سعدي يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 993 - 2004 / 10 / 21 - 10:37
المحور:
الادب والفن
• الكلمات الثلاث التي تشكِّــل السؤال ، تُـعتبَــر أصولاً بحد ذاتها :
الكيفية – الســيرورة – طبيعة النص ( القصيدة مُـعَــرَّفةً ) .
أنت في حالةٍ من الإستغراق بشؤون أخرى ، غير متّـصلةٍ بالشعر ، ربما كنتَ مَـعْـنيّـاً بمتابعة خبرٍ ، أو عنكبوتٍ
منهمكٍ بنسج شبكته على طرف سياجٍ … ربما كنتَ ضجِـراً ، أو تتهيّـأ لوجـبة طعامٍ . وفجأةً يتبدل كل شــيء ؛ حالة الإستغراق في شـؤون اليوم تختفي ، وتنقطعُ متابعتُكَ هذا الأمرَ أو ذاك .
طرفُ خيطٍ يصل إلى أناملك ، حريراً لامعاً ذا ألوانٍ بهيّــةٍ .
كلمة واحدة ، عادةً ، أو كلمتان ، ثلاثٌ كحدٍّ أقصى .
أهي البدايةُ ؟ أعني بداية النصّ؟
طرف الخيط ، ســوف يعود بك إلى الـمنبع الأول ، إلى لحظة الإرتطام البعيدة ، الغائرة في الزمن وفي اللاوعي … اللحظة التي تكاد لا تَـبِـين ، لفرط خفائــها .
هذه اللحظة التي نبتتْ فجأةً ، مع ما حملته من قِــيَــمٍ قابلة للتفاعل ، ستكون الأساسَ لِــما ســيتلو …
الإرتطام ، يُقصَــد به ، الشرارة المتأتية من علاقةٍ مباغِــتةٍ للحاسّــة ( البصر – السمع – الشــمّ - اللمس ) بنقطة تماسٍّ ملموسة :
أنت تتمشّــى في دربٍ بالغابة ، أو على ضفة نهــرٍ . تلتقط عيناكَ جذعَ شجرةٍ . تتملّــى تضاريسَ اللحاءِ … ثم تمضي لشأنكَ . تكملُ مَـمشاكَ ، وتعود إلى منزلك ، أو تدخل مقهىً ( كل شــيء عاديٌّ ) ، لكنك لستَ أنتَ … أنت مسكونٌ بأمرٍ لا يبدو أنك مسكونٌ به .
في الليل ، وأنت تحاول النومَ ، سيأتيك جذعُ الشجرة !
وبين اليقظة والمنام ، تتحاوران ، أنت وجذع الشــجرة ، ثمّ تغِـطُّ في نومك …
الأحلام تأتي أيضاً .
هل سيتحدث إليك جذعُ الشجرة؟
وفي الصباح تفيق ، كأنّ شيئاً لم يكن . تعود حياتك اليومية إلى سيرتها الأولى … كل شــيء عاديٌّ .
لكنّ الجذع ينتأُ فجأةً ، كأنه يطالبك بالحوار الذي أهملتَــه !
ولأيامٍ ، أو ساعاتٍ ، أو أسابيعَ ، أو شهورٍ أحياناً ، ستظل في هذا الحوار الخــفيّ ، المنســيّ تقريباً ، الحاضر دوماً ، الغائب دوماً …
وفي ساعةٍ مبارَكــةٍ ، لحظةٍ من النُّــعمى والتوتر …
سوف تتمتمُ البيت الأول من القصيدة .
إنها التمتمة الشهيرة : الشعرُ الخالصُ إذ يتكوّنُ . الشعرُ الذي تحاول اللغة أن تستوعبه ، فلا تكاد تفْــلِح إلاّ نادراً .
هل أغدقتْ عليكَ الآلهةُ بَــرَكتــها ؟
هل أنتَ بالغٌ تخومَ القصيدةِ ؟
*
بعد البيت الأول ، تتسـنّــى لكَ ، تدريجاً ، استعادةُ ما كنتَ فيه من ارتطامٍ ، لكنك الآنَ تتوافَــرُ على تفاصيل ودقائق أمورٍ لم تكن واضحةً .
إنك تستعيدُ ، وتصنعُ ، ســلسلةَ علائقَ ، ولسوف تمضي بالسلسلة إلى نهايتها : إلى استكمال النصِّ !
سعدي يوسف
لندن 25/9/2004
#سعدي_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