أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماجد محمد حسن - مفهوم الجمال بالفكر الغربي















المزيد.....



مفهوم الجمال بالفكر الغربي


ماجد محمد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 989 - 2004 / 10 / 17 - 11:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ان مفهوم الجمال في الفكر الغربي يتطلب ان نبحثه منذ العصور اليونانية القديمة وبيان اسلوب تفكيرهم.. لقد كان فلاسفة اليونان قبل أفلاطون من الطبقة الأرستقراطية، لذلك كانوا يفضلون الفن الذي يصور ويمثل المواضيع التي يستمدها الفنان من أساطير الآلهة وأبطالها القدماء، لأنها أرفع من الناحية الأخلاقية بالنسبة لهم. لأن العامة من الناس لا تمثل إلا طبقة تافه، وكما يسميهم هيرقليطس بالقرود.

وحينما ظهر السفسطائيين كحركة ثقافية وأصحاب رؤية جديدة بالمعرفة، وأفكارهم ذات انطباع عملي نفعي يستندون بالتأثير على الناس بفصاحة اللسان والتلاعب بالألفاظ، من منطلق ما تراه أنت صحيح فهو صحيح، وما أراه أنا صحيح فهو صحيح. لأن الإنسان هو مقياس الأشياء فقد أحدثوا انقلاباً في مفاهيم وبنظرة الكثير من الناس إلى الحياة، فهم لا يستندون إلى مسلمات الثقافة الأرستقراطية. فقد أخذوا ينادون بمثل أعلى جديد للتربية مضاد للأرستقراطية. فهم لا يهتمون برعاية الصفات الجسمية وسلامة نمو الجسم وتناسقه. إنما يرمون إلى تكوين مواطنين عقلاء، أكفاء فصحاء. تصبح فضائلهم مبنية على المعرفة والتفكير المنطقي والعقل المدرب على الحوار وطلاقة اللسان. فقد أثر السفسطائيين بنزعتهم الإنسانية تأثيراً قوياً ومباشراً في نظرة الفنانين والشعراء إلى الحياة. حيث نجد تمثالي هرمز وأبوكستيليس لا يتسمان بتلك الصرامة وذلك الترفع البطولي الأرستقراطي، حيث مظهرهما يؤكد الطابع العرضي الزائل لكل ما هو بشري. وقد نقد فلسفتهم سقراط حين حاورهم وطالبهم ببيان الحد والغاية التي يهدف لها بالمعرفة أو العمل إذا كان الشيء ونقيضه صحيح في نفس الوقت، لأن كل ما يعتقده الفرد صحيح فهو صحيح.

يرى سقراط أن الجمال هو الملائم والذي يحقق الغاية المبتغاة. وكما يقول أن الجمال هو ما يحبه الفرد. وجاء بعده تلميذه أفلاطون الذي كان يسعى لتأكيد قيم المثل العليا، وتعاليمه المثالية، وأن كان في محاوراته يستعير الطابع الشعبي، لكن تعاليمه كانت مثالية، تعود جذورها إلى النظرة الأرستقراطية للحياة. حيث كان يمتدح المثل العليا لثقافة طبقة النبلاء، ويشيد بفضيلة الاعتدال وقيمة الجمال والخير. وكان يؤيد الصبغة القديمة بالفن، وكان يبدي إعجابه بالفن الكلاسيكي السائد بعصر بركليس، الفن المغرق بالشكلية، الذي يكون خاضعاً لقوانين لا تتبدل، كما هو يعارض أي تجديد وتغير في الأساليب الفنية. ويعتقد أفلاطون أن المعرفة تذكر، لأن النفس الإنسانية كانت تعيش في عالم المثل قبل حلولها في الجسد، وحينما حلت في الجسد قد نسيت كل ما تدركه في عالم المثل. وعن طريق الجدل الاستقرائي ودراسة الرياضيات والعلم بالكليات، والزهد بملذات الحياة، يتذكر الإنسان معرفته بعالم المـثل. فـيقول أفلاطون بمحاورة فيدون " لابد في بدأ كل جمال، من جمال أول يجعل الأشياء التي نسميها جميلة، جميلة بمجرد حضوره، أية كانت الطريقة التي تتم هذه المشاركة ". ويقول أيضاً " بإدراكنا الجمال الحق، ندرك الخير المطلق وعالم المثل الأبدي الغير قابل للفناء. "
بينما نجد أرسطو لم يعتمد في تفسيره للفنون على الأساطير ويستلهم مفهوم الجمال عن عالم المثل. لذلك يقول أرسطو " أن الإنسان الذي زودته الطبيعة باليد، فهي أقوى الأسلحة التي يستطيع أن ينتج بها من الفنون ما يكمل به الطبيعة ويقومها". فيعتبر الفن محاكاة للطبيعة يحمل قيم الجمال، وبقدر ما يكون قريبا في محاكاته لأي موضوع. وأختار الحياة الإنسانية لتكون موضوعاً للمحاكاة في الشعر والتراجيديا. وأعتبر اللذة الجمالية حقيقة قائمة بذاتها وتصفية للمشاعر والانفعالات المضطربة. وكما يقول " لا يمكن لكائن أو شيء مؤلف من أجزاء عدة، أن يكون جميلاً إلا بقدر ما تكون أجزاءه منسقه وفق لنظام ما، ومتمتعة بحجم لا اعتباطي، لأن الجمال لا يستقيم إلا بالنسق والمقدار. " لأن الخلق الفني ينبع من الباعث المكون والشوق أو الحنين إلى التغير العاطفي. وأن شكل الفن يسعى إلى تقليد الحقيقة، وهو مرآة للطبيعة، لأن الإنسان يمتلك لذة ومتعة في التقليد، لا نجدها في الحيوانات، وأن كان هدف الفن لا يقوم على تقديم المظهر الخارجي للأشياء ولكن لأهميتها النفسية، لأن الحقيقة تكمن في هذه الأهمية الداخلية وليس في التصنع والتكلف والتفصيل الخارجي.

