|
الخان… نموذج المسرح الشعبي
عامر بدر حسون
الحوار المتمدن-العدد: 3342 - 2011 / 4 / 20 - 08:45
المحور:
الادب والفن
هل "الخان" مجرد مكان منزو في بغداد القديمة يستوعب ذكريات ووقائع ذلك التاريخ ما بين 41 – 1945م ، وهل هو سرد لهذه الذكريات الشخصية والعامة في آن واحد .. وهل يتحدد مصير المسرحية ضمن ذلك الأفق الزمني الذي أراده لها مؤلفها يوسف إسماعيل فقط ؟ أعتقد أن التعسف حصر مصير المسرحية وأبعادها ضمن تلك الأسئلة وحدها . رغم أن نتائجها الفكرية والفنية تتضمن ذلك أيضاً . أراد يوسف الخان " مجمعاً كاملاً " تؤرخ فيه فترة وأحداث 41 – 45 كمادة درامية انتزعتها من ذكرياتي وانطباعاتي عن تلك السنوات ، ومن الوثائق التاريخية التي سجلها المؤرخون ومن رؤيتي – بعد ذلك – لمجمل تلك الأحداث والشخصيات والمواقف وصياغتها صياغة درامية فيها المؤشر الواضح للمستقبل الذي كنا نطمح إليه ، والحاضر الذي نعيشه اليوم والحركة الدائمة في التقدم .. " . إذن .. لا تقف المسرحية عند إطار الماضي .. ذلك أنها تشعر حقاً لمعاينة " حقائق الماضي " فأحلام للحاضر تمتد فيه وتتفاعل معه وهي أيضاً لا تؤرخ ، إنما تفتح كل ساحاتها لتستوعب مصائر الشخصيات ( 23 ممثلاً وممثلة ) وتخلق بينها صراعاً هو في الأساس صراع إجتماعي – سياسي يهدف إلى التحول ويتساءل عن وجوده ، ويتمرد ، ويسخط وبالمعنى أننا نسلب المسرحية من حيويتها ، ومن تعبيريتها الفنية ومن تألقها إذا اقتصرنا على وضعها في مساحة ضيقة هي: الماضي كانت أحداث "الخان" تسير وفق الظروف المحيطة بها في دروب عدة وفي مسالك متباينة ، سلباً أو إيجاباً ، وبينها وبين م كان يجري داخل ترابط مباشر ، وغير مباشر يؤثر كل منها في الآخر . فكان "الخان" في تقديري – مجتمع مصغر للمجتمع الكبير – المجتمع العراقي – يحمل كل تناقضاته وأزماته وتياراته وإصرار ناسه على الكفاح والمثابرة الدائمة " . مقدمة المؤلف وهذا أيضاً ليس مكاناً ، إنما مستوى من الصراع والحساسية والتحول تتصارع فيه ست شخصيات رئيسة : (سليم) دريد إبراهيم ، و(جاسم أبو الحباية ) يوسف إسماعيل العاني وفاروق داود ، و(قدوري) فاضل خليل ، و(منير) قاسم محمد ، و(محيي) عبد الجبار عباس ، و(نجمة) عواطف نعيم ، أعتقد إن جوهر الصراع يتحدد بدءاً مع هذه الشخصيات الست ولا أفترض أهمية هذه الشخصيات كدور رئيس في النص حسب ، إنما لما تمتعوا به من أداء عال ومن لياقة حركية ، ومن استيعاب لمضمون الشخصية البغدادية وهمها اليومي وتعبيرها عما تحس . بالتأكيد ان هذا ينطبق على أكثر أعمال الفرقة ، ذلك إنها تتوفر على أصالة الإنسان في هذا القطر وعلى استقطاب شعبي من الجمهور حددها منذ البدء كمسرح شعبي من الدرجة الأولى ، فالهموم هي تلك التي لا تدعى بقدر ما تتنفس مع الناس ، والمعاناة لا تخرج عن إطار الشخصية المحلية في المجتمع ، وان ابتعدت أو أصبحت أكثر عمومية فهي بالتالي لصيقة بالوضع العراقي ، ويساهم في ذلك أيضاً سرعة الحوار والأداء تلك اللغة العريضة في كل لسان الناس والمخاطبة المباشرة الحارة . الأداء والإخراج ! لقد اعتمدت تقنية الإخراج البساطة أولاً ، ثم هدف إشراك للجمهور الذي عني به المخرج ونفذه الديكور على أحسن وجه ، ويقول المخرج سامي عبد الحميد : " ظل هيكل المسرح في مسرحنا العراقي فترة طويلة يتبع الشكل التقليدي المسمى بـ (الإيطالي) الذي يفصل الخشبة عن القاعة ، وقد حاول المخرجون إيجاد الصلة المباشرة بين المخرج والممثل ، لكن أبنية المسارح لم تكن تسمح باحتضان المتفرجين للمسرح ، وقد حاولنا في هذه المسرحية أن نفتح المسرح على الجمهور وأن نبني هذا التمازج بين الجانبين والخروج من الشخصي والذاتي إلى العام والشامل متلمسين التفاعل بين ما يجري على الخشبة ليس وهماً ، وإنما حوادث واقعية حدثت فعلاً أضاف لها المؤلف شيئاً من خياله لذلك رفعنا الجدار الرابع وأزلنا الوهم المسرحي المعهود وأشركنا المتفرج في الأحداث بوعي وليس باندماج " . وفعلاً لم يكن المتفرج سلبياً إنما أيضاً رقيباً على العمل ومشاركاً فيه ، وليس بسبب دقة وذكاء الإخراج وحده إنما أيضاً للأداء الرائع للممثلين يوسف إسماعيل ، فاضل خليل ، قاسم محمد ، عبد الجبار عباس ، عواطف نعيم انهم حقاً يملئون المشاهد حساسية وتفاعلاً واستجابةً ، وهم لا يمثلون ويلعبون الدور إنما يجسدون روح الشخصية وتاريخها وطمعها كحياة لا فن على الخشبة حسب .
#عامر_بدر_حسون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
قبل إيطاليا بقرون.. الفوكاتشا تقليد خبز قديم يعود لبلاد الهل
...
-
ميركل: بوتين يجيد اللغة الألمانية أكثر مما أجيد أنا الروسية
...
-
حفل توقيع جماعي لكتاب بصريين
-
عبجي : ألبوم -كارنيه دي فوياج- رحلة موسيقية مستوحاة من أسفار
...
-
قصص البطولة والمقاومة: شعراء ومحاربون من برقة في مواجهة الاح
...
-
الخبز في كشمير.. إرث طهوي يُعيد صياغة هوية منطقة متنازع عليه
...
-
تعرف على مصطلحات السينما المختلفة في -مراجعات ريتا-
-
مكتبة متنقلة تجوب شوارع الموصل العراقية للتشجيع على القراءة
...
-
دونيتسك تحتضن مسابقة -جمال دونباس-2024- (صور)
-
وفاة الروائية البريطانية باربرا تايلور برادفورد عن 91 عاما
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|