|
ملاحظات حول حركة حقوق المرأة و مدرسة النقد الأدبي الأنثوي
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 3321 - 2011 / 3 / 30 - 23:41
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لا شك أن النساء يشكلن أكبر طبقة مستغَلة في العالم على مر العصور بفضل هيمنة ثقافة أولوية الرجل على المرأة ، و تبعية الأخيرة له ، أي بسبب : الآيـديـولـوجـيـا " الذكورية" . لقد صاغت مجتمعات الرجال مباديء هذه الثقافة منذ عشرة آلاف سنة أو يزيد ، و طورتها بتواصل منهجي ثابت و مستدام حتى أصبحت جزءاً راسخاً من الوعي الإجتماعي الخرافي السائد الذي يؤمن به و يروج له ليس الرجال فقط ، بل و حتى العديد من النساء المدجنات أنفسهن و ذلك لمصلحة مجتمع الرجال . فمنذ إنهيار المجتمع الأمومي ، إنهمكت ملايين العقول الذكورية عبر التاريخ لأدلجة و قنونة خرافة كون الأنثى مخلوقاً بشرياً ناقصاً بالولادة بالمقارنة مع الرجل (أرسطو ، القديس توماس) ، أو أنها "رجل ناقص" (خرافة خلق حواء من ضلع أعوج لآدم في التوراة والمنقولة من الفكر الديني السومري) . و علاوة على ذلك ، فقد ألصقت بالمرأة كل أنواع شرور الرجال : من إشعال الحروب (حروب طروادة ، البسوس) ، إلى الشبق و المكر (عشتار ، سالومي ، إمرأة العزيز) ، و ممارسة السحر الأسود (الحفلات الجماهيرية لأعدام الساحرات في أوربا و أمريكا لغاية القرن الثامن عشر : جان دارك في فرنسا ؛ المتطهرين في أمريكا) ، إلى التسبب بالفاقة و الجوع و الحظ العاثر (وأد البنات في جزيرة العرب قبل الإسلام و في الصين الآن بسبب سياسة الطفل الواحد للعائلة الواحدة و إمكانية التعرف على جنس الجنين قبل الولادة ) ، و التخلف الفكري "الطبيعي" (ناقصات عقل ودين) ، و الضعف الجسدي (رفقاً بالقوارير) . كل هذه النعوت و النقائص تنبع من إطار شكلي واحد ألا وهو "تعريف المرأة من خلال الرجل أو بالمقارنة به" بإعتبارها "الجنس الآخر" ، أي كونها "ليست رجلاً". المرأة هنا تُدان ليس بسبب دورها الإجتماعي أو إقتدارها الذاتي ، و إنما بسبب كونها مخلوقاً مشكلته أنه إمرأة . و بالمقابل ، لا نجد أحداً يعتبر الرجال ناقصين لمجرد كونهم رجالاً . فمن الناحية الفسيولوجية أثبت العلم أن المرأة تمتاز على الرجل بقوة الملاحظة ، و الدقة في العمل ، و بالقدرة على التحمل و الصبر، و بالإخلاص ، و التدبير ، و التحسّب ، و الحس المرهف . و المرأة هي التي تخلق العائلة - و هي الوحدة الأساسية في المجتمع - و ليس الرجل ، واليُتم الحقيقي هو يتم الأم و ليس الأب . و الآن ، و بعد إكتشاف تقنية الإستنساخ البشري اللاجنسي (cloning)، فقد أصبح الرجال نوعاً زائداً (redundant specie)، على الأقل قدر تعلق الأمر بتكاثر النوع البشري . فوفق هذه التقنية ، كل ما هو مطلوب لتكاثر الجنس البشري هو : بيـضة إمرأة ، و خلية إمرأة ، و رحم إمرأة ، و مختبر علمي ، و مع السلامة لفحولتكم أيها الرجال ! و سواء كان الأمر يتعلق بسَن القوانين ، أو تبوؤ المناصب المهمة ، أو منح الأجور والمكافئات ، أو الحقوق السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية ، أو النشاط الفكري أو الفني أو الإقتصادي ، فإن المساواة مفقودة تماماُ بين الرجل والمرأة منذ بدء التاريخ المكتوب و حتى وقتنا هذا حتى في أرقى المجتمعات . ولذلك لا نجد – مثلاً – رئيسة أمريكية إلى وقتنا هذا ، و لن أذكر المجتمعات العربية التي لم تعرف حتى الملكات منذ زبيبة التدمرية ، وشجرة الدر اللتين لم تتبوءأ العرش إلا بفضل موت زوجيهما الملكين . إذن فعالمنا هو عالم الذكور المهيمنين على النساء في كافة المناحي ، حتى في الفن . كل معلوماتنا عن المرأة كتبها و يكتبها الرجال ، و إذا ما أردنا التمتع بجمال المرأة فلن نجد غير تماثيل أو صور الفنانين الرجال عن "موديلاتهم" المدجنة ، في حين يتولى المجتمع الذكوري قَمع المرأة ، و يمنعها من تحقيق إمكانياتها الإبداعية الهائلة . و كذا الحال إذا أردنا التعرف على أحاسيس المرأة و نفسيتها و تطلعاتها الذاتية (الفكرة الفرويدية عن كون الجنس عند المرأة محكوم بعقدة "الغيرة من عضو الرجل") . إذن فالمرأة مسمّرة في علاقة مقلوبة مع الرجل ، فماكنة هيمنة الرجل على المرأة مضبوطة ضبط الساعات السويسرية الأولمبـيـة ، و ما من خلاص و لا مناص من آيديولوجيا الإلتزام بتقوى سجن البيت و المطبخ و الأعمال الشاقة المؤبدة بفضل إخلاص المشرعين و رجال الدين و العلماء و الفلاسفة المنحازين فكرياً لمصالح خصاهم . و على العكس من الساعة التي تدور عقاربها دوماً إلى أمام ، لا نستغرب إن إكتشفنا أن بعض الحقوق التي تحصل عليها المرأة اليوم في عدد من مجتمعات العالم الثالث سرعان ما ستفقدها غداً ، لتبدأ دورة التدجين البطريارقي الفحولي من جديد ، و مقارعة التدجين الذكوري الخجول من جديد . ففي العراق مثلاً ، فإن الوضع القانوني للمرأة اليوم (عام 2011) في الحقوق المنصفة لها في مضمار الاحوال الشخصية يتراجع بدرجات عن و ضعها وفق قانون عام 1959 و ذلك بفضل نفاق قادته اللاحقين من الرجال الذين يحلو لهم خداع النساء بكليشاتهم السخيفة حول "إيمانهم العميق جداً بإحترام المرأة ( إقرأ = تمسكهم بإستغلال إخواتهم وأمهاتهم و بناتهم) التي تشكل نصف المجتمع ( إقرأ = النصف المعطل قسراً) . و السؤال المهم هو : لماذا تبقى النساء أكبر و أقدم طبقة إجتماعية مستغلة في هذا العالم العجيب الغريب ، و إلى متى تبقى على هذه الحال بعد مضي قرنين من إنطلاقة كفاح المرأة المرير لنيل حقوقها ؟ المشكلة مركبة . هناك أولاً مشكلة النظرية . الحركة النسوية "الأنوثية" للعالم تحتاج إلى نظرية ثورية جديدة تكتبها نساء غير مدجّنات ، لنساء غير مدجّنات ، لأن كل النظريات الثورية المؤثرة حالياً في العالم هي – أصلاً – نظريات ذكورية ، و لذلك فحتى الأنظمة الثورية الإشتراكية القائمة و التي قامت لم و لن تستطع إلغاء إستغلال الرجل للمرأة . و يتوجب على مثل هذه النظرية – لكي تحرّك ملايين النساء – أن تحطم كل المنظومات الفكرية-المنطقية الذكورية السائدة ، وبضمنها حدود اللغة . فالإبن و البنت تكتسب إسم أبيها حسب و ليس إسم أبيها مع أمها مشتركين . والأبن المتعلق بأمه يعيّره المجتمع الرجولي بكونه "إبن أمه" (عند المصريين) أو "تربية أرملة" (عند العراقيين) . و "الإنسان" المذكر يشير – أيجابياً – إلى الذكر والأنثى معاً ، و لا يوجد رَجُلٌ "إنسانة" بالمعنى الإيجابي . والرجل العظيم لا يقبل إلا أن تبقى المرأة وراءه حسب مقولة : "وراء كل عظيم إمرأة" ، و لكنه لا يقبل طبعاً – إلا نادراً جداً – أن يكون مجرد "رجل وراء إمرأة عظيمة" . و يمكن للمرء أن يقدم آلاف الأمثلة من هذا النوع ، و في كل لغات العالم . ولكن الحركة النسوية العالمية لا تمتلك حتى الآن أكثر من مجرد "شذرات" من النظرية الثورية ، ولذلك فإن معظم إنتصاراتها تستند في أغلب الأحيان على تنازلات صغيرة من طرف الرجال المتنورين إلى هذا الحد أو ذاك ، بعد كفاح نسوي صبور و طويل . ثم هناك مشكلة الوعي الإجتماعي المتدني عموماً عند المرأة بسبب تخلف وضعها الإجتماعي نتيجة ترسخ أيديولوجية التهميش عبر التاريخ . ولذلك نجد مجتمعات بأكملها تنسلخ أكثرية النساء فيها عن مصالح جنسها لتلتحق بمصالح جنس الرجل و خدمة آيديولوجيته القمعية بكل جد و إخلاص . ثم هناك مشكلة "عالمية الأستغلال و شموليته المكانية" بحيث إن مستلزمات الصراع تتطلب من كل إمرأة الوقوف ضد الممارسات اليومية للغالبية الساحقة من الرجال المحيطين بها ، و بعضهم هم الأقرب اليها (الزوج أو الأب أو الأخ أو رب العمل) والذين يساكنوها و غالباً ما تعتمد عليهم إقتصادياً . كل هذه الظروف تفرض على المرأة أنماطاً غير تقليدية و غير مؤاتية لإدارة الصراع ، مما تستوجب غالباً إيثار الشكل السلمي الهاديء للكفاح . و من ضمن حركة الكفاح لإنتزاع المساوات الإقتصادية والإجتماعية و الثقافية للمرأة ، تأتي مدرسة النقد الأدبي الأنثوي (feminist literary criticism) القوية الإرتباط بحركة المطالبة بحقوق المرأة . و قد مهدت لقيام هذه الحركة مقالة مهمة لـلروائية "فرجينيا وولف" عنوانها : "غرفة ذاتية" نشرت عام 1929 ، شرحت فيها التأثيرات السلبية للمجتمع الذكوري على النتاجات الأدبية للمرأة . أما البداية الحقيقية للحركة الأنثوية الحديثة (modern feminism) فقد جاءت عام 1949 بمقالة الكاتبة الفرنسية "سيمون دو بُفوار" المعنونة :"الجنس الثاني" و التي قدّمت فيها نقداً شاملاً لثقافة تشخيص المرأة كـ "موضوع سلبي" هو "الآخر" في مقابل "الذات الإيجابية" المهيمنة للرجل بإعتباره "الممثل العام للإنسانية" كما تفرضه اللغة و الأساطير الجمعية المتداولة عن المرأة في الأعمال الفنية الرجولية المنحازة . و طالبت فيها المرأة أن تبدأ أولاً بتعريف نفسها بالقول : "أنا إمرأة" ، لكي تكشف النقاب عن التباين الذي تستبطنه الثنائية القطبية لـ"الذكر" و"الأنثى". و هي التي نبّهت إلى الحاجة الماسّة لنظرية نقدية أنثوية جديدة مستقلة تتجاوز الأطر النظرية الرجولية السائدة و تقعيداتها المنطقية المنحازة ضد المرأة . في أمريكا ، نشرت "كيت ميليت" كتابها الموسوم :"سياسة الجنس" عام 1969 ، و الذي إستخدمت فيه مفردة "سياسة" للإشارة إلى الآليات التي تعبر عن العلاقات السلطوية التي يفرضها المجتمع على المرأة . و عرضت في كتابها لمختلف أصناف الترتيبات و الصياغات و المؤسسات الإجتماعية التي تهدف إلى التغطية على إستخدام التسلط لتكريس هيمنة الرجل على المرأة . و فضحت سيادة النظرة المنحازة ضد المرأة في التحليلات النفسية