أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل الدلفي - حداء الكلك - قصة قصيرة















المزيد.....

حداء الكلك - قصة قصيرة


كامل الدلفي

الحوار المتمدن-العدد: 3343 - 2011 / 4 / 21 - 15:16
المحور: الادب والفن
    


كنا عربا اهل ماء، رزقنا الله عيونا ، وغدرانا، وانهارا، وامطارا، و فوضنا تعالى بعمارة الارض ، واوحى لنا ان ننبت في السواد شلبا "رزا" عنبرا ، وآخريات بتالات سامقات ، وحنطة، وشعير، وذرة وعدس ، وفوم، وقصب سكر وانبتناها انباتا، نباتو ... نبطو ، نبط .
عشنا في بلادنا " ثغور الماء" التي اقطعها اللخميون من ملوك الحيرة الى اهلنا ، فقسمت بيننا ، فصارت المشيخة نصيب عمومتنا من اولاد زاب بن مثري ، والكهانة من نصيب ابائنا من اولاد باب بن مثري ...
وبقية الناس كان لهم نصيب العمل في الزراعة والصيد والمهن التكميلية ، عطارون ، وبناءون ، و نقارون ، وحلاقون وسواهم ....
لن تغرب عن ذاكرتي معطيات ذلك اليوم الغريب ، الذي ابتدأته جدتي بارهاصات مركبة وتنهدات عميقة ، كانت وكأنها تبحث عن كنز منذ زمان ، وتكاد ان تعثر عليه.
فضلت ان اكون بعيدا عنها ، فجلست امام حوش المنزل تحت شجرة السدرالتي تطل على نهر الغارب الذي يشق " ثغور الماء" الى نصفين. متعة لذيذة يجدها المرء في صباح خريفي مليء بالحيوية ، وهو يراقب صيادي الاسماك ، متجهين جنوبا يدفعون اكلاكهم الرشيقة بايقاعات اقرب الى سيماء الصوفيين منها الى عالم البيع والتجارة ، يعاكسهم صيادو الطيور المائية متجهين شمالا، عائدين بغنائم وفيرة ، من طيورالمستنقعات كالخضيري ، والمسكة ، والحذاف ، والقطا، و..
يقف الكلك الكبير الذي يسير في مؤخر الموكب ، ليفرغ في بيتنا حصة
" الكهانة " من صيد الامس ، ذلك عرف متبع منذ القدم ، بالمقابل هم يأخذون ماتيسر من بركات جدتي " العلياء بنت مزاحم" كاهنة ثغور الماء الرجال ينحنون امام هيبتها ، وهي لم تنفك عن تبتلها ودعائها لهم ولاولادهم وزوجاتهم .
لم تند يوما عن احد منهم خاطرة مع النفس تشير الى شك يعتمل تجاه الطهارة والقداسة والقدرة على قراءة الماوراء ، فقد اجمعوا على انها ، عين الحياة البصيرة بالنيابة عنهم من طوارق الغيب وحوادث الزمان ، فلطالما تلمسوا ذلك ، ووجدوا عونها قبل حلول كارثة او نزول واقعة.
ارسلت بأثري عمتي الخضراء التي جاءتني تتقلب مثل وزة بيضاء،فاخذتني من يدي الى الحمام والبستني ثيابي القطنية الجديدة التي جيء لي بها خصيصا من اسواق الحيرة.
وقفت امامها وكانت لم تبرح مكان البصارة من الفجر ، رأيتها تمرر قصبة " الجنا" التي بطول ياردة ، على حجرات ثلاث سود ، وهي تتمتم باوراد وكلمات قدسية ، عرفت ان هذا اليوم سيكون استثنائيا ، أومئت لي بان اجلس ، وحين فرغت ،
قالت :
- ان مقاما جليلا يقترب من الماء. واعطت امرا الى الاخرين بالترقب .
حدثت جلبة عالية ، فقد تجمهر الملأ على غريب مايرون في شخص رسول الملك العظيم الذي وصل توا قبالة الدار ، فهم يرون لاول مرة ، شخصا رسميا ، من الحرس الملكي ، شيئا حقيقيا باهرا، وليس من بنات الافكار اومن نسيج القصص الخيالية ، التي يرددونها في المجالس ، بهرتهم ملابس الديباج الموشاة باشرطة من ذهب ، حزامه العريض الذي اثقل وسطه ، و رصعته الجواهر والفضة ، اكليله المصنوع بالكامل من الذهب الخالص ، قامته الفارعة التي تكاملت مع لامة الحرب ، ياللروعة ، ياللجمال والفتنة، ياللفرجة التي ندر وقوعها منذ قرون ، الرجال سبقوا النساء الشابات ، وهن سبقن العجائز الكبيرات والشيوخ ، ليرون جميعا اعجوبة الزمان.
وقفت جدتي في مكانها دون حراك ، بهيبة ووقاريملئان المكان ، ويكفيان لان يصمت اي صوت صادر من الجماهير، وتكف اي نأمة ، بل ليعود الجميع ادراجهم وبخفة الى بيوتهم ، انحنى الرسول الملكي امام العلياء بنت مزاحم ، و انحنت هي قليلا من باب اللياقة ، وحيته بكنيته واستغرب كثيرا لمارآه من استعدادها وعلمها المسبق بمقدمه عليها ، كرسول من قبل الملك العظيم النعمان بن المنذرملك الحيرة.
تقافز قلبي خوفا وفرحا ، طوال الطريق الى مخيم الملك ، الذي لم يكن في رحلة صيد او تفقد لاقاليم البلاد ، فلم يصحب احدا ، من وزراء ، او اصحاب ردافة ، او شعراء، اوندماء، او قيان ، او حراس شخصيين.
اكتفى بخيمة واحدة ، وقف قبالتها حصان عربي اصيل يقال له " اليحموم" ونصبت عن يمينه راية نقش عليها صليب .
انحنت جدتي مذ ان رفعت باب الخيمة ، و ادخلت رجلها اليمنى ، كان الرجل متفرغا لاداء طقوس تعبدية ، عجل حين أحس بنا ، وفرغ من انشغالاته ، هز براسه وابتسم مهللا ، واشار لنا بالجلوس قبالته ، لم يكن يلبس ثيابا ملكية ، اوتاجا اوذهبا او....
كان يلبس ثوبا ابيضا وعمة بيضاء ، بالضبط مثل ملابس اهلنا في ثغور الماء ، ولم يكن وجهه ابرشا احمرا كما يتناقله الرواة ، بل كان شديد الادمة ، يشبه كثيرين نألفهم....
قال لجدتي " بانكسارخفي ":
- تطيرت وأرى ان الامر قد انتهى.
وما حجتك في ذلك ؟
تجرأ احدهم و ذبح الكبش الذي في حماي .
مازال في الامر متسع ، ولدينا تسع سنين مأمونات ، لكنه ليس من مفر بعدها.
فخذ هذا المنديل يقيك مداسات الفيلة ، يوم تكون وحيدا تحت ظلال الطاق ، وكن حازما في ما تبقى لك من الحكم ، اعرف الوشاة والخونة والمارقين ، واعمد الى الغلضة معهم ، أوسمهم بالنار على رقابهم وجباههم، واعلم الخلق بافعالهم ، وتكلم عن سوء افعالهم ضد الوطن ، وخدمتهم للغرباء، أعلن خيانتهم امام.. لاتتردد..لا...ولا.....ولا .
وتمتمت بتراتيل على قلادة فيها تسع خرزات وناولته اياها ، ولما هم ان يلبسها في عنقه، فززت من نومي على موعد صلاة الصبح....
سمعت المؤذن يشدد في " حي على خير العمل" .
تمنيت ان اعود الى حضن جدتي " فاطمة " التي تعتقد بانها أحصنتني من الحرب بدعاء " الطمس " . فقد ماتت يوم اعلن عن نهاية الحرب ، كأنها تقول :
- " لم تعد تحتاجني اوتحتاج دعائي فقد انتهت الحرب" ، لوتدرين يا جدتي ان كل ايامنا من بعدك حرب ، حفيدك ، اكبر اولادي ، الذي صار عمره عشرين عاما يقول :
- "الويل من حرب ليس لها فاطمة "
لو رايته كم يجادل ، هو طالب في السنة الاخيرة في كلية السياسة ، اليوم كان منكسرا على مائدة الافطار :
- ابي ان استاذ النظم السياسية يقول ان قتل افراد الجيش مباح ، بل يثاب المرأ عليه.
- دقق ، ياولدي في وجه الاستاذ ، لعلك ترى وسما ؟.
- سافعل
في الباص الذي نقلنا الى العمل ، رايت كثيرا من الناس وعلى وجوههم وجباههم و رقابهم ، اثار وسم بالنار، هالني كثرة العدد الذي التقيته من الموسومين في يوم واحد . لكني صرت ابصربوضوح عقدة الحروب المحلية ، والازمة السياسية ، والفساد المالي وغيرها ، وماعدت احتاج لان يخبرني ابني عن استاذه ، فانا اعرف جيدا نوع الوسم الذي يحمله...



#كامل_الدلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدستور دليل عمل دائم وليس شاهد حسب المزاج. قراءة في اختراقا ...
- هل أتاك حديث التظاهرة ؟
- العلق - قصة قصيرة
- حديث في مفهوم المواطنة والهويات الفرعية
- جماهير اليسار في العراق بين استبداد الماضي وتعسف الحاضر
- لائحة الارهاب العراقية- وسائل تعرية الملثمين
- ديخوخرافيا
- المعجزة و مقامُ النوّرِ
- الثديال- قصة قصيرة
- عدم إرتقاء العقل العراقي الى التمثل الابستمولوجي لصناعة الحا ...
- اعادة انتاج وحدة الوجود العراقي عبر الربط بين طرفي الزمن– ال ...
- اعادة انتاج وحدة الوجود العراقي عبر الربط بين طرفي الزمن– ال ...
- التاريخ لايجلس القرفصاء..إختصارات موجعة في الذكرى السادسة لإ ...
- المتاهة المهذبة في الدوران حول النص المشرعن للسلطة الغائبة ( ...
- أوباما والحلم الامريكي المفقودهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟
- قتلتنا الردة ،دلالات في سوء القصد
- الهجنة المدينية في مثقف اليوم، السائد منه انموذجا!
- تمائم الكاهن الاخير.....(2) قصص قصيرة جدا
- تمائم الكاهن الاخير.....(1) قصص قصيرة جدا
- حيادية عالية &الخصاء المؤبد


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل الدلفي - حداء الكلك - قصة قصيرة