أن الفن في العصر الحديث يعتبر ثورة الإنسان على نفسه وعلى معتقداته التي أصبحت قاصرة في احتواء رؤيته، المستمرة والدائمة في التطور والتجديد من خلال الكشف والبحث المتواصل عن صيغ وتعريفات ومسميات تحتوي مستجدات الحياة. فكان تطور الأساليب الفنية واتساع وتجدد مفهوم الجمال، يتفق مع تغير ظروف الحياة وقدرة الإنسان المتجددة في التعبير عن إبداعاته، عبر علاقته مع نفسه والعالم الخارجي الذي يتفاعل معه. فقد أخذت الحداثة ومبدعيها بشق طريقها بإصرار وثقة نحو المجهول والتقصي عن كل ما هو غامض، يدفع بعضهم حب المعرفة وبعضهم روح المغامرة والجرأة والشعور الحر في الإرادة الإنسانية، حيث يصعب تقييد تلك القدرات وتفاعلها الثوري في خيار الأفراد نحو المعرفة ولإيجاد المعنى والطمأنينة، في الجانب الآخر في نفسه والعالم. فكانت النهضة هي البذرة المتوغلة وسط الجمود الفكري الذي رافق تسلط الكنيسة وفرض تعاليمها على الناس، وقمع أي تجديد معرفي يختلف ويتعارض مع رؤيتها وطروحاتها الدينية، التي كانت تعتمد على التوفيق بين آرائها وبين آراء أرسطو الفلسفية والعلمية.

لكن فعل التجديد والنهضة، نتيجة حتمية، ضد الجمود الوثوقي الذي اصبح مستهلكاً، وأستنفذ جميع شروط استمراره. فيتحول إلى سلطة مستبدة تخشى التجديد تفرض استمرارها بالقوة القمعية لأي اختلاف. لكن بالرغم من ذلك ينمو بين أضلعها أفراد وبشكل تدريجي بصمت، أو معلن في بعض جوانبه، أو بصراخ التمرد والانتفاضة والثورة، معبرة عن رفضها للسلطة المطلقة والحلول الشاملة والاستسلامية التي في ممارستها من التناقض وعدم الإنصاف الكثير. أن النهضة الأوربية قد مارست فعلها النهضوي بالمعرفة وبالقوة في تغير وجه العالم والتاريخ الحديث، واستقطبت الآخرين باتجاه نهضتها بكل أبعادها والدوران بفلكها.

يبقى الإنسان ذلك المتمرد والثائر دائماً على وضعه النفسي والاجتماعي، يسعى دائماً لأدراك الجانب الآخر في ذاته، وهو مستعد أن يفني نفسه في سبيل تحقيق وحدة وجوده، مع الطرف الآخر. وما الفنان والشاعر والعالم والفيلسوف والقادة إلا من هؤلاء الثائرين، الذين يحملون مسؤولية النبي في كشفهم للحقيقة. ويبقى الفنانون والعلماء والفلاسفة العظماء هم شعلة الحياة، الذي بعضهم ضحى بحياته، من اجل الحقيقة.

أن المسار الحديث للفكر بدأت ثورته الفكرية والعلمية والفنية بالانتشار في الدول والمدن عبر الأفراد وبعض مدارس التعليم المستقلة عن الكنيسة. لكن لم نجد اهتماماً كبيراً في قضية الجمال كمفهوم لدى المفكرين بصورة كبيرة، لاهتمامهم في البحث عن مفاهيم وحلول جديدة لقضايا الإنسان والكون والعلاقة التي تربطهما، وإثبات نقاط الضعف في الفكر ونهج الكنيسة. إلا الفيلسوف بومارتن ( 1714 م – 1762 م ) الذي تناول مفهوم الجمال في كتابه (تأملات في الشعر)، بتعريفه بأنه " علم المدرك الحسي، فقد اعتبر الشيء الجميل ينتج من إدراك الحواس، واعتبر الفن جمالا أمليّ على تصور عقلي. "
لكن نجد أن مفهوم الجمال قد اخذ اهتماما اكثر مع الفيلسوف كانت فاعتبر الجماليات تقوم على المتناقضات، أي بناء حكم جمالي هو كلي الصدق وذاتي بنفس الوقت. وقد اعتبر اللذة أمرا مجردا، والجمال أمرا حرا يخلو من كل مضمون، والجليل إفسادا للشكل في الطبيعة. لأن كانت يتناول الحكم الجمالي من جهات أربع، هما " الكيفية، الكمية، النسبية والشكل ". أما بالنسبة لحكم اللحظة الكيفية فهي حكم الذوق حكماً حيادياً غير متحيز. ويضيف " أن الذوق هو ملكة الحكم بالرضى على شيء ما، أو على شكل تقديمه. والشيء الذي يرضي هو، بالتالي الجميل ." كما أن "…. المتعة التي لا تقودها بالضرورة الرغبة في الموضوع، والتي ليست تمتعا بالموضوع وإنما من تأثير هذه المتعة تسمى بالمتعة التأملية المجردة أو الرضى السلبي. هذا النوع من الشعور هو ما نسمّيه بالذوق. " وبينما حكم اللحظة الكمية فهي " يكون الجميل، بمعزل عن أي تصور عقلين موضوع رضى كلي." وكما يقول " ان تدرك موضوعاً وتحكم عليه من خلال اللذة فهو حكم تجريبي، أما أن تقول أني أجده جميلاً فهو حكم قبلي، بمعنى إني أنسب إلى جميع ذلك الشعور بالرضى أو الارتياح. "

