سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3309 - 2011 / 3 / 18 - 13:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يوجد فى الحياة إلا المادة والفكرة ..المادة هى كل شئ ملموس يمكن إدراكه بالحواس البشرية أو الإصطناعية , وذو حيز فى الوجود ويمكن رصده , ويخضع لعلاقة ما سواء أدركناها أم لا .. أما الفكرة فهى نتاج المادة وصورة المادة وتجميعاتها فى مرآة الوعى ..لا توجد فكرة بدون وجود مادة تسبقها بل تشكل ملامحها وآفاقها .. وتكون أفكارنا هى تجميعات لصور مادية إما ننسقها بشكل يقارب الطبيعة فنطلق عليها فكرة منطقية أو بلصق الصور بشكل عشوائي فننتج فكرة خيالية ..الأولى تمتلك النظام والتقارب مع المادة فتستطيع التماسك وإثبات وجودها والثانية لا تمتلك إلا رغبات تفسية وشعورية عميقة ألحت على إنتاجها .
* أجمل ما فى الإنسان أنه كائن يصنع الخيال ..فالخيال يجعله يتجاوز الواقع بمنطقه الصادم الصارم ويعبر خوفه الجاهل من طبيعة غير مكترثة .. فلن يكلفه الأمر شئ سوى أن يجمع بعض الصور ويلصقها ويركبها كما يريد .. بل يمكنه أن يركب مشاهد وسيناريوهات كاملة من الصور الخيالية ..الخيال هو بمثابة مخدر طبيعى ينتجه الإنسان ليعيش حلم أو يتجاوز خوف وألم ... وكلما حل عليه الألم إستدعى صوره الخيالية .
الكثير منا يستدعى صور خيالية من إنتاج الأباء الأوائل ويتعايشون معها ولكن المصيبة أننا وقعنا فريسة هذه الصور وإعتبرناها حقيقة بل تشبثنا وتعصبنا لها وهى فى النهاية صور خيالية .
* أى فكرة فى ذهن الإنسان سواء بسيطة أو معقدة كل مكوناتها صور مادية ويستحيل تواجد أى فكرة بدون صور ومشاهد مادية .. وهنا نسأل كيف دخلت فكرة الله والروح اللامادية فى أدمغتنا إذا كانت اللامادة هى ليست مادة .!
فكرة الإله لم تخرج من بداياتها إلى الآن عن تجسيد مادى وشخصنة وإن تفاوتت الصور مابين صورة مادية فجة إلى صورة تجريدية كل ملامحها وخطوطها مادية صرفة ..وتأتى كلمة انه روح كسفسطة تحاول أن تجعل الفكرة مفارقة لوجودنا ليمكن عبادتها , ولكن تظل كينوتها كلها مادية .. حتى صفاتنا وهبناها للإله فنحن لن نستطيع التعامل مع أى فكرة إلا إذا كانت ذات صور مادية .. أى شئ متوهم من غير صور مادية يستحيل أن يجد له حضور وسينفى وجوده بالضرورة .
* غريب إيمان الإنسان بالله ..فهو لا يُدرك أى مفردة عن الإله كذات وماهية و كينونة ليقتصر إيمانه على إجابة متوارثة ومُتعسفة لسؤال أو قد يجد الإيمان بأن يُبادرك بسؤال .!
* لكل سبب مُسبب والكون له مُسبب وهو الله ..حسنا ً ولكن هل شاهدت صناعة أكوان سابقة فعزيت أن خالق كوننا هو الله .. أنت تقول الأثر من المسير..إذن يلزم أن ترى آثار سابقة لذات المسير ليتكون خبرة لديك عن هذا .
السببية تُبنى على خبرة سابقة وإلا يحق لأيا ً من كان أن يُبدع مُسببا ً .. معرفة السبب يأتى من إدراك سابق لفعل المُسبب وأن هكذا هو سلوكه .
* نعم هناك سببية ..لكن الفرق بين الإيمان بالله والناكر لوجوده هو فى نوعية المُسبب , فهناك من يعزى المُسبب لكائن مُشخصن ذو إرادة ولكنه لا يمتلك دليلا ً على ذلك سوى أنه أسقط الأنا الإنسانية على الطبيعة ..وهناك من يُعزى المُسبب للوجود المادى فيرى أمامه الطبيعة تُعلمه بأن كل سبب له مُسبب مادى يؤول إليه .. يضاف أيضا ً أن هناك من يجعل الأسباب تؤول لسبب بلا مُسبب وهناك من يرى بلا نهائية الأسباب .
* إذا كان الكون مُعقد فيكون الإله أكثر تعقيداً بمراحل لأنه المسئول عن هذا التعقيد ... وإذا كان الكون منظم فالله يمتاز بعقل جبار ينظم هذا النظام ..وإذا كان الكون يوحى بالذكاء فالله لابد أن يمتاز بذكاء خارق لا يُقاس .
من يقولون بأن لكل سبب مُسبب وأن الكون لابد أن يكون وراءه إله وينفون فى الوقت نفسه مُسبب لوجود الإله فهو بلاسبب .. فأيهما أقرب للمنطق أن نقول أن الكون (البسيط) موجود بدون مُسبب أم الإله (شديد التعقيد).!!
* الله لابد أن يخلق الشئ من العدم بالرغم أن قصص الخلق غفلت عن هذه القضية !!.. فلو لم يوجد الشئ من العدم فلن يكون خالقا ً بل صانعا ً .. فقصة تكوين الإنسان من الطين لا تكون خلق بل صناعة وتحويل , ولنسأل من خلق الطين ؟!.. العلم والعقل يقول لنا بأن المادة لا تخلق من العدم ولا تُستحدث ولا تُفنى إلى العدم .. بل لا يوجد شئ إسمه عدم .!
* هل الله منفصل عن مخلوقاته بذاته ؟.. إن قلنا نعم وهو الأكثر منطقية فقد تحدد وجوده بعد حدودنا وحدود الكون فيصبح محدودا ً ومفردة من مفردات الوجود مثلنا .. وإذا قلنا لا فنكون نحن والله وحدة واحدة .!
* هل صفات الله فى ذاته منذ الأزل أم نحن من خلقنا الإله وصفاته ..الإيمان يقول أن الله كامل بصفاته وأنها فى ذاتيته والإنسان لا يصف الله بل أباح الله له معرفة ذاته فقط .. فما معنى أن يكون الله ملكا ً أو عظيما ً إذا كان متفرد بذاته بلا شركاء .!! ما معنى صفة العظمة أو الملك فى عدم وجود منافسين ولا مكتب لتوثيق الأملاك .. كيف تكتسب الصفة وجودها ومعناها وقيمتها فى وجود الله واحدا .!!
* الحياة هى كيمياء عضوية فكل وظائفنا وحتى مشاعرنا كيمياء وعندما تختل وظائفنا الحيوية والنفسية نعالجها بكيمياء ..وعندما تعجز كيمياء البناء أمام كيمياء الهدم ستتولى كيمياء التحلل تفسيخ أجسادنا لتتكون دورة كيمياء عضوية جديدة فى مكان آخر .
* أموت ..يتحلل جسدى ..ليجد طريقه كوجبة شهية لديدان وحشرات .. تنتقل جزيئاتى إليهم .. تموت الحشرات والديدان بالضرورة وتتحلل فى الأرض لمكونات عضوية ..يأتى نبات التبغ ليمتصها وتنتقل جزيئاتى إلى البناء النسيجى له ويأتى مُدخن ليقطف أوراق التبغ ويدخنها لتسرى جزيئاتى فى دمه كنيكوتين وتترسب بعض الجزيئات على رئتية كقطران وتتبعثر جزيئات أخرى منى فى الهواء كدخان ... ياااه أنا فى صدرى ضيوف من جزيئات آلاف البشر .!!
* الذين يبنون خيالات أننا سنبعث بعد الموت ألا يدركون أن وقود السيارة يحتوى على جزيئات لبشر سابقون منذ آلاف السنين تحترق فى محرك السيارة لتندفع السيارة ويتبقى منهم جزيئات الكربون نستنشقها .. فكيف يتم التجميع .؟!!
* هل علينا تَقبل أن هناك من يَعبث فى جيناتنا ليُنتج كائن مشوه وفقا ً لحالة مزاجية خاصة أو حكمة كما يسوقون لذلك .. أم أن الامور لا تعدو سوى خلل كيميائى فى الجينات والهرمونات نتيجة عوامل طبيعية مؤثرة وحاكمة لا تعقل ولا تُدبر ولا تَعى .
بقدر ما هذه الرؤية حقيقية وعقلانية و تُسعف فكرة الإله إلا أنها تقوض وتنسف الفكرة أيضا ً .