لفرويد عبر إختراعه لعقدة "غيرة المرأة من العضو الذكري للرجل". كما حللت نصوصاً من روايات الأدباء "لورنس" و "ميلر" و "مايلر" و "جان جينيه" ، و شرحت كيف أنها ليست في الواقع إلا تجليات لحالات يتولى فيها هؤلاء الكتاب عبر الخيال الروائي عملقة وتمجيد أنواتهم الذكورية عن طريق تحقير المرأة بتصويرها كموضوع للإستسلام الجنسي . بعدها إقترحت الكاتبة الفرنسية من أصل بلغاري "جوليا كرستيفا" في : "الذات المتكلمة" (1985) موضوعة كون النشاط الجنسي (sexuality) الأنثوي يتميز عن مثيله لدى الذكر بكونه "ثوري و تحطيمي و متغاير الطبيعة (غير مثلي)" . و بينَتْ أن المبدأ البسيط و الأساسي الذي ينبغي للحركة الأنثوية الإنطلاق منه هو "البقاء خارج التعريفات الذكورية للأنثى" ، أي :كسر أُطر الصياغات الفكرية الرجولية التقليدية السائدة . أما الفرنسية "هيلين سيكسو" ، فقد طالبت في مقالتها : "ضحكة الميدوزا" (1976) من النساء الكاتبات أن "يضعن أجسادهن في كتاباتهن" ؛ و ربطت بين علم الأشارات (semiotics) الكرستيفي الخاص (اللغة الأم لمرحلة ما قبل الذكورية) مع النشاط الجنسي الأنثوي الذي تؤمن بكونه يتجاوز منطق نظام السلطة الذكوري . و تعتقد سيكسو بأن الكتابات الأنثوية "ستتجاوز دائماً الخطاب المنهجي للنظم المؤسسة على المركزية المتمحورة حول العضو الذكري". و تعتبر أن للنشاط الجنسي الأنثوي إرتباطه المباشر بالإنتاجية الشعرية (شعرية الخلق) ذات التوجهات البدنية-النفسية التي تكسر سلطة الدلالة المستندة إلى نظام الإستقطاب الجنسي الأحادي للرمز اللغوي . وتستخدم حركة النقد الأنثوي مختلف المرجعيات النظرية في التحليل ، و منها أفكار مدرسة التحليل النفسي و النظرية الماركسية و النظريات المتعددة لمدارس ما بعد البنيوية السبعينية و منها : نظرية "قلق التأثر" و "التفكيكية" و "تحليل الخطاب" و النقد المتأسس على "إستجابة القاريء" و "نظرية التلقّي" و "علم الأشارات" و "نظرية أفعال الخطاب" ؛ و الثمانينية : "النقد الحواري" و "النقد التاريخي الجديد" و "الدراسات الحضارية" على حد سواء . و إذا ما وضعنا جانباً التباينات في المنطلقات النظرية للمناهج أعلاه ، فيمكن القول أن مختلف مدارس النقد الانثوي تستند على قواعد عامة مشتركة في إستكشافها لعامل الإختلاف الجنسي و الأمتياز الظاهر في الشكل و الموضوع و التلقي والتحليل و التقييم للأعمال الأدبية . و أهم هذه القواعد هي : 1. الفكرة المركزية هي أن الثقافة – أساساً – هي أبوية المنحى (بطريارقية) تتمركز حول جنس الذكر و هيمنته لكونها منظمة و موجهة بحيث تُبقي المرأة تابعاً للرجل و على كل الصعد . و يتم تلقين المرأة بثقافة التفوق الذكوري هذه حتى تحتقر جنسها نفسه و تتعاون في عملية خضوعها الذاتي لـهيمنة (أخيها) الرجل . 2. أن مفهوم الجنوسة (أي كون الشخص ذكرأ أو أنثى) يتحول من مفهوم فسلجي مكتسب بالولادة إلى "يافطة لإجتماعية" . فوفق الثقافة الذكورية السائدة ، فإن المرأة ليست أنثى بحكم الولادة ، بل أنها "تكتسب كينونتها كإمرأة" ثقافياً حيث يتولى المجتمع الرجولي إنتاج هذا المخلوق الموصوف بكونه أنثى . و لما كانت هذه الثقافة تشخص الذكر إيجابياً بإعتباره الجنس "النشط و المغامر و المسيطر و العاقل و الخلاق و القوي" ، إذن فالأضداد اللغوية المتمحورة إستقطابياً تجعل جنس الأنثى يشخص سلبياً بشكل ذاتي باعتبارها : "الخاملة و الخجولة و الضعيفة و العاطفية و المحافظة". 