فؤاد ابو لبدة
الحوار المتمدن-العدد: 3325 - 2011 / 4 / 3 - 22:07
المحور:
القضية الفلسطينية
الحراك الشعبي الفلسطيني جاء متناغما والحالة الثورية العربية التي لعبت دورا كبيرا في تحديد ملامح هذا الحراك والإسراع بالانتقال به من حالة الحراك إلي التحريك ,ومتماشيا تماما مع رياح التغيير التي عصفت بالمنطقة العربية وتبشر بربيع مزهر هذا العام , وان بات المنظر خلابا في مصر وتونس وتنتظر اليمن وسوريا وليبيا والبحرين وعمان ان تتفتح فيها الورود لعهد جديد من الديمقراطية وتلاشي المؤسسة الأمنية التي حكمت البلاد العربية لعقود من الزمن تحت مسميات الوطن وحمايته والحفاظ علي المؤسسات الوطنية من المؤامرات الخارجية , ووصل بها الأمر لحد النزعة النرجسية بأنهم هم الوحيدين ممن يعنون بقضايا الوطن وهمومه وما دون ذلك هوامش .
ونظرا لحساسية الأوضاع الداخلية الفلسطينية واختلافها عن باقي البلدان العربية اختار الحراك الشعبي الفلسطيني خيار إنهاء الانقسام كخطوة عملية لدحر الاحتلال , وفق برنامج نضالي شمولي يحمي برنامج المقاومة بعد حالة التشرذم والتشظي التي ألمت بالقضية الفلسطينية بعد أن أفضي بها الحال لوجود حكومتين الأولي جاءت بقوة السلاح وأصبحت حكومة أمر واقع في غزة من منتصف يونيو حزيران سنة 2007 وحتى اللحظة والثانية حكومة تصريف أعمال برام الله منذ التاريخ نفسه , وشعب في الشتات ومخيمات اللجوء بسوريا ولبنان والأردن وتمثله منظمة التحرير الفلسطينية التي شاخت وأصبحت بحاجة ماسة لإعادة ترتيبها وانتخاب لمؤسساتها وإعادة الاعتبار لها بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ومن خلالها يتم اتخاذ القرارات المصيرية للشعب الفلسطيني , نظرا لتلك الظروف مضافا إليها الحالة الاقتصادية المتردية التي يمر بها شعبنا في كل من غزة والضفة وان كان بشكل اكبر في الأولي اكتر من الثانية بفعل الحصار الخانق منذ اكتر من أربعة سنوات , إضافة للشرخ الحاد بالنسيج الاجتماعي الفلسطيني والتوظيف علي قاعدة الهوية السياسية والانتماء الحزبي وليس الكفاءة العلمية والمهنية عند كل من الحكومتين , ناهيك عن المغامرات السياسية الغير محسوبة التي قام بها فريقي غزة ورام الله , ففي الوقت الذي داهنت به حكومة غزة نفسها بانتصار معنوي في حرب غزة التحريكية هدفها تحريك الجمود السياسي بعد حالة شديدة من عزلتها لتجد نفسها بعد تلك الحرب في حالة لهاث وراء تهدئة مجانية وغير مكتوبة والدخول في شرك الضمانات الإقليمية بعدم التعرض لقيادتها السياسية مقابل الالتزام بالتهدئة , نجد الفريق الأخر في رام الله غرق حتى أذنيه في مستنقع المفاوضات العبثية العقيمة والتنسيق الأمني الذي يكفل أن يضمن لحكومة الاحتلال التمسك بالأرض والأمن معا دون ان تعطي شيء علي ارض الواقع .
إن تلك الأمور مجتمعة جعلت من العامل الذاتي والموضوعي للحراك الشعبي الفلسطيني أن يكون ناضجا للانتقال من حالة الحراك للتحريك والنزول للشارع ولكن ليس بالصورة والآلية التي اعتراها الكثير من الأخطاء , جعلتهم يقدمون بطريقة غير مباشرة خدمة مجانية لفريقي الانقسام كونهم ساهموا بتنفيس حالة الاحتقان الشعبي المتأججة داخل أفئدة الشباب , وسهلت علي فريقي الانقسام معرفة الناشطين والقائمين علي الحراك الشعبي مما يجعل ملاحقتهم بصورة غير إنسانية وغير قانونية أمر سهل المنال وهذا ما حدث لبعض قيادات الحراك أثناء خروجهم من احد مراكز الاعتقال لتنهال عليهم مجموعة ترتدي اللباس المدني بالضرب المبرح وكسر ذراع احدهم علي بعد أمتار من نظر دوريات الحراسة لشرطة حماس التي قامت بدورها الإنساني بترك الجناة يغادرون المكان بكل ارتياح وتسجيل القضية ضد مجهول .
