|
عن المؤسسة العسكرية والجيش ومهام قيادة ثورة 25 يناير
هانى جرجس عياد
الحوار المتمدن-العدد: 3325 - 2011 / 4 / 3 - 18:25
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
فى مقاله الأسبوعى بجريدة المصرى اليوم (3 أبريل 2011)، اعتبر الدكتور حسن نافعة أنه «من المسلَّم به، وفقاً للضمير الجمعى المصرى، عدم القبول بأى انتقادات توجَّه للمؤسسة العسكرية المصرية باعتبارها التجسيد الحى للوطنية المصرية» مضيفا أن «الملاحظات النقدية التى أبديت على الإعلان الدستورى لم تكن موجهة للمؤسسة العسكرية المصرية من قريب أو بعيد، لكنها كانت موجهة فى المقام الأول للإدارة السياسية للمرحلة الانتقالية أياً كانت صفة من يتولى مسؤولية هذه الإدارة». والدكتور نافعة واحد من الشخصيات الوطنية المرموقة، قد يتفق معه البعض، ويخالفه الرأى آخرون، لكن لا يختلف حوله أحد، وما ذهب إليه هنا، واعتبره من المسلمات التى استقرت فى الضمير الجمعى المصرى، قضية تحتمل الاختلاف. المؤسسة العسكرية المصرية –أولا- لا ترقى إلى مرتبة الآلهة، بحيث لا يمكن توجيه انتقادات لها، والفصل –ثانيا- بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة من جانب ودوره السياسى من جانب أخر، هو فصل تعسفى غير مفهوم، فالعملية السياسية ليست مسألة معلقة فى الهواء لا صاحب لها، ونقدها يعنى بالضرورة نقد من يديرها، ومن يتصدى لعمل عام عليه أن يتقبل النقد، بصرف النظر عما يرتديه من ملابس عسكرية كانت أو مدنية أو دينية، أضف إلى ذلك –ثالثا- أن «التجسيد الحى للوطنية المصرية» تمثله القوات المسلحة، والجيش منها على وجه الخصوص، وليس المؤسسة العسكرية، أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وأيضا دون أن يعنى ذلك أن هذا «التجسيد الحى...» غير قابل للنقد. تستدعى هذه الرؤية ضرورة التعامل مع بعض الأوهام التى سادت خلال أيام الثورة، وترسخت بعد سقوط مبارك، وأصبحت من البديهيات، ومنها حكاية «حماية الجيش للثورة». وقائع أيام الثورة لم تزل طرية فى الأذهان، ولا أظن أن من بينها واقعة واحدة تشهد بإقدام المؤسسة العسكرية على اتخاذ أية خطوة عملية من شأنها حماية الثورة، وإذا كانت«موقعة الجمل» سجلت حيادا سلبيا، فإن أحداثا كثيرة (بعد سقوط مبارك) كانت إعلانا بانتهاء الحياد والانتقال إلى معسكر محدد، من بينها استخدام القوة فى فض اعتصام مجلس الوزراء واعتصام التحرير واعتصام طلبة كلية الآداب بجامعة القاهرة، وحكايات كثيرة عن اعتقال الشرطة العسكرية لعدد من الناشطين وتعذيبهم، ثم التباطؤ المريب فى اجتثاث بقايا نظام مبارك، وتحويل محاكمة بعضهم إلى نوع الديكور الساخر (أولى الاتهامات التى يحاكم بشأنها العادلى هى تهمة غسيل أمول، أربعة مليون لا غير!!، بينما تهمة قتل المئات والشروع فى قتل الآلاف من شهداء وجرحى الثورة لم تزل تراوح بحثا عن كباش فداء من معاونى الوزير!!)، وإغراق الناس فى تفاصيل فنية بشأن كيفية حصول أحمد عز على رخص مصانع الحديد، وبضعة ملايين من الجنيهات مسروقة هنا، وعدد من الأفدنة منهوب هناك، بينما وقائع الإفساد السياسى والنهب المنظم لم تزل غائبة عن العدالة (أليس هذا نوعا من الأداء السياسى المتميز؟)