بحثا عن الشيعة .. محاكم التفتيش في دول الخليج

سليم مهدي قاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3323 - 2011 / 4 / 1 - 21:13
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    

في القرن الخامس والسادس عشر ابتكرت الكنيسة الكاثوليكية طريقة جديدة لمعاقبة مخالفيها في المعتقد حتى وان كان من ضمن الديانة المسيحية ، وقد اطلقت على المخالفين لقب ( المهرطق ) وقد اباحت لنفسها محاكمته ، بأحكام مختلفة مثل السجن والنفي والاعدام والحرق وغيرها من العقوبات ، وقد كان في اغلب الاحيان يتم ممارسة التعذيب قبل تنفيذ العقوبة ، وبسبب القوة الدينية والسياسية التي كانت تتمتع بها ، كانت هذه المحاكم ، تزحف بأحكامها ليس على المخالفين فقط ، وانما على اي اثر علمي او ثقافي بإمكانه ان يشير او يوحي بأنه يخالف الاسس التي بُنّيتْ على اعمدتها فكرة القساوسة الذين كانوا يُشرّعون ما يرتبط بالحياة ، ولعل محاكمة غاليليو هي الاشهر في هذا المجال .
الخبر الذي اوردته صحيفة السياسة الكويتية من أنّ دول مجلس التعاون الخليجي تتجه إلى اتخاذ قرار جماعي بإبعاد جميع اللبنانيين الشيعة ليس بعيداً جداً عن فكرة محاكم التفتيش ، فهو الاخر يرتكز في اساسه على المخالف لا المختلف ، فأساس المختلف هو التباين في النوع ( الديانة : الاسلامية ... المسيحية .... اليهودية... الهندوسية وغيرها من الديانات ) بينما أساس المخالف هو التابين في التراتبية ( الشيعة .. السنة .. الخوارج .. الدروز .. وغيرها من المذاهب ) وفكرة ابعاد الشيعة من دول الخليج ، تندرج في خانة المخالف ، فالمخالف لديه القدرة على المنافسة وبالتالي القدرة على الازاحة او على الاقل تحريك الماء الراكد في المستنقع ،وفكرة اقامة محاكم التفتيش اول ما اقيمت كانت تستند في بنيتها على المخالف والذي كان اتباع لوثر اول ضحايا هذه المحاكم ، وعندما تقوم فئة ما مستندة على اسس الدولة بمحاكمة مخالفيها وعندما تصفهم بانهم مهرطقين فأنها بذلك تتبنى فكرة محاكم التفتيش ذاتها .
الوجود الشيعي في منطقة الخليج ليس بجديد ، وانا هنا لا اركز على الجانب الديني في المذهب وانما على الجانب التاريخي الاجتماعي ، فهناك الكثير من الشيعة هم مثل بقية خلق الله تجد فيهم العلماني وتجدهم فيهم المتدين تجد فيهم الليبرالي وتجد فيهم المتشدد ، اقول ان الوجود الشيعي ليس بجديد لان المنطقة منطقة الخليج كانت برمتها متعرضة لتغيرات سياسية ومذهبية على مدار القرنين الاخيرين وقد ساعد تدفق النفط في هذه المنطقة على هجرة اعداد ليست بالقليلة في العقدين الاخيرين ، خاصة وان الايدي العاملة وعقول المعرفة تكاد ان تكون شحيحة في هذه المنطقة ، وبذلك فان الوجود الفعلي لهذه الجالية الشيعية في المنطقة هو جزء من التاريخ بالإضافة الى انها جزء من هجرة الاقتصاد ، ومحاولة ربطها بالسياسة وما يحدث في المنطقة من مطالب في التغيير وخاصة في البحرين هو محاولة لأجاد محاكمة لقتلهم وتهجيرهم .
خلال الثلاث مائة سنة الاخيرة ، تغيرت وسائل وطرق اصدار الاحكام بحق المخالفين ( المهرطقين ) ولعل ما تقوم به قناة العربية في هذا المجال خير مثال على ذلك ، حيث ذُكر في تقرير تم اعادته لأكثر من عشرين مرّة في يوم واحد عن اعداد الايرانيين الذين دخلوا الكويت خلال الثلاثة اعوام الاخيرة ، وحسب مفاهيم الاعلام فان مثل هكذا تقارير بإمكان ان تشعر الطرف الآخر ( السنة ) بأن ثمة خطر يهدد مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وبذلك فأن الوسيلة الوحيدة التي تستطيع ان تعيد المعادلة هي بالسعي لطرد هؤلاء الشيعة ، بل وصل في بعض الحالات بأن اشار احد المعلقين ومن على شاشة العربية بأن الشيعة يتوالدون بكثرة ، وبذلك فهم يحاولون ان يغيروا الطابع الديمغرافي للدولة ، وهذا من الممكن ان يكون دافعا قويا لبعض الاطراف لكي تحاول جاهدة في القضاء على العنصر الذكوري على سبيل المثال لكي لا يتم التكاثر على هذه الطريقة ، ولنتذكر بأن فكرة النازية عن الاخصاء بحق اليهود كانت حاضرة في التاريخ القريب .
ثمة اشارة اخرى وردت من وزير الخارجية البحريني ـ ولنا عودة الى موضوع البحرين ـ حيث ذكر الوزير بأن ثمة مؤامرة تحاك في الخارج منذ ثلاثين عاما ضد البحرين وانه لديه وثائق سوف يخرجها في حينها وبالطبع فأن الوزير يشير هنا الى الشيعة البحرينيين وعن علاقة مفترضة مع ايران ، فبحسابة بسيطة يمكن القول بان الثورة الإسلامية في ايران مضى على انطلاقها ما يقارب الثلاثين عاما .
وبالعودة الى موضوع البحرين ، فقد ذكرت بعض التقارير الغربية ، بأن ثمة محاكم مباشرة تقام للمخالفين من المذهب الشيعي من خلال سيطرات يقيمها اهل السنة في المنطقة مسلحين بعصي وسكاكين ، وبمجرد العثور على ما يدل على شيعية اي شخص يمر على هذه السيطرات مصادفة ، فانه يتم محاكمته مباشرة ، وقد تصل في بعض الاحيان الى حرقه داخل سيارته ، وكاد الامر يحدث لاحد الصحفيين الأمريكيين لو لا انه كشف لهم انه اميركي واراهم هويته الصحفية، وقد انقذ في اللحظة الاخيرة من محاكم التفتيش هذه .
هل سنشاهد المحكمة من خلال الفضائيات ؟ انا اعتقد ذلك ..

#سليم_مهدي_قاسم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات