غريب عسقلاني
الحوار المتمدن-العدد: 3334 - 2011 / 4 / 12 - 16:08
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة
ترنيمة روح خضراء
حملتها الريح حطت بها في بيت عند خاصرة الجبل, فوقها سماء ماتت عصافيرها عطشا, وتحتها أخدود تسكنه أفاعي العتمة تتسلى بافتراس القمر.. همست المرأة مخذولة:
- من يحمل أغنياتي إلى قمر حملته ريح صفراء الى بلاد الصقيع؟ وهل تصل رسائل الأشواق بين جليد وعتمة.. ولا قمر!!
حاصرت المرأة شهقات أخيرة.. أسدلت الستائر على شباكها.. وأخذت إلى حضنها عودا قطعوا أوتاره.. فَزِعا يومها علقها دمعا تحجر في مقلتيه.. لهثت:
- هل يحفظ صندوق العود دندنة الروح في غياب الوتر؟!
صوت مبحوح خرج من بطن العود..
- لن يغيب الوتر.
يومها سحب سبعة نياط من قلبه, صارت سبعة أوتار, علقها في مشجب سري بين عينيها.. ذرفت الأوتار سبع دمعات قتيله, فحملته الريح وطارت.. وظلت المرأة تفترش المرأة ذاكرة بعيدة, تحضن العود فتأتي الصور وغناء بعيد.. تسترجع أوقات الحنين لوجه غاب وما عاد.. و..
***
لا عادت الريح خضراء.. ولا عاد القمر
ولا زالت المرأة تفترش الصور, وتفتش في صندوق العود عن بقايا نبض أو روح نغم, تصدها لغة خرساء لا تأتي بإشارات حضور, فالأفاعي تلدغ جلد الوقت بلا كلل.. وهي مع بقايا دفء.. تتسلق كلما جُن الوقت جديلة معلقة بين عينيها.. تدخل فصل الرعشة..تعجن الحناء..ترسم خطوط يديها وتنتظر على يقين, بعيداً سيأتي ذات مساء..وتصنع من سبع نياط أرجوحة وتستدعي موسيقى وشرفة.. وامرأة تجلس أمام البحر تقرأ القصائد.. لكنها سرعان ما تصحو على قهقة ريح هازئة:
- الأقمار في بلاد الصقيع لا تأتي بالبعيد ولا تأبه لبكاء القصائد..
***
تغلق المرأة بابها تسدل الستائر على شباكها, وتغلق صندوق النسيان على بقايا حكايات وصور.. لكن جذوتها ما زالت ساكنة تأبى الخفوت.. تزحف الجذوة من شق العتمة.. تهتف:
- لا يملك يا سيدتي من تنتظريه الفرار .. أو الاعتذار
- لكنه مع صقيع الغرب غاب!!
فجأة رقصت جديلة الأوتار بين عينيها.. صارت سبع قناديل , كل قنديل يحمل وجه أمير.. هطل الوقت ماء.. صارت الوقت بستان.. صارت المرأة أميرة جلست صوب زجاج الشباك, فتسلل إليها ضوء من بين وريقات الشجر, ربما كان خيال غائب يأتي من بعيد.. لهثت على شوق قديم:
- لعله يأتي مع تفتق الياسمين, وزفة نيروز العائدين..
#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