، فضلا عن التقاعس عن محاكمة مبارك وأفراد أسرته حتى الآن. هذه الوقائع، وغيرها كثير، لا يمكن أن تكون مجرد «أداء سياسى» غير موفق، بل هى أبعد من ذلك كثيرا، فقط علينا أن نعيد «المؤسسة العسكرية» إلى موقعها الطبيعى القابل للنقد وما هو أكثر، ولرجالها الحق الكامل فى الرد والتوضيح. ثمة خلل واضح فى محاولة الكثيرين قراءة دور الجيش المصرى فى الثورة، وهو خلل ناجم عن خلط بين الجيش، والمؤسسة العسكرية، والقوات المسلحة. المؤسسة العسكرية هى قيادة الجيش، وتضم وزير الدفاع ورئيس الأركان، وقادة الأفرع الرئيسية فى الجيش، وكبار الضباط المستفيدين من سياسات النظام، وهى بالضرورة جزء لا يتجزأ من النظام. لقد كانت حرب أكتوبر 1973 نقطة تحول فى مسار القوات المسلحة المصرية، أصبحت بعدها تعتمد اعتمادا كبيرا على المعونات الأمريكية، فى التدريب والتسليح، واتجهت المؤسسة العسكرية لإقامة شركات اقتصادية تعمل فى مختلف المجالات، وبما أدى إلى استحواذها على نصيب كبير فى الاقتصاد القومى، وتداخلها فى علاقات متشابكة مع رجال أعمال، وانخراطها فى أعمال مدنية مثل بناء العقارات والكبارى والمخابز وشق الطرق..الخ... أما أعمالها العسكرية فقد تحولت من مواجهة إسرائيل إلى نوع من «الحياد السلبى» إزاء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على فلسطين ولبنان والعراق، فضلا عن المشاركة فى حرب «تحرير» الكويت تحت القيادة الأمريكية (رغم أكذوبة «حرب أكتوبر أخر الحروب»). أما الجيش فيضم المجندين الذين يمضون فترة تجنيدهم الإجبارى، وهؤلاء يجرى تأهيلهم معنويا منذ اللحظة الأولى أنهم يواجهون عدوا خارجيا، على حدود الوطن (على عكس من يجرى فرزهم من المجندين لوزارة الداخلية كجنود أمن مركزى والذين يجرى تأهيلهم معنويا للتعامل مع الأمن الداخلى، مع «أحداث شغب»، أى مع عدو داخلى، هو كل من يعارض النظام بالضرورة)، مضافا إليهم صغار الضباط وكبارهم غير المستفيدين من مغانم السلطة. وهو فى نهاية المطاف كيان قائم على الطاعة، ولا يتحرك إلا بأوامر، وبما يعنى أنه لا يتحمل مسئولية «الحياد» فى موقعة الجمل، وغيرها، لكن إطاعة الأوامر لها حدود، كما سنبين ذلك لاحقا. هامش ضرورى: لم تكن مصادفة أن الذين تصدوا لثورة يوليو كانوا من صغار الضباط وكانت أولى وأهم مطالبهم بتر الفساد والفاسدين فى الحكم وفى القوات المسلحة أيضا. ارتباط المؤسسة العسكرية بالنظام الحاكم باعتبارها جزءا رئيسيا من مكوناته من جانب، والفصل بينها وبين الجيش من جانب أخر، يضمنان لنا قراءة صحيحة لمواقف القوات المسلحة خلال أيام الثورة وما بعد سقوط مبارك. مرت الثورة فى أيامها الثمانية عشر بلحظتين فارقتين، انتظر الكثيرون فى كل منهما صدور «البيان رقم واحد» من القوات المسلحة، معلنا الانقلاب على النظام، كانت اللحظة الأولى هى مساء الجمعة 28 يناير عندما انهارت قوات النظام أمام ملايين المتظاهرين، ودخلت البلاد فى حالة فراغ أمنى، واختفت كل قيادات النظام فى جحورها السرية لكن «البيان....» لم يصدر، وبما يعنى قرارا سلبيا من المؤسسة العسكرية بالوقوف إلى جانب النظام ومساعدته على امتصاص واستيعاب الضربة القاضية، تمهيدا للالتفاف عليها. ثم كانت «موقعة الجمل» هى اللحظة الثانية التى بدا فيها أننا قاب قوسين أو أدنى من «البيان رقم واحد»، لكن البيان أيضا لم يصدر ليتأكد قرار المؤسسة العسكرية السلبى. هامش ضرورى: دعونا نتخيل لبرهة سيناريو لم يحدث: ماذا لو فعلها راكبو البغال والجمال وأفرغوا الميدان من الثوار وأجهضوا الثورة؟ هل يمكن أن نبحث معا، فى مثل هذه الحالة، عن موقع وموقف المؤسسة العسكرية وقد مضى على وجود الجيش فى الشارع خمسة أيام يحمى الثورة والثوار؟. ربما يقول البعض إن زمن الانقلابات العسكرية قد انتهى، وهذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن «الضرورات تبيح المحظورات»، وضرورة إنقاذ النظام، وإحباط الثورة تقتضى تغييرا سريعا فى الوجوه، لكن الراجح أن الولاء لشخص الرئيس كان فوق كل اعتبار، فهو أحد رجال المؤسسة العسكرية وقائد قواتها الجوية وصاحب الطلعة الجوية الشهيرة، وربما رأت المؤسسة العسكرية أن عليها أولا استنفاذ كل فرص حماية شخص الرئيس، وبما يضمن