|
نص - مملكة اليمامات
أمل جمعة
(Amal Juma)
الحوار المتمدن-العدد: 3322 - 2011 / 3 / 31 - 08:33
المحور:
الادب والفن
مَمْلَكةُ اليمامات
قصير يوم المراهقات لا وقت فيه للقيلولة ولا لعملٍ طوعي صغير ،مثل إنقاذ اليمام من سُم الفتيان الأشقياء وجروح المقلاع المطاطي في بطن يمامة سأعرف لاحقاً أنها تقود عالم الطيور وتتحكم بنسله ،وسأكتشفُ كم من الدفء تحمله أسفل جناحها المكسور ،سأتذكر على الدوام عيونها الصغيرة كحبات العدس وهي تحاول أن تفتحهما بصعوبة ،نساعدها بسذاجة علّها تلفظ خارجاً حبات القمح الخضراء المخادعة والمطلية بمخدر- نفشل في ترميم جناحها - سأبكي وصديقتي ونحن نحملها لقبرٍ صغير بينما تسقط رؤوس البلابل مقطوعةً وداميةً في حفل صيدٍ وفير قررّه الفتيان نكاية بنّا وغيرةً من إحتلانا المشروع - كما نؤمن - لزقاق الحارة الجوانّي، ولمنطقة مشرفة في تل صغير بجانب مُخيمنا ،أقمنا بها معسكراً أنثوياً خالصاً. كنا نحميه بالأمل وبطقس توارثناه من الأمهات، نحيطه بدائرةٍ من الحجارة نُغلقها كاملةً ونتمتم موقظين الرَصد (حارس الكنز) كما فعلت سيدة بذهبها الكثير تركته بحراسة جان وأضمرت في قلبها شرطاً :" ما دام الهواء يعبث بصدر ولدي وإلا كنْ بالحال ترابا ". كالعادة تتجادل المراهقتان وتسخر كُل منهما من لهجة الأخرى ،للمراهقات عين ثاقبة في تتبع العيوب واكتشافها في وجوه وأجساد أترابهن ،فهن، يلاحظّن بسرعة تفاصيل بثور البشرة وإنكماش الصدر والشعيرات النافرة أسفل الإبط ،يُدركن أي خجل سيحطُ (بالصديقة /العدوة) إذا ما لوحتْ إحداهن بطرف سّرٍ صغير ،وكم تخترعُ المراهقات من حوادث لخربشةِ يومٍ كامل،لكنهن يحملن منطقاً جمعياً بالرفض والمناكفة ولملمة أنفسهن ضد الفتيان. كان الأولادُ أقل رقّة (كالعادة) يحمون معسكرهم المقابل بروائح نتنة لبراز كلبهم أو ببرازهم الشخصي مُعولين على مزاج المراهقات المتعكر وإصابتهن السريعة بالخيبة من روائح كتلك. وبين كرٍ وفر ،وهدمٍ وبناء وطفولةٍ وفتوةٍ كَبرنا وثقلت أجسادنا ، صرنا نخاف فوارق الضمور والبروز بيننا،وحل صمت وخجل وحالة من النفور ، لم نعد نفترش الأرض مكدسين بجانب بعضنا وأرجلنا تتلاطم ،كنّا نعد النجوم ولا نجزع إلا من بثورٍ قيل إنها قبلة النجم على أيدي الصغار، أحرارٌ أكثر من كعب أخيل لا نخاف الخديعة، لا نشكو من شوك كأنه شامات سوداء ولا يضيرنا كثيراً التراب العالق بقاع القدم . يُحبُ الفتيان الكلاب وتهوى المراهقات القِطط، يعشق الفتيان بنات الحارات البعيدة، وتحب المراهقات الأصوات الخشنة الكاملة لرجال عابرين ،نتقاتلُ (كنّا ) كلَ صباحٍ على أبواب المدارس ، يكتبون أسمائنا على الجدران متبوعة بأوصاف وإشارات ،ويحفرون قلوباً على أشجار الزيتون لحبيبات محتملات ونحن نتخابث ونغير الحروف خلفهم ونعبث بالرسائل المتروكة ،يلقون في معسكرنا الصيفي بسفح الجبل بروث حيوانات ويبعثرون الدائرة المحكمة ،لكن عندما كسرت قدم أحدهم مصادفة كنا نعلم وصار يعلم أي عقاب تستجلبه الفتيات النافرات ،وكم سيدفع الفتيان ثمناً لاختراقهم مملكة اليمامات ،يحبّون الشاي على النّار ونحب الخبز المحمص بالزيت والملح،يشربون الماء السائل بخفة من شقوق الصخر ونرشف الماء من خلال وشاحٍ لنحمي أرحامنا من العلق،يسخرون من حذرنا الشديد ونحن نتسلق الأشجار ويتاضحكون بخبث كلما انحنينا،يلقون على أبواب معسكرنا بعصا موسى السوداء ميتة ويحشون جيوبهم بالخنفساء (أم علي) يرشونها علينا ونحن ندعي النوم على الصخور النظيفة ،تبدو أجسادهم أميل للطفولة ونبدو كَسيّدات صغيرات يُثرّن غيرتهم ،موجة فرح تصيبنا كلما مَر بنا العشاق الثلاثة (طلبة معهد المعلمين) بقامات طويلة ونحيفة وذقونٍ حليقة وابتسامات واسعة وعطرٍ باذخ اعتدناه