عدنان الصباح
(ADNAN ALSABBAH)
الحوار المتمدن-العدد: 997 - 2004 / 10 / 25 - 08:09
المحور:
القضية الفلسطينية
ترى كيف كان الجيش الإسرائيلي سيتصرف لو انه وجد نفسه أمام آلاف الأطفال والنساء والشيوخ على بوابات جنين أو رفح أو غيرها من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية, وكيف كان سيكتب الصحفيين الأجانب وهم يرون أما فلسطينية تبكي فلذة كبدها بدل أن تطلق الزغاريد, أي لغة كانت ستجدها الإدارة الامريكيه لتبرير مقتل الأطفال والنساء لاغتيال الشيخ الشهيد شحاده في غزه لو أننا لم نعلن أن شحاده كان القائد العسكري لكتائب القسام واكتفت بالقول انه مواطن فلسطيني يذبح على أيدي الإسرائيليين بحجج واهية وأكاذيب ملفقة وبدل أن ننشر صوره كقائد عسكري كنا قدمناه مع أطفاله وأسرته كقائد سياسي, العشرات... العشرات من شهدائنا كانوا مجرد ضحايا ذبحوا علنا على أيدي جيش الاحتلال بدون سبب بينما رحنا نحن نقدم المبرر لهم ونقوم بإجراء عمليات المونتاج لصور الشهداء الضحايا لنحولهم إلى قادة أبطال أذاقوا إسرائيل وجيشها وأغرقنا بالدور بان رحنا نطلق على شهدائنا ألقابا عجيبة غريبة كان نقول عن محمد ألدره الشهيد البطل مثلا مع أن العالم, كل العالم رأى بأم عينيه كيف قتل الطفل محمد ألدره بدم بارد وهو لا حول له ولا قوه, ثم نسمي آخر خبير المتفجرات أو بطل الكاتيوشا التي لا نملكها أصلا أو مهندس التفجيرات أو بطل العمليات وما إلى هناك من ألقاب عجيبة غريبة لا يقراها سوى الأعداء ولا تخدم سوى أهدافهم هم, فنحن إن كانت موجهه إلى جمهورنا نعرف الحقيقة ولن تغير اللغة في معلوماتنا شيئا وان كانت موجهة إلى الخارج فهي لن تخدم سوى الأعداء فلماذا نفعل ذلك.
قبل أيام زار الأراضي الفلسطينية حفيد المهاتما غاندي واستقبلنا الرجل بحفاوة تليق به وبما يحمل من الرمز, وانتهت الزيارة وعاد الرجل أدراجه دون أن يلتفت احد إلى الرسالة التي سعى لقولها لنا من خلال زيارته, فالرجل لم يأت للاستعراض ولا لإشهار ذاته ولا ترفا من قبله ولا للسياحة والتمتع, لقد جاء ببساطه ليقول لنا إن هناك وسيلة أخرى للكفاح لا زالت ماثلة للعيان ولقد تم تجريبها وأثبتت نجا عتها في مواجهة المحتلين والجيوش الجرارة من قبل شعب اعزل, لكن احد من سياسيينا وكتابنا ومفكرينا لم يكلف نفسه عناء مناقشة رسالة الرجل ولا إمكانيات العمل بها أو استحالة ذلك, احد منا لم يدعو للقاء ما لنقاش الفكرة واستخلاص العبر من الدعوة أو من الفكرة أو حتى لمحاولة دراسة تجربة غاندي في ظل معطيات الواقع المعاش في بلادنا بل إننا لم نهتم بما اقترحه غاندي الحفيد من مسيرة الخمسين ألف لا جيء واقتراحه با يكون أعضاء المجلس التشريعي على راس المسيرة واخالهم وضعوا أيديهم على قلوبهم هلعا وهم يسمعونه يقول ( ما الذي سيحدث, قد يقتلون مائه وقد يقتلون مائتي رجل وامرأة وطفل, من شان ذلك أن يصدم العالم ويتساءل عما يجري ) ولقد قدمنا عشران آلاف الشهداء على طريق الحرية لكن عملا من هذا القبيل بحاجه لقائد مثل غاندي الجد ليكون على راس الجالسين تحت وابل الرصاص, دائما كان لدينا من هم على