أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - سوريانا-مطر صيفي-















المزيد.....


سوريانا-مطر صيفي-


لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)


الحوار المتمدن-العدد: 3320 - 2011 / 3 / 29 - 14:53
المحور: الادب والفن
    


و علموني يومها حب الوطن، قالوا لي من لا يحب وطنه خائن.. كبرت أحمله في قلبي و أفخر بانتمائي إلى ترابه، و أهله الطيبين.
كان وطني طفلاً في نظر سنواتي الستة يتحدث لغة الألوان، و ما أدراكم ما لغة الألوان.. هي أجمل من الامتزاج، و أحلى من سياسة اللون الواحد، فيها أصول ضاربة في عمق التاريخ، و لغات شتى، فيها أيضاً من كل ثمرات الأديان، و المعتقدات.. لغة الألوان التي علمني إياها وطن الأبجدية الأولى.

ثم كبرت و يا ريتني لم أكبر.. رأيتهم يصادرون دفاتر الوطن، و أقلامه، أمسى الحرف جريمة، و الدفتر جنحة.. لكن الألوان بقيت في نظري متجانسة و جميلة.. اليوم هرمت يا وطني، هرمت عندما رأيت أولادك يفتحون للون الأسود طريقاً سالكاً من خلال سياسة (لوني الواحد): معتقدي ، معارضتي، ولائي، طائفتي، رأيي هو الصح، أما من يخالفني فهو عدوّي.. تبت سياسة اللون الواحد كم أحرقت أوطاناً.
**********

ما إن سمعت باسمه حتى دار في ذهني شريط قصير لذلك الشاب الأسمر النحيل.. مرتدياً قميصه الرمادي اليتيم، مع سروال أسود، و (شبشب) بلاستيكي .. جالساً في دكان "أبو علي" الصغير على الزاوية..

هذا هو " مطر صيفي " عاشق "فيروز" المسكين اليتيم (المقطوع من شجرة)، و الذي توفي والده في حرب الثمانينيات في لبنان، لتنزل به أمه من الجبل إلى المدينة، و تعمل خادمة في إحدى المستشفيات، قبل أن تموت تاركة إياه في ملجأ الشوارع، وعلى الأرصفة.

هذا ما كانت تحكيه نسوة الحارة عنه، أما ما تذكرته اليوم فكان: منظره بعينه المنتفخة و هو يهز (شبشبه) البلاستيكي بفرح، و يملأ كيس (البطاطا )و هو يحدثني:

-(مو) معقول يا (دكتورة )التخلف كل ما لعبت تشرين مع حطين (بدنا نعلق) (مو ) معقول كل شغلة يقلبوها طائفية.. أنا (علوي) و مع حطين..هي كرة قدم و بلا قلة عقل، بس المشكلة انو مافي وعي .. أنا ما رحت كتير ع المدارس، بس دخلك دكتورة إذا المدارس ما بتوعي العالم عن المخاطر مثل خطر الطائفية لشو بيعملوها!

) عمرها ماكانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا مع اللي بيعتبروا حالهم بعد الله.)، عرفت مين بيقول هيك ؟
-الماغوط.
-حبيب قلبي.. (الله محيي البطن اللي حملو)..
و يشير لصورة "محمد الماغوط" المعلقة على حائط الدكان، ثم يتابع :
-و حياة قدسية روح أبي الشهيد يا جارتنا (مافي منك)، الله يكملك بعقلك.. (ايه) يا ريت كانت ظروفي أحسن ما كان عندي أزمة وجودية و ما كان فيه (دكتور) أشطر مني، بس يا الله.. أنا قررت صير كاتب.

ثم يشير إلى كتب "الماغوط" فوق الطاولة : هو أيضا لم يكمل تعليمه.


في اللاذقية و قبل أن تسطع الشمس فوق المتوسط، حلّت روح الماغوط الأزمة الوجودية ل "مطر" و أسعفته معها إلى مكان لا يقسم البشر و لا يذلهم ، فبعد رصاصة من سيارة مسلحة مجهولة الهوية أصبح المواطن "مطر صيفي" و الذي كان عضو احدى اللجان الشعبية- التي انتشرت في شوارع اللاذقية تنشد أمان المواطنين - في عداد الأرواح.
قالوا أنه عبّر عن فرحته باللجان الشعبية التي وحدت طوائف الشعب و أن آخر جملة له كانت:
- هيك يا رجال شو حطين و تشرين .. شو سني و علوي و مسيحي و غيرو.. بفديك بدمي يا أخوي السوري.
**********


و علموني حب الوطن، قالوا لي من لا يحب وطنه خائن.. كبرت لأسمع و أتذكر و ياريتني لم أكبر...
اتصلت بها مرتين، في المرة الأولى صرخت في أذني:
-أشاوس المعارضة يجلسون بعيداً يشربون قهوتهم، ثم يتفلسفون و يحللون، الذي حصل اليوم كان تخريباً، لم أر ثورة مصر و لا تونس و لا سلمية سلمية.. إن ما يصل من صور مقصوصة هو أنصاف حقائق، أسعفت بيدي عناصر من رجال الأمن و شباباً من الطائفتين..لأول مرة في حياتي أفكر أنني (سنية)، و أسأل نفسي متى سنلم هذا الشرخ، أو بالأصح أين كنّا، و كيف غُيبت أعيننا عن هذه المشكلة الخطيرة، مع أننا لمسناها بوضوح على شبكة الانترنت، نحن نريد إصلاحاً لا تدميراً.. ستمسي سوريا خرابة، سيمسي وطني خرابة.
-
في المرة الثانية كانت تبكي:
-نزفت البارحة، أعتقد أن الحمل لن يكمل، كان صوت الرصاص مرعباً..(جنب البيت) تمام، ثم قبضت اللجان الوطنية على مسلحين..أول مرة في حياتي أعيش الرعب الذي عشته.

و " شمس" طبيبة ضميرية، و صديقة قديمة عرفتها مذ كنّا أطفالاً، تذكرت اليوم ما قالته لي ذات مساء:

-لو أن الوضع هنا جيد لما كانت العقول تهاجرو تلوذ بالفرار، الفساد أصبح كشجرة البازيلاء العجيبة ينطح الغيوم في السماء، حلمي أن يكون عندي عيادة ..(بقلك بلا العيادة) بيت ..غرفة..

أما ماذا سأحدثك عن النوم في العسل، الحكومة نائمة في العسل، المثقفون مكممون، بينما غالبية شبابنا تُغسل عقولهم في خطبة الجمعة، أو من قبل أحد المشايخ، أو في صلاة الأحد.. إذا بقيت ثقافتنا ثقافة إعلامنا فمرحبا ..هيك الأمور تحتاج إلى قرن لتتصلح، و المشكلة دائماً أن الشخص المناسب في المكان غير المناسب، و المرأة ضلع ناقص! قلت لزوجي البارحة الحل في دولة علمانية كاد يطردني من المنزل قال: هاد اللي ناقص (تفتي) علينا النساء..
أحمل الله في قلبي، هو دائماً من يحثنا على استخدام العقل بس يا أختي بضلعنا القاصر و عقلنا الناقص لن نقدر على عمل أي شيء!

شمس أجهضت كان جنينها شهيداً غير معلن عنه في ليلة الرعب التي عاشتها حورية البحر المتوسط، أخبرتني أختها أن الرعب الذي اجتاح قلبها الطفل لم يكن أبداً ليعرف معنى للأمومة.
**********

و علموني حب الوطن، قالوا لي من لا يحب وطنه خائن، و كان وطني في أحلامي دوماً يخبرني أن الحرية لن تتحقق إلا بحرية الفكر، الرأي و احترام الاختلاف، لأنّ الاعتراض لايقتل أمة، إهانة الكرامة الإنسانية هو ما يميتها، ليس قتلاً، و إنّما هامشية و تعفناً.
و الكرامة الإنسانية تهان بالقمع، كما تهان بالتحريض و الفتاوي الدينية التي تسلقت كل أسوار الحياة.

كبرت لأصلي لأرواح شهداء درعا، أطالب كما جميع السوريين بجميع ألوانهم المختلفة بإدانة للجناة، و إنصافٍ للحق، أتمنى لو أنني أعرف "مطراً "(حورانياً)، أو "شمساً" (درعاوية) ليخبراني ما يحدث و ما حدث لأوثقه عبر كلمات تخاف على أبجدية أولى، و على وطن بنقاء الأطفال كبرت، كبرت، و لم يكبر.

يتبع...



#لمى_محمد (هاشتاغ)       Lama_Muhammad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بالماء يا وطني
- على قيد الأمل...
- كالفرق بين غادة عبد الرازق و نوال السعداوي
- ثورة خالد سعيد
- ب (تونس) بيك
- فضائيّة تحت (الطاقيّة)
- عن ماذا سأحدثك يا صغيرة؟!
- بين الإلحاد و (الكونغرس)
- ملوك اليمين
- كارما الكراهية
- أسرار جنسيّة: طفولة مسروقة
- يا عرب السك..ك، تعرّوا
- إني لأرى -ذيولا- قد أينعت ..
- مشجع ألماني عميل
- إرضاع الصراصير، ثم إرضاع الكبير
- ناقصات عقل
- لا أحد كامل إلا..الضفدع كامل
- لماذا يتزوج الرجال من (عاهرات) ؟!
- سرطان تعسفي
- أسرار جنسيّة: شرفكم وثنكم (2)


المزيد.....




- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - لمى محمد - سوريانا-مطر صيفي-