أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رباح حسن الزيدان - المجتمع المدني بين كرامشي من جهة وهيجل وماركس من جهة اخرى في اطار نظرية السيطرة والهيمنة















المزيد.....

المجتمع المدني بين كرامشي من جهة وهيجل وماركس من جهة اخرى في اطار نظرية السيطرة والهيمنة


رباح حسن الزيدان

الحوار المتمدن-العدد: 3334 - 2011 / 4 / 12 - 00:30
المحور: المجتمع المدني
    


على الصعيد المفاهيمي اعتبر غرامشي المجتمع المدني احد مكونات البنية الفوقية. ففي احد النصوص الهامة في دفاتر السجن كتب غرامشي قائلا : " ما نستطيع أن نفعله حتى هذه اللحظة، هو تثبيت مستويين فوقيين أساسيين، الاول يمكن أن يدعى المجتمع المدني، الذي هو مجموع التنظيمات التي تسمى (خاصة) والثاني هو المجتمع السياسي أو الدولة. هذان المستويان ينطويان من جهة اولى على وظيفة الهيمنة حيث إن الطبقة المسيطرة تمارس سيطرتها على المجتمع، ومن جهة ثانية تمارس الهيمنة المباشرة أو دور الحكم من خلال الدولة أو الحكومة الشرعية ".
ويضيف في مكان أخر قائلا : " ينبغي الانتباه الى أن في مفهوم الدولة العام عناصر ينبغي ردها الى المجتمع المدني، إذ تعني الدولة : المجتمع السياسي + المجتمع المدني، أي الهيمنة المدرعة بالعنف " . ويضيف " لا ينبغي أن يفهم بكلمة دولة جهاز الحكم فحسب، بل جهاز الهيمنة الخاص أو المجتمع المدني " . الدولة، حسب رأي غرامشي، هي المجتمع السياسي (سلطة الدولة) زائدا المجتمع المدني (الحقل الايديولوجي أو الاجهزة الاعلامية والتربوية للدولة البرجوازية الحديثة).
ومن جهة ثانية أدخل غرامشي قطيعة جديدة في المضمون الدلالي Semantic لمفهوم المجتمع المدني، بإعتباره فضاء للتنافس الايديولوجي. فإذا كان المجتمع السياسي حيزا للسيطرة بواسطة سلطة الدولة، فإن المجتمع المدني فضاء للهيمنة الثقافية الايديولوجية، ووظيفة الهيمنة Hegomony هي وظيفة توجيهية للسلطة الرمزية التي تمارس بواسطة التنظيمات التي تدعي أنها خاصة مثل النقابات والمدارس ودور العبادة والهيئات الثقافية المختلفة.
تتبدى استقلالية الايديولوجيا في الهيمنة الثقافية باعتبارها رؤية للعالم لا تستمد قوتها وقدرتها من التغلب وفرض السلطة كما هو الامر في حالة السيطرة، ولا من عقلانية مفترضة أو منطق مجرد، بل من احتضان كتل المجتمع المتجانسة واقامة اللحمة بينها.
هذه الهيمنة الثقافية التي لا تعرف مركزا ولا تأتي عن ألية موحدة، بل هي نشاط متعدد المراكز يقيم تجهيزاته وتنظيماته خارج الدولة، وفي فضاء المجتمع المدني تحديدا، في محاولة منها – الهيمنة – لاقامة سياسة للايديولوجيا يكون الهدف منها استعادة المجتمع المدني لحقه في ممارسة شرعيته والوصول الى سيادته على مكونات وجوده الخاصة. بهذا يكون غرامشي أول من استعمل مفهوم الهيمنة بمعنى القيادة، وايجاد سياسة ثقافية تهدف الى تنسيق وتوحيد مواقف الفئات والطبقات الاجتماعية كمقدمة لا بد منها لتحقيق السيادة، وذلك من خلال فاعلية الحزب " المثقف الجمعي " وقدرته على حشد وتعبئة كل اصحاب المصلحة في التغيير تحت قيادته، وذلك لأنه يحمل لواء الاصلاح والتغيير، ويسعى لنشر اليات هيمنته الثقافية والسياسية على كامل المجتمع. هكذا يرى غرامشي على غرار ابن خلدون ان المطاولة الثقافية هي أساس وشروط المطاولة السياسية.