وعلى هذا الأساس يعتقد بتميزه الفرق بين القاعدة العامة والقانون بقوله: تكون المبادئ العملية… ذاتية، أي هي قواعد، حين تعتبر الذات أن الصحيح هو ما يناسب إرادتها الخاصة، غير أن تلك المبادئ العملية تصبح موضوعية، أي قوانين حين يعتبر الصحيح لا حسب تناسبه مع الإرادة الفردية، بل حسب تناسبه مع إرادة كل كائن عاقل ". وكما يقول " لا يستطيع المرء ان يعتبر قواعده قوانين كليّة إلا إذا أعتبرها مبادئ عامة للإرادة، من جهة الصورة لا من جهة المادة. " أما اللحظة النسبية فهي : لا يستند حكم الذوق إلا على صورة غائية الموضوع أو على طريقة انطباعه. " وفي هذا الخصوص يقول كانت " هذه المتعة ليست شأنا عمليا، أو أمرا تابعا للتركيب الباثولوجي، في الشيء وليست كذلك نتاج فكرة الخير. إلا إنها تحتفظ بسببية خاصة تسهم في جلاء حدود الانطباع القادم من الموضوع وفي صقل قدرات الذهن دون أي تصور أو تصميم خارجي. " حيث يفترض مسبقاً وجود قصدية موضوعية، أي اعتبار الموضوع حسب غاية محددة. فهي بقوله " الجمال هو صورة قصدية الموضوع، بمقدار ما يمكن تصورها دون أي قصد فيها. " أما لحظة الشكل فتعني الجميل هو الذي يجري التقاطه موضوعاً للسرور أو الارتياح ضرورة وبدون أي تصور. حيث يعتقد أن جميع الناس تشترك بنوع من الحس المشترك الذي يجعل الاشتراك بالجمال أمرا ممكناً فأعتبر كانت الفكرة الجمالية بقوله: "هي تلك الصورة المتخيلة التي تضم كثيرا من الفكر ولكن بدون فكر معين، بدون أي تصور عقلي، لذلك تبدو اللغة عاجزة عن حدّها أو شرحها بالدقة والكمال المطلوب. أما المثال الجمالي فهو حدس من الخيال يقدم جزءا أو فردا على اعتبار انه أكمل تجسيد أو تمثيل للنوع. والفن تعبير عن الأفكار الجمالية، هو لعب موجه نحو إنتاج موضوع ما. فيقول كانت " ان الجميل هو ذلك الذي يسر بمجرد النظر والحكم عليه."

لقد ترسخ مفهوم الجمال كعلم، وأخذ يزداد مجال تناوله في الدراسات الفلسفية. وقد أخذ بعداً وعمقاً كبيراً من اهتمام الفيلسوف هيجل، وقد تناوله بدراسة كبيرة وتفصيلية، وقال لوكاش " لولا هيجل لما كان علم الجمال كما هو الآن". وقد أعتبر هيجل أفلاطون العصر الحديث، لقد كانت جماليات هيجل، وكما فلسفته لفترة ما، الأكثر انتشاراً ونفوذا في أوربا.

أن الجمال عند هيجل هو تألق المطلق وإشعاعه من خلال أقنعة العالم الحسي، ومن الجوهري لفكرة الجمال ان يكون موضوعاً حسياً. فالجمال هو الفكرة حين تدرك في إطار حسي، وحين تدرك بالحواس سواء أكان في الفن أم في الطبيعة. ان الجمال هو رؤية المطلق وهو يتلألأ من خلال وسط حسي، والمطلق الذي يرسل بريقه من خلال الوسط الحسي هو المضمون الروحي، والوسط الحسي الذي يشع فيه التجسيد المادي، ويمكن ان تكون طبيعة المطلق بالروح أو بالعقل. "…. يبدو إننا محقون في افتراضنا ان جمال الفن هو أعلى من الطبيعة. فجمال الفن مبدع، مولود جديد للعقل، وبمقدار ما يبدو الروح ونتاجه أعلى من الطبيعة وظواهرها، كذلك يبدو جمال الفن أعلى من جمال الطبيعة. "

يعتبر هيجل ان الله هو الروح، والروح يجد في الإنسان أكمل حضور له. ويرى أيضاً " أن في الفن الإنساني لا نعني بمجرد اللعب، أيا كانت درجة بهجته أو منفعته، وإنما نحن معنيون بتحرير الروح البشرية من المادة ومن كل الشروط الجزئية المحدودة. "

ومن خلاله يكون الجمال لدى هيجل، هو الحضور الحسي لـ( الفكرة ). الجمال هو مزيج يصل بين الفكرة العقلانية والأداء الحسي أي الشكل والمضمون. والفن هو تعبير حسي عن مضمون مثالي. ويقول هيجل ان الفن " هو عرض فردي للواقع، الذي تقوم وظيفته في تجسيد الفكرة، في جانبها الظاهر. " فتاريخ الفن يتألف من سلسلة مستويات تاريخية موازية لمراحل انكشاف الروح في عملية وعي ذاتي، عملية معرفة جوهره المطلق. أما أشكال العلاقة التاريخية بين الفكرة وتجسيدها الحسي فهي تقع في ثلاثة: الرمزية، الكلاسيكية والرومانسية.

