أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - إبراهيم المصري - جدوى السيارات المفخخة















المزيد.....

جدوى السيارات المفخخة


إبراهيم المصري

الحوار المتمدن-العدد: 998 - 2004 / 10 / 26 - 08:22
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


لثلاث مرات أوقعني سوء الحظ المهني في إعداد تقارير من ( مكان الحدث ) عن انفجارات سيارات مفخخة في بغداد :
ـ أمام مدخل المنطقة الخضراء في تقاطع الشاكرية بمنطقة الصالحية
ـ تحت الجسر السريع في حي العدل وهي عملية استهداف وزير العدل العراقي
ـ ثم في حي الإعلام بين مركز للشرطة ومحطة لبيع اسطوانات الغاز المنزلي
لا أتمنى أبدا أن تكون هناك مرة رابعة ، لأن الذي يعتبره الصحفيون .. عملاً .. يركضون خلفه وتعتبره وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات سبقاً وخبراً ساخناً لا يعدو كونه مأساة مركبة ، تبدأ من لحظة تفجير السيارة المفخخة بإصبع إرهابي يرى الجنة في مرآة السيارة وفي اختلاله الإنساني ولا تنتهي هذه المأساة عند شهيد عراقي أو مصاب .
كانت الساعة التاسعة إلا ربعاً صباحاً بتوقيت بغداد حينما انطلق فجأة صوت يشبه عواءً جافاً وملتوياً ثم أصوات تفجيرات متتالية ثم صمت هائل ، ومن نافذة المكتب الذي كنت أعمل منه شاهدت سحابة دخان ترتفع مثل فطر أسود وحاقد .
كنت أتحدث مع شابة عراقية تعمل منسقة في المكتب لحظة انطلاق الصوت الحاقد للتفجير وتجمدت الشابة في مكانها وكان وجهها المتقلص يعبر ببلاغة كاملة عن رعب وخوف ذاهلين ..
قالت : سيارة مفخخة .
قال هذا أيضاً عراقيون يعملون في المكتب أعطتهم المأساة خبرة التمييز بين أصوات انفجار السيارات المفخخة وأصوات قذائف الهاون أو القنابل الموقوتة .
سريعاً كما ينبغي لصحفي يستثمر مصيبة في مهنته كنتُ والمصور العراقي أمام .. ( مكان الحدث ) وكانت الشرطة العراقية والقوات الأمريكية قد أغلقت منطقة التفجير بأسلاك شائكة ومركبات عسكرية لكنها لم تمنع التصوير .. عن بُعد .
بعد فترة سمحت القوات الأمريكية للصحفيين بدخول منطقة التفجير بعد التفتيش الدقيق وهكذا اقتربت ( بعيوني ) وليس من خلال الشاشة وشاهدت ما يمكن أن نطلق عليه ( بقايا ) ، كانت سيارات الإسعاف قد نقلت الضحايا والمُصابين وكانت عربات الإطفاء قد أطفأت سيارة الإرهابي المحترقة تماما والمتفحمة بوهم أنه في الجنة بعد التفجير كما يدعي منظرو الإرهاب في العالمين العربي والإسلامي وما أكثرهم من رجال دين وصحفيين ومثقفين ومتأسملين وقومجيين وجماهير عمياء ودجالين ومرتزقة بمقولات النضال والجهاد .
هذا المشهد لتفجير السيارة المفخخة في تقاطع الشاكرية أمام المنطقة الخضراء تكرر بحذافيره تحت الجسر السريع في حي العدل وفي حي الإعلام .. لكن هل يشاهد الجالسون في بيوتهم أمام الشاشات ( التفاصيل )
إليكم بعضها :
ـ فتات عظام ولحم بشري يجمعه أحد جنود الحرس الوطني العراقي ويضعه على قطعة من ورق مقوى يحملها جندي آخر ويقول بأسى ( دفنا بعضها الآن ) ، إذن يمكن أن تكون أقدامنا في وطئها الآن على ( بقايا إنسان ) وحدَّقتُ في الأرض .. نعم .. يدوس الصحفيون والمصورون والجنود على بقايا لحم بشري كانت قبل التفجير الحاقد جزءاً من كيان إنسان يعمل ويحلم بحياة آمنة إلا أن الإرهابي صاحب السيارة المفخخة والمختل إنسانياً كان له رأي آخر ، لقد ذهب الإرهابي في ظنه إلى الجنة وأخذ معه أرواحاً كثيرة إلى الموت ، في تبرير حاقد يرى أن ( قتل أبرياء في جهاد العدو ) أمرٌ جائز شرعاً ولقد سمعت هذا الكلام على فضائية من تلك الفضائيات السائبة بلا ضابط إنساني أو أخلاقي .
ـ يقول مذيع : قتل عدة أشخاص في انفجار سيارة مفخخة في بغداد ويمضي إلى خبر آخر ولكن ماذا عن دائرة قطرها لا يقل عن كليومترين طالتها أصابع التفجير الحاقدة .
ـ تقول سيدة عراقية إنها متقاعدة وزوجها كذلك والتفجير دمَّر البيت وأسقط أسقفه وتفتح السيدة يديها كأنما تريني الفراغ الذي لا يمكن من خلاله إعادة بناء ما تهدم ، لكنها تحمد الله على إصابتها الطفيفة في الرأس وعلى أن بناتها في عملهن وإلا كن ضحايا .
ـ باعة يقفون أمام الدكاكين التي تحطمت واجهاتها الزجاجية ومحتويتها من الداخل ، يجمعون الحطام ويلعنون الإرهابي الذي ذهب في ظنه الحاقد إلى الجنة تلحقه اللعنات .
ـ الموجات الارتدادية للتفجير تلحق صيدلية وتحطم زجاجها وتختلط الأدوية من سقوطها من فوق الأرفف والصيدلي يعيد ترتيب الأدوية بصبر وألم .. وأسأله عن مرهم لعلاج طفح جلدي على الظهر من العرق والحرارة ، يعطيني المرهم ولا يقبل ثمناً ويبقى كريم النفس ومبتسماً بمرارة .
ـ سيدة عراقية في زيها الأسود التقليدي تأتي في هلع لتسأل عن ابنها الوحيد الذى التحق بالعمل في الشرطة العراقية الجديدة وتقول إنه نجا من تفجيرين سابقين استهدفا رجال الشرطة وتأمل أن يكون قد نجا من هذا التفجير أيضاً .
ـ تعتز الفضائيات بخبرها الساخن وتديره كساحر يدير الكون على مدار أربع وعشرين ساعة لتترك انطباعاً خاطئاً عند المشاهدين مفاده أن بغداد تحترق ... ...
نعم .. بغداد تحترق أعصابها كرهاً ورفضاً للإرهابيين وأتباعهم وكل من يتحدث باسمهم ويروج لهم .
الأرهابي في تفجيره لسيارته التي قادها إلى باب الجنة ، يحرص على أن يكون عمله صباحاً حتى يدخل الجنة مُبكراً ، يقع التفجير ويُحدث مأساة بشرية وتتوقف الحركة وتمر عصراً فلا تجد إلا الأثر الطفيف ، لقد نظف العراقيون المكان وعادوا إلى الحركة .. الناس في العراق تتحدى الإرهاب بالإصرار على الحياة .
ثم تطفو نظرية المؤامرة عند العرب :
ـ الأمريكيون يفعلون ذلك حتى يطول احتلالهم للعراق بحجة غياب الأمن .
ـ أبو مصعب الزرقاوي مات منذ عامين وأمريكا تتاجر باسمه حتى ترهب العراقيين .. لكن الحقيقة أن الزرقاوي حياً أو ميتاً فإنه مثل نظيره أسامة بن لادن يعبر عن فكرة موجودة بالفعل وتتغذى من مصادر متعددة ودائمة وحية ومسيطرة .
ثمة إرهابيون متطوعون بأجسادهم طمعا في الحور العين ، فالجهاد لم يعد جهاد النفس عن ارتكاب الشر وإنما تلمظاً جنسياً بقتل الذات والآخرين .
ثمة منظرون للإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر بأسلوب معتدل أو متطرف مهدوا الأرض .. قاعدة .. لنمو الإجرام المتخفي بالدين وبالسيارات المفخخة .
تفجير سيارة مفخخة يبدأ في الحقيقة من خطب الجمعة وبرامج الدين الفضائية والإذاعية والتعليم الديني والبث الديني المتواصل على مدار الساعة بكل وسيلة ممكنة ليرسخ خطاً في السلوك والتفكير يعلو بنا فوق جميع خلق الله ويجعلنا في تضاد حتى مع أنفسنا .
جدوى السيارات المفخخة أنها الحافة التي وصل إليها إفلاسنا الأخلاقي والديني والإنساني والقانوني الذي يطلق عليه البعض جهاداً فيما نتعامى نحن عن هذه الحافة التي جعلتنا موصومين بالشر في عيون البشر وفي كل مكان في العالم .
ويمكن بالطبع أن نضيف هنا .. عمليات الاختطاف والذبح .. التي يمارسها إرهابيون آخرون يجتمعون مع مفخخي ومفجري السيارات في أنهم قتلة ولا وصف آخر لهم .