* نعرف أننا نعيش الحياة من وجود الموت ..فلا معنى للحياة بلا موت ..كما عرفنا اللذة بعد أن ذقنا الألم ..ولا معنى للذة بدون وجود الألم ...هكذا هى الحياة ومغزاها .
ما معنى حياة أزلية بلا موت .. وما معنى لذة بدون ألم أوألم بلا لذة ..إنه العبث واللا معنى .
* الله يكون غفورا رحيما ً عادلا ً..فهل هى صفات فى ذات الله ومتواجدة معه أم هى صفات مستحدثة ..فإذا كانت مُستحدثة فهى صفات ناشئة تجعله تحت الحدث فتنزع عنه الألوهية والأزلية ..وإذا كانت أزلية أبدية فكيف يكون الله عادلا ً وغفورا ً ورحيما ً قبل وجود الإنسان .. كيف تتواجد صفة بدون الموصوف والفعل الذى يمنح الصفة الوجود .
* الله غير خاضع للأسباب فلا يوجد سبب يُشكل سلوكه .. فكيف يغضب ويثور وينتقم ويرحم .. فهل هذه الأشياء يفعلها بلا سبب.؟!!.. وماذا يعنى فعل بلا سبب ولا غاية ؟!
* هناك قطرة ماء سقطت من سحابة فى جواتيمالا منذ أسبوع وهذه القطرة هى رقم 8796496548956485490 تريليون منذ بدأ الماء فى السقوط ..هل لنا أن نتصور بأن هناك من يعرف حجم هذه القطرة وسرعة وزمن سقوطها وكيف ستتبدد .. وهل لنا أن نقتنع أن هناك من يرصد ويدون حركة ومصير هذه القطرة من الماء أم نقول أن هناك طبيعة غير مهتمة ولا راصدة ولا معنية بهذه القطرة .
فأيهما نعقل ؟ حدث يتم بلا معنى ولا فائدة ولن يطور المعرفة وفى ذات الوقت هو مرصود .. أم أن الأمور ليست ذات معنى .
الغريب انك لو قبلت فكرة عدم الاهتمام والرصد ستنفى صفة وقدرة فى الله .
* الألوهيون يقولون أن الله غير معنى بما يحدث فى الطبيعة من أحداث فهو غير راصد ولا مهتم ..قد تكون هذه الرؤية لها وجاهتها وتسعف فكرة الإله الذى يدس أنفه فى كل شئ ولكن هى تجعل الطبيعة فى حالة إستقلال ولها فعلها وتنزع عن الله صفة القدرة والمشيئة .
* الله يكون مطلق المعرفة والعلم ولكن إطلاق صفة المعرفة ينفى حرية الإرادة للإنسان .. فلن يخرج أى فعل إنسانى عما هو مُسجل لدى الله رغما ً عن أنوفنا ..إذن نحن نصبح روبوتات مُبرمجة تتحرك لتنفيذ ما هو مُدون فى السجلات .
* لا خروج من لحظة ألم تعتصرنا إلا بمخدر أو النسيان ولكن النسيان لا يأتى بسهولة إلا بإستدعاء فكرة قوية تلهينا وتشغلنا عن تذكر الألم فتجد من يعمل بجدية أو يُمارس الرياضة أو الفن ..فهل فكرة الله لا تزيد عن كونها فكرة تشغلنا وتلهينا .
* أى لحظة فى حياتنا هى لحظة واحدة من بين ملايين اللحظات المحتملة ولكننا نريدها بوعينا لحظة نظامية متوقعة مأمولة لذا نحن نخاف اللحظة القادمة أن تأتى خارج ماهو مأمول ..أدركنا المستقبل وذقنا الألم وعرفنا الخوف ومن هنا أبدعنا فكرة الآلهة لترتب اللحظة القادمة بدون ألم .
* الوجود مثل الدائرة لا يوجد لها نقطة بداية .. مشكلتنا فى فهم الوجود أننا نتعسف ونتخيل نقطة لبداية للدائرة .. نحن خلقنا الميثولوجيا والخرافات لأننا نجهل أنها دائرة ونحن نقطة على محيطها .
* أم تقف بجوار شجرة تبكى بحرقة على فقد طفلها وتتجرأ وتدين وتستهجن الله على قسوته وظلمه ..فهل هى ضلت وكفرت .؟!
نعم هى ضلت التفكير فكان عليها أن تلعن الشجرة .
دمتم بخير ..
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