بتقديري ومن خلال متابعة واحتكاك مباشر مع شباب الحراك أتعارض في الكثير من النقاط والتقي في البعض مع زميلي وصديقي الشخصي الذي أكن له كل احترام وتقدير الكاتب سامي الأخرس في مقالته المنشورة في موقعكم الموقر بتاريخ الأول من نيسان بعنوان (الحراك الشعبي الشبابي الفلسطيني فعل أم تصريف للفعل ) حيث جاء بكثير من القسوة حينما تنبأ بفشل للحراك وتتمثل نقاط التعارض بالتالي :_
أولا- أشار الكاتب لعدم التوفيق في اختيار التوقيت واصفا إياه بالأسوأ معللا ذلك بان مصر التي ترعي ملف المصالحة لم تتعافي تماما بفعل التغيرات التي ألمت بها , بتقديري إن الوقت ملائم تماما للحراك الشعبي ليلقي تأييد ودعم الثورة الشبابية المصرية التي أثبتت بالملموس أول أمس من خلال مسيرة إنقاذ الثورة أنها غير منتمية لجماعة الإخوان المسلمين , وهذا ما يعني صوابية التوقيت في الرهان علي موقف الشباب المصري ليكون الدعامة الأساسية للحراك الشبابي الفلسطيني ويكون وسيلة ضغط لأي حكومة مصرية قادمة أن تضع في سلم أولياتها إنهاء حالة الانقسام والضغط علي طرفي الانقسام للاستجابة للحالة الثورية الداخلية الفلسطينية التي تتماشي مع الحالة العربية بشكل عام .
ثانيا - الحالة الإقليمية التي تحدث عنها الكاتب تثبت أنها تصب في مصلحة الحراك الشعبي الشبابي الفلسطيني وليس العكس , ففي حين راهنت حكومة حماس علي دور الإخوان المسلمين ومدي تأثيره في الساحة المصرية وينعكس إيجابا لخدمة مواقفها السياسية , راهنت حكومة رام الله علي أوضاع سوريا الداخلية , والوضع الإيراني الداخلي الذي يتسم بالهدوء المشوب بالحذر ودخوله بصراع سياسي وربما دبلوماسي مع دول الخليج العربي أعقاب انتفاضة البحرين , وخروج قطر تغرد خارج السرب بعد أن اتخذت موقف يخالف صديقاتها بشان ثورة ليبيا , وهذا ما جعل الحراك الشعبي الشبابي الفلسطيني يستنهض ويقول كلمته لا للرهان علي المواقف الخارجية والتجاذبات الإقليمية التي طغي عليها صفة التنافر والاهتمام بالرهان علي القضية الوطنية الفلسطينية واستحقاق الحقوق الوطنية .
ثالثا - أوعز الكاتب سوء التوقيت بانشغال المطبخ السياسي الأمريكي لمتابعة الأحداث المتسارعة في مصر وتونس وليبيا واليمن وسباقه مع الزمن في الإسراع بإعداد ورسم خارطة طريق جديدة للمنطقة العربية تتناسب وحجم التغيرات الدراماتيكية , إن الموقف الأمريكي لا يراهن عليه كثيرا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فهو ما زال وسيبقي يمارس سياسية ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين وميزان قوي مختل تماما لصالح إسرائيل وقطعا لا يروق له إنهاء الانقسام بغض النظر عن التوقيت كونه يخدم المصلحة الأساسية للكيان الإسرائيلي بوصفه اكبر مصلحة أمريكية في الشرق الأوسط .
رابعا - غياب الإعلام العربي والدولي وانشغاله بالأحداث الدائرة في أكثر من بلد عربي , بتقديري ان هذا ليس سببا أيضا كون الثورة في ليبيا مستمرة رغم غياب الإعلام عما يدور بمصراته وما تقترفه مرتزقة القذافي فيها وتغيب أيضا عن بعض مناطق اليمن , وما أفردته بعض القنوات الفضائية من تغطية لفعاليات يوم 15-آذار خير دليل علي عدم غياب الإعلام العربي وان كان به نوع من المحاباة للحكومة المقالة تمثل بعدم عرض المواد الفيلمية التي انطوت علي حالة قمع .
ان حالة المراوحة وليس الفشل كما أشار لها صديقي العزيز سامي لها أسباب أخري تتعلق بقضايا داخلية وعدة أخطاء وقعوا فيها وفي حال تفاديها والتعلم منها سيعود الحراك الشبابي قويا وسيكون له ما يريد من إنهاء لانقسام يعبث بمستقبل الشباب والقضية ومن أهم تلك الأخطاء التي يتوجب علي الحراك تلاشيها والاستفادة منها حتى لا يقع بها مرة أخري :_
1_ اعتماد الحراك الشبابي الشعبي الفلسطيني طابع المحاكاة والتقليد ونقل التجربة المصرية علي الواقع الفلسطيني بحذافيرها دون التفكير والتمييز بالخصائص العامة التي تتميز بها كل بلد , فالواقع الفلسطيني يختلف عن الواقع المصري وكل بلد له طريقته الخاصة في التكيف مع طبيعة الصراع وكيفية ادارة المعركة بما يتلاءم والواقع المعاش , ففي الوقت الذي احتاجت به الثورة المصرية لاعتماد عنصر المفاجئة وبإعداد جماهيرية مهولة لتعيق من خلالها عمل وزارة الداخلية وتقلب الأوراق للأجهزة الأمنية لتبقيها في دور الصدمة , ان الواقع الفلسطيني لا يحتاج لذلك لأنه معتاد منذ سنوات علي نمط العمل الجماهيري والساحة الفلسطينية تعج بالأحداث والمناسبات التي يمكن للحراك الشعبي ان يعبر فيها عن نفسه ويقول كلمته للجماهير ويوصل إليها رسالته وهذه الميزة كانت تفتقر إليها ثورة مصر .
