|
الموطن الأصلي للتوراة
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 3326 - 2011 / 4 / 4 - 14:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
أين الموطن الأصلي للتوراة؟ (1ـ3) مع الباحث العربي فاضل الربيعي في كتابه "فاسطين المتخيلة"
أورد كل من البروفيسور كيث وايتلام والبروفيسور شلومو ساند معطيات تاريخية ونتائج تنقيبات تمردت على أسفار التوراة، ونسفت القاعدة التي تسند قيام دولة إسرائيل في الحقبة الزمنية لحياة داود وسليمان. أكد البوفيسور ساند أن التاريخ المتداول هو تصور للماضي تخيلته عقول بعض كتبة التوراة وواصل الأخذ به مؤرخو التوراة المحدثون؛ ومن قبله كد وايتلام أن تأويل التوراة جاء نسخة متخيلة أملتها تطلعات الفكري الاستشراقي للاستحواذ على فلسطين والهيمنة على المنطقة. وهو يتوارى تحت عباءة المحايد. فمنذ أن نشأ علم الآثار أحد مواضيع العلم الحديثة ، تواصل في المنطقة العربية ميدانا لعلاقات الصراع والهيمنة التي ميزت موقف الغرب من الأرض العربية في فلسطين في سعيه لتحقيق أهدافه الاستعمارية، بما فيها زرع كيان غريب ، خالقا لها تاريخا موهوما في المنطقة. تم إسكات صوت التاريخ الفلسطيني ، ومن الإسكات تناسلت المجازر الدموية التي نظمت ضد الشعب الفلسطيني منذ النصف الثاني للقرن الماضي. من جانب آخر طمست الصهيونية ممالك يهودية نشأت في العصر القديم والعصر الوسيط حفاظا على صدقية النقاء العرقي لليهود. ركز بن غوريون على اللاهوت التوراتي ، خاصة سفر يهوشع المنطوي على قداسة المجازر العرقية الموحى بها من الرب، وأرضاه اقتناع الجمهور بتأويلات الأسفار التوراتية في صيغتها الرسميةبغض النظر عن صدقيتها؛ ولم تتحرج الحركة الصهيونية من كون النص التوراتي والديانة اليهودية الحاليين حصيلة تفاعل مع الفكر أو الأفكار الشائعة في القرن السادس قبل الميلاد، وعلى الأخص الهلينية التي ساهمت أكثر من أي شيء آخر في تحويل عقيدة التوحيد اليهودية إلى دين ديناميكي مهود على مدى أكثر من 3000 سنة، حظي خلاله بالأتباع . في أواخر عقد السبعينات من القرن الماضي ، وبينما أعدت حكومة بيغن الليكودية خطة كبيرة للاستيطان، طلع آرثر كوستلر، وهو صهيوني، بكتاب " القبيلة الثالثة عشرة" ، وفيه يفضح أصول اليهود الأشكيناز غير المرتبطة بفلسطين ، وأنهم يمتون بصلة إلى قبيلة الخزر في جنوب روسيا، التي اعتنقت الدين اليهودي في القرن التاسع الميلادي. طعن الكتاب في أقدس الطروحات الصهيونية بصدد نقاء العرق اليهودي الضارب في عمق التاريخ، وبصدد نفي اليهود القسري من "أرض الميعاد". ودخل ميدان الدراسات التوراتية باحث عربي جلود، أمضى أكثر من عقد وربما العقدين في تعلم لغة " التناخ " ونقد الترجمة إلى العربية عن الآرامية واليونانية، ثم وقع بين يديه صدفة كتاب رحلات إلى اليمن محقق ومدقق أتاح له إجراء مقارنة عانية ودقيقة مع نصوص التوراة ليتوصل أخيرا إلى أن النص القديم للتوراة ، وهو ما يعرف ب" التناخ" جرت أحداث حكاياته في مناطق جغرافية لا تنطبق بتاتا على جغرافية فلسطين ؛ إنما تنطبق على منطقة السراة اليمنية. وجدت التوراة في جزيرة العرب لدى العرب البائدة. تعرّف العرب قبل الإسلام على بقايا مملكة مزدهرة دان سكانها بدين اليهودية على ساحل البحر الأحمر ، وأن هذه المملكة هي التي أرسل الرسول محمد إلى بقايا سلالتها الحاكمة في اليمامة . وجد التناقض الإشكالي بين النص التوراتي والتاريخ الفلسطيني حله في البحث العلمي الذي قام به باحث عربي وأثبت التعسف في إسقاط وقائع التوراة على المنطقة الجغرافية لفلسطين؛ بينما أحداث التوراة ووقائعها وأماكن وقوعها تنطبق على بقعة محددة باليمن. فطبقا لمنهجية هالبيرن في الاستدلال على معالم الحضارات والربط المقارن بين النص التوراتي ونصوص أخرى أمكن العثور على التطابق والانسجام ما بين السرد والمكان والزمان. أثبت الباحث العربي من العراق، فاضل الربيعي في مؤلفه" فلسطين المتخيلة" [ د ار الفكرـ دمشق 2008] الصادر في مجلدين وستة أجزاء ضمن 1200 صفحة ، أن وقائع التوراة وحكاياتها الأساس جرت في سراة اليمن ، المحاذية للبحر الأحمر. أما حملة التوراة فهم من نسل قبيلة عربية خاضوا حروبهم وبنوا حضارتهم في اليمن وليس في فلسطين. وهم ينتسبون لقبيلة حمير اليمنية . "إن الالتزام بتحديدات القراءة الاستشراقية للمواضع المتخيلة في فلسطين يقود إلى الفوضى إذا ما جرى التقيد بها على أنها تحديدات جغرافية صارمة في فلسطين الحقيقية؛ وبالعكس تقودنا تحديدات يشوع والهمداني والشعر الجاهلي إلى الأماكن نفسها في أرض اليمن دون عناء أو تكلف". [ فاضل الربيعي: فلسطين المتخيلة ـ المجلد الثاني ـ الجزء الرابع، ص435]. يشوع الوارد في النص هو كاتب السفر التوراتي المسمى باسمه ؛ والهمداني( الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني) رحالة عربي عاش في القرن الثالث الهجري سجل مشاهداته في جغرافية اليمن والأحداث التاريخية التي مرت على أرضه، وذلك في كتابه ["صفة جزيرة العرب" ـ تحقيق العلامة محمد بن علي الأكوع ـ سلسلة خزانة التراث، بغداد 1989]. توسعت الدراسة وفصلت بدقة في الجغرافيا، خاصة منطقة السراة على ساحل البحر الأحمر ومناطق صنعاء وعدن وأ بين. ناقش الباحث، الربيعي، في المجلدين النفيسين الزيوف المتعسفة والمتعمدة للتوراة، فانتشلها من التناقض والاضطراب والشكوك في مصداقيتها ، إذ تم إسقاط مواقعها على الفضاءات الفلسطينية . " لقد سار الهمداني بنفسه هذه المرة وبعد مئات السنين على خطى النبي اليمني، يشوع، ليعيد توصيف سراة اليمن كما وصفها النبي من قبل ، وليسجل الأسماء نفسها وبالتسلسل نفسه ؛ ولكن دون أن يعلم أي شيء عن هذا النوع المثير من التطابق، ومن دون أي تلميح إلى أي ادعاء ديني للقبائل اليمنية التي عاشت وانقرضت في المكان نفسه. مثل هذا الادعاء لا يصدر إلا عن مخيلة استشراقية وجدت في التطابق الشكلي