#إبراهيم_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديوان العراقي
- الواعظ الأنيق .. على البيسين
- فن الباه .. بالعربي الفصيح
- الاعتداليون .. محمد سليم العوا نموذجاً
- شرفة البيت .. كريم عبد في كتابه - الدولة المأزومة والعنف الث ...
- اقتصاد .. الخنزيرة .. وثقافتها
- البيانولا
- ومن يأتي .. للفحول .. بحقوقهم
- سلامٌ عليك
- مَجَـرَّة الرمَّان
- ماذا فعل بنا .. هؤلاء .
- قفا .. نضحك
- ليحفظنا الله .. من يوم الجمعة
- جنود السيد .. أحلى جنود !!
- لماذا أنا .. المصري .. أكتب عن العراق ؟
- ما هي حكاية .. الأطفال والنساء والشيوخ ؟
- رسالة خاصة .. إلى صديق عراقي
- حديقة الأرواح
- صلاح السعدني .. خيالٌ واسع .. ومعطوب
- END OF VIDEO CLIP


المزيد.....




- في ظل حكم طالبان..مراهقات أفغانيات تحتفلن بأعياد ميلادهن سرً ...
- مرشحة ترامب لوزارة التعليم تواجه دعوى قضائية تزعم أنها -مكّن ...
- مقتل 87 شخصا على الأقل بـ24 ساعة شمال ووسط غزة لتتجاوز حصيلة ...
- ترامب يرشح بام بوندي لتولي وزارة العدل بعد انسحاب غايتس من ا ...
- كان محليا وأضحى أجنبيا.. الأرز في سيراليون أصبح عملة نادرة.. ...
- لو كنت تعانين من تقصف الشعر ـ فهذا كل ما تحتاجين لمعرفته!
- صحيفة أمريكية: الجيش الأمريكي يختبر صاروخا باليستيا سيحل محل ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان مدينة صور في جنوب لبنا ...
- العمل السري: سجلنا قصفا صاروخيا على ميدان تدريب عسكري في منط ...
- الكويت تسحب الجنسية من ملياردير عربي شهير


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - إبراهيم المصري - جدوى السيارات المفخخة