نهاية كل اسبوع يفوح في حارتنا ،يقتربون من معسكرنا الأنثوي بهدوء منادين علينا بأسماء التصغير والدلال،يتحدثون عن مدينة جميلة اسمها رام الله (تصير دفعة واحدة دهشة جماعية) نبالغ في الرقة نكاية بالفتيان المنكمشين الآن خلف الصخور يترقبون رحليهم وطامعين ببقايا سجائر يلقيها العشاق ،نصنع لضيوفنا شاياً على النار ،ونترقب المعركة اللسانية القادمة مع الفتية الضامرين المتخفين خلف الصخور . يغاددرنا العشاق وقد تركوا لنا إيماءت حلم طويل الندى ،ويختفون بعيداً نحو قمة التلال ،نشعر كم الفتيان ضعفاء حينها ويدركون كم نضجنا بما يكفي لنسرح الشعر الطويل في الهواء الطلق ولنخلع أحذينا ونرقص على على الصخر دون اكتراث بأصواتهم الرفيعة الحادة كالصفير . سربُ الحمام يطير منخفضاً ،يتحضر الفتيان بمقالعيهم المطاطية ونستعد للدفاع عن اليمامات ونحن نصرخ بهن ليطرّن للأعلى ونرفرف بأكفنا لتقلدنا اليمامات ومع ذلك يتصارخ الفتيان فرحاً وهم يلقون القبض على حجلة صغيرة وقعت فجأة في معسكرهم / نفشل في إنقاذها وأشدهم شراسة يخلع رأسها بقسوة بقبضتيه ويمسكها من أرجلها، ينعفُ دمها فوق صخورنا النظيفة وأقدامنا العارية ... كان الدم آخر العهد بيننا التزمنا البيوت حينها وكبر الفتيان بعيداً عنّا تباعدت مدارسنا الثانوية وصارت مواعدينا الصباحية الرطبة من نصيب باعة الترمس والفول، شباب ناضجون ووسيمون يبالغون في تسريح شعورهم وفي التدخين المبكر يحول صباح خيرهم لسعلة جافة قليلاً ،غارقين بالسواد يفشلون باختيار عطورهم،ومع ذلك يمرون بنا واثقين بملابس ملطخةٍ ببقع زيت وأحذية قاسية (طلاب المعهد المهني) . أكاد أجزم أن المراهقات لا يعشقن الطبيعة إذا خلت من الذكور في لحظة ما وكنت واحدة منهن/ يكرهن الطعام الساخن جداً والغامق / وينجذبن لكل قصةٍ حزينة وساذجة ،شديدات السخرية والانتقاد ،وافرات الحس بنشوء إنوثتهن . في الطريق الطويل إلى رام الله (الحلم) كنت قد فقدت دهشتي المكدسة نحو المدينة وطال البعاد بيني وبين تلال مدينتي وترابها ،تلفحني الأرض المحروثة برائحة صاخبة وأستعيد على نحو مرتبك معسكر الفتيان والمراهقات، البعيد جداً ،كم من الندم يقف بين قلبي وكفيّ لوقت انشغلت به عن التطلع للسماء وشم الأرض والإحتفاء بغيمٍ قاتم ، كم أحتاج لأدس قدمي بطين رطب وكم اشتقت لشوك نافرٍ في جوانب الطريق أفحص به حواس أناملي. كنت أهوى الحمام ،أراقبه لساعات وهو يطير ويرتفع في برج صنعه أبي على عجل ،كم أمضيت من سنوات أحلم بحمامة تحط على كتفي طائعة وحرة. وكم شعرت بالغيظ كلما التهم أبي بمتعة زغاليل حمامتي كدر تنامي على شكل كابوس ليلي غامض،الحمامات تنقر رأس أبي، لم أعلم ان منطق المراهقات قابل للموت وفرحهن له نهاية غير محددة تماماً. سربُ من حمام يطير منخفضاً ، محاريث ضخمة تشق اللون الباهت للأرض فينفجر بنياً غامقاً بهيجياً ،يطرب الحمام ،يميل فتلمع موجة بيضاء يرتد لأعلى فتتشكل غيمة رمادية، ينضج أحد الفتيان بسرعة ويصوب بندقيته نحو الحمامات تهج الحمامات دفعة واحدة وتتفرق مبعثرة .. أبحث عن كفي، أجدها قد سقطت في حقيبتي الجلدية مع كومة من الريش الدامي .
الرَصد:حارس الكنز في الحكاية الشعبية ولا تفك طلاسمه إلا بتحقيق الشرط المضمر في قلب من رصد ،يحمي الرَصد ل 3000 عام ثم ينفك تلقائياً. عصا موسى :دودة سوداء تحمل مئات الأرجل الدقيقة ،تتكور لمجابهة اي إعتداء ولها خرزة برتقالية في عنقها ،تصدر رائحة نتنة إذا هشمت. أم على:الخنفساء البرتقالية المرقطة بالأسود ،حشرة بهية ومباركة كما تشير الجّدات.
#أمل_جمعة (هاشتاغ)
Amal_Juma#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخوف
المزيد.....
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|