الزائف أحد مصادر الهيمنة على سرد الرواية التاريخية ، ومن اجل تلفيق تاريخ إسرائيلي في فلسطين القديمة يلعب الفلسطينيون فوق مسرحها الجاهز دور غزاة متسللين من جزيرة كريت اليونانية ؛ بينما يصبح المستوطنون الجدد أحفادا لبناة امبراطورية إسرائيل القديمة ضمت، إلى جانب فلسطين، كلا من الأردن وسوريا ولبنان وشواطئ الفرات العراقي"[ الربيعي، المجلد الثاني، الجزء الرابع، 453]. ترى هل سيجد البروفيسور وايتلام في هذا البحث الرائد مفتاحا ل "إثبات أصالة تستمد من بطن التاريخ المكنون في باطن الأرض، وهي سجل فكر وسجل تطور حضاري؟ وهل حقا قدم الربيعي ما يسند استخلاصه بأن "التلاعب بالحقيقة التاريخية والجغرافية لم يكن عملا بريئا؛ بل كان مصمما لتمرير أكبر عملية خداع في التاريخ البشري، وذلك حين جرى تصوير المدن والقرى والمواضيع الواردة في أسفار التوراة على أنها ذاتها المواضيع والقرى والمدن في فلسطين التاريخية "؟ ونعلم أن إعلان موت التاريخ التلمودي واقع ، وإهالة التراب عليه واقع آخر تفصل بينهما مرحلة ممتدة من الصراع الحاد والمرير؛ فالأوهام التي رسختها الدعايات التوراتية وأبحاثها وتعسف استخلاصاتها والمصالح العديدة القابعة خلف زيوفها تستقر طويلا في أذهان الجمهور الذي لا يتابع النقاشات والاكتشافات، وهو يتعرض لعمليات متواترة من غسيل دماغ وتعبئة الرأي العام وشحنه بالخرافات والأوهام بواسطة آلة إعلامية شديدة التأثير متخصصة في " صنع الموافقة".
المجلدان تضمهما ألف ومائتا صفحة ، الأمر الذي يشكل صعوبة في مطالعته واستيعابه من قبل الجمهور الواجب إطلاعه على حقيقة المكيدة الثقافية للاستشراق الغربي. ولكي يتاح إطلاع القارئ العادي على الحقيقة في هذا المجال يقتضى إصدار طبعة ملخصة ومكثفة لهذه الدراسة القيمة. جاء الربيعي مكملا لأعمال المؤرخين للتوراة، ومستجيبا لتطلعات الغيورين على الحقيقة التاريخية من أمثال البروفيسور وايتلام، إذ عبر عن الأمل بأن " الشروع بالأبحاث والتنقيب عن التاريخ الفلسطيني سيجعل من الممكن انتزاع التاريخ الفلسطيني وتحريره من قبضة المصالح التي ساهمت في إسكاته طوال المدة الطويلة من الزمن[وايتلام : 324]. التوراة العربية
يسمح قانون العودة في إسرائيل للملحدين واللاأدريين والمتحولين إلى ديانات أخرى الحصول على حقوق التجنس في إسرائيل، بناء على الدم فقط. وحوالي ثلث سكان إسرائيل لاأدريون أو ملحدون . وحتى عام 1970 لم يمنح قانون العودة الجنسية إلا لأبناء الأمهات اليهوديات( بموجب تعريف الهالاخا لليهودي). وفي عام 1970 عدل القانون ليسمح "لأي ابن أو حفيد يهودي أو لزوج ابن يهودي أو زوج حفيد يهودية بحق التجنس ، "ما عدا فردا تخلى عن ديانته اليهودية ". أما الحقيقة الصلدة فتقول أن يهود القرن الواحد والعشرين ليسوا بالضرورة من نسل أولئك الذين طردوا على أيدي الرومان من يهودا أيام التهجير. وبكل الاحتمالات بقي عدد كبير من هؤلاء في مجتمع متعدد