استعداد للموت في سبيل الحرية ووحدهم من كانوا ولا زالوا خلف مكاتبهم ألمكيفه يعتقدون أن أمهات شعبنا لن تلد بدائلهم إن هم وقفوا في وجه دبابات المحتلين كمقاومين حقيقيين مع إدراكهم أن إسرائيل تخشى مثل هذا الكفاح أكثر من غيره بكثير, احد منا لم يتذكر مثلا أن إسرائيل وقبل سنوات طوال أبعدت عن الأرض الفلسطينية الأخصائي النفسي الدكتور مبارك عوض علما بأنه يحمل الجنسية الامريكيه بعد أن بدأ الدعوة إلى أسلوب اللاعنف في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي, واحد لم يسال نفسه لماذا يطرد الاحتلال رجلا يطالب باللا عنف في مواجهتهم, ومن يراقب ما تبث أجهزة الإعلام الاسرائيليه من آراء لنا وما تركز عليه من تصريحات يرى إلى أي حد تهتم إسرائيل حكومة ومؤسسات في إبراز لغتنا العنيفة وسياستنا العنيفة بل وتقديمها على اكبر مما هي وتضخيم لغة العنف لدينا.
قبل سنوات أجرى معي مراسل قناة التلفزيون الإسرائيلي الثانية مقابلة وكان لديه سؤالين الأول ما رأيك بمنح السيد ياسر عرفات جائزة نوبل للسلام مع بيريس ورابين وأجبت عليه أن ذلك من حق ياسر عرفات ولكن على بيريس ورابين أن يثبتوا أنهم يستحقون الجائزة وينسحبوا كليا من بلادنا, والسؤال الثاني كان انه في حال حصلتم على دولتكم في الضفة الغربية وقطاع غزه فماذا ستفعلون بشان أراضي عام 48 وقد كانت إجابتي أننا معا نحن والقوى الديمقراطية ومحبي السلام اليهود سنكافح في سبيل الخلاص من الفكرة الصهيونية العنصرية وتجلياتها على الأرض وبالطرق السلمية, وكان أن تلك المحطة لم تبث كلمه مما قلت بينما بثت في نفس الليلة كلاما لشاب قال عن أي سلام تتحدثون وأي يهود هؤلاء ( عليهم أن يعودوا من حيث أتوا أو أن يقتلوا ), والسؤال لماذا لم تبث القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي تصريحاتي وبثت عكسها وقد فعلت ذلك ولا زالت ونحن لازلنا نقدم لها ما تريد وعلى طبق من ذهب بل ونهاجم كل من يحاول تصويرنا كضحية لا حول لها ولا قوة ونسعى لان نقدم أنفسنا كأبطال لا يشق لهم غبار.
يقول الشاعر الكبير طاغور ( ان للقوه المعنوية سلطانا أقوى من سلطان القوه البهيميه, وفي هذا برهان قاطع على أن الإنسان الضعيف, ذا القلب المؤمن, يستطيع أن يلقي عنه سلاحه, ويقول إن النصر الأعظم هو لقوة الروح لا لقوة الساعد ) وهذا يقودنا إلى ما قاتله غاندي نفسه من هدف كفاحنا هو صداقتنا للعالم اجمع, فهل سعينا نحن لذلك أم أننا في بعض المراحل خطفنا الطائرات وهاجمنا عواصم العالم وبحثنا عن عداء العالم لنا تحت شعار يغاير النتائج وهو توضيح حقيقة قضيتنا أمام الرأي العام العالمي ودفع العالم ليتنبه لقضيتنا ويستفيق من سباته والذي حصل أن العالم استفاق من سباته ليبحث عن كل السبل لمحاربتنا بدل مساعدتنا ورحنا نوصف كقراصنة, ولم نتعلم بعد حتى على صعيد بناءنا الداخلي معنى الوحدة ففي حين تمكن غاندي من توحيد طوائف الهند ورأى بذلك أهمية قصوى حين قال ( إذا كنا نريد أن تستقل بلادنا, فيجب أن تتحد طوائفنا اتحادا وثيقا لا يعتريه انفصام ) ونحن لم نتمكن من إنجاز وحدة فصائلنا لا طوائفنا.
