عماد مسعد محمد السبع
الحوار المتمدن-العدد: 3322 - 2011 / 3 / 31 - 17:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ نجاح اضراب 6 أبريل عام 2008 كان هناك اجماع فى مصر على الدور المتنامى لتقنيات الإتصالات الحديثة فى أداء وظائف سياسية تحريضية , و على الأهمية المتزايدة لإستخدام المجال العام السيبرى فى عمليات حشد و تجنيد نشطاء شبكة المعلومات الدولية , والانتقال بهم من العالم الإفتراضى إلى أرض الواقع العينى , ومن ثمة التأثير مباشرة فى حياة السياسة و المجتمع .
فكرة " التعبئة عبر الفضاء الالكترونى " لمواجهة سياسات الحكم القائم كانت تعكس متغيرآ نوعيآ فى سياق الحركة الإجتماعية المصرية, و مثلت واحدة من أهم مفردات ثقافة الاحتجاج المطلبى الجديد و المتصاعد .
فقد ساهمت صحوة النداء الالكترونى عبر بوابات ( الفيس بوك و التويتر و المدونات و اليوتوب و غيرها ) فى طرح صيغ مستحدثة لحفز أفكار التغيير السياسى و الديمقراطى وإثارة الجدل بشأنها , و بعد حصار وتراجع الطلب الشعبى الفعال عليها بأرض الواقع العينى .
و كان صعود الشباب لصدارة المشهد - عقب وقائع نجاح أضراب 6أبريل – برهانآ على أنهم أصبحوا قوة حقيقية ترتبط بمفردات واقعها الإجتماعى و الإقتصادى , و معطيات الظرف التاريخى - العولمى الرافد لها , و تعبر عن تمرد ضد عقائد و سلوكيات تنتمى لقيم الإذعان و الطاعة السائدة فى السياق السياسى و الإجتماعى المصرى .
أن فهم الأساس المادى الذى تشكلت على سند منه تلك التنظيمات الشبابية الإفتراضية يساهم فى فهم الدور الذى أضطلعت به فى ثورة يناير 2011 , و فى عملية التحول السياسى و التاريخى الذى حدث بزخم منها بعد ذلك .
ثمة حاجة للتأكيد على أن ما منح الحيوية المركزية لتلك " المعارضة النتية " بوجه عام - عبر شبكة المعلومات الدولية هى بيئة التوتر / التفاوت الحاضنة لنموذج الرأسمالية الحديثة , و لمجموعات الحركات الإجتماعية المناهضة له على أرض الواقع .
فالثابت أن هناك نموذج " لرأسمالية عولمية " يكتسح الكوكب الأرضى يحاول تنميط أساليب أنتاجه وفق قواعدها , و على الطرف الآخر تتناثر مجموعات و حركات مضادة لها , تتحداها بأجندة خاصة و تسعى لكفالة حاجاتها الإجتماعية و بمعزل عن مخالب الرأسمالية و ليبراليتها المتوحشة .
هذه التشكيلات التنظيمية تروم تأكيد ذاتيتها و حضورها و بهدف التعبير عن نفسها وفق الأفكار والآليات المتداولة بالمجتمع الشبكى , ومن خلال الإستخدام الكثيف لوسائل الميديا و الإتصال الإلكترونى الحديث و التحولات الهيكيلية المصاحبة لها التى تجتاح العالم .
و الثابت أن الإختمارات الأولى لتشبيك نشطاء المجتمع النتى المصرى تقدمت عبر مستودعات التدوين( مدونات / مكتوب وجيران والبلوج سبوت ) , و حيث تزامن صعود الإهتمام التدوينى بالقضايا السياسية العامة مع نهضة حركة الاحتجاج الفئوى و بروزالحركة المصرية من أجل التغيير ( حركة كفاية وأخواتها ) .
و من خلال عمليات التواصل السيبرى تجلت أوجه التعاون و التنسيق بين النشطاء وبشكل يتجاوز حدود الوعي الذاتى و حساباته الفردية إلى آفاق الارتباط بالقضايا و الهموم القومية و فى محاولة لإنتاج حلول جماعية لأزمة المجتمع الشاملة و الممتدة منذ عقود .