الأعراق يضم الأشوريين واليونان والرومان وغيرهم ، والعديد من هؤلاء يهود فلسطينيون تحولوا فيما بعد إلى المسيحية والإسلام؛ يعني أن العديد من سكان يهودا لم يغادروا . أن مفهوم " إسرائيل حق الولادة" يتغذى من الأوهام العرقية. كان الباحث العربي من سوريا ، الدكتور كمال الصليبي، قد توصل إلى استنتاج يؤكد أن التوراة أصلها في جزيرة العرب. أوردت الدكتورة سحر الهنيدي تعليقا على جهود الدكتور الصليبي ضمنته هامش كتاب وايتلام المترجم (ص227، 228)، قالت فيه: " ان بحث الدكتور الصليبي اعتمد على فقه اللغة( الفيلولوجيا)في تفسير التوراة ، وبالتحديد سفري صموئيل الأول والثاني في أصلهما العبري. ونظرا إلى أن القصص التوراتية المتعلقة بمملكتي داود وسليمان قد وردت في معظمها في هذين السفرين ،فإن الصليبي يرى أن على الباحثين التوراتيين أن يبدأوا بقراءة نقدية للتوراة العبرية وذلك لتحديد ما تقوله هذه التوراة، بل الأهم لمعرفة ما لا تقوله. ويرى عبث الاعتماد على النصوص الحالية للتوراة دون الرجوع إلى النص العبري؛ لأن التوراة التي بين أيدينا اليوم هي المعروفة بالترجمة السبعينية ( نسبة إلى عدد مترجميها )، والتي ترجمت من الآرامية ( التي كانت آخذة بالحلول محل العبرية القديمة ) إلى اليونانية. وكان النص العبري قد تعرض إلى الإعلال والتشويه في النطق . وهذه العوامل أدت إلى تشوه في النص. لهذا يرى الدكتور الصليبي أن التوراة العبرية لم تقم لغويا بشكل صحيح حتى الآن ؛ فلا بد من العودة إلى المعجم العربي؛ إذ العربية لغة سامية لها الأصول نفسها التي للغة العبرية ؛ وذلك لإعادة النظر في تفسير ما جاء في التوراة ، ولحل بعض المعضلات اللغوية. ويقول د. كمال الصليبي أيضا ، إن الدراسات التوراتية أصبحت بشكل متزايد " مبحثا زائفا" من مباحث علم الآثار التوراتي. وهو زائف لأنه يبحث عما يأمل أن يجده ، وعلم اللاهوت المسيحي هو أيضا زائف لأن عقائده ليست مبنية على أرض صلبة . "وضع الصليبي مؤلفا عنوانه " تاريخية إسرائيل التوراتية ، دراسات في صموئيل الأول والثاني وصدر عن Nabu Publications، لندن 1998. والكتاب غير مترجم إلى العربية. وللدكتور الصليبي كتابان بالعربية يعالجان موضوعات مشابهة : الأول بعنوان " خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل " [ دار الساقي ط2، 1991] والثاني " حروب داود ، الأجزاء الملحمية من سفر صموئيل الثاني مترجمة عن الأصل العبري" [ دار الشروق ، ط1، 1990] ـ انتهى الحديث عن الصليبي. أما فاضل الربيعي فقد رجع إلى اللغة العبرية القديمة ، وهي بعض لهجات عربية يمنية قديمة اندثرت مع اندثار العرب البائدة ممن حملوا التوراة القديمة. وتوفر لديه وسائل تدقيق النص التوراتي وإظهار ما فيه من عيوب الترجمة ، المقصودة والعفوية، وكذلك البرهنة على وجود أرض للتوراة في منطقة باليمن. "وهي براهين لا تجعل الاستخلاص حقيقة تصمد أمام النقد أو التحامل والتجني، أو