|
الثورة البرجوازية والثورة الدائمة ٢
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 3321 - 2011 / 3 / 30 - 11:42
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الثورة البرجوازية والثورة الدائمة ٢ حول سؤالك الاخر عن الثورة الدائمة لا اجد لدي من المعلومات ما يكفي لشرح النقاشات حول هذا الموضوع التي جرت بين لينين وتروتسكي وغيره ثم بينهم وبين ستالين. ولكني حسب طلبك ابدي رايي في الثورة الدائمة. الثورة الدائمة حسبما افهمها هي مواصلة الثورة من البداية حتى تحقيق المجتمع الشيوعي. في الدول التي انجزت فيها الثورة البرجوازية واصبحت دول دكتاتورية البرجوازية، او ما يسمى جزافا الدول الديمقراطية، يقع على عاتق الطبقة العاملة انجاز ثوراتها الاشتراكية ومواصلة النضال فيها حتى تحقيق المجتمع الشيوعي. وفي الدول التي ما زالت اقطاعية او شبه اقطاعية شبه استعمارية يقع على عاتق الطبقة العاملة ان تنجز الثورة البرجوازية اذا افلحت في قيادتها ثم مواصلة النضال بصورة دائمة الى تحقيق التحول الى المرحلة الاشتراكية والتقدم نحو المجتمع الشيوعي. واذا تحققت الثورة البرجوازية بقيادة البرجوازية فعلى الطبقة العاملة ان تحقق الثورة الاشتراكية ومواصلة النضال الدائم حتى تحقيق المجتمع الشيوعي حيث تنتفي الحاجة الى الدولة بكل اشكالها نظرا الى عدم وجود طبقات في هذا المجتمع. لماذا تكون هذه الثورات ثورات دائمة؟ لانها في الواقع، في الميدان، صراع دائم لا هوادة فيه ولو لحظة واحدة. هو صراع طبقي وصراع سياسي وثقافي وفكري واجتماعي واقتصادي واخلاقي. وكل تقاعس ولو لحظة واحدة في هذا الصراع الدائم يمنح الفرصة لاعداء الثورة المتربصين لانتهاز اية فرصة لاستعادة سيطرتهم وسلطتهم التي فقدوها في الثورة. والاتحاد السوفييتي اروع مثال على ذلك. الكثير من الاحزاب الشيوعية بمختلف الاسماء المنتشرة اليوم ترفع شعار الغاء نظام الاجور كأحد اهدافها الاساسية. ومن المفيد في اعتقادي ان نتحدث قليلا عن هذا الشعار. ان الاحزاب التي تضع هذا الشعار بين اهدافها لا تشرح كيفية الغاء نظام الاجور فورا بعد الثورة. فمن المعلوم ان الثورة تحدث في بلدان تفتقر الى كميات الغذاء والكساء والمواد الاستهلاكية الاخرى بصورة كافية لتحقيق حاجات المجتمع كله. فكيف تقوم الاحزاب التي ترفع شعار الغاء نظام الاجور بتوزيع هذه المواد الاستهلاكية على جميع افراد الشعب وهي غير كافية لتحقيق حاجاته تحقيقا كاملا؟ هل تستخدم بطاقات التموين لتزويد جميع افراد الشعب بالشحيح من المواد الاستهلاكية بطريقة متساوية بين افراد المجتمع؟ هل تستطيع في هذه الحالة التغلب على رغبة الانسان في الحصول على ما يكفيه من الطعام والكساء وعدم الاكتفاء بما توفره له بطاقات التموين؟ ان من اهم صفات المجتمع الشيوعي تحقيق المواد الاستهلاكية بحيث تكفي لتلبية حاجات كل فرد في المجتمع "لكل حسب حاجته". وهذا الهدف هو اصعب اهداف الثورة الاقتصادية وابعدها عن التحقيق تحقيقا حقيقيا. وتحقيق هذا الهدف يتطلب تطويرا دائما ونوعيا للانتاج الاجتماعي بحيث يصبح انتاج المواد الاستهلاكية على انواعها كافيا لتحقيق هذا الهدف. ان ما تستطيع الدولة الاشتراكية تحقيقه بهذا الصدد هو توزيع المواد الاستهلاكية المتوفرة والمتطورة على اساس معين. ومهما كان هذا الاساس فانه يجب ان ينظم وفق قواعد معينة. وكان نظام الاجور افضل الاشكال التي استطاعت الدولة الاشتراكية ان تقتبسه من النظام الراسمالي لتحقيق هذا الهدف. ولكن الدولة الاشتراكية لا تستعمل الاجور بنفس طبيعتها في النظام الراسمالي. الدولة الاشتراكية تستخدم الاجور كوسيلة لتوزيع المواد الاستهلاكية المتوفرة على اساس مقدار العمل الذي يقدمه الانسان للمجتمع الاشتراكي. "من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله". ولكن هذا التوزيع للثروات الاجتماعية ينطبق فقط على المواد الاستهلاكية التي لا تستطيع الدولة ان توزعها على المجتمع لكل حسب حاجته. فالدولة الاشتراكية توزع كل جزء من الانتاج الاجتماعي المتوفر بكميات كافية لتوزيعه لكل حسب حاجته بصورة منفصلة عن التوزيع حسب الاجور. فتحقيق العناية الصحية لكل فرد من افراد المجتمع حسب حاجته لا يدخل في نطاق الاجور لانه يقدم الى كل انسان مجانا خلاف ما يجري في المجتمع الراسمالي حيث تشكل العناية الصحية جزءا من الاجور فيه. وهذا ينطبق على جميع المجالات الاجتماعية كالثقافة والسكن ودور الحضانة والمطاعم الشعبية وحق كل عائلة بالتمتع بعطلة ترفيهية معينة لكل افراد العائلة وغيرها الكثير. ان ما تستطيع الدولة تحقيقه في المجتمع الاشتراكي هو تغيير طبيعة الاجور وليس الغاء نظام الاجور وان شعار الغاء نظام الاجور مباشرة بعد الثورة شعار طوباوي ليس بمستطاع اي حزب تحقيقه مهما كان جادا في محاولات تحقيقه. ان شعار الغاء نظام الاجور فور انتصار الثورة الاشتراكية يتطلب من حكومة الثورة ان تجد طريقة اخرى لتوزيع المواد الاستهلاكية غير الكافية لتلبية حاجات كل افراد المجتمع. كل طريقة اخرى للتوزيع يجب فصلها عن العمل لان اي توزيع بموجب العمل لابد ان يتخذ شكل الاجور. كل طريقة اخرى للتوزيع يجب ان تضمن حصول الانسان على حصته من المواد الاستهلاكية بصورة عادلة لجميع افراد المجتمع وهذا قد يؤدي الى تقاعس الكثير من الناس عن العمل نظرا الى ان حصولهم على حصتهم مضمونة بصرف النظر عن سلوكهم وعملهم. ولكن نظام الاجور الذي يربط بين توزيع المواد الاستهلاكية ومقدار العمل هو حافز لكل انسان ان يطور عمله رغبة منه في الحصول على المزيد وهذا ما ظهر باجلى صوره في النظام الاشتراكي السوفييتي الذي استخدم الاجور وفق شعارالاشتراكية "من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله". احد مظاهر الثورة الدائمة هو الصراع ضد ظاهرة ترسخت الاف السنين في كل انسان نتيجة ظروف المجتمعات الطبقية، ظاهرة رغبة الانسان في ان يحصل على اكثر من غيره. القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود. كنا نسمي هذه الظاهرة دائما نفسيات بتي برجوازية ولكني اشعر ان هذه التسمية لا تغطي هذه الظاهرة بصورة كاملة. ان هذه الظاهرة موجودة ومترسخة في كل انسان وليس لدى البتي برجوازية فقط وهي ظاهرة مترسخة في البشر الى درجة يعتقد الكثيرون ويقولون انها طبيعة بشرية لا يمكن القضاء عليها او تغييرها وحتى ينفون امكانية تحقيق المجتمع الشيوعي على اساسها. والصراع ضد هذه الظاهرة جزء لا يتجزأ من الثورة الدائمة وربما هو اكثر اهداف الثورة الدائمة صعوبة ورسوخا. ولكن القضاء على هذه الظاهرة شرط حتمي لتحول المجتمع الاشتراكي الى مجتمع شيوعي. فالمجتمع الشيوعي يعني ان تكون لدى كل فرد من المجتمع امكانية الحصول من الانتاج الاجتماعي على ما يحتاجه بحرية وبدون رقابة. وبقاء رغبة الانسان في الحصول على اكثر من غيره تتعارض مع هذه الحرية. ان الصراع ضد هذه الظاهرة يجب الا يتوقف ولو دقيقة واحدة خلال المسيرة الثورية لبناء المجتمع الاشتراكي ثم لتطويره الى مجتمع شيوعي. ان التثقيف الاجتماعي للاجيال الجديدة من المجتمع الاشتراكي وتدريبهم على العمل المشترك والعلاقات المتبادلة الصحيحة والتفكير بمصلحة الجماعة وليس بالمصلحة الفردية بين الناس يلعب دورا كبيرا في انقاذ هذه الاجيال من هذه الظاهرة. وتوفر الحاجات الضرورية في المجتمع الاشتراكي وانتفاء خطر البطالة والازمة وعدم وجود الخوف من الغد الذي يسود في مجتمعاتنا الطبقية الاخرى وشعور الانسان بان استمرار تطور النظام الاشتراكي يؤدي دائما الى تحسين ظروف الانسان المعاشية وزيادة حصوله على المواد الاستهلاكية اضافة الى توفر المواد الاجتماعية غير الاستهلاكية هو الاخر يؤدي الى المساعدة على ازالة هذه الظاهرة المترسخة في عقولنا. وهناك شكل ثالث من الصراع بين هذه الظاهرة وبين زوالها هو الصراع الشخصي الذاتي لدى كل انسان. انه صراع فكري دائم في راس كل انسان علينا، على كل انسان ثوري، ان يمارس صراعا فكريا ثوريا ضد رغبة الحصول على اكثر من غيره وان يتقي سيطرتها على سلوكه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. ان هذا الصراع الفكري الشخصي والذاتي جزء لا يتجزأ من الثورة الدائمة وجزء حساس وهام منها. بقي سؤالك الاخر حول ربط هذا بما يجري في تونس ومصر. لقد كتبت رايي عن ثورتي تونس ومصر الشعبيتين ومصيرهما عند تحقيق اهدافهما تحقيقا كاملا. بينت هناك ان ثورتي تونس ومصر في احسن الظروف لا تتعدى تغيير النظام الراسمالي الجائر الفاسد الى نظام راسمالي اكثر التزاما بالاستقلال السياسي والاقتصادي وبتحقيق بعض الحقوق للجماهير الشعبية لا تتعارض مع مصالح الطبقة الراسمالية الحاكمة. ولكن تونس ومصر تبقيان بعد الانتصار الكامل للثورتين دولتين راسماليتين تعانيان من كل مشاكل الدول الراسمالية كالبطالة وفقر الطبقة العاملة والازمات الاقتصادية والمالية والاستغلال البرجوازي للطبقة العاملة والكادحين وغيرها شأنها شان الدول الراسمالية الاخرى في اوروبا وفي العالم اجمع. ان تحقيق نظام لاراسمالي يتطلب من الثوار رفع شعار قلب نظام الحكم وليس مجرد اسقاط النظام ولكن الجماهير التي تؤمن بهذا التغير غير الجماهير الثائرة ضد النظام الجائر وتحتاج الى توعية وتتظيم واعداد غير ما حدث حتى الان في تونس او مصر. ان ما حدث في تونس ومصر سمي ثورة نظرا لشعبيته العظيمة وشموله لجميع طبقات الشعب الكادح ولكنهما ليستا ثورة من الناحية النظرية وانما هما انتفاضة رغم عظمتهما وتأثيرهما المحلي والعالمي والشرق الاوسطي خصوصا. لان اهداف هاتين الثورتين ليست قلب النظام الراسمالي وتحويله الى نظام اشتراكي. فالثورة بالمفهوم العلمي هي الثورة التي تهدف الى قلب النظام السياسي القائم الى نظام سياسي اخر افضل منه. فالثورة البرجوازية تهدف الى قلب النظام الاقطاعي او شبه الاقطاعي شبه الاستعماري الى نظام راسمالي سواء أكان تحت قيادة البرجوازية او تحت قيادة الطبقة العاملة. والثورة الاشتراكية تعني قلب النظام الراسمالي نهائيا وبناء نظام اشتراكي تحت قيادة الطبقة العاملة. وهاتان الثورتان في تونس ومصر لم تحملا شعار قلب النظام وانما اسقاطه واقامة نظام ديمقراطي او نظام راسمالي اقل فسادا واستبدادا من نظام جثم على صدورهما عشرات السنين، نظام يحقق بعض الاستقلال الاقتصادي الحقيقي وعدم ابقاء القطرين خاضعين وخانعين لارادة الدول الامبريالية. يلاحظ القارئ انني هنا اتحدث عن تحقيق الثورتين التونسية والمصرية تحقيقا كاملا وتحقيق كل مطالبهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ولا اتحدث هنا عما يحصل اليوم في الثورة المصرية مثلا من التفاف على الثورة وابتلاعها. فهذه الثورة نجحت في ازاحة راس النظام ولكنها لم تستطع ان تحطم جسده وما زال حكم حسني مبارك قائما في مصر بغيابه رغم وجود رئيس وزراء زار ساحة التحرير فحملته الجماهير على الاكتاف. هنا يحضرني مثل عراقي لطيف يقول "ابو گريوه يبان في العبور" وهو مثل معروف بمعناه وتفسيره لدى العراقيين. ومعناه في حالتنا هذه ان جدية رئيس الوزراء ومساندته للثورة لا تتحقق في خطاب في ساحة التحرير وانما تتحقق في تنفيذ مطاليب الثورة وتحقيق قضائها على جسم نظام مبارك تحقيقا كاملا. وليس في الواقع لحد الان اية اشارة الى ذلك.
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثورة البرجوازية والثورة الدائمة ١
-
معاداة الستالينية هي ثورة ردة
-
المجتمع الاشتراكي وقانون التطور المتوازن للاقتصاد الوطني
-
حول حزب العمال الشيوعي التونسي
-
حول امكانية عودة اليهود العراقيين الى وطنهم العراق
-
درس من ثورتي تونس ومصر الشعبيتين
-
جواب جديد الى د. حسين علوان حسين
-
قانون ازمة فيض الانتاج في النظام الراسمالي
-
جوابي الى يعقوب ابراهامي
-
الراسمالية وقانون فوضى الانتاج
-
اجوبة الى د. حسين علوان حسين
-
علاقة اليهود العراقيين بالموسيقى العراقية
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
-
هل تحقق في الاتحاد السوفييتي مجتمع اشتراكي حقيقي وكامل؟
-
فترة التحضير لبناء مجتمع اشتراكي
-
هل كانت ثورة اكتوبر ثورة اشتراكية؟
-
هل كانت ثورة اكتوبر خطأ ارتكبه لينين ام ضرورة تاريخية؟
-
الانتقاد واصوله
-
اليسار والحركات اليسارية (2)
-
اليسار والحركات اليسارية (1)
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|