ثم أنخرط عشرات الألوف من رواد هذا المجتمع فى فعاليات المنتدى الإجتماعى ( الفيس بوك و التويتر ) الذى أتاح عبر تعدد الجروبات و تنوع زوايا الموضوعات و المعالجات أمكانيات غير مسبوقة للنقاش و الدعاية و نقل الأخبار , و التى وظفت كأدوات جذب دعوية و تحريضية متقدمة وفق الأصول والقواعد المرعية فى مجتمع المعلومات .
وفورات التقنية الهائلة لشبكة المعلومات و غياب العوائق الجغرافية التى تكبح و تؤطر روافد الإمتداد و العضوية , فضلآ عن سرعة التعارف و التأثير فى قناعات الآخريين , مثلت عوامل حفز لميلاد شبكة تضم عناصر شبه متماثلة من شباب الأمة و تعبر عن منطق المجتمع الشبكى و معطاه المركزى المتصل بسيولة توليد و تداول المعلومات .
هذا التجمع أنتقل لحوار بشان التغير السياسى والإجتماعى ,و إلى المطالبة بالإنهاء السلمى لنظام الحكم القائم و بأثر من خطاب المشاركة و المساواة المسيطر فى العالم الافتراضى , و من القواعد المعاصرة الناظمة لقيم الحرية و التعددية ..
وفى هذا الوقت لم تدرك العقلية الحكومية البيروقراطية والأمنية خطورة " فضاء التدفقات المعلوماتى " التى تنشط فيه تلك الشبيبة , و لا طبيعة الهوية التى تجسد المضمون الرمزى لتجمعهم والتى تعكس واقع أنسداد أفق مشاركتم فى حياة السياسة و المجتمع ...
و بمرور الوقت أكتسبت هذه الشكيلات " هويات " منحتها سمات ثقافية ووضعتها فى موقف مضاد لما هو سائد سياسيآ وأجتماعيآ " ,
وحيث برز ضمن هذا المحتوى نمط "الهوية المقاومة " resistance indentity و التى تدعم حضورهم كفاعليين وجدوا أنفسهم فى موقف الإستبعاد ( الإجتماعى و الإقتصادى و السياسى ) و بحكم قواعد السيطرة على أرض الواقع .
"هوية المقاومة " تبلورت بعد ذلك فى شكل كوميونات أو تجتمعات وجروبات مناوئة و كوسيط للالتفاف والتعامل مع ظرف القهر والعنف الذى يمارس فى مواجهتها, والذى لا يمكن أن يحتمل إلا بهذه الطريقة .
و يكشف تحليل نموذج نشطاء الإنترنت المصرى ونخبة أضراب 6 أبريل عن الإرتباط بالسمات العامة لهذه التشكيلات الافتراضية المقاومة , وأن " المناضل الالكترونى المصرى " – الذى برز فى ثورة 25 يناير - ليس إلا صيغة محلية عمدت لتوظيف منتج العولمة المعلوماتى و بهدف الخلاص من أستبداد السلطة القائمة و مواجهة تدهور الواقع .
وكان هؤلاء الشباب قد نجحوا ( خلال تجربة 6 أبريل 2008 ) فى عملية حشد و تعبئة جمهور واسع من المواطنيين , و حيث تحولت عملية " تدفق المعلومات " التى سبقت الدعوة للإضراب إلى " تدفقات قوة " فعلية على الأرض .
فالمعلومات عن هذا الإضراب كانت " تراكمية " بحسب الأصل , و كانت المشاركة فى شبكات تجميعها و توزيعها و نشرها هى سند فعاليتها التى حالت دون تبديدها و تفتيتها, و هو الأمر الذى دفع النظام لإستنفار أجهزته لفهم حقيقة الموقف و ما ورائه من دلالات , و بهدف أحتوائه وأجهاض محاولات أحيائه.
وتأكد الهاجس الحكومى بعد ذلك و حيث أدت الحركة الاحتجاجية النتية - الى بروز ( وعى طبقى و سياسى ) مصاحب لها , و بفعل تراكمات مادية تحولت الى متغيرات نوعية عبر الأجل المتوسط ( الفترة من أبريل 2008 حتى يناير 2011 ) .