القناعات الكونكريتية المترسبة في الوعي والوجدان نتيجة التعبئة المتواترة". اقتحم ميدان البحث الشاق في التوراة الباحث العراقي فاضل الربيعي، معتبرا كتاب الصليبي "فتحا معرفيا عظيما في الثقافة العربية " [ فاضل الربيعي:المجلد الأول، 17]. كان لا بد للباحث الجاد والموضوعي أن يبحث عن الحقيقة التاريخية ، مسلحا بمعرفة معمقة بلغة التوراة القديمة كي يتغلب على عيوب الترجمة إلى العربية، والإسقاط المختل للأماكن والأشخاص والتواريخ، ولكي يمسك بتلاوين التلفيقات والزيوف المتعمدة ، والتي خلطت بين الأفعال والأسماء وتعسفت في ربط سيرورة الحوادث مع الموقع الجغرافية بحيث جاءت على نسق يتعذر تصديقه. اعتمد الباحث أسلوب المقارنات بين نصوص التوراة ونصوص الشعر الجاهلي القديم وكذلك نص الهمذاني العائد إلى القرن الثالث الهجري. خرج الباحث بقناعة معْدية أن أحداث التوراة ومواقعها هي بالحتم غير منطبقة على الفضاء الفلسطيني؛ إنما يجوز القول أنها تنطبق على اليمن في المنطقة الساحلية الممتدة من جبال عسير. ." الهيكل لم يبن في القدس قط ؛ بل إن أسوار أورشليم التي أشرف نحميا على إعادة ترميمها لا وجود لها هناك أصلا ؛ وفوق ذلك ليس ثمة هيكل لسليمان تحت قبة الصخرة ؛ فيما نجد الهياكل في السراة اليمنية كما وصفها الهمداني، بالتلازم مع ذكر أسماء القبائل اليمنية اليهودية [ الربيعي : ج1، 13] حول قصة الكتاب يقول الربيعي:"بدأت حكاية الاكتشاف المثير عندما كنت أعيد قراءة الهمداني بعيد وصولي إلى هولندا بقليل . وأشد ما أثار دهشتي أنني وجدت الهمداني يسرد أمامي أسماء الجبال والوديان والهضاب وعيون الماء في اليمن، كما لو أنه يسرد الأسماء نفسها الواردة في التوراة، والتي أكاد أحفظها عن ظهر قلب[14]. وهي ذاتها وتماما كما في نصوص التوراة دون أدنى تلاعب.(.. ). عثرت على مقالة( من كتاب عبد الرحمن الشهبندر (الأعمال الكاملة ،قضايا وحوارات النهضة العربية 12ـ دمشق 1993) يعود تاريخها إلى العام 1936، نشرتها مجلة الرسالة المصرية (عدد 192 ،8آذار ص5)؛ وفيها إشارة إلى ما كنت أبحث عنه : الدليل على أن مملكة إسرائيل القديمة لم تكن قط في القدس . ومن ثم فإن التماثل والتطابق بين النصين مصدره مسرح آخر للأحداث التوراتية غير المسرح الفلسطيني. " يعود الربيعي إلى كتاب الرحالة السوري نزيه المؤيد العظيم( رحلة في بلاد العربية السعيدة،سبأ ومأرب الجزءان الأول والثاني، مؤسسة فادي بريس، لندن الطبعة الثانية ،1985ص140ـ 141)، والذي استقى منه الشهبندر معلومته ويجد فيه نصا عن مقابلة مع الحاخام باليمن عام 1916م: تقابلت في القاع ـ قاع اليهود في اليمن ـ مع عدة أشخاص من كبار اليهود وعيونهم وسألتهم أسئلة متعددة عن أصل اليهود اليمانيين وعن أحوالهم وأشغالهم ، وها أنا أنقل حديثا جرى بيني وبين حاخامهم الأكبر المدعو يحيى بن إسحق في داره. سألته ماذا تعرف عن أصل اليهود في اليمن وعن مدنيتهم ؟ فقال " كانت لليهود مدنية عظيمة وكان لهم ملك فخيم في شرقي صنعاء. وقد أسس ذلك الملك وتلك المدنية الملك سليمان بن داوود(..) وهل قامت تلك المملكة في نجران؟ لا أعلم بالضبط ولكنني لا أشك أنها كانت في شرقي صنعاء ومن المحتمل أنها كانت في نجران" [الربيعي :ج1، 14 ـ16]. يستشهد الربيعي بفقرة من كتاب الهمداني(ص73) يقول فيه " وأما سائر أجزاء هذا الربع الذي يلي وسط جميع الأرض المسكونة وما يقع فيها من مثل أرض سورية وأرض فلسطين وبلاد اليهودية العتيقة من إيليا ، وتسمى بالعبرانية يرشلم ، وتعربها العرب فتقول اوراشلم" . ثم يسأل الربيعي : " ما معنى التمييز بين هذه البلدان؟ هذا المعنى يتمثل هنا أن بلاد اليهودية العتيقة التي دارت فيها أحداث سفر المكابيين ليست أرض فلسطين(... ) وبكل تأكيد فإن هذا المكان الذي تم تمييزه بأنه أرض اليهودية العتيقة ( أي البلاد التي ورثت مملكة يهوذا وتواصلت مع ديانتها حتى ظهور الملك الحميري ذي نواس ، الذي أعاد بعث اليهودية في أرجاء اليمن في العام 524 م، كان يعرف عند الجغرافيين اليونانيين باسم يروشليم . ولو كانت يروشليم هذه هي ذاتها مدينة القدس العربية في عصر بطليموس اليوناني فمن غير المنطقي أن يميزها عن فلسطين. بل لا مبرر لتمييزها أصلا ، ولتوجب أن يقول ، وهو الجغرافي الحاذق أن يروشليم في فلسطين . بيد أن هذا سيكون أمرا مخالفا لمنطق الجغرافية في عصر بطليموس. فهو يعرف أن يروشليم هذه لم تكن في فلسطين ، ولم يكن اسمها القدس أيضا. ]. والتاريخ المقبول من وجهة نظر هذا الكتاب ـ لبداية تدفق القبائل العربية العاربة ، بما فيها بقايا قبيلة بني إسرائيل ، من يهود اليمن وسواحل البحر الأحمر وتهامة ونجد اليمن واليمامة نحو جنوب بلاد الشام (فلسطين) لن يتجاوز حدود العام 200 ق.م.. إذ بدءا من هذا التاريخ تدفقت على شكل موجات متعاقبة وتحت ضغط الحروب والحملات العسكرية المدمرة ، جماعات وقبائل وشعوب منهكة تقلصت ، وإلى حد كبير إمكاناتها القتالية والحربية ، وأضحت قدرتها على مواصلة التمرد محدودة وتكاد تكون معدومة...."" [ الربيعي: المجلد الثاني ـ ج5، 561 ] الفلسطينيون من كريت لقد كانت فلسطين وسكانها في العصر الحديث ضحية هوس الاستشراق الاستعمارية. وأحد الأمثلة الصارخة للتزوير أن ما يدعى ’فلشتيم‘ ليس اسما دالا على فلسطين أو الفلسطينيين".[ الربيعي: المجلد الثاني ـ ج4 :408]. الاسم الوارد (فلستيم)، حسب السياق التوراتي ، وبناء على دلالات كتاب الهمداني، أطلق على قبيلة يمنية قديمة كانت تعبد إلاها بالاسم نفسه(فلس)، واشتبكت مع القبائل اليهودية في معارك طويلة. "ولدت التوراة ـ وفي الأصل شريعة موسى ـ ككتاب ديني ينتمي إلى الطفولة الدينية واللغوية للعرب اليمنيين.كان موسى شخصية عربية يمنية لا أحد يعلم مبلغ الصدق فيما وصلنا من القصص حولها ؛ كما ان تلميذه يشوع ، الذي وهب الأسباط أرض مستقرهم، كان عربيا يمنيا كذلك .