الفن الكلاسيكي: في المرحلة الكلاسيكية يخرج العقل من سباته، ويكسر قشرة الغموض التي تلفه، ويتوهج في تحقيقه الذاتي شكلاً إنسانياً يوّحد بين المعنى والمبنى، بين الفكرة وتجسيدها المحسوس. في هذه المرحلة ينقّي الشكل الإنساني من العيوب التي علقت به أثناء المرحلة الحسية، ويحرره من الأعراض الظاهرية الكثيرة. وفي النحت يبلغ الفن الكلاسيكي ذروته وكماله. ومن خلال الأعمال النحتية دخل الإله نفسه المعبد، في مادته ونسيجه، وفيه يقترب الشكل من المضمون ويندمجان على نحو مباشر في فردية روحانية، وقد تم توظيفه في الفن الكلاسيكي لا كوجود حسيّي صرف، بل وإنما كوجود وكشكل طبيعي يتناسب مع العقل.

المرحلة الرومانسية: في المرحلة الرومانسية نجد تناقض بين الشكل والمضمون، فان هذا التناقض في الفن الرومانسي بين الفكرة وبين شكل عرضها، إنما يوضح بجلاء سمو الفكرة أو الروح المطلق على الشكل الحسّي، أن أله الرومانسية هو الإله المسيحي. وهو لا يظهر في شكل حسّي وإنما كروح مطلق، ومضمونه المحدد هو العقل. ولا تبدو الوحدة بين الإلهي والإنساني ممكنة إلا في الروح، وفي المعرفة الروحية.

أن روح الفن الرومانسي تتجسد في الرسم والموسيقى والشعر. وهي توّحد بين الروحي والحسّي حيث تبدو بصورة أكثر شفافية مما نجده في العمارة والنحت. يقول هيجل عن الرسم " هو يحرر الفن من موضوعية الشروط المكانية ". وفي الرسم تحولت الرؤية إلى أمراً مثالياً، الا إنها بقيت لونا أو وضوءاً يتحرك في مساحة مادية. أما في الموسيقى فأن المضمون المادي يتحول الى معطى سمعي. وقد تحررت من كل قيد، الى مشاعر النفس فتظهر جوهر حياتنا الداخلية. ويقول هيجل أيضا " أنها مثالية واضحة ومشاعر ذاتية في مظاهر تتألف من أنغام رنانة بدل الأشكال المرئية ". أما الشعر فهو أعلى أنواع الفن الرومانسي، وأعظم انتصار يحققه الفن. حيث أن الموسيقى، بتوحيدها التام بين الوسط الحسّي والمضمون الروحي، إنما تسجّل تحولاً من الحسية الخالصة في الرسم الى الروحية الخالصة في الشعر. وهو يؤكد ذلك بقوله: " ينشق مجال الفكرة…. وتخرج من حدود الموسيقى، فتجد في فن الشعر تحققها المناسب الذي كانت تبحث عنه ". وهذا ما نجده لدى هيجل باعتباره أن أسمى أنواع الفن، هو الشعر، فيه يتجاوز الفن ذاته، بقوله: " هنا يهجر الفن مستوى تمثيل العقل في صور حسية، ويتقدّم من شعر الفكر المتخيل الى نثر الفكر".

الرمزية: الفن هو رمزي، " في أشواقه الدفينة وفي قلقه وسره وجلاله "، وكما يضيف هيجل " في البدء، تكون أشياء الطبيعة ملقاة كما هي، وقبل ان تمنحها الفكرة معنى وأهمية، فتجري في التعبير عنها، وفي تفسيرها، كما لو أن الفكرة نفسها تقوم فيها… ". أما أعلى أشكال الفن الرمزي وأكثره تميزاً فهو فن العمارة. وهو يرفع معبداً لروح الله، وهو رائد الطريق نحو تحقيق يليق بالله. " لقد تجاوز ثنائية العقل والطبيعة وأسهم في تنقية العالم الخارجي وفي توحيده وجعله متجانساً تحت قوانين العقل.
نتناول بعد هيجل فلسفة الجمال في سياقها الميتافيزيقي لدى شوبنهاور، وهي معالجة للفن من رؤية معينة، من حيث علاقته بالوجود، أي الوجود الشامل، بمعناه العام أو بمعناه الخاص، أي الوجود الإنساني. فالفن هو رؤية للوجود والحياة، والفنان هو الذي تتيح له قدرته المعرفية أن يرى حقيقة العالم بأسره، والوجود بكامله. لأن الموضوع الجميل هو الذي نستمتع به في ذاته ولذاته، بصرف النظر عن علاقاته بغيره من الأشياء، وهو الذي نراه في طابعه الوجودي أو الميتافيزيقي للعالم.

أن فلسفة شوبنهاور الجمالية مرتبطة بسياق مذهبه الميتافيزيقي. وتصوره الميتافيزيقي للعالم يقوم على رؤيته أن العالم، يتألف ميتافيزيقياً من ظاهر ومن باطن. فهو من حيث ظاهره يكون تمثلاً، ومن حيث باطنه يكون إرادة. ومن هذا المنطلق يرى شوبنهاور أن معنى العالم تمثل كما يوضحه بقوله " أن ما يعرفه الإنسان ليس شمساً ولا أرضاً، ولكنه يعرف فقط عيناً ترى شمساً ويداً تحس أرضاً، وأن العالم الذي يحيط به إنما يوجد كتمثل فحسب، أعني أنه يوجد فقط بالنسبة لشيء آخر هو الوعي الذي يكون بمثابة الشخص نفسه ". وقد ميز شوبنهاور بين نوعين رئيسيين من التمثلات هما: تمثلات الإدراك الحسي أو الحدسي، والتمثلات المجردة، وهذه الأخيرة تقوم على التصورات، وهي خاصة بالإنسان وحده، بينما الأولى الحدسية فملكتها الذهن وتكون قاسم مشترك بين الإنسان والحيوان.
أن فكرة التشاؤم لدى شوبنهاور، ترتبط بنظرية الإرادة، فالإرادة تحمل بذور التشاؤم، لأنها في الحقيقة أصل الشر في العالم. فالصيرورة الأبدية، والصراع الذي لا ينتهي، والرغبة التي لا تهدأ، هي صفات تميز الطبيعة الباطنية للإرادة، وهي بالتالي مصدر الألم والمعاناة في العالم.

كما يعتقد أن الفن هو انعتاق ولحظة سكينة، وهو تجاوز للإرادة نحو الرؤيا، وتجاوز للرغبة نحو التأمل. وفلسفة الفن عند شوبنهاور حسب قوله:" لو استطاع الإنسان، مدفوعاً بقوة العقل أن يطلق الطريق المألوف في رؤية الأشياء… لو توقف عن اعتبار ما في الأشياء من متى وأين ولماذا، وتطلّع إليها ببساطة كما هي فقط، لو حال بين فكره المجرد وفكر التصورات، وبين تملكه لوعيه وأعطى بديلاً عنه، كل طاقة العقل لما فيه من إدراك وأستغرق ذاته بكاملها في ذلك، فترك وعيه في تأمل هادئ للموضوع المتمثل أمامه، منظراً كان أو شجرة أو جبلاً أو بناية … الخ . فلو كان له ذلك لتخلص الموضوع من كل رابط يشدّه الى غيره، ولتخلصت الذات من كل رابط يشدها الى الإرادة، وما سندركه حين ذلك لن يكون هذا الشيء الجزئي أو ذلك، وانما هي فكرة الصورة السرمدية، والتمثل المباشر للإرادة في درجة ما، وفي إدراك كهذا يتخلص الإنسان من كل فردية، فتضع في ما يدركه، فيغدو ذاتاً من المعرفة الخالصة وأعلى من الإرادة والألم والزمن ".

لذلك فهو يعتقد أن الرؤية الجمالية هي تجاوز للطريق المألوف في النظر الى الأشياء نحو طريق أعلى يقود الى قلب الكينونة، طريق تأمل الجواهر الثابتة في الأشياء، حيث يتخلص الشيء الذي هو موضوع الإدراك الجمالي من كل علائقه فيملأ وحده وعي متأمله. لكن نهاية التجربة الجمالية، لديه هي نوع من التملص من الحياة، وشعوره بالهروب من الواقع، وإنعتاقه من الأشياء بمعانيها وقيمها الملموسة. يقول شوبنهاور: " أن جمال بعض الأشياء إنما يقوم أحيانا في أن حقيقة الفكرة، التي نتقرب فيها للأشياء تلك فتكون تجسيدا عاليا للإرادة، وتكون بالتالي كثيرة الأهمية وقوية التعبير."

والجمال عنده أيضا هو صفة للعالم حين نتأمله لذاته، وليس لأي سبب إرادي آخر. ويضيف بقوله " … ففي الإبداع الحقيقي هناك استباق على قدرة عالية من الذكاء بحيث يمكننا اكتشاف الفكرة الكامنة في ما هو جزئي، فيلتقط الفنان بذلك بيان الطبيعة شبه المفهوم، ويوضح ما أرتبك أو تشوّش فيه. من خلال ما يقدّمه في لوح رخام عجزت الطبيعة عن إنتاجه في آلاف المحاولات، وكما يقدم الفنان نتاجه للطبيعة كأنما هو قولاً لما كانت هي تحاول أن تقوله… " وبهذا فهو يعتقد أنه أحد عناصر التجربة الجمالية، الذي تجده في أية تجربة أخرى. وهو عامل الإلهام، أي الإدراك المفاجئ المضيء في الذهن، لكيفية شيء ما التي لا يمكن وصفها أو شرحها أو صياغتها، إنما يمكننا التعبير عنها مجازاً وعلى نحو رائع.

أن تصنيف شوبنهاور يبّين أن الفنان عندما يحقق الجمال في عمله الفني، فهو لا يحاكي الطبيعة في عمله هنا ، بل هي من خلق عقله، لأنها متضمنة فيه بطريقة قبلية، وتكون لديه صور هذا الجميل مخزونة في ذهنه.

كما إن تصنيفه للفنون الجميلة بناءً على مكانة المثل، التي تعبر عنها هذه الفنون، في سلم موضوع الإرادة. ومن هنا نستطيع أن نتتبع طروحاته وتميزه لهذه الفنون ومقدار تمثّلها أو بعدها عن غايات الجمال الخالص. فهو يرى بفن المعمار حسب قوله " أن الإنجازات المعمارية تختلف عن أعمال الفنون الأخرى، من حيث إنها نادراً ما تحقق الغايات الجمالية الخالصة. فهذه الغايات تكون بصفة عامة تابعة لأغراض نافعة أخرى، تعد دخيلة على الفن ذاته ". أما الرسم والنحت فهو يرى فيها " …. إلا أن درجة أعلى بكثير تنكشف في الرسم والنحت…. أن قضية الرسم والنحت التاريخية هي في التعبير عن الفكرة والإدراك الحسي مباشرةً، حيث تصل الإرادة فيها إلى أعلى درجات تجسيدها ".وأن رأيه في الشعر يأخذ أكثر إطراء وتبجيل بقوله " من شاء معرفة طبيعة الإنسان الداخلية، في ظاهرها وتحولاتها، ومن شاء معرفته في ضوء الفكرة، فأنه سيجد عندها شاعراً عظيماً وخالداً بصوره التي هي أكثر تميزاً وصدقاً وحقيقة مما يستطيع أن يقدمه أي مؤرخ."

أما الفن الذي يعتبره شوبنهاور هو فن الفنون وأرقاها، فهي الموسيقى فيقول فيها " أن سبب أثر الموسيقى الذي يفوق في قوته ودخوله الذات أثر الفنون الأخرى، لأن ما تقدمه الفنون الأخرى ظلالاً فقط، في حين تنفرد الموسيقى بتقديم الشيء كما هو في ذاته…. ولهذا قيل دائماً أن الموسيقى هي لغة الشعور والعاطفة تماماً كما أن الألفاظ هي لغة العقل…. بيد أنه لا يغيب عن البال… أن علاقة الموسيقى بالشعور والعاطفة علاقة غير مباشرة، إذ أن الموسيقى لا تعبر عن الظاهرة، وإنما تعبر عن طبيعتها الداخلية فقط، داخلية كل الظواهر بل الإرادة نفسها. "
أن قدر الانسان هو أن يكون حراً. فما يفعله كل إنسان، في لحظة إنما يفعله عن اختيار. منذ القدم كان الانسان في صراع مع الحياة من أجل الاستمرار والبقاء. فكان الحفاظ على البقاء لدى الانسان الهاجس الأكبر الذي يشده في بحثه عن المورد الأساسي وهو الغذاء في مراحل وعيه الأولى. ما أن تطور بمعرفته لمحيطه من خلال زيادة واتساع خبرته عبر تراكم تجاربه ومشاهداته بالإضافة لفعل الصدفة الذي يشحذ الفكر ليستنبط حلولاً لقضايا حيّرته، ليجد مخرجاً وتفسيراً لحيرته، وتعلم كيف يرّوض ويستثمر ما يجد حوله في الطبيعة لخدمته. لقد أستغرق تراكم المعرفة زمناً طويلا ًليتعلم منه ويستثمره في حياته. لأن الزمن لم يكن حينها ذا قيمة، بل لم يحسب كمقياس فعلي وقيمة لإنجاز العمل من حيث الجودة والدقة والسرعة والفائدة المرجوة منه في الحياة اليومية. وأن كانت قيمة الأعمال الإبداعية لا تقاس بالزمن، بل بقيمتها الفنية والجمالية والأخلاقية وإنجازها العلمي والمعرفي، على مدى كل العصور التي كان يعي الانسان فيها ذاته المستقلة. لأن الغموض يطغي على الكثير من ظواهر الحياة المحيطة به وعلاقته بها. فكان للطبيعة الجغرافية التي تشمل ظواهر المناخ والتضاريس والنباتات، دوراً كبيراً في بناء مفاهيم الانسان ورؤيته للعالم. لذلك نجد أن رؤيته تعتمد على هذه البيئة عبر التفاعل معها، فهو يسعى وسط بيئته وعبر صراعه وتفاعله معها، لإيجاد معنى لعلاقته بالأشياء وللأشياء التي تحيط به لكي تعطيه شعوراً بالطمأنينة والاستقرار.

لأن الفرد مدفوع بهاجس ذاتي للبحث والتقصي عن المعنى والإحساس بالطمأنينة، لأنه يجد نفسه دائماً أمام المجهول، لذلك يبحث عن مأمن يتقي به من مصاعب الحياة ومتغيراتها، لأنه يشعر كمن يسبح أو يبحر مدة طويلة مقاوماً أمواج البحر منتظر النجاة، سيفرح حين يشاهد من بعيد أرضاً يابسة، لكنه سيكتشف بعد فترة قصيرة أن هذه الأرض ما هي إلا جزيرة صغيرة لا تفي بغرضه ولا توفر له الأمان الكبير الذي كان يحتاجه ويطمح اليه. فيبدأ من جديد سعيه في البحث عن أرض الأمان التي فيها فردوسه وغايته. هذا هو الانسان لا يقف عند حد، دائم البحث والطلب متجدد الحاجات والرغبات، وبعض الأفراد يكونوا اكثر ثورية وتمرداً على أوضاعهم الذين لا يجدون في ما تقدمه لهم الحياة من إنجازات في جميع مجالاتها، عبر صراعهم وتفاعلهم معها، المعنى الذي يحتوي مشاعرهم وفكرهم الدائم التدفق والانطلاق الحر لأفكارهم في عالم الفكر والخيال واللامرئي.

يا ترى متى سوف يركن الفرد الى الزمن والمكان الذي سيحقق فيه كل تطلعاته؟ بالتأكيد أن هذا لن يتحقق لأن الانسان مسكون بهاجس البحث والفضول المعرفي والرغبة بامتلاك المزيد من الأشياء، كما أنه سريع الملل والضجر من الأشياء التي أعتاد عليها، لذلك فهو يسعى دائماً لإيجاد وسائل ومعارف متجددة ومتطورة، فهو كالسيل المتدفق الذي يبحث عن المنافذ والثغرات ليتسرب عبرها مستمراً في عطائه ومتقدماً نحو المجهول نابضاً بالحياة والحيوية لدخول عالم المستقبل.
لذلك فأن الانسان دائم البحث والاختيار لإيجاد الأسلوب والمنهج الجديد والمختلف، بعدما استنفذته الأساليب القديمة وصارت قيداً على حريته وقدرته على الاستمرار.

أن التاريخ الفني للانسان الذي يسعى لبناء وإيجاد عالمه بعيدا عن قيود الأنظمة والأيديولوجيات والطقوس الدينية وآراؤها التي تقف أمام التجديد في المفاهيم المتعلقة بالقضايا الدينية وضرورات الحياة التي تفرض صيغ جديدة أمام متغيرات العلاقة بين الانسان وعالمه. مستخلصين بعض آراء الفلاسفة المعاصرين في الفن والجمال وكيف هم يتذوقوا الجمال في الفن والطبيعة من خلال مذاهبهم الفلسفية.

أما موضوع الفن فهو نشاط الانسان الاجتماعي وفقا لقوانين الجمال. حسب قول ماركس. ونظراً لتنوع هذا النشاط فأن الفن ينطوي على كل تنوع العالم المادي. فليس موضوع الانعكاس الفني هو مجرد النشاط وفقاً لقوانين الجمال، وإنما هو الواقع كله، مأخوذا من منظور هذا النشاط. ولابد لمضمون العمل الفني من أن ينطوي لا على الوقائع الموضوعية للحياة الواقعية فقط، بل وعلى الخصوصيات الذاتية لرؤية الفنان للعالم.

لأن الوظيفة الاجتماعية للفن هي تلبية متطلبات الناس الجمالية عن طريق خلق أعمال فنية. فيساهم الفن في تهذيب مشاعر الانسان الجمالية، وفي تعميق عواطفه وانفعالاته، وفي الارتقاء بمستوى التصورات الفنية،… الخ. وبذلك يكّون الفن أذواق الناس الجمالية، التي وفقا لها يبدع كل إنسان، في ميدان نشاطه الملموس، وفقا لقوانين الجمال وبدخول الجمال الى الحياة.

يعتقد الفيلسوف برجسون ان الحدس هو جوهر الخبرة الفنية، فان الإدراك الجمالي لا يخرج عن كونه رؤية لا تكاد تتميز من الموضوع المرئي، أو معرفة يمكن اعتبارها ضربا من الملامسة. بينما كروتشه يرى ماهية الفن حسب رأيه " أن الفن عيان أو حدس، والحق أن ما يقدمه لنا الفنان إنما هو صورة أو شكل، وهي ومن هنا فان كل من يتذوق الفن انما يدير بصره نحو تلك الجهة التي يدله عليها الفنان، لكي ينظر من النافذة التي اعدها له الفنان، محاولاً أن يعيد تكوين تلك الصورة في نفسه ".

كما نستعين بفكر سانتيانا في مفهوم الجمال بقوله " أن طبيعة الماهية لا تتبدى على أحسن وجه اللهم إلا في الجميل، ولكن بشرط ألا يكون الجميل مجرد أسم غامض نخلعه على شيء بطريقة تقليدية، بل حضوراً إيجابياً فعالا أمام الروح. وحينما تكون بازاء صورة نشعر إنها جميلة، فإننا نجد أنفسنا بازاء مرّكب واضح تتألف منه وحدة واضحة، أو بازاء طابعين متمايزين من الشدة والفردية، نرى بوضوح أنهما ينتسبان الى حقيقة لا مادية خالصة، وغير قابلة لأن توجد على نحو آخر غير هذا النحو الجميل السار. ولأن كان هذا الجمال الالهي واضحا للعيان، خاطفا كالبرق، غير ملموس، شريدا لا موضوع له في عالم الواقع المادي، إلا أن من المؤكد مع ذلك أنه فردي مكتفي بذاته، فضلا عن أنه لا يمكن أن ينطفئ بالفعل أو أن يخمد تماما، وذلك لأنه وأن حل في الزمان، إلا أنه ينتسب الى الأبدية. "
و يرى الفيلسوف البراجماتي جون ديوي " أن الإدراك الحسي المتسامي الى درجة النشوة، أو أن شئت فقل التقدير الجمالي، إنما هو في طبيعته كأي تلذذ آخر نتذوق بمقتضاه أي موضوع عادي من موضوعات الحياة الاستهلاكية، لأنه ثمرة لضرب من المهارة أو الذكاء في طريقة تعاملنا مع الأشياء الطبيعية، بحيث نتمكن من زيادة ألوان الإشباع التي تحققها لنا تلك الأشياء تلقائيا، فجعلها أشد وأنقى، وأطول. "

بينما يرى ميرلوبونتي أن إبداع الفنان يقوم بتنفيذه لعمله الفني حسب قوله " أن الفنان هو الرجل الذي يثبّت على اللوحة، واضعا بين يدّي أكثر الناس إنسانية، ذلك المشهد الطبيعي الذي هم منه بمثابة جزء متكامل، وأن كانوا مع ذلك بعيدين كل البعد عن أن يروه … " كما نستعين برأي فيلسوف العبث والتمرد البيركامو بقوله " أن الفنان لا يستطيع أن يستغني عن الواقع، أو أن يتهرب من المجتمع، ولكن الفن إنما يعلمنا كيف ننشد تلك الوحدة الحقيقية التي ينطوي عليها الواقع في جانبه العذري، إلا وهو ذلك الجانب الذي نسميه باسم الجمال وليس من شك في أن الجمال لا يصنع الثورات، ولكن لابد من أن يأتي اليوم الذي تشعر فيه الثورات بحاجتها الى الجمال. اليست قاعدة الجمال التي تنحصر في معارضة الواقع مع العمل في الوقت نفسه على تزويده بضرب من الوحدة، إنما هي بعينها قاعدة التمرد. "

أما سارتر فيقول " أن الموضوع الجمالي موضوع متخيل، فهو لا يكون ولا يدرك إلا بفعل ذلك الوعي المتصور الذي يضعه باعتباره لا واقعياً. " ويضيف " أن الخيال هو الوعي يأسره من حيث هو قادر على تحقيق حريته. " كما يعتقد " أن الموضوع الجمالي، هو أشبه ما يكون بنداء يوجهه الفنان الى المتذوق، مهيبا بتخيله أن يعمل عمله من وراء إدراكه الحسي. وليست مخيلة المتذوق مجرد وظيفة تنظيمية تقتصر على تنسيق الادراكات الحسية، بل هي وظيفة تركيبية تقوم بعملية إعادة تكوين الموضوع الجمالي ابتداء من تلك الآثار التي خلقها الفنان. "

ويقول كاسيرر الذي صاغ فلسفته بتنقيبه في التاريخ البشري وتقلباته الحضارية والقيم والمذاهب التي عالج وحلل بها الانسان قضاياه وعلاقته بالكون ونفسه. فيقول " أن الخبرة الجمالية مشحونة بالإمكانيات اللامتناهية التي تظل غير متحققة في مجال التجربة الحسية العادية. وأما في العمل الفني، فان هذه الإمكانيات تستحيل الى وقائع، إذ تخرج الى عالم النور وتتخذ لنفسها أشكالاً محددة. وربما كان من بعض مزايا الفن، أن لم نقل من أعمق أثاره، أنه يكشف لنا عن بعض تلك الجوانب الخفية من الواقع، فيرينا من الاشياء ما لا عهد لنا به في التجربة الحسية العادية. "

ويبين لنا المفكر والناقد الفني الكبير هربرت ريد بتعريفه للجمال في كتابه (معنى الفن) بقوله " أن الانسان يستجيب لشكل الاشياء القائمة أمام حواسه وسطحها وكتلتها، كما ينتج تناسق معين متعلق بسطح وشكل وكتلة الاشياء، وينتج في صورة إحساس بالمتعة، بينما يؤدي الافتقار الى مثل هذا التناسق الممتع هو الاحساس بالجمال، والإحساس المضاد هو الاحساس بالقبح ". ويضيف أن " الجمال هو وحدة للعلاقات الشكلية بين الاشياء التي تدركها حواسنا ".لكن ليس بالضرورة أن يكون الفن جميلاً.
بينما تعتقد سوزان لانجر " أن الفن رمزاً مبدعاً، يعبر عن الوجدان البشري… وأن العمل الفني يمدنا بعاطفة جمالية… وأن قدرة الفنان على التعبير عن هذه العاطفة الجمالية، التي تختلف عن أية عاطفة، وأن الجمال يتبدى في العمل الفني من خلال إمكاناته التعبيرية. " ومعيار الفن عند لانجر حسب قولها " أن معيار الفن هو قوته في أن يحضر للتأمل، وأن يكشف عن الوجدان، الذي يمكن أن نتحقق من أنه حقيقي، مع ما يعرفه الفنان من أن الشكل حقيقي، ذلك لآن كل أشكال الوجدان هامة. "



#ماجد_محمد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من كتاب أوهام النخبة - علي حرب
- الوضعية المنطقية أو التجريبية المنطقية
- الفن الغربي
- الواقعية الجديدة : الفرد نورث وايتهيد
- مفهوم الجمال في الفكر الإسلامي
- الفن الاسلامي
- المثالية المحدثة بينيديتو كروتشه
- الفن العراقي القديم
- الفلسفة البراجماتية
- الفلسفة الوجودية
- السؤال الفلسفي
- دور الإنسان والموروث في غياب الممارسة الديمقراطية في واقعنا ...
- إشكالية التخلف في واقعنا الاجتماعي


المزيد.....




- مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل ...
- متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح ...
- الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م ...
- السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
- مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
- فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي ...
- الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار ...
- لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك- ...
- -الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
- بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ماجد محمد حسن - مفهوم الجمال بالفكر الغربي