كماأن هؤلاء الشباب أستطاعوا طرح صيغة مرنة و معدلة أمكن أستنساخها لطرح المطالب الفئوية المتناثرة فى شكل تحرك شعبى جماعى واسع , و بصورة مثلت خطوة على طريق أنجاز فكرة العصيان المدنى العام ( و هو ما تحقق عمليآ فى 25 يناير 2011) .
و كانت المفارقة الدالة التى حملها أضراب 6 أبريل , أن حكومة الدكتور/ أحمد نظيف التى تم تقديمها إلى الشعب المصرى كحكومة لتسييد مجتمع المعلومات و أفكارالإدارة الإكترونية الذكية , هى ذاتها التى تقف فى وجه هؤلاء الشباب الذين أحسنوا استخدم تلك التكنولوجيا و عبر بنية تحية معلوماتية تقوم على أساس الحواسب الآلية الفردية , و التى أصبحت رمز للمقاومة و المعارضة المستمرة بعد ذلك .
وعقب نجاح أضراب 6 أبريل عالجت الإدارة الحكومية البيروقراطية والأمنية الموقف بملاحقة وأعتقال نشطاءالحركة و تقديم بعض رموزهم الى المحاكمة بقائمة إتهام نمطية تتضمن المساس بالسلام الإجتماعى وتكدير الأمن العام .
كما شنت الصحف ووسائل الإعلام حملة منظمة ضد شبكة الإنترنت و نوافذها الأكثر شعبية فى مصر , فاعتبرت صحيفة " الاهرام" أن هناك عالم أسود يتعين مقاومته على شبكة المعلومات وأنه خطر على الإنتماء ووحدة الوطن " ( عدد 17 أبريل 2008 ) فى حين خصصت مجلة " روز اليوسف / القاهرية " ملفآ كاملآ للهجوم على التدوين ونشطاء ( الفيس بوك ) وباعتبارهم طليعة الطابور الخامس من أعداء هذه الأمة .
ثم طورت الدولة خططآ لمواجهة تمرد الفضاء السيبرى تتصل بمصادرة الحق فى إنشاء بعض المواقع الإلكترونية , والعمد لتخريب عدد منها , كما أصطنعت فرقآ وجروبات للدفاع عن توجهات النظام و مناصرة ملف توريث الحكم لجمال مبارك فى هذا الفضاء
كما أستخدمت بعض الآليات المالية للضغط كرفع تكلفة خدمة الإنترنت و تسعير بعض المجموعات البريدية , والمطاردة الضرائبية لمقاهى الانترنت و تسجيل أسماء وعنوانين مرتاديها والزامه بالمسئولية عند دخول الرواد للمواقع السياسية المعارضة .
فضلآ عن توظيف الأداة القانونية , و حيث عمدت الحكومة المصرية فى ذلك الحين لتقديم أقتراحآ " للجريمة الإرهابية " - بمشروع قانون مكافحة الارهاب - يعمد إلى أختزان مساحة مناسبة لتجريم صور من العمل النتى والتدوينى السياسى - و باعتباره تحريضآ غير مشروع على ممارسة العنف .
غير أن هذه الوسائل الحكومية البالية لم تستطع الصمود فى مواجهة طوفان ثورة و مجتمع المعلومات التى طرحت قيمآ و مفاهيم جديدة تعيد النظر فى المسلمات و التابوهات المستقرة سياسيآ وأجتماعيآ .
فشل أستراتيجيات تطويق و إحتواء فعاليات هذا العالم راجع الى عجز أجهزة الحكم عن أدراك مغزى المتغير المعلوماتى وتفاعلاته مع المتغيرات الآخرى , وكيف أصبح وسيط تجديد أساسى لصياغة و تطوير الأنساق السياسية و الإجتماعية , وفى أعادة دمج الشباب فى حياة السياسة بعد عقود طويلة من الإستبعاد و الإقصاء .
و أيا ما كان الأمر , فأن صعود هؤلاء الشباب لصدارة المشهد الإحتجاجى فى 25 يناير 2011 , ولمواجهة فساد و استبداد حكم مبارك و الوجوه السياسية الشائخة , كان برهانآ فعليآ على حيوية النخبة الإفتراضية للمجتمع النتى و التى ساهمت بدور مركزى فى ميلاد مصر الجديدة الحرة و الأبية ..
#عماد_مسعد_محمد_السبع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