وطبعا لا يمكن فهم موقف غرامشي بإعطائه اهمية أساسية للمستوى الايديولوجي في البنية الاجتماعية – الاقتصادية من دون ربط ذلك بالظروف التاريخية التي كانت سائدة أنذاك في أوربا الغربية بفعل ابتعاد أفق الثورة الاجتماعية. فقد اعتقد غرامشي أن المشكلات " الثقافية " هي مشكلات ذات أهمية خاصة في مراحل تتلو النشاط الثوري، كما في أوربا 1815، ثم ثانية بعد عام 1921. ويقول إنه في مثل هذه الاوقات لا تكون هنالك معارك مباشرة بين الطبقات، ويتحول الصراع الطبقي الى " حرب مواقع "، وتصبح " الجبهة الثقافية " هي الميدان الرئيسي للنزاع .
لقد حاول غرامشي أن يطرح موضوع المجتمع المدني في إطار نظرية السيطرة والهيمنة الطبقية ويستخدمه لإعادة بناء استراتيجية الثورة الشيوعية أو التحررية. وبالنسبة لغرامشي سواء أكان ذلك في كتابه " الأمير الحديث " أو " دفاتر السجن " هناك مجالان رئيسيان يضمنان استقرار سيطرة البرجوازية ونظامها. المجال الأول هو مجال الدولة وما تملكه من أجهزة، وفيه تتحقق السيطرة المباشرة، أي السياسية، والمجال الثاني هو مجال المجتمع المدني وما يمثله من أحزاب ونقابات وجمعيات ووسائل إعلام ومدارس ومساجد أو كنائس إلخ، وفيه تتحقق وظيفة ثانية لا بد منها لبقاء أي نظام هي الهيمنة الايديولوجية والثقافية. ولذلك لا يكفي للوصول إلى السلطة في نظر غرامشي والاحتفاظ بها السيطرة على جهاز الدولة ولكن لا بد من تحقيق الهيمنة على المجتمع، ولا يتم ذلك إلا من خلال منظمات المجتمع المدني وعبر العمل الثقافي بالدرجة الرئيسية. وفي هذا التحليل يبلور غرامشي للحزب الشيوعي الطامح إلى السيطرة استراتيجية جديدة تقول إن من الممكن البدء في معركة التغيير الاجتماعي المنشود، أي الشيوعي، من استراتيجية تركز على العمل على مستوى المجتمع المدني وتعبئة المثقفين لكسب معركة الهيمنة الايديولوجية التي ستلعب دورا كبيرا في مساعدة الحزب على عبور الخطوة الثانية وهي السيطرة على جهاز الدولة. ففي مقابل استراتيجية الانقلاب العسكري أو شبه العسكري يقترح غرامشي عملية التربية والتعبئة الشاملة للمجتمع، أي السيطرة التدريجية والفكرية على الأطر التي تنظم علاقاته اليومية. ففي منظور غرامشي المجتمع المدني هو المجال الذي تتجلى فيه وظيفة الهيمنة الاجتماعية مقابل المجتمع السياسي أو الدولة الذي تتجلى فيه وتتحقق وظيفة السيطرة أو القيادة السياسية المباشرة. ولأن الهيمنة مرتبطة بالايديولوجية فإن المثقفين هم أداتها. ومن هنا جاءت حاجة غرامشي لإعادة تعريف المثقف وتحليل دوره والرهان الكبير الذي وضعه عليه في التحويل الاجتماعي.
