|
السياق التاريخي للربيع العربي
مصطفى قطيح
الحوار المتمدن-العدد: 3337 - 2011 / 4 / 15 - 07:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أحداث متسارعة، تغييرات سياسية عميقة تتحقق على أرض الواقع، وأصبحت الشعوب العربية تطالب وتلح على تحقيق أعلى قدر من الديمقراطية كل حسب قطره متشبثة بسقف المطالب الذي وصلت إليه الحركات السياسية في تلك الأقطار، شباب منفتح على العالم يقود مسيرات ضخمة تطالب بالديمقراطية، سقطت أنظمة لم يكن يتوقع أحد أنها ستغادر السلطة لمجرد إلحاح شعوبها على ذلك، دور القنوات الفضائية الإخبارية ملفت للانتباه. هكذا استقبلت المنطقة العربية السنة الجارية. لإدراك ومعرفة الأسباب التي أدت إلى هذا الحراك السياسي، وفي هذا التوقيت بالضبط، لا بد من تلمس السياق التاريخي الذي تقع فيه هذه الأحداث، وأخذ المسافة اللازمة بيننا وبينها لنتمكن من رؤيتها بوضوح وفهم العلاقات التي تربطها بمحيطها. فالقرن الذي ودعناه كان حافلا بأحداث تاريخية كبرى على جميع المستويات، لم تشهد الإنسانية مثيلا لها لا من حيث الكثافة ولا من حيث النوعية. بما أن أهم الظواهر السياسية التي عرفها القرن الماضي كانت تتميز بالطابع الكوني (الإمبريالية، الحرب العالمية، الحرب الباردة، .. إلخ) فلا يمكن فهم أحداث سياسية من حجم ما يقع الآن في المنطقة العربية بدون ربطها بما ترتب عن مخلفات تلك الظواهر وتأثيراتها عليها. أهم ما ميز القرن الماضي هو نهاية الصراع الكبير بين المعسكرين الشرقي والغربي، كان هذا الحدث أقوى حتى من الحربين العالميين لأن ذلك الصراع وصل إلى مستوى كاد أن يقود البشرية إلى حرب نووية خطيرة بين كيانين عملاقين ربما قد تتسبب في انقراض الكائن البشري. قبل نهاية الحرب الباردة، كان الواقع السياسي في دول المحيط يتحدد بمقدار الولاء للمركزين المتصارعين أكثر من ارتباطه بالصراع داخل تلك الدول. ففي تلك المرحلة، كانت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تصل في بعض الدول العربية إلى أقصى درجاتها، ويحتد معها الصراع السياسي، ومع ذلك تستمر نفس السياسات بنفس الحكام لأنهم مدعومون من قوى عظمى تساندهم في كل الإجراءات القمعية التي يقومون بها تجاه شعوبهم. فبمجرد ما انتهى الصراع الكبير لصالح بقاء الإنسان على وجه الأرض، وإن افتقدنا بعض القيم الاشتراكية الجميلة، أصبح دعم الدول المركزية الغربية لبعض الحكام العرب على حساب ديمقراطية شعوبها بدون تبرير، ومع ذلك استمرت في دعمهم معتمدة عليهم في التصدي للخطر الأخضر، خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر التي أعطت تبريرا جديدا لهذا الدعم. تميزت هذه المرحلة بقمع شديد للشعوب العربية من طرف حكامها تحت مبرر محاربة الإرهاب. موازاة مع ذلك، كانت التكنولوجيا الرقمية تتطور بسرعة غير مسبوقة (قنوات فضائية، هواتف نقالة، إنترنت، ..) مما خلق متنفسا مهما للشباب العربي ليكون جيلا منفتحا على العالم الخارجي، لا يقبل أقل من الحقوق السياسية المتعارف عليها والمقبولة عالميا، وذلك بفعل احتكاكه اليومي بالشبكة العنكبوتية التي تمكنه من ممارسة حرية التعبير ولو بأسماء مستعارة. وبما أن الأنظمة السياسية في المنطقة العربية كانت تعتمد فقط على الأجهزة القمعية ودعم الدول الغربية لها، مما خلق مجالا مناسبا لانتشار اقتصاد الريع ومظاهر الفساد، استطاع جيل الإنترنت أن يلعب دورا مهما في فضح المفسدين خصوصا بعد ظهور خدمات اليوتيوب والفايسبوك والتويتر التي تسمح بنشر الفيديو والصورة عبر العالم بالوسائل البسيطة المتاحة لدى هؤلاء الشباب. لقد ساهم هؤلاء الشباب في فضح ممارسات الفساد من جهة، وكشف حقيقة الشعوب العربية كونها لا تشكل تهديدا للسلم العالمي من جهة أخرى. فمن خلال المحادثات عبر الإنترنت في مختلف مواقع الدردشة، يتبين أن التطرف الديني الذي تروج له الحكومات ليس سوى ظاهرة عادية مثلها مثل الحركات المتطرفة الموجودة في جميع الأديان. مما حفز الدول الغربية لإعادة النظر في الدعم للحكومات العربية خاصة عندما يتعلق الأمر بالتظاهرات التي يقودها الشباب. هذا الأخير الذي لعب دورا كبيرا في الإعداد للتظاهرات عبر الفايسبوك، فتستجيب له كل الفئات الشعبية المتضررة من السياسات السائدة، وذلك بتشجيع من القنوات الفضائية الإخبارية، وبدعوات واضحة توجهها الدول الغربية لحلفائها الحكام العرب للاستماع إلى صوت الشعب والكف عن قمعه. من خلال ما سبق، يتبين أن ميزان القوى في صالح اكتساب الشعوب العربية المزيد من الديمقراطية، خصوصا تلك الشعوب التي كانت محكومة سابقا من طرف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية والذين لم تعد الحاجة إليهم الآن.
#مصطفى_قطيح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أيها المدونون، لا تنتظموا
-
الإعلام الإلكتروني و حرية التعبير
المزيد.....
-
منشور يشعل فوضى في منتجع تزلّج إيطالي.. ماذا كتب فيه؟
-
-أم صوفيا-.. سلمى أبو ضيف تنجب طفلتها الأولى
-
رداً على تصريحات ترامب بشأن -تهجير- أهل غزة، دعوات إلى التظا
...
-
اللجنة المحلية للحزب في الديوانية: ندين الاعتداء على المحتجي
...
-
حادث مطار ريغان يربط موسكو وواشنطن في مباحثات إنسانية
-
غزة.. انتشال 520 جثة من تحت الأنقاض منذ وقف إطلاق النار
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير 6 بلدات في كورسك ودونيتسك وخاركوف
...
-
وقفة صامتة أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب للمطالبة بالإفر
...
-
بيسكوف: التعليق على تكهنات حول -قوات كوريا الشمالية في كورسك
...
-
فنلندا.. منع طالب من زيارة محطة نووية بسبب جنسيته الروسية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|