بالضرورة إعادة ترتيب الأوضاع، واستمرار النظام بدون الرئيس، بعد أن تضمن له المؤسسة العسكرية خروجا مشرفا. تتردد حكايات، غير موثقة ولا مؤكدة، عن طلب الرئيس من القوات المسلحة، خلال زيارته لغرفة العمليات يوم الأحد 30 يناير، التعامل مع المظاهرات بالقوة، لكن المؤسسة العسكرية رفضت هذا الأمر، وفيما لو صحت هذه الحكايات، فإن هذا الرفض لا يمكن وضعه فى خانة انتصار المؤسسة العسكرية للثورة، فسلوك المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وخاصة بعد 11 فبراير، يتعارض إلى حد التناقض مع هذه الرؤية. الراجح أن ما طلبه الرئيس من القوات المسلحة، فيما لو صحت هذه الحكايات، يعكس حالة من تشوش فى الرؤية وعجز عن قراءة الواقع بشكل صحيح، وعجز بالتالى عن اتخاذ قرارات صحيحة، وهذا مفهوم تماما فى ظل وضع انكسار أصاب الرئيس نتيجة الثورة، مقرونا بتقدم العمر وتداعياته، بينما يعكس رفض المؤسسة العسكرية للدخول فى مواجهة مسلحة مع متظاهرين عزل فهما حقيقيا لطبيعة القوات المسلحة، إذ يدرك المشير طنطاوى والفريق سامى عنان أن الجيش لا يمكن أن ينفذ أمر المؤسسة العسكرية بإطلاق النار على الشعب الأعزل، وبما يعنى إصابة القوات المسلحة بالتصدع، فلا تعود قادرة لا على التعامل مع المظاهرات ولا على حماية النظام. رفض المؤسسة العسكرية لاستخدام القوة فى التعامل مع الثوار، سواء طلب مبارك ذلك أو لم يطلبه، لا يصب فى خانة حماية الثورة، التى كانت تقتضى –بالضرورة- إقدام المؤسسة العسكرية على الإطاحة بالنظام، وتقديم الطبعة المصرية لتجربة اللواء سوار الذهب السودانية، وإلا نكون أمام لغو لا معنى له (مثلما جاء فى أحد بيانات المجلس العسكرى، قبل 11 فبراير «إن القوات المسلحة على علم ودراية بالمطالب المشروعة للشعب»، دون أن يعرف أحد ما معنى وقيمة «العلم والدراية» فى حالة الحياد السلبى، والامتناع عن المساهمة الفعالة فى تحقيق هذه «المطالب المشروعة»؟). وهكذا كان طبيعيا ألا يفقد مبارك ثقته فى المؤسسة العسكرية، ويوكل إليها إدارة شئون البلاد، حيث لا يستطيع أحد الادعاء أن مبارك كان أن أيضا «مدركا وواعيا للمطالب المشروعة للثورة»، وعازما على تلبية مطالبها بإسقاط النظام ومحاكمة رموز الفساد والاستبداد، بل المنطقى أنه أوكل إليها أولا- مهمة تحقيق«نبوءاته» التى ظل يرددها بلا كلل طيلة فترة حكمه وحتى لحظاته الأخيرة، من إشاعة الفوضى وبروز (الفزاعة) الإسلامية على السطح فيما لو تخلى هو عن السلطة دون ترتيبات مسبقة (أليس هذا بعض ما جرى وما لم يزل يجرى بالفعل منذ 11 فبراير)، ثم العمل –ثانيا- على تفريغ الثورة من مضمونها وتحويلها إلى مجرد عملية تغيير شكلى، أو إعادة ترتيب الأوراق (هل يتناقض أسلوب إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبلاد مع هذه المهمة؟). ومن المفارقات المثيرة أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ينوء بتحمل مسئولية إدارة شئون البلاد، ويتمنى إنجاز مهمته بسرعة للعودة إلى مهمته الأصيلة، لكنه فى نفس الوقت لا يستجيب لأحد أهم مطالب ثورة يناير بتشكيل مجلس رئاسى مؤقت يضم أحد العسكريين، وهى مفارقة ربما تجد ترجمتها فى السؤال الذى يواجهنا الآن وبعد مرور ما يقرب من شهرين من تخلى مبارك عن السلطة، وتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد: هل كانت المؤسسة العسكرية عند حسن ظن مبارك؟ أو عند حسن ظن الثورة والثوار؟
#هانى_جرجس_عياد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المؤسسة العسكرية المصرية ومسئولية حماية الثورة
-
ردا على رسالة (الرفيق) جاسم رسالة مفتوحة إلى الشيوعيين العرا
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|