لكن المراهنة على المجتمع المدني لم تلغ عند غرامشي دور الدولة ولا أهمية السيطرة عليها. فالعمل في إطار المجتمع المدني هو جزء من العمل في إطار الدولة وسياسة التحويل الدولوية. لذلك لا قيمة للمثقف عند غرامشي ولا ضمانة لفاعليته إلا إذا كان عضويا، أي إذا ارتبط بمشروع طبقة سياسي، تماما كما أن الهيمنة لا قيمة لها إلا كجزء أو مستوى من مستويات العمل لتحقيق السيطرة الاجتماعية. إنها ليست منافية للسياسة ولكن مكملة لها، وإن كانت متميزة عنها. فالمجتمع المدني والمجتمع السياسي أو الدولة يسيران جنبا إلى جنب ويجمع بينهما في كل نظام وحدة ديناميكية السيطرة الاجتماعية.
إن قراءة اطروحات غرامشي بشأن المجتمع المدني ومقارنتها بأطروحات كل من هيغل وماركس تتيح القول بوجود اختلاف في مستويات النظر بالنسبة لماركس وهيغل من جهة وغرامشي من جهة ثانية.
يرى هيغل وماركس في " المجتمع المدني " بمعنى المجتمع المدني لطبقات اجتماعية كما في مجتمع برجوازي، أي أن تفكيرهما ينصب على مفهوم المجتمع المدني بعلاقته بالبنية التحتية، أي القاعدة الاقتصادية، أي العلاقات الناشئة في هذا المجال/الحقل الاقتصادي. أما غرامشي فقدم مفهوم " المجتمع المدني " ضمن اشكالية سياسية وفكرية هامة هي " الهيمنة"، وحلل مفهوم المجتمع المدني في علاقته بالبنية الفوقية، وهذا هو عنصر الاختلاف، الذي نراه جوهريا وهاما.
إن فكرة غرامشي عن المجتمع المدني انما لها معنى محدد في اطار فكره ذاته، أي أنه مجتمع مدني كمجال لتحقيق مشروع تاريخي معين. وبالتالي فإن هذا يعتبر امرا يتعدى الاشكال المحددة لمفاهيم طبيعة السلطة، عسفها، مقاومة عسف السلطة أو ما شابه.
المجتمع المدني، بحسب غرامشي، يمثل مجموع العضويات أو الكيانات الخاصة التي تمكن المجتمع المدني من أن يعبر عن وظائف الهيمنة. ويعني ذلك أن غرامشي يريد، وبمساعدة مفهوم المجتمع المدني، أن يحدد مضمون الهيمنة السياسية والثقافية لطبقة اجتماعية محددة (أو إئتلاف طبقي) في عموم المجتمع.
إن مفهوم الهيمنة مفهوم نظري يشير الى الطريقة التي يتم بواسطتها، إبراز مصالح المجتمع ككل، وكذلك طريقة تنظيم القبول الاجتماعي بهذا الاتجاه. الهيمنة، إذن، ذات علاقة بالمجتمع المدني في حين أن السيطرة (القسر) عائد للدولة، أي للمجتمع السياسي.
يقول غرامشي : نستطيع الان أن نحدد مستويين رئيسين من البنى الفوقية – احدهما يمكن أن يعرف باسم " المجتمع المدني، وهو مجموع الاجهزة المعروفة عموما باسم " الحاضنة "، والثاني هو " المجتمع السياسي " أو الدولة. وهذان المستويان يقابلان وظيفة " الهيمنة " التي تمارسها الجماعة المسيطرة عبر المجتمع كله من جهة ووظيفة " السيطرة المباشرة " التي تمارسها الدولة.
تبنى الهيمنة، كما يعاد انتاجها، ضمن شبكة من المؤسسات يسميها غرامشي بالمجتمع المدني تميزا لها عن الجانب القمعي للدولة. المجتمع المدني، إذن، هو تلك التنظيمات ذات الطابع غير الحكومي : النقابات، المدرسة، الاحزاب .... الخ، وهذه تنظيمات طوعية تفعل فعلها عن طريق الاقناع أي من خلال الايديولوجيا. وبخلاف هذه التنظيمات، تشكل مؤسسات الدولة : الادارات، الجيش، الشرطة، القضاء، ما يسمى بالمجتمع السياسي، الذي يفعل فعله عن طريق القهر (السيطرة).