التوراة لا تروي شيئا عن فلسطين او الفلسطينيين"[ الربيعي: المجلد الثاني ـ ج3، 320]. وفند الباحث الزعم بأن أصل الفلسطينيين جزيرة كريت أو بحر إيجة: "على هذا النحو جرى ـ في نظرية الأصول البحرية للفلسطيني ـ تغريب منهجي منظم للسكان الأصليين ، ونفيهم خارج التاريخ تمهيدا لنفيهم من الأرض وقطع كل رابطة لهم مع الفضاء الجغرافي الذي احتضن تجربتهم التاريخية . وللأسف لقيت النظرية التلفيقية تقبلا لدى دارسين عرب معاصرين [الربيعي: المجلد الأول ـ ج2 ،449]. "ولأن الاسمين كرتيم ـ كرت وفلشتيم ـ فلشت هما مجرد اسمين في قائمة طويلة من أسماء الشعوب والجماعات العربية الأولى الواردة في التوراة ، فإن التحقق من المعنى المباشر لهما لن يكون ممكنا بدون تفكيك الغاز سائر الأسماء التوراتية وفك الارتباط بينها وبين القراءة المخيالية. لنلاحظ أولا أن التوراة تشير إلى معارك داوود ـ عصر النبي صمويل دارت قبل جبل الرمة ، ولنلاحظ، ثانيا، أن هذه الأسماء لا وجود لها في فلسطين قط . فليس ثمة جبل يدعى الرما ، ولا وجود لواد يدعى الرُمة . ولنلاحظ ،ثالثا، أن سكان أرض الفَلسَ (ء رص ها فلشتيم) يقصد بهم جماعة كانت تقيم قرب جبل أوبن آل العيزار (ءوبن ها عيزار) وأنها عرفت باسم معبودها الإله فلس معبود قبيلة طي اليمنية، كما في الروايات التاريخية الموثقة. ولنلاحظ ،رابعا، أن الجماعة الوحيدة التي أقامت بالقرب منهم هي القبيلة اليمنية التي نسبت إلى مكان يدعى الفرش ـ فرشت. واسم المكان يكتب في النقوش اليمنية في صورة فرشت . ولذلك فإن قلب الراء لاما ، وهو ما قام به المستشرقون ، هو تلاعب باطل . ولنلاحظ ،خامسا، وأخيرا أن القبيلة اليمنية التي أقامت قرب هؤلاء وعرفت باسم واديها ، وادي كرث تنسب عادة في الأنساب العربية التي سجلها الهمداني إلى كراث بن هنوم . وتسجل التوراة نفس الاسم، هنوم. يتضح من ذلك أن نظرية الأصول الإغريقية للفلسطينيين لا أساس لها سوى وجود كلمة كرث"[ الربيعي: المجلد الأول ـ ج2، 452]. من النيل إلى الفرات ويعرج الباحث على أصل خرافة الوعد ومداه ما يزعم أنه مملكة اليهود القديمة المترامية من النيل إلى الفرات ، ومن سيناء حتى صور . يستند الزعم إلى العبارة في التوراة ( م ـ نهر مصريم ـ عد ـ جبول نهر فرت). عربت الترجمة العربية بخبث النص التوراتي فغدا( من نهر النيل حتى نهر الفرات) . أما المدقق والمطلع على لغة التوراة فينفي أن مصريم جمع مصري، بل هم "المُضَريون ، القبيلة التي ورد اسمها مرارا في التوراة ، وخصوصا في مراثي أرميا وأشعيا . كما يورد الهمداني (نهر فراةـ فرت ) عبارة عن منطقة تمتد على مساحة جغرافية من الساحل حتى البادية . وهي منطقة قبيلة كندة التي تضم المضريين[ الربيعي: المجلد الأول ـ ج2، 469] . من غير الطبيعي أن يذكر النص التوراتي أولا نهر المصريين ومباشرة يتبعه بذكر نهر الفرات ، علما أن النيل اتخذ اسمه من زمن أبعد في القدم. جرى تفسير العبارة التوراتية لتنطبق إطلاقا على المنطقة