نحن بحاجة للغة جديدة وأدوات عمل حديده ورؤيا جديدة نتمكن من خلالها من حشر إسرائيل في الزاوية وتقديمها كدولة جريمة وقتل واحتلال وان لا نقدم لها دائما ما يبرر من وجهة نظر العالم جرائمها فالعالم ليس فلسطينيا وهي غير مجبر على تصديق روايتنا مهما كانت بل إن من حقه أن يفحص الروايتين ويأخذ ما يقترب من قناعا ته ورؤاه ولقد عرفنا دوما أن إسرائيل أكثر قدرة منا على تقديم الرواية الانجح وإنتاج سيناريو يتلاءم دوما مع لغة الغرب وثقافته ومفاهيمه في حين نصر نحن على لغة عفا عليها الزمن ثم نتباكى لان أحدا لا يعيرنا اهتمامه وننسى كليا أننا لا نعير أحدا أي اهتمام.
إسرائيل تقتلها لغة السلام والعدل والحرية والأمان ويقتلها الحديث عن الجوع والحصار والموت والفقر والمرض والحواجز والاغلاقات والجدار وينقذها من عزلتها كل عمل عنف تجد فيه ما يبرر جرائمها المتواصلة وتستخدمه كقميص عثمان, كحجة لا تنتهي في سبيل استمرار جرائمها المتواصلة, إسرائيل تقتلها صورة طفل فلسطيني مصاب بالفزع وتنقذها صورته وهو مدجج بالسلاح, إسرائيل تقتلها صورة أم فلسطينية تبكي بحرقه وتنقذها صورة أم فلسطينية تزغرد وترقص فرحا لاستشهاد فلذة كبدها على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي مع أن الجميع يدرك مرارة وحدة هذه المرأة المكلومة الحزينة وان الرقص لا يدل دائما على الفرح.
يوميا تقتحم قوات الجيش الإسرائيلي مدننا وقرانا ومخيماتنا بهدف القتل أو الإصابة آو الاعتقال ونبقى نحن في بيوتنا تاركين شباننا يواجهون آلة الحرب الإسرائيلية وحدهم بصدورهم العارية وكل ما نفعله بعد ان تنجز قوات الاحتلال جريمتها أن نخرج لحمل الشهداء على الأكتاف والهتاف لبطولتهم بانتظار جنازة جديدة وبطل جديد نقدمه هدية للسماء, ولم نفكر ولو لمرة واحده بالخروج رجالا ونساء أطفالا وشيوخا وشباب لنجلس عنوة أمام دباباتهم لحماية شبابنا من الموت أو الإصابة أو الاعتقال, ويلجا الأسرى للإضراب عن الطعام لتحسين أوضاعهم ونلجأ نحن للتضامن معهم ساعة هنا وساعة هناك وبأعداد يكاد المرء أحيانا يخجل من ذكرها, يضرب الأسرى في السجون ونملا معدنا بشبه طعام وننام دون أن نخوض بجوعنا الذي نعيشه فعلا معركة للإفراج عنهم بدل التصفيق الباهت لجوعهم, تشرع إسرائيل ببناء الجدار وتكاد تنتهي منه ونحن نصرخ أوقفوا بناء الجدار, عدلوا مسار الجدار, واحد فينا أبدا لم يكن شعاره اهدموا الجدار ولست ادري لماذا, والأخطر من ذلك انك تجد أحيانا عدد المشاركين الأجانب في مسيرة ضد الجدار أكثر بكثير من عدد المشاركين الفلسطينيين والمصيبة التي نخجل أحيانا من ذكرها أن عمالنا وشركاتنا هم الذين نفذوا بناء الجدار على مرأى ومسمع من العالم هكذا وبكل بساطة وبدون خجل .