لابد أن يكون مفهوما، منعا لأي التباس، الاشارة الى أن المقارنة ما بين الثنائي الدولة/ المجتمع، أو استخدام ثنائي مشابهة كالقوة/القبول، لا يعني اننا نقصد التلميح الى أن هناك أجهزة دولة قمعية بشكل خالص، وان الباقي هو أجهزة ايديولوجية خالصة، ولا أن بالامكان تركيز الصراع الطبقي ضد الدولة بشكل رئيسي، في هذا الجانب أو ذاك. على العكس من ذلك يتعين التأكيد على حقيقة مهمة وهي أن لكل بنية دولة وظيفتها القمعية ووظيفتها الايديولوجية، إلا أن هناك بعض البنى التي تكون قمعية أكثر من غيرها، وبعض البنى التي تكون بالمقابل أكثر ايديولوجية من غيرها.
المرحلة الرابعة لاستخدام مفهوم المجتمع المدني وتشمل العقدين الأخيرين من القرن العشرين والأن، التي شهدت اعادة اكتشافه من تراث غرامشي لكن بعد تنقيته من بعض القضايا التي كانت موضع سجالات ساخنة خلال المراحل السابقة، بحيث لا يحتفظ منه إلا بفكرة المنظمات والهيئات والمؤسسات الاجتماعية الخاصة التي تعمل إلى جانب الدولة لكن ليس تحت إمرتها على تنظيم المجتمع وتنشيطه وتحقيق الاتساق فيه. وبهذا المعنى فالمقصود بالمجتمع المدني كما يستخدم اليوم تلك الشبكة الواسعة من المنظمات التي طورتها المجتمعات الحديثة في تاريخها الطويل والتي ترفد عمل الدولة. وإذا شبهنا الدولة بالعمود الفقري فالمجتمع المدني هو كل تلك الخلايا التي تتكون منها الأعضاء والتي ليس للجسم الاجتماعي حياة من دونها. فليس هناك أي شكل من العداء بينهما ولا اختلاف في طبيعة الوظائف وإن كان هناك اختلاف في الأدوار.
ومن المفيد التذكير هنا أن الاستخدام المعاصر لمفهوم المجتمع المدني قد مر هو نفسه بثلاث فترات رئيسية.
الفترة الأولى هي فترة الانفتاح على المجتمع المدني من قبل الأحزاب والقوى والنظم السياسية بهدف ضخ دم جديد في السياسة وإضفاء طابع شعبي عليها بدأت تفقده مع بقرطتها وتقنرطتها. وقد تمثل ذلك بإدخال عناصر أو مسؤولين في حركات إنسانية وتنظيمات اجتماعية خيرية في التشكيلات الوزارية على سبيل تقريب السياسة من الفئات النشيطة في المجتمع ومن الجمهور الواسع الذي عف عنها في الوقت نفسه.
أما الفترة الثانية فهي فترة التعامل مع المجتمع المدني بوصفه منظمات مستقلة موازية للدولة ومشاركة في تحقيق الكثير من المهام التي تهم هذه الأخيرة بالتراجع عنها. وهذا المفهوم يتوافق مع انتشار مفهوم العولمة والانتقال نحو مجتمع يحكم نفسه بنفسه ويتحمل هو ذاته مسؤولية إدارة معظم شؤونه الأساسية. وقد استخدمت " الدول الديمقراطية " مفهوم المجتمع المدني في هذه الحالة للتغطية على عجزها المتزايد عن الايفاء بالوعود التي كانت قد قطعتها عن نفسها وتبرير الانسحاب من ميادين نشاط بقيت لفترة طويلة مرتبطة بها لكنها أصبحت مكلفة، ولا يتفق الالتزام بالاستمرار في تلبيتها على حساب الدولة مع متطلبات المنافسة التجارية الكبيرة التي يبعثها الاندراج في سوق عالمية واحدة والتنافس على التخفيض الأقصى لتكاليف الانتاج.