التي فسرها البحث الاستشراقي للتوراة[ المجلد 1، الجزء الثاني ، 448] . كما يستند المفهوم الشائع والخاطئ إلى ورود صور، البلدة التي طلب داوود من ملكها أخشابا ونجاربن مهرة لصنع سور حول القدس. لكن التفسير يفضح مخططا قديما لأن تأتي الدولة التي ستقام استنادا إلى النص التوراتي تمتد حتى مدينة صور اللبنانية، كي تستحوذ على مياه الليطاني ، و لتغدو بذلك دولة إقليمية مهيمنة وسط محيط عربي . ويعود [ الربيعي : المجلد الثاني ـ ج5، 507] لتفنيد التأصيل الاستشراقي ل "إسرائيل من الفرات إلى النيل". يفضح الربيعي النوايا الامبريالية القابعة خلف خلط النيل والفرات في جملة واحدة والقفز عن بيت لحم . فالمدينة بناها اللخميون ، وهم قبيلة يمنية بائدة." يلتبس اسم ءفرة في النص العبري (ءفراتة في الطبعة العربية من التوراة) في ذهن قارئ النص باسم نهر الفرات العراقي، نشأ عن اللبس سوء فهم فظيع أدى بدوره إلى نوع مثير من الدمج الماكر والمخادع، تجلى في أبشع صوره في تخيل حدود مملكة إسرائيل القديمة ـ وهي لا وجود لها في التاريخ الفلسطيني ـ وقد امتدت من النيل إلى الفرات(..) لكن شهادة الهمداني ستكون حاسمة في هذا الميدان؛ فهو يصف النيل اليمني في سياق توصبف الأودية ذاتها التي يسجلها نص يشوع، ومنها مسيل وادي ءفرة. إن وجود اسمي النهرين العظيمين ، النيل والفرات في الكتاب المقدس لليهودية هو مخيال استشراقي قامت اوروبا بتصعيده في سياق حمى الاستيلاء على الأرض في الشرق في عصر الفتوحات . " وما صلة الفرات أصلا بمدينة بيت لحم الفلسطينية ؟ لماذا جرى القفز على هذا الاستدراك الواضح والقاطع ، والذي لا يقبل الجدل : ( ءفرة هي بيت لحم )؟ التوراة في مروياتها عن حروب داوود تذكر اسم بيت لحم وءفرة في سياق أحداث تدور في مواضع لا وجود لها قط بفلسطين" وينسب داوود إلى ءفرات .
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مع شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي
-
يسفهون الرواية الصهيونية
-
مع البروفيسور شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي حلقة
...
-
كيث واينلام في كتابه اختلاق إسرائيل القديمة إسكات التاريخ ال
...
-
أعمدة سرابية لهيكل الأبارتهايد
-
تتهتكت الأقنعة
-
مصر القاطرة
-
كشف المستور أم قناع للزيف؟
-
هل هي حكومة حرب في إسرائيل؟
-
جوليان أسانج وقانون التجسس ومأساة الزوجين روزنبرغ
-
ويكيليكس وحرية العبور الإعلامي
-
بين حجب الحقائق وهدر العقل الجماعي
-
نقد مسمم النصال
-
الانتظاريون والانتخابات الأميركية
-
في ذكرى ثورة أكتوبر العظمى متى بدأ نقص المناعة ينخر جسد النظ
...
-
الطريق الثالث غير عبث التفاوض وعبث العنف القاصر
-
الوساطة الأميركية مشكلة وليست الحل
-
ديبلوماسية إدارة الصراع وابتزاز التنازلات
-
عقد حصار لا تنفع معها المواعظ
-
دلالات فشل المفاوضات الجارية
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|