قبل سنوات شاركت بندوة ضد الطرق الالتفافية مع احد أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وعقدت الندوة في مدرسة تشرف مباشرة على جرافات الاحتلال وهي تمارس عملها في إحدى هذه الطرق والقينا خطبا عصماء وهددنا إسرائيل بالموت والدمار ثم بدا الجميع بالمغادرة فهمست بأذن ذلك العضو العظيم في قيادة منظمة التحرير إن علينا أن نقوم بخطوة عمليه كان ننزل ونحن نرفع أيدينا فوق رؤوسنا للجلوس أمام الجرافات فأيد الرجل الخطوة وشجعني معتذرا بان لديه ارتباطات كثيرة وعليه أن يغادر وان فينا ألبركه ومن الطبيعي أن أحدا لم يهتم للأمر وهو يرى حجم سيارة القائد العظيم وهي تغادر ارض الاجتماع مسرعه وكأنه كان نادما على أن الندوة عقدت في منطقة قريبة لهذه ألدرجه من الحدث وقد انتهت إسرائيل كليا من بناء الطرق الالتفافية وننسى نحن الأمر كليا وانتهت أو تكاد من بناء الجدار ونحن ننسى أو نكاد أمر الجدار باتجاه قصة جديدة ومطلب جديد وإنجاز إسرائيلي على الأرض من جديد.
كل ما نحتاجه نحن الفلسطينيون هو وقفة صادقة وجدية مع ألذات نقوم خلالها بفحص سلامة عتادنا وأدوات ووسائل كفاحنا علنا وعلى مرأى من كل العالم وبدون خجل فمن غير المعقول أن نبني بأيدينا الجدار الذي لم نطالب بهدمه, ومن غير المعقول أن تغيب عن ذاكرتنا كل جريمة بمجرد حدوث جريمة جديدة وان لا نتمكن أبدا من رسم لوحة متكاملة لجرائم الاحتلال تنطلق وتنتهي بالاحتلال نفسه, بمعنى أن تتحد كل أدوات كفاحنا وأنشطتنا نحو التخلص من الاحتلال وبالتالي من افرازاته, وعلينا ونحن نقوم بمراجعة حساباتنا أن نولي أهمية قصوى لاحترام الرأي العام العالمي وان نتقن كيفية التوجه نحوه لطلب الإسناد والدعم لا أن نكتفي بصوتنا العالي وبقاعاتنا الذاتية بان قضيتنا عادله.
قد يعتقد البعض أن الدعوة إلى الكفاح اللا عنفي هو دعوة للهروب من المواجهة والحقيقة إنها دعوة إلى شجاعة الشعب وكفاح الشعب كل الشعب لا حفنة من أبنائه تلقى على عاتقهم مهمة تحرير الشعب المكتفي بالانتظار والذي لا دور له سوى التصفيق إلى بطولة الأفراد والسير في جنازاتهم وقد أوضح المهاتما غاندي طريقته بالكفاح اللا عنفي بقوله ( إنني انمي في الإنسان الشجاعة ألمطمئنه إلى أن يموت من غير أن يقتل, ومن ليست له هذه الشجاعة فالأفضل له أن يبرع في صنعة القتل واستقبال الموت, فهذا خير من عار الفرار أمام الخطر ) وقد فسر غاندي خططه في كفاحه السلمي واصفا المعارك بين الهنود والمحتلين الإنجليز, بين أناس عراة وبين جيش عرمرم مسلح فيقول غاندي ( كنا نتقدم في سبيلنا, فتعتر ضنا البنادق في يد الأعداء إلا أننا نتقدم غير حافلين بها فتنطلق منها النيران ويسقط منا من يسقط....... _ وهكذا _ وعندئذ كان أعداؤنا يلقون سلاحهم ويجمدون في أماكنهم مرتبكين ) وقد أوضح جليا حجم إيمانه بأهدافه واستعداده لكل شيء في سبيل تحقيقها حين قال ( أفضل أن أرى الهند تلجا للسلاح للدفاع عن شرفها, على أن أقف كالجبان لأشهد عارها... وخير لنا أن نحرز استقلالنا بالعنف إذا كنا لا نستطيع الخلاص من الاستعباد إلا بالقتا
#عدنان_الصباح (هاشتاغ)
ADNAN_ALSABBAH#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