أما الفترة الثالثة فهي فترة طفرة المجتمع المدني إلى قطب قائم بذاته ومركز لقيادة وسلطة اجتماعية، على مستوى التنظيم العالمي بشكل خاص، في مواجهة القطب الذي تمثله الدولة-الدول المتآلفة في إطار سياسات العولمة والنازعة إلى الخضوع بشكل أكبر فأكبر في منطق عملها للحسابات التجارية والاقتصادية. وشيئا فشيئا يتكون في موازاة هذا القطب الدولوي والقيادة الرسمية للعالم، تآلف المنظمات غير الحكومية والاجتماعية التي تتصدى لهذه الحسابات الاقتصادية والتجارية من منطلق إعطاء الأولوية للحسابات الاجتماعية ولتأكيد قيم العدالة والمساواة بين الكتل البشرية. وفي هذه الحالة يطمح المجتمع المدني إلى أن يكون أداة نظرية لبلورة سياسة عالمية وبالتالي أيضا وطنية بديلة تستند إلى مجموعة من القيم والمعايير التي ينزع السوق الرأسمالي إلى تدميرها أو التجاوز عنها.
لكن الأمر لم يلبث حتى تجاوز ذلك وجعل من المنظمات غير الحكومية، المحلية والدولية، فاعلا رئيسيا إلى جانب الحكومات في تسيير الشؤؤن الوطنية والعالمية. وقد تبلور مفهوم المنظمات غير الحكومية من خلال الوضعية القانونية التي كرستها لهذه المنظمات الأمم المتحدة، والدور النشيط الذي أصبحت توليه لها لحل العديد من المشكلات والتحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. حتى ساد الاعتقاد اليوم أن هذه المنظمات هي الملجأ الوحيد في تنفيذ المشاريع الانسانية الخيرية وغير الخيرية في مواجهة عجز الدولة وشلل أجهزتها بسبب سيطرة البيرقراطية عليها.
ومن الواضح أن الحالة ليست كذلك في البلاد النامية. فلا ينبع الحديث عن المجتمع المدني والدعوة لإعطاء المؤسسات الاجتماعية مسؤولياتها في العمل الاجتماعي من نضح الدولة ولا من تطويرها لفكرتها عن دورها الانجع في المساهمة في تطوير النظام الاجتماعي، ولا عن نضج المجتمع وتوسع دائرة العمل والمبادرة والتنظيم عند أفراده ونشوء جمعيات ومؤسسات أهلية قادرة على التدخل لمعالجة الكثير من القضايا والمشكلات الاجتماعية ولكن ربما بالعكس من ذلك تماما. إن منبع الحديث المتزايد عن المجتمع المدني هو انهيار الدولة وفقدانها لأي دور مركزي على الطريقة الكلاسيكية، أي بناء الأمة، وعجزها عن بلورة دور جديد لها يتماشى مع حاجات المجتمع الذي يتطور بمعزل عنها منذ فترة طويلة في تصوراته ومطالبه. كما هو تفكك المجتمع نفسه وافتقاره إلى أي مؤسسات تسمح له بممارسة دوره أو تأكيد وجوده في وجه السلطة المتحولة إلى سلطة أصحاب المصالح الخاصة وفي وجه الفوضى والدمار الذين يتهددان مصيره ومستقبله.
الأن، وقد صار لدينا مجموعة من الاطروحات، على تنوعها، تسمح لنا بتعيين حدود المجتمع المدني من خلال تعريفه بأنه : عبارة عن مجموعة من المؤسسات التي تقع خارج شبكة سلطة الدولة تتيح للقوى الاجتماعية العاملة في مجالات الاقتصاد والحياة الثقافية والايديولوجيا والسياسة أن تنظم نفسها بشكل حر بحيث تستطيع أن تلعب دورها في التطور الاجتماعي. انه مفهوم يتجاوز مجرد التغيير السياسي كما يعتبر أن ضمان وجود وحرية تلك المؤسسات الاهلية، هو شرط أساسي لفعالية الديمقراطية السياسية نفسها
إذا تابعنا التطور التاريخي للرأسمالية وكذا تطور مؤسسات المجتمع المدني نستطيع أن نقول أن تلك المؤسسات كانت ضرورية من أجل تكريس استقلالية المجال الاقتصادي والانشطة التي يتجلى من خلالها الاقتصاد الرأسمالي في مواجهة السلطة.
لم تقف سيرورة التاريخ عند هذه اللحظة التاريخية الاولى في تكوين الرأسمالية بل تعرضت هذه السيرورة الى تطور متناقض نتج عنه تبلور طبقات اجتماعية جديدة، اضافة للطبقة الصاعدة أنذاك – البرجوازية -. هكذا نشأت البروليتاريا كطبقة جديدة وجرت تغيرات عاصفة في مضمون طبقات قديمة أخرى تجلّت في تحولها الى منتجين سلعيين صغار يخضعون لمنطق قوانين التشكيلة الرأسمالية. وبذلك تم بسط العلاقات السلعية الرأسمالية وهيمنتها واخضاعها كافة العلاقات الاخرى لمنطقها. هكذا، إذن، بدأت تتبلور مؤسسات أهلية تخرج عن إطار إدارة شؤون رأس المال، تبحث عن حلول وسطى بين فئات البرجوازية نفسها من أجل تكريس السلطة السياسية المشتركة لها.
أدى تطور الرأسمالية الى تطور القطبين الرئيسين : البرجوازية والبروليتاريا، وقد ترتب على ذلك مجموعة من النتائج أهمها بروز البروليتاريا كقوة مستقلة، وكطرف رئيسي في الصراعات مع البرجوازية. وبدأت تنادي بنظام اجتماعي اخر، لا طبقي في الجوهر. وهكذا فرض ميزان القوى الجديد على النظام الرأسمالي ضرورة العمل وفقا لمبدأ التعددية الحزبية والانتخابات العامة. إن هذه الصيغة من الديمقراطية السياسية، التي كانت محصلة للصراع الدائر بين القطبين البرجوازية/البروليتاريا، وتنامي كفاح الاخيرة واشتداد عودها قد أدخل تناقضا جديدا في عمل القوانين الناظمة لاشتغال التشكل الراسمالي، ترتبت عليه نتائج بالغة الاهمية. أهم تلك النتائج يتجلى ببحث أطراف التناقض الاساسي عن مساومة تنتج حلا وسطا تاريخيا بين رأس المال والعمل.



#رباح_حسن_الزيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع المدني العالمي : تعدد التفسيرات
- نرجسية المثقفين العرب
- العلمانية بين التضامن الاجتماعي و الواجبات تجاه الله
- دور الاشتراكية والشيوعية في تشكيل المدرسة العلمانية الفرنسية
- الإكليروس و العلمانية في النموذج الفرنسي للعلمانية
- اصبح الاسلام موضوع من لا موضوع له
- مفهوم العلمانية
- مفهوم المجتمع المدني العالمي
- رؤية هيجل للمجتمع المدني
- مفهوم المجتمع المدني
- العلمانية في الدساتير الفرنسية
- هل تغيرت العلاقة بين الدين والدولة في فرنسا ؟
- إشكاليات قانون العلمانية في فرنسا
- إدارة العلمانية في ألمانيا
- الولايات المتحدة : العلمانية والدين بين المجتمع و الدولة
- الثورة اليسارية في الاسلام
- المفاهيم المبهمة للعلمانية
- الجابري والاعراب نظرة ورأي
- موت النزعة الانسانية في العالم الاسلامي
- ابن خلدون ومكيافيلي في عيون الوردي


المزيد.....




- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...
- مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا ...
- اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات ...
- اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
- ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف ...
- مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
- الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رباح حسن الزيدان - المجتمع المدني بين كرامشي من جهة وهيجل وماركس من جهة اخرى في اطار نظرية السيطرة والهيمنة