3. الزعم الآخر هو أن الآيديولوجيا الرجولية التي تسود كل الأعمال الأدبية العالمية الموصوفة بالرفيعة المستوى أو الراقية ، إنما تتمحور على إجتراحات البطل الذكوري من أمثال "أوديب" و "عوليس" و "هاملت" و "القبطان آهاب" و "هَك فِنْ" ممن يجسدون المصالح الذكورية في ميادين رجولية للفعل . و في مقابل هؤلاء ، فإن دور الأنثى في هذه الأعمال – إذا ما حصلت الانثى على أي دور فيها – يبقى هامشياً و تابعاً ؛ فهي إما مجرد "إكسسوار" مكمل لصورة الذكر ، أو معيقة لأهدافه و آماله . و بكلمة أخرى ، فإن الأعمال الأدبية العالمية الرفيعة المذكورة أعلاه - و غيرها كثير - خالية من نماذج الشخصيات النسائية الواقعية و المستقلة ذاتياً . و لذلك ، فإن هذه الأعمال تدفع قراءها من الإناث إلى تقمص أدوار نقيضها الجنسي بألتزام موقف الذات الذكورية و تمثيل القيم و أساليب الإدراك و الشعور والتصرف الرجولية . و عليه ، فإن معايير و مباديء علم التذوق الجمالي والفني المطبّقة في تقييم الأعمال الأدبية حتى الآن – رغم الإدعاءات المزورة بالتزام مقولاتها للحيادية و الموضوعية و العالمية لهذه القيم – مليئة بالأوهام الذكورية ، و هي منحازة بشكل سافر للمصالح و للمنطق الذكوري .
كل هذا يعني وجود حاجة ماسة إلى إعادة تقييم الأعمال الأدبية الكبيرة عن طريق إنصاف وجهة النظر الأنثوية ، و أخذ إعتراضاتها و قيمها و مصالحها بعين الإعتبار . و أحد أهم وسائل تحقيق هذا الهدف هو التوجه نحو جمهور القراء من الإناث لكي تصبح كل واحدة منهن "قارءة مُقاوِمة" (Resisting Reader) تميط اللثام عن أغـراض المؤلـف الذكوري و ألاعيبه المنحازة . و الوسيلة الثانية هي تشخيص أنماط "صور المرأة" في الأعمال الأدبية المهمة كالروايات و القصائد الرجولية و التنبيه على زيفها. و قد تم تحديد نمطين متضادين لهذه الصورة الفنية : أولاً المسقط المثالي للمرأة كموضوع لرغبات الرجال (العذراء المقدسة ، ربات الإلهام ، ملاك البيت ، بياترس حبيبة دانتي). و في مواجهة هذه الصورة ، هناك المسقط الشيطاني للمرأة (دليلة ، سيرسي ، الساحرة ، الأم إلتي تخصي أولادها) و بضمنها الشخصيات النسوية لـ"جوسر" و "شكسبير" و "ريتشاردسن" و "إبسن" و "شو" . أما الأسلوب الثالث فتسميه "إلين شوولتر" بـ "النقد الجنساني" (gyno-criticism) الذي يهدف إلى تأسيس و تطوير أطر نقدية أنثوية ملائمة تفيد في تسليط الأضواء على مميزات مختلف أنواع الأدب النسوي و بضمنها الرسائل الشخصية و دفاتر المذكرات النسوية . و أحد الأهداف هنا هو تسليط الضوء على كيفية التعامل مع موضوعات أو تجارب أنثوية بحتة لا يتعرض لها الرجل كالحمل و الولادة و الرضاعة و العلاقة بين المرأة و المرأة (الأم و إبنتها، أو الأخت و أختها ، أو الصديقة و صديقتها) . هنا تستطيع المرأة أن تعبِّر عن المشاعر الداخلية العميقة و الهموم الذاتية على نحو فريد و ليس مجرد