْ المُتَرْجِمُ العُرُوبيُّ أنَّ هَذَا الرَّجُلَ أخْرَسُ!.. وَأخْرَقُ.. وَأبْلَهُ!.. وَأنَّهُ لا يَتَكَلَّمُ وَإنَّمَا يَهْذِي.. وَكَانَ هَذَا القَرَارُ مُريحَاً لِلْسُلْطاتِ النَّمْسَاويَّةِ فَأنَّ أمْرَ تسْفيرِهِ لَنْ يَلْقَى مُعَارَضَةً مِنْهُ فَهُوَ لا يَتَكَلَّمُ وَشيخٌ كَليلٌ "عُمَرٌ مُختارٌ" عَلى طَريقةِ النَّمْسَا كَذِبَ المُتَرْجِمُونَ وَلَوْ صَدَقُوا أولَئِكَ أعْداءُ اللهِ وَأصْدِقاءُ الشَّيَاطينِ وزَبَانيةُ المَالِ وَالجَّحيمِ دِينُهم بِدَرْهَمٍ.. وَكَلامُهُمْ بِدَرْهَمٍ.. وَشَرَفُهُمْ بِدَرْهَمٍ.. وَلِذا اسْتَنْكَفَ أوتونَبَشتم أبُونا الخَالِدُ وَصَديقي في السِّجْنِ.. اسْتنكَفَ مِنْ مُحَادَثتِهُمْ.. حتَّى الشُّرْطَةُ تَنَدّرُوا.. قالُوا أنَّه أنتون كوين لا يعرفونَ أنَّ أنتون كوين مَاتَ وَأتونَبَشتم.. خالدٌ لا يَمُوتُ!.. * أوَّلَ مَا رَأيتُهُ تَحَرّكَ شَيءٌ في قلْبي مِثْلَ حُبّ مِنْ أوَّلِ حَبْسَةٍ.. السّجْنُ كانَ غَاصّاً بِالبَشَرِ مِنْ مُخْتلَفِ الألْوانِ وَالأجْنَاسِ.. مُختلَفِ التّهَمِ وَالبَراءَاتِ. مُخْتلَفِ القِيَمِ وَالشّهَادَاتِ.. اللّصُوصُ الرّومَانيّونَ مَثَلاً.. وَبَاعَةُ الصّحُفِ المَصْريُّونَ.. وَأستاذُ الجّامِعَةِ أوبو الأفريقي وَالحَكيمي العَرَبيُّ الّذي لا تعترِفُ بِهِ دَوْلةٌ عَرَبيّةٌ النّسَاءُ كُنَّ في الطّابِقِ العَلَوِيِّ طَبْعاً.. وَأنَا.. وَأتونَبَشتم.. عِندَمَا رَأيتُهُ.. ذَلِكَ الشّيءُ تَحَرَّكَ في قلْبي.. مِثلَ قِطعَةِ آجَرٍ مِنْ بَابٍ مُقَدَّسَةٍ مِثلَ كاهِنٍ أمَامَ حُورِيَّةٍ أوْ مُرَاهِقٍ أمَامَ أوَّلِ إغرَاءٍ لا.. لَسْتُ مَجْنوناً أنَا أيْضَاً وَلَكِنَّي أقولُ الحَقَّ.. أنتُمْ تقولُونَ هَذا لأنَّكُم لم ترَوا أوتونَبَشتم عِندَمَا تسْمَعُونَ القِصَّةَ كامِلَةً تَقولُونَ.. هَذا الشَّخْصُ مَعَهُ حَقّ!.. هَذا هُوَ فِعْلاً .. أوتونَبَشتم وَلَكِنْ مَاذا يفعَلُ في النَّمْسا؟. وأمَامَ بِلادِ اللهِ الوَاسِعَةِ.. وَبِلادِ العَرَبِ المَمْلوءَةِ بِالرِّجَالِ.. هَذا مَوْضوعٌ آخَرُ.. جَلَسْتُ قرْبَهُ.. ابْتسَمْتُ مِثلَ طِفلٍ يَلتقي أبَاهُ.. مَثلاً أبَاهُ الّذي كَانَ في الْحَرْبِ دَائِمَاً.. مَدَدْتُ يَدي لِأضْغُطَ عَلى كَفّهِ.. لَكِنَّني في اللَّحْظَةِ الأخيرَةِ سَحَبْتُهَا بِوَجَلٍ وَكلِّ رِفْقٍ.. فقد أحْسَسْتُ أنَّ يَدَهُ طَرِيّةٌ جِدَّاً.. وَرَخِيّةٌ جِدَّاً.. مِثلَ الحَليبِ.. وَرُبَّمَا مَاعَتْ تَحْتَ أصَابِعي.. عِندَهَا يَأكُلُني النَّدَمُ قلتُ لَهُ.. لا بَأسَ.. لَمْ يَلْتفتْ إلَيَّ.. قلتُ لَهُ أنَا أخَلّصُكَ التَفَتَ إليَّ وفي عَينيهِ نَظْرَةُ احْتِجاجٍ أو اسْتِنكارٍ مَثَلاً.. ابْتَمَسْتُ بِثِقةٍ وَغُرُورٍ.. وَقلتُ لَهُ.. أقولُ لَكَ.. وَهَذا الكَلامُ أقولُهُ لَكَ فَقَطْ.. اسْمَعْ.. لَقد عَرَفْتُ فتاةً نَمْسَاويَّةً.. أبُوهَا قبْطانُ طَائِرَةٍ.. عِندَها انْفَجَرَ ضَاحِكَاً.. وَضَحِكْتُ مَعَهُ طَبْعَاً.. ضَحِكْتُ مَعَهُ لِلْمَرَّةِ الأولَى.. دُونَ أنْ أعْرِفَ لِمَاذا.. أمَامَ أوتونَبَشتم يُحِسّ المَرْءُ بِالسَّذاجَةِ.. سيَمَا وَهُوَ قليلُ الكلامِ.. ثمَّ عَلّقَ وَهُوَ يَبْتلِعُ بَقايَا كَرْكَرَتِهِ لِتَتحَوّلَ إلَى غَصّاتِ ألَمٍ طَبْعَاً.. هَذَا سَيُسَهِّلُ أمرَ تسْفيري.. قلتُ لَهُ لا.. لا.. لا.. إطْلاقاً..!! يوم الأثنين/ دت. 2000
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منفيون من جنة الشيطان15
-
منفيون من جنة الشيطان 16
-
منفيون من جنة الشيطان 14
-
منفيون من جنة الشيطان13
-
منفيون من جنة الشيطان12
-
منفيون من جنة الشيطان11
-
منفيون من جنة الشيطان 10
-
منفيون من جنة الشيطان/9
-
منفيون من جنة الشيطان/8
-
منفيون من جنة الشيطان/7
-
منفيون من جنة الشيطان/6
-
منفيون من جنة الشيطان/ 5
-
منفيون من جنة الشيطان/ 4
-
منفيون من جنة الشيطان/3
-
منفيون من جنة الشيطان/2
-
منفيون من جنة الشيطان- 1
-
المخفي والمستور وما بين السطور..!
-
آراء وانطباعات عن الثقافة الكردية
-
مقاطع من أغنية كردية
-
اللحظةُ ليستْ تاريخاً
المزيد.....
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|