2_ اقتصر الحراك الشعبي علي وسيلة اتصال واحدة وهي الفيس بوك في الترويج للنزول للشارع هناك من سعي لخطف الأضواء وتسليطها عليه بشكل مباشر وجعلت من الجميع يتسارع لإنشاء حساب علي الفيس بوك وتناسوا إن تلك الوسيلة لا يمتلكها إلا فئة معينة وان طبيعة المجتمع الفلسطيني يمتاز بمساحة جغرافية صغيرة وبيوت متلاصقة وهذا ما يعني أن التواصل المباشر مع الجماهير ربما يكون وسيلة أنجع في ظل أن هناك قطاعات واسعة من الجماهير لا تستخدم وسائل الانترنت الاجتماعية .
3_ لم يقم الحراك بتقديم نفسه للجماهير قبل النزول للشارع , الجماهير الفلسطينية أصبحت الآن تعيش أزمة ثقة ما بينها وبين فريقي الانقسام وهي بأمس الحاجة لطرف ثالث يقدم نفسه إليها ولكن ليس عبر بيانات وشعارات وحديث منابر وتغيير وإصلاح لما يجد له ترجمات إلا علي الأوراق والخطط التي وضعت بإدراج المكاتب وتنتظر عصا سحرية لتنفيذها , كان بالأجدر لشباب الحراك أن يقدموا أنفسهم عبر يوم عمل تطوعي مع نقابة الخدمات العامة ويوم آخر مع نقابة الصيادين مع جمعيات مستقلة ويوم عمل طبي مجاني بالتنسيق مع الاتحاد الصحي ومستشفي العودة المراكز التابعة لها وكذلك الاتحاد الزراعي وغيرها من الجمعيات التي كانت من المفترض أن تكون البداية للتواصل مع الجماهير وكذلك العمل مع الأطر الطلابية في الجامعات والمعاهد والطلاب الثانويين والإسراع في تنظيم الاحتفالات الوطنية باسم الحراك الشعبي وتحديدا أن هناك مناسبة يوم الأسير الفلسطيني ويوم المعلم الفلسطيني تفصلنا عنهم أيام قليلة , وتنظيم ندوات وورشات عمل بالتنسيق مع المؤسسات الحقوقية لتعريف المواطن حقوقه الديمقراطية التي تتعلق بحقه في تنظيم الاجتماعات السلمية ويكفل القانون حمايته وتحديدا المادة 12 لسنة 1998 .
4_ امتاز شباب الحراك بالصبغة اليسارية وهذا ما أضفي عليها صفة التسرع والعجالة كون تلك الصفة كانت وما تزال تلازم اليسار الفلسطيني الذي يتصف بأنه عجول ومتسرع في اتخاذ القرارات , ورغم أن الدائرة اتسعت للحراك لتشمل أناس غير منتميين لليسار إلا أن الشباب اليساري المتربي علي تلك الصفة أملي علي الجميع السير بسياسته المتسرعة من حيث لا يشعر .
إن ما حدث بتاريخ الخامس عشر من آذار يعتبر بوابة لشباب الحراك وليس نهاية وهنا يتطلب من الحراك الشعبي أن يعيد تنظيم نفسه وفق برنامج أكثر انضباطا والتزاما يتناسب مع روح التضحية العالية التي اتسم بها الحراك الشعبي في تصديه لهراوات شرطة القمع في غزة ورام الله وان كانت درجة القمع أكثر حدة في غزة وعليهم الخروج من حالة المراوحة التي سيطرت عليهم والانتقال لحالة المبادرة الايجابية والجادة , وفي النهاية أتقدم لزميلي سامي الأخرس بالشكر والتقدير واشد علي أيادي الحراك الشعبي الشبابي الفلسطيني فردا فردا وكل التحية والاحترام والتقدير للجهود الرائعة التي بذلوها ومزيدا من التقدم والاستمرار من اجل مجتمع ديمقراطي مدني تقدمي قادر علي مواجهة تحديات المرحلة المقبلة وتحقيق الحقوق الوطنية والمشروعة للشعب الفلسطيني التواق للحرية والديمقراطية .
#فؤاد_ابو_لبدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