وصف هذه التجارب كفعاليات من الخارج مثلما يفعل الرجل . والإهتمام الرابع هو كشف النقاب عن المؤلفات الأدبية النسوية غير المنشورة ؛ أما الهم الخامس فهو إثبات وجود تجارب نسوية مستقلة و متميزة في أنماط التفكير و الشعور و التعبير و التقييم و الأحساس بالذات إزاء العالم الخارجي . أما على صعيد اللغة ، فهناك محاولات متنوعة لتوصيف مميزات "اللغة النسوية" مثل الأسلوب النسوي المتميز في الكلام و في الكتابة و في تركيب بنية الجملة و في صياغة الصور و إبداع الكنايات. يتضح مما سبق أن الهدف العام لحركة النقد الأدبي الأنثوي هو توسيع "القانون الأدبي" (literary canon) الذكوري السائد عبر إعادة ترتيبه ، أو إزاحته كلياً في بعض الحالات . و المقصود بالقانون الأدبي : مجموعة الأعمال الأدبية التي جعلها الإجماع النقدي المتراكم تكتسب صفة "الأدب الكبير" و التي تخدم كأمثلة أساسية لتاريخ الأدب و للنقد الأدبي و التعليم الأكاديمي. و لقد أفلحت هذه الحركة في رفع المنزلة الأدبية للعديد من الأديبات اللائي بقين إلى وقت قريب مغبونات نقدياً بإعتبارهن أديبات من الدرجة الثانية مثل "آن فِنتش" و "جورج صاند" و "إلزَبث براوننگ" و "إِلزَبث ﮔـاسكل" و "كرستينا روزيتّي" و "هارييت بيتشر ستاو" و "سيدوني ﮔـابرييل كوليت" . كما ساهمت في جلب الأنتباه لأعمال أدبية نسائية بقيت مهملة إلى وقت قريب بـاعتبارها لا تستحق الإهتمام النقدي الجاد و من بينهن "مارﮔـريت كافنديش" و "عفرا بين" و "ماري مونتگيو" و "جوان بيلي" و "كيَت شوبان" و "شارلوت ﮔـلمن" و "زورا نيل هيرستن". و رغم حداثة حركة النقد الأنثوي ، فإن الكتابات النظرية والنقدية لممثليها تتزايد سنوياً كماً و نوعاً و منذ عام 1969. وهناك اليوم مجلات و دوريات عديدة متخصصة بالنقد الأدبي الأنثوي ، و برامج دراسية متخصصة في الأدب النسوي في أغلب الجامعات الغربية . أما في غالبية البلدان العربية النائمة فإن حصونها الجامعية الرجولية الغارقة في التخلف باقية "أعلى من مستوى النقد الأنثوي" ، و لأسباب معلومة .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خَلَفْ
-
دِشَرْ
-
ستراتيجيات سلطة الاحتلال الأمريكي للعراق خلال الفترة 2003-20
...
-
قصة الخنزير البهلوان -نجم-
-
رسالة قصيرة
المزيد.....
-
آلية قُذفت كالصاروخ.. انفجار مرعب بمحطة غاز يسفر عن مقتل امر
...
-
هل سيشملها دعم المكرمة الملكية ؟ .. الموارد البشرية توضح متى
...
-
بيان للتوقيع: نداء عالمي للتضامن النسوي .. نداء عاجل لإنقاذ
...
-
سوريا: تكليف لجنة من سبعة أعضاء بينهم امرأة بصياغة مسودة إعل
...
-
الكويت.. الداخلية تعلن ضبط رجل وامرأة عاطلين وتكشف ما قاما ب
...
-
مفتي مصر السابق يجيب على سؤال طفلة: -لماذا أغلب أهل النار من
...
-
زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت بالجزائر 8000 دينار..الوك
...
-
دراسة: النساء يتحدثن أكثر من الرجال بـ -فارق كبير-
-
زيادة منحة المرأة الماكثة في البيت بالجزائر 8000 دينار..الوك
...
-
سرعة بديهته أنقذها من الموت.. شاهد رد فعل ضابط أمام امرأة تغ
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|