مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 989 - 2004 / 10 / 17 - 11:45
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
فليعذرني القارئ , وليسامحني فلذات كبدي , وأهلي , وإخوتي , وايعذرني أيضا سجيني .. إذا قصّر أحد أولادي في يوم ما في دروسه أو
قطعت إحدى بناتي جزءا من إصبعها أثناء اللعب في باب إحدى حدائق الحي مع رفيقاتها , أو عدم إستطاعتي في إحدى زيارات السجن أن لا
أتواجد في اليوم المحدد للزيارة أنا وعائلتي - وهذا شئ غير عادي وصعب جدا على معتقل .
أو عدم تمكني من زيارة أحد أبنائي وهو في ( معسكر ) المدرسة الإبتدائية في منطقة الزبداني - أو اضطرار بعض أبنائي وبناتي للعمل في
المخابز والمعامل والورشات الكهرباءية وغيرها لتسديد بعض النفقات العائلية . أو يوم خطوبة وعرس وزواج وحفلات أختي ( الوحيدة ) وأخي
أيضا لم أستطع أن أشارك في أعراسهما وأفراحهما - وقد ذهبت هذه المواقف في بلدتي صيدنايا فيما بعد مثالا في الوفاء - وغيرها وغيرها من
الغصات والمحطات الموجعة في حياتي . بينما كان أعداء هذا التيار الثوري يتهموننا بأننا نتلقي أموالا من الصين الشعبية - لأن بعض الناس
يعتقدون وفق أفكار مسبقة بأن كل حزب أو حركة سياسية يجب أن تمول من الخارج .. قياسا على بعض الأحزاب في سورية والوطن العربي. .
حتى بلغت الوقاحة ببعض الذين كانوا يدعون صداقتنا بزيارتنا والتطفل بفتح ثلاجة منزلنا ليعرفوا ماذا نأكل وماذا نشرب ..!!؟؟؟
وبكل إعتزاز أقول : من حق مدرسة النضال .. والوطن .. والأسرة الإنسانية أن تفتخر بنضالنا , حيث استطعت أن أخرج من هذه المحنة ..
بالإعتماد على النفس والعمل الشاق المنظم .. متحدية السجن والإضطهاد وسياطه التي لا ترحم .., بكل ثقة وإصرار .. بابتسامة وأمل وتفاؤل
و ( أناقة المناضلة ) وفن وجمال وتلوين نهارها الذي كان يتحول من صخور جبلية تثقل الرؤوس والأكتاف صباحا .. لتتلاشى كالرياح..
كالضباب .. وتصبح كالريشة مساء ...
بفضل التصميم والتنظيم والتحدي والإيمان .. والإرادة , ومنتهى الهدوء والصمت في العمل وفي البيت -
نعم ... هكذا مرّت سنوات كانت تمشي كالسلحفاة فوق صدورنا دون أن يدري بنا أحد , أو نظهر شيئا من معاناتنا واّلامنا , عدا ما كان يرشح
دون قصد منا , ودون إرادتنا .. من أمراض واّثار دماء الجريح .. ويأبى التحدي دوما أن يتطاير منه بعض الشظايا إلى هنا وهناك فينكشف
شعاع من حزمة العمل التي نقبض عليها بين أيدينا ... ,
حيث جعلت اليوم عندي أكثر من 24 ساعة .. لكي أعطي أكثر فأكثر عملا وسهرا ..وإنتاجا .
إن هذه الحوادث والمواقف المؤلمة والقاسية حقا حتى العظم , والتي مررنا وذكرتها اّنفا باختصار شديد شديد , كانت فعلا خناجر مسمومة في
موت بطئ - كلما تذكرتها وكلما نبشتها من الذاكرة واللاشعور تلتصق في ( المسيرة المريمية ) .. المدفوعة دما ودموعا وأمراضا ..وأتعابا
ومعاناة صامتة . إنها في الحقيقة منتهى الإلتزام والمسؤولية ..!
هنا لا بد لي في هذه المناسبة .. أن أقدم جل تقديري واحترامي وشكري الكبير للذين وقفوا بجانبنا في هذه المحنة .. ماديا ومعنويا وأدبيا ...
أصدقاء ورفاق وأحزاب ومنظمات وشخصيات وطنية ونقابات وأهل وأقرباء .و ونقابة المحامين , قبل أن تسيطر عليها أجهزة الدولة وتحرفها عن إستقلاليتها .
وأخص بالذكر الأستاذ سمير كحالة والأستاذ مروان الحصري و
المحامون الذين دافعوا عن زوجي في المحكمة العسكرية الأساتذة : هاني البيطار -ود. محمد الفاضل - .. الضاحي وغيرهم الذين غابت
أسماؤهم عن الذاكرة مع الأسف . والذين دافعوا عني وعن رفيقاتي أمام محكمة أمن الدولة 1976 - بتهمة ملفقة ( كتم معلومات ) عن مؤامرة
لإغتيال أحد روؤس النظام - رفعت الأسد - .
كما أشكر الفريق عفيف البزرة , والأستاذ بشير صادق , والأستاذ حمود الشوفي .
شكر كبير لقيادة ورفاق ( الحزب الديموقراطي الكردي اليساري( الإتحاد الشعبي ) اليوم , ودعوتنا للإشتراك في حفلات أعياد النوروز في
حي الأكراد بدمشق وإلