أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحاب ضاهر - وطن















المزيد.....

وطن


رحاب ضاهر

الحوار المتمدن-العدد: 994 - 2004 / 10 / 22 - 09:48
المحور: الادب والفن
    


وطن
(حين يصبح الوطن هزيمة لها وجه القمر تصبح الهوية منفى)
(1)

لماذا الوطن متورط لديك ؟ !!
لماذا الوطن أزمة وصداع مزمن في رأسك ؟ !!

أن يكون وطنك ليس بيتك بل بيت الغرباء ،و الحرية عاهرة تستحم بالنفط ، والعيش على مظاهر الترف هي متعة الناس . . . أين أجد وطني ؟ !!
أين يكون مقعدي ؟ !!

استقل قطار الخيبة واخذ مقعد المرارة أتبادل مع اليأس حديث البكاء. .
اقف في موقف الملل بانتظار "فان الرتابة " أجالس أناس الانتظار
انتظار يوم وراء يوم ، تماثيل بشرية على مقاعد الانتظار . . انتظار الفرج من الله ومن الوطن ومن الدولار . . . تقام داخل "الفان " ثورة من النق اليومي وترتفع أصوات الغلاء وهمهمة أقساط المدارس وترفع شعارات المطالبة بلقمة العيش وحق الحياة وتنهدات أزمة دولارية تحول دون زواج الشباب وتجعل الفتيات عانسات ناعسات يحلمن بساعة اختلاء جنسية ريثما تنفرج الغمة. . . تتعالى الأصوات فتخترقها نغمات (السليولار) لتوقف ثورة النق ويستمر " الفان " بسيره صامتا ، ويقضي ركابه أعمارهم بدفع الأقساط . . أقساط الشقة في بيروت وفرشها من أفخم المحلات يتبعها أقساط بناء بيت في الضيعة ثم السيارة . . . قسط وراء آخر ، يسدد اللبناني عمره أقساطا للمظهر الاجتماعي والتباهي والتفاخر أمام لبناني آخر يوازيه فقرا وتعاسة وقهرا !!
اللبناني لا يحب أن يعيش ذاته ، استبدل هويته بالدولار ولغته بالمكسيكية وطعامه "بالفاست فود" و" الجنيكل فود" .
هل يشترى الوطن أيضا بالتقسيط؟ ! أم يباع بالأقساط ؟ !!
أم نستورد وطنا مدبلجا الي المكسيكية !!!!
وأبي الذي دفع عمره أقساطا في عشق هذا الوطن هل حقق حلمه بالعودة ؟!
هل انغرس في ترابه حورا وسنديانا وزيتونا اخضرا؟ !!!!!!!!!
كان يستعد للعودة الي الوطن بعد انتهاء الحرب ليعيش به مواطنا صالحا لديه بعض من فتات الأرض : شقة واسعة في بيروت ، وبيت في الجبل وقطعة ارض كبيرة ، لكنه نسي أن يشتري وطنا حقيقيا في أوهام وطن . .
اشترى تذكرة عودة لاول مرة ، ذهابا دون اياب ، وقال وداعا للغربة وهو يقسم أن يحرق جواز سفره - كعادة اللبنانيين دائما –ما أن تطأ قدماه عتبات الوطن وينحني ليقبل جبينه . . .
حزم حقائب الشوق ونسي أن يخفض ضغطه .. نسي دواء الضغط .. باغته دمه وتآمر عليه جسده وخانه قلبه . . مات وهو يحتضن تذكرة سفره ، سفره بعيدا عن الوطن.
دفن أبي وغربته في الغربة ، دفن وحيدا ومجهولا ودون أن أقول له وداعا يا وطني الحقيقي . . يا اماني . . يا هويتي . . يا حبيبي الأصدق من كل الأوطان الكاذبة .لم ألوح له بيدي لاقول له : الي اللقاء في غربة جديدة
مات وأرسلت لنا السفارة شهادة الوفاة ولم نستلم رفاته، عاد أبي الوطن ورقة مختومة تثبت انه كان مواطن لبناني.
بعد مرور سنوات على وفاته وتخرجي من الجامعة سافرت إليه لانقل رفاته الي الوطن ، وجدت أبي حتى في موته منفيا مشردا وغربيا لاقبر له .
جرفت المقبرة وحولت إلى مركز تجاري أقيم على أنقاض أبي ، عندما عدت كان أول شيء فعلته أن اشتريت لي قبرا في وطن القهر لادفن فيه فربما أتحول إلى صفصافة تظلل الوطن بالحب والامان وتمتد جذوري في أعماق الأرض وتصل الي عظام أبي البالية وتلتف حوله فربما بذلك اصله بالوطن !!














(2)
هل يسمع الوطن نداء الحنين من أبي في منفاه الأخير ؟
هل سمع ضجيج السنين التي كان يسكتها أبي شوقا وحبا واحتراقا وغرية ؟
هل تقبل صلواته ودعاءه أطفأ ناره الموقدة انتماء وحبا لترابه ؟!!
هل يذكر هذا الوطن أبي ؟ !!!
هل يسجله في سجل كبار الشرفاء ؟!!
هل أحس به و أعطاه ضمان الكرامة ليقضي شيخوخته يروي أرضه ويزرع حقول الورد الجوري والقرنفل والحبق ؟!!
أبي ذلك المواطن الصالح الذي هاجر هربا من الفقر والنبذ، نبذ الأقارب لنا لأننا فقراء لا نستطيع شراء ملابسنا من "الحمرا" أو "مار الياس" ولا نملك صالون ستيل حفر على الخشب نستقبل فيه الأقارب الرأسماليين .
لم يكن لدى أبي سوى قلبه وغرفة مربعة في زاويتها سرير وكنبة وتلفزيون ابيض واسود يتابع عليه أخبار الوطن وتجلس بجواره أمي كسيرة الفؤاد لان خالتي عيرتها بفقر زوجها ومنعت ابنتها من اللعب معي لاني لا ارتدي حذاء من محلات "باتا " .
هاجر أبي حاملا حقيبة قديمة رتب داخلها وجعه وقليلا من حنين الوطن ليؤمن لنا مستقبلا افضل . هاجر ومعه أمي ومعها نحن أنا واخوتي الثلاثة سافر بعدما شفي من السل ونبذته عائلته بالعراء وهو مليم ، خافوا أن يصابوا بالعدوى فيصبحوا فقراء ، لم يسألوا عنه لان الفقراء ليس لهم أهمية في حياة بيروت الاجتماعية فليموتوا .
لم يكن يزورنا سوى عمتي وجدي الحنون ويتعاملوا معنا كمواطنين صالحين في وطن لا يصالح سوى الأغنياء الذين يمتصوا دمه لا يفتح قلبه سوى للعلق البشري .
سافر بعيدا . . . هاجر الي الخليج حاملا وطنه الذي نفاه وشما في دمه ، سافر ليصبح لائقا بالوطن . . .و حتى لا يخجل به وطنه .
امتص رطوبة ليل الصحراء ، تآخى مع لهيب شموسها وفرش جلده سجادا اسمر لسموم قيظها ليكبر في عين الوطن ، ليصبح بإمكانه أن يشتري شقة كبيرة في بيروت بها صالون واسع يلعب به الخيال ويتسع لغطرسة الأقارب.
اصبح بإمكانه أن يشتري لنا أحذية من " باتا " و "شول" وملابس أوروبية جديدة وليست مستعملة من " البالة " فيتودد إلينا أبناء الأقارب ويفتحون أبوابهم لاستقبال أحذيتنا " السنييه"!!
كان أبي طامعا بالوطن ، لم يكتف بالشقة ،بقي سنوات كثيرة مهاجرا لا يسافر في العطلات الصيفية ليحصل مالا أوفر وليقصر مدة غربته ويستريح في أرضه . . في وطنه . .
غاب عن الوطن عشرين عاما ، لم يزره سوى مرتين . . بقي غائبا ليشتري بيتا في الجبل ، وقطعة ارض على تراب الوطن ليشيد على قصر أمنياته ، ليفتخر به جدي . جدي الذي مات دون أن يرى أبي ويفخر بقصره . .
مات جدي ولم يكلف أحد من عمومتي نفسه ليخبر الغريب بموت أبيه ، ولماذا يخبرونه !! وهل للغرباء أن يبكوا موتاهم ؟ !! هل للمنبوذين حق في الحزن ؟ !!
عاد أبي الي لبنان ليرى جدي الذي طالما ناداه في المنام . .
عاد ليقبل وجنة الوطن الحنون ويمسح تعب وجهه بيديه العجوزين ، لكن ، الوطن لم يستقبل أبي ، لم يفتح ذراعيه له ويحتضن الغريب .
كان ميتا ، مات جدي دون أن يحتضن الغريب ، ودون أن يمسح شحوب السنين عن وجه التعب ، ذهب أبي الي القبر . قبر جدي . . قبر الوطن وبكى هناك . . ذرف دمعتين وغربة ، بكى جدي والوطن . .
سالت شعاب عينيه فارتوى قبر جدي أزاح البلاطة وقام يمسح غبار السنين عن وجه أبي ويحتضن غربته ، قام جدي من القبر ليقبل أبي جبين الوطن وليعود أبي الي هجرته ويكمل جدي موته .
مات جدي ، مات الوطن ، بكى أبي وامسك بضفائر غربته وعاد وحيدا وصامتا كمقابر الوطن !!










(3)
لأنه لم يكن بإمكان أبي أن يدخلنا مدراس الفرير والراهبات كأعمامي وخالتي كنا ندرس في المدارس الرسمية وكان يجب أن أعوض أبي فقره ونقصه واعتباره فرد نكرة في مجتمع فاحش المظاهر ، كان يجب أن ارتفع به عن سطح النبذ والعجز بالتحصيل العلمي والتفوق أنا واخوتي وكنت قرة عينه يفاخر بتفوقي في المدرسة وكانت خالتي تسخر من نجاحي وتنظر باستهزاء عندما تريها أمي درجاتي المرتفعة وتقول بقرف مصطنع : "شو ناقصها حتى ما تنجح " .
حتى التفوق والنجاح بالنسبة للفقراء منة وهبة لا نؤجر عليها في هذا الوطن الذي لا يعترف بالفقر ولا الفقراء !!
كنا دائما مواطنين غير شرعين في وطنا يستوطنه لقطاء الرياء والنفاق
غير معترف بنا كأناس أصحاء في حياة عرجاء . .
كان أبي سنيا احب أمي الشيعية ..
احب عمر فاطمة فتزوجها خطيفة لان الذي أحبته فاطمة لم يكن عليا ، لم يكن شيعيا مثلها وكنا نحن – أنا واخوتي – ثمار الطائفية التي ترمي بالحجارة ، أقارب أمي يقولون لنا انتم سنه لا نحبكم ،و أقارب أبي يعيروننا بأمي الشيعية " أولاد الشيعية " .
أبي لم يقل لنا يوما أننا سنة وامي لم تفرض علينا أن نتشيع مثلها .
قال أبي : كونوا وطنا .
فأي وطن كان يريدنا أبي أن نكونه ، أي وطن هذا الذي قرانه قرانان وعيده عيدان ودينه الواحد أديان وطوائف !!!!!!!!!!!!!!!
أي وطن كان يريد أبي ويرسمه لامي البسيطة على قطعة أحلاما بيضاء !!
كان من منفاه يتواصل مع وطنه السراب عبر أغاني فيروز ووديع الصافي ينطلق صوت وديع " يا مهاجرين ارجعوا غالي الوطن غالي " فتفيض الدموع من محاجر أبي وتغرق المكان . . اسبح أنا في دموعه واصل الي ضفة الوطن ، الوطن الذي أحرقته حروب الأهل وهزمته مدافع الفتن .
هل تغير الوطن بعد الحرب ؟!
نعم ، ليس كثيرا ، زاد عريه وبانت طوائفه بوضوح وعمق . . زاد تسطح الوطن ، زاد انبطاحه وزاد عدد المنفيين أمثال أبي .
هل تغير لون الوطن بعد الحرب ؟!
ربما ، أو ليس كثيرا . اصبح وطن الدولار ، وطن الأنذال والمرتزقة وساحة وغى للقطاء المال والسلاح .
زاد سواد الوطن الذي كان سواد عين أبي فداه .
هل ما زال الوطن كما قبل الحرب ؟!
اجل ، ربما ، كلا ، بقي غربيا ، قاسيا وبلا هوية !!



#رحاب_ضاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الساعة السادسة
- زهرة الشمس - قصة قصيرة
- كوليسترول ثقافي
- مقابلة مع الكاتب اليمني وجدي الاهدل
- هل تنشب أزمة بين ليبيا وفلسطين في سوبر ستار؟


المزيد.....




- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحاب ضاهر - وطن