|
دِشَرْ
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 3314 - 2011 / 3 / 23 - 18:53
المحور:
الادب والفن
دِشَرْ
بعد أن ربط حمار عربته في طولة "شكّوري" بالشورجة ، جلس "دشر" على حصير الدكّة إلى جانب "شكّوري" ، صاحب الطولة ، فحيّاه الأخير : - الله بالخير ، أبو محمود. - الله بالخير ، أبو علي . - أبو محمود ، إدزلك على ريوگ نفر كباب ؟ - لا خير ، أبو علي : متريِّـﮓ عنب وخبز اليوم . أكلت هوايا كلّش ، و بطني إنخرطت خرط ، و ما أشتهي حتّينا العسل هسّا ! رحم الله والديك ! - ألف عوافي ، و ألف رحمة على والديك ! و آنا همّاتين تريگت عنب وخبز الغبشة اليوم . هم زين ديس العنز صاير هليّام متوفّر هوايا بالسوگ : طيِّب و رخيص ! صدگ إذا گالوا الصيف معاش الفقير ! - ربك كريم ! ما يسدله باب إلا و يفتحله ألف باب ! و ما يصير هَمْ فقر و هَمْ جوع ! إلتفت "شكّوري" نحو صاحب بسطيّة الشاي الكائنة إلى يساره ، و نادى عليه : - عليوي ، ولك عليوي ! - نعم عمّي الحجّي ! - فرد إستكان چاي سنكين لعمّك "دشر أبو محمود" ، و ويّاه طاسة مَيْ بارد ! ثم إلتفت إلى "دشر" و سأله : - صدگ نسيت أسألك: هاي منين جيتك ، أبو محمود ؟ - من ﮔراج رؤوف بسوﮒ الرحمانية ، وديت كروة شكر و چاي للنقليات مالت الكوت ، و رجعت . أگول حجّي : أشو اليوم جيتك متأخرة الصبح ، خير ، خو ماكو شي ، أبو علي ؟ - أسكت وخلّيها يا أبو محمود . عبيدتك "مكيّة" اليوم الصبح فلّينا لها عصابة عيونها بعد ما ولّى الجدري من الديرة ؛ أشو المسكينة طلعت عينها اليسرى مصيوبة . هم زين بس شوية نقطة بيضا بين السواد و البياض . نحمد لله و نشكره على كل حال ! هَمْ أحسن من أمها إللي إنطفت عيونها إثنيناتهن فرد نوب . البنيّه المـﮔرودة من شافت عينها المصيوبة بالمراية ، إنقهرت و ﮔـامت تبچي هواي . بعد عيني ، ﮔـعِّدتها بحضني ، و ﮔمت أواسيها . - و لويش ما تودّيها لمستشفى الرمد ؟ - و الله إنت عندك هوايا خوش سوالف ، أبو محمود ! أﮔله تي ، يـﮔلي بي ! هاهاها ! بويا هذا صواب جدرى ، جدري ؛ موش رمد ! شنهو أنتو من چنتو بالمِجَر ما چان عدكم هناك جدري ؟ - لا و الله ، أبداً ما سمعانين بيه . بس چان عدنا الأطﮔـع منه ؛ عدنا : أبو زويعة ، إلبنيادم تشوفه شحَلاته : طول بعرض ، و ياكل و يحچي ، و على غفلة يـﮔوم يزوِّع ، و يعض لسانة ، و يـﮔـع لا حس و لا نفس . ألله يچفينا الشر ! إسكت وخلّيها ، من تجي روجته يـﮔوم يحصد بالوادم كلها حصد مثل المنجل ، و الحواوين يبقن مسربلات و سايبات مالهن والي . آنا أبوي الله يرحمه و يرحم أبوك إنطاك رويحته بأبو زويعة . - الله يرحمه ! أگول : شنهو إنت بعدك لسّا ما تدري ؟ من أسبوعين بس و أبو زويعة طﮓ عدنا هنا إبّغداد . أول ما لـﮔف أهل صرايف العلاوي بذاك الصوب ، و بعدين راح يـﮔص بالوادم ﮔص بمحلات القرية و باب السيف و الشوّاكة . و مناك لاح أهل الجعيفر و الفحّامة و المشاهدة و الدوريين . بس هم زين بعده ما عبر لهذا الصوب ! الله يكفينا الشر ! روح شوف : مقبرة "الشيخ معروف" إنترست ! و المجيدية غرگانة بالمرضى ! كلشي ما يسوّولهم : شيشة مي نومي حامض ، و الحـﮓ ربعك ! شنهو ، شعجب إنت بعدك ما تدري ؟ ها ! ها ! صدگ ، إتذكرت ، أشو إنت هذاك السبوع ﮔطعت رجلك و ما مرّيت علينا ، ليش وين ݘنت ؟ - و الله رحت بالقطار لكركوك أدوِّر شغل بشركة النفط مالت الإنـﮔريز. تدري آني برﮔبتي حدعش نفر ، و مصرفهم هوايا قبا ، و آنا بس عظم واحد . - إي و بعدين ؟ - سوولي فحص هناك بمستشفى "كَيْ وانْ" ، بس يا حيف سقطت بيه . - شبيك ، خير ، خو ماكو شي ؟ - و الله حجّي نظري مو شي . عيوني رمْدَن من چنت بعدني ولد ، و أبويا الله يرحمه ودّاني لسيد مهدي بعربنا بالمِجَر ، و السيد أخذ منه ليجدام ربع دينار صحيح براسه ، و قرا على عيوني إثنيناتهن ، و نفخ بيهن ، و سوّالي حرز علـﮔته برﮔبتي . بس هنّا يا حيف ضعفن هواي ، و صار نظري ݘرك من ذاك اليوم لليوم . و الله حسافة ، الشركة تنطي خوش راتب ! - شـﮔد ؟ - سِتْميت فلس باليوم ، و دار مبني من الحجر بالزاب ، إيجاره دينار و ربع بالشهر ! يأتي "عليوي" بالشاي و الماي ، و يقدمهما لدشر . - إتفضَّل عمي . - عاشت إيدك . يشرب "دشر" الماء و الشاي ، و يخرج كيس التبغ و دفتر "البافرة" ، يبدأ بلف سيكارة . - ألِفْ لَكْ وِحْدة ، أبو علي ؟ هذا التتن جبته ويّاي من كركوك : بارد و محسَّن ! - و لا تهون ، أبو محمود . سوّيلي وحيدة ! ينتهي "دشر" من لف سيكارة له ، ويركّبها بمشربه ، و يضعها على الحصير . ثم يعود إلى كيس التبغ و يلف سيكارة ثانية ، و يقدمها لشكّوري . - تفضل أغاتي ! - و لا تهون أبو محمود . أغاتك المصطفى ! مشكور . يخرج "دشر" زناده و يولع سيكارة "شكوري" أولا ، ثم يولع سيكارته . يأخذ "شكوري" نفسا عميقاً من السيكارة ، و ينفث سحابات الدخان على مهل . - خوش تِتِنْ ! ريحته طيِّبة ! - هذا تِتِنْ شاوَر ، مال أربيل . الربع إسطمبولي بثمنطعش فلس . - هــمم . مو شويّة غالي ؟ - لع خير ، حجّي ؛ مو غالي . التتنچية بالشورجة هنا يبيعونه بأربعين فلس . - صدگ يسْوى ! يتقدم شاب بدشداشة سوداء و چرّاوية و نعال و يخاطب "شكّوري" : - عمّي أريد فد عربانة ؛ كلّش مستعجل ! - و شتشيل بيها ؟ - حجّي ، أبويا إنطاك عمره اليوم الفجر ، و نريد نودّيه لمقبرة الشيخ عمر . الـﮔبر محفور و الجنازة مغسّلة . - ليش هيَّ الجنازة هسّا وين ، إبني ؟ - بجامع الخلفاء . - و لويش ما تشيعوها منّاك للمقبرة مشي ؟ - حجّي ، مو عمامي الإثنين هماتينا ماتو هذا الأسبوع ، و بعد ما بقى إبّيتنا زلم ، و الجيران صاروا يخافون من شيلة الجنايز ! - ليش هوّا المرحوم إبّيش مات ؟ - بأبو زويعة ! - آنا أبوݘ يا "مكيّة" ، لحّگ يجي لهذا الصوب ؟ شبلعجل ؟ - إي و الله حجّي ، فوگ الثلاثين نفس بجديد حسن باشا ودِّعوا هذا الأسبوع ، و الناس كلها خايفة و تتراجف . و قسم من العوايل شالت للزعفرانية و قسم للكاظمية ! شنهو أنتم بعدكم ما تدرون ! - لا حول و لا قوة إلا بالله ! إبني ، أحنا بيتنا بدربونة "الـﮔُبّي" ، و يمنا ماكو شي . إحم . شتـ - تـﮔول أبو محمود ، تشـ - تشيلها للجنازة بعربانتك ؟ - إنا لله و إنا إليه راجعون . يللا إبني إمشينا ! إكرام الميت دفنه ! - عمّي ، ترا ما عندي غير بس - بس درهم واحد ! الدفّان أخذ مني تلث دنانير للـﮔبر ، من غير فلوس الغسل و التكفين و الغبرة ! - لا حول و لا قوة إلا بالله ! بويا و الله ما آخذ منك و لا قمري واحد . إمشينا بويا ، إمشينا . في أمان الله أبو علي ! - كفو و الله ! الله ويّاك ، أبو محمود الورد ! بعد ثلاث ساعات ، عاد "دشر" إلى طولة "شكّوري" ، أدخل عربته ، و ربط حماره ، و جلس على الدكّة . لم يجد "شكّوري" ، فنادى على بائع الشاي "عليوي" . - عليوي ، عليوي ! - نعم عمّي ، أبو محمود ! - وينه أبو علي ، أشو عايفها للطولة ، والمعالف فارغة ! - عيني أبو محمود ، أول ما رحت إنت منّا ، الحجّي صاح من بطنه ، و ﮔـام يزوّع زواع مثل الفوح . بعدين إنجطل على الحصيرة هاي اللي إنت گاعد عليها ، و دزني أصيح له إبنه "علي" من سوﮒ الچوخَجيّة . إجا أبنه "علي" ، و كراله رَبَلْ ، و أخذه للحجّي ويّاه ، و راحوا سوا للخَستخانة إبّاب المعظّم . هاي ﮔبل تلث ساعات ، لو ساعتين و نص . من طلعوا منّا ، إجا "حمّادي" بعربانته أم الحمارة البيضا ، و "سلمان" بعربانته أم الحصان ، و "جاسـم" بعربانته أم البغـل ، و "جبّار" هم جاب الربل أبو الفرسين مالته ، و علفوا حواوينهم هنا ، و راحوا ، و آني شخطت على خاناتهم بالحايط . تدري بيّا آنا أعرف القراية و الكِتْبة زين ، و الحجّي هم مثل أبويا ، و ترا هوّا هسّا على جيّة ؛ أجيبلك چاي ؟ مخدّر قوري جديد ! - آنا أخوك يا جابر ، بس لا الحجّي صار بيه ذاك المرض الموزين ! لا حول و لا قوة إلا بالله ! - لا عمّي ، لا ! مو يازوغ ! الحجّي ما شاء الله : زلِمة خشن ، و كلشي ما بيه ! بس اليوم شويّا طوّخها و أكل عنب حلّاوي هواي ، و خرطت بطنه شويّا ! أجيبلك چاي ؟ - الله الساتر ! جيب بويا ، جيب ! و خللي شوية شعيرات و مي للحمار . - صار أبو محمود . بعد دقائق ، توقف عربة "ربل" أمام الطولة . شاهد "دشر" الحاج "شكّوري" يهم بالنزول وحده منها ، فقام بسرعة و ساعده على الترجل ، و بقي ممسكاً بيده بعد نزوله ، و لكن شكوري نزع يده منه و جلس على الدكّة . - "أبو محمود" ، آنا كلشي ما بيّا ؛ صدِّﮒ كلشي ما بيّا ، بس شويّة وجع بطن ، وهاي هيّا ! يمكن السبب هو آني شويّا طوّختها بأكل العنب اليوم الصبح . شسوي ؟ كلش طيب ! مو حقي ؟ - و الله حقك ، و أبداً ما تنلام . هذا شويّة جالي بسيط ، فرد ساعة و يروح ، و إنشاء الله ينطيك الصحة و الحيل ، أغاتي أبو علي . ترا حتى آنا هم عندي شوية جالي ، و روحي تلعب . ها ، نسيت أسألك : لعد و ينه المحروس أبنك "علي" ؟ - خطيّة راح ركض يشتريلي نومي حامض من الحيدرخانه و يجي . أويلي يابا ، المجيديّة متروسة على إنطلاقها : سوس بلايا روس ، و الوادم كلها خايفة ! لويش هشّكل خايفين من الموت ؟ ما أدري ! هوّا الموت حق ، لو مو حق ؟ عيني "أبو محمود" ، ما شافت عينك ، الجنايز تجري جروان السيل من المجيديّة ! - لا حول ولا قوة إلا بالله ! زين ما نطوك فرد دوا ، شي ؟ - يا دوا ، يا طرّماش ، كلشي ماعدهم ! الماسيرة ﮔـالتِلنا : "أحسنلكم تطلعون من المجيدية بالعجل لأنها مستلوثة !" و ﮔـالتله لإبني " شرّبه لأبوك مي نومي حامض ، و هدِّروله نومي بصرة ، و ورد ماوي ، و بابونّـﮒ : تلثتوقات باليوم !" - عيني حجّي ، أروح أجيبلك هذا الدوا من العطارين بالشورجة هسّا ؟ - لا عيني لا . مو ﮔتلك عبيدك علي راح يشتريلياه . إستريح ، إستريح ! هسّا هوا على جيّا . بعد أن يجلس "دشر" جنب "شكّوري" على الدكّة ، يأتي علاوي بالشاي ، و يقدمه لدشر ، و يخاطب شكّوري : - نحمد الله على سلامتك ، حجّي ! خير ، خو ماكو شي ؟ - ماكو شي ، ماكو شي ! منهو إجا للطولة ورايا ؟ - الحمد لله ! عيني حجّي : إجا "حمّادي" بعربانته أم الحمارة البيضا ، و "سلمان" بعربانته أم الحصان ، و "جاسـم" بعربانته أم البغـل ، و إجا "جبار" بربله أبو الفرسين ، و علفوا حواوينهم هنا ، و آني شخطت على خانة كل واحد منهم بالحايط . و هسّا علفت حمار "دشر" ، و أبوك الله يرحمه ! - عفارم ! - تريد چاي جديد ، حجّي ؟ - إي ، و ويّاه شويّة مَيْ . إي عيني أبو محمود ، وصّلتها للجنازة ؟ - أسكت و خلّيها يا ابو علي : هم زين ربك حميد وهداني و رحت ويّاها . المقبرة چانت مقبِّطة بالجنّازين و الجنايز ، و الدفّان هذا السافل لـﮔيناه بايعه للـﮔبر مال ميِّتنا لميِّت ثاني ! چان أكمشه للدفّان من زردومه ، و شلته ليفوﮒ أريد أبطحة . بلاكت البعيد ﮔـام يتوسّل مثل الحرمة : خنيث خبيث ! بس آنا أخوك ، خليته يحفر ﮔبر جديد بالعجل ! و بعد ما نزلناها للجنازة بالـﮔبر ، أشو إجوا معاميل جدد للدفّان ؛ و چان يگوم و يروح ويّاهم ، و عافه للميت بلايا تلقين ! - صدﮒ ، چذب ! لا حول ولا قوّة إلا بالله ! - شسوّي ؟ أول فال ردت أبطّه . بعدين ﮔلت لروحي : هسّا مو وكتها يا أبو محمود تخش بخطيته لذاك البعيد ! نعلته للشيطان ، و ﮔلت عيب تصير فشلة جدّام أهل الجنازة الثانية ! چان أخوك ينزل للـﮔبر ، و يلقّنة للميّت حسب الأصول ، و يهيل التراب عليه ويّا إبنه الميّت من البچي ! - بارك الله بيك ! خو ما أخذت منّه شي ؟ - لا والله ، و لا قَمَري واحد ! خطيّة الولد ، كسر خاطري و هوّا يبچي و حاير ما يعرف شيسوي ويّا ذاك البعيد الدفّان الزنيم ، حشا ﮔدرك ! - ليش هوّا اللي رزقه على الموت هم تترجى منه يصير شريف و يعرف العيب ؟ زين سوّيت ، و عاشت إيدك ! - رحم الله والديك ! ها ، شلونك هسّا ؟ يأتي "علاوي" بالشاي و الماء و يضعهما على الحصير جنب "شكّوري" . - تفضل حجّي ، بالهنا و الشفا ! - رحم الله على البطن إللي نـﮔلتك ، إبني ! آخ ، لو بس هذا وجع البطن يخف شويّا يا أبو محمود ، چان كلشي ما بيّا ! - الله كريم ، شدّة و تزول ! - الله يسمع من حلـﮔك ! - عمّي الحجّي زْلِمة خشن ، هسّا تشوفه شلون يصير زين ، و يروح للبيت يطارد مثل الحصان ! - رحم الله والديك إبني "علاوي" ! يرتشف "شكّوري" الشاي رشفات صغيرة و يداه و شفاهه ترتجف بقوة . فجأةً يُسقط إستكان الشاي و القدح من يديه ، فيَنزلَ من الدكّة ليجلس على الأرضية ، و يبدأ بالتقيوء الشديد . يقعد "دشر" خلف "شكّوري" و يدع ظهره يستند عليه ، و يبدأ يهفّي له بعرقجينه . لحظات و يواصل "شكّوري" التقيوء على نحوٍ رهيب ، ويثقل نفسه كثيراً ليتحول إلى مايشبه الشخير ، فيطلب منه "دشر" أداء الشهادة . - أشهد أهاأنه هاع لـ -لا إلـلـ - له إلـ - الـ هاع ا الله و أن هاع مـ - محمداً هاع رررسول هاع لـهاع الله ! هوووووووووووع ! هوععععععههععع-عع ! يسقط رأس "شكّوري" جانبا ، و "دشر" ما يزال يهفّي له . ثم يأتي "علاوي" ، و يخاطب شكّوري الميّت : - ها عمّي الحجّي ، تريد أجيبلك : مي بارد ؟ حامض ؟ - لاحول و لا قوة إلا بالله . إبني ، الحجّي أنطاك عمره ! - شنهو ؟ هذا شلون حچي هذا منّك ؟ ها ؟ شلون ميّـت ، ها ؟ مدا تشوف هاي عيونه شلون مفتِّحة إثنيناتهن ؟ ها حجّي ، شـﮔلت ، تريد حامض جديد ؟ يأتي "علي" إبن شكوري راكضاً و هو يحمل أكياس الدواء ، فيشاهد أباه منطرحاً على الأرض و ظهره يستند على صدر "دشر" الذي تدمع عيونه و هو ما يزال يهفّي . - ها عمّي أبو محمود ، شلون صار الوالد ؟ يتحرّك "دشر" ببطء جانباً ، و يُنزل ظهر شكوري على مهل حتى يستند على الأرض . ثم يغلق عيناه ، و يسحب حلقة الزواج البيضاء من إصبع يده اليسرى ، و يضعها في جيب سترة إبنه علي و هو يقول له : - الوالد إنطاك عمره ، إبني ! تعيش إنت ! شد حيلك ، إبني ، فالبركة بيك ! و إنا لله و إنا إليه راجعون ! يفغر فم "علي" أولاً ، ثم يجلس على الدكة ويبدا بالنحيب ، بعد أن يرمي أكياس الدواء جانباً . يجلس "علاوي" إلى جانبه و يشاركه البكاء . يمسح "دشر" عيناه بشماغه ، ثم يتقدم من "علي" و يكلمه بصوت هادئ حزين : - شد حيلك إبني ، إنت ما شاء الله زلمة خشن ، و أبوك ألله يرحمه چان رجّال صالح ، صايم مصلّي ، و يخاف الله ، و الناس كلها تحبّه و تحلف براسه ، و هسّاع روحه طارت فرحانه گُبَل للجنة بعون الكريم ؛ و ترا إكرام الميّت دفنه ! - سسههوه ، ششههوووو ! شكراً عمّي ، ههووو ، الله يطوّل عمرك عمّي ، و يجبر بخاطرك ! آني بس متحسِّف ليش ما جبتله الدوا قبل فرد چم دقيقة ، يجوز چان شربه و صار زين و ما مات ! - هداك الله ، عمّي ! شنهو دوا ، شنهو يصير زين ! كل بنيادم يموت بساعته ، و لا إعتراض على إرادة رب العالمين ! - آمنت بالله ! رحم الله والديك ! عمّي ، أريدك تكمّل فضلك عليّا ، و تشيل أبويا للمغيسل بعربانتك ! - يجرالك ، إبني ! أبوك چان أخو إلي من صدﮒ ، و ألف رحمه على رويحته الحلوة ! يدخل "دشر" للطولة ، و يجلب عربته ، و يوقفها بموازاة الجثّة . ثم يتوجّه نحو رأس الجثّة ، و يمسك بها من الإبطين ، و يخاطب كلاً من "علي" و "علاوي" : - ﮔـابلوني حتى نشيله للمرحوم . يسارع "علي" و "علاوي" برفع الجثة مع "دشر" ، و يضعونها على العربة . بعدها يرفع "دشر" يديه إلى صدره و يقول : - الفاتحة على روح المرحوم حجّي شكّوري ! يقرأ الثلاثة الفاتحة . بعدها ، يتجة "دشر" نحو رأس حماره لقيادته ، فيحسّ بموجة برد رهيبة تلف بدنه فجأةً . يقعد راجفاً على الأرض ، و يبدأ بالتقيوء المتواصل حتى يخرّ ميتاً أمام حمار عربته دون أن يستطيع أداء الشهادة .
بابل – 5/3/2011
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ستراتيجيات سلطة الاحتلال الأمريكي للعراق خلال الفترة 2003-20
...
-
قصة الخنزير البهلوان -نجم-
-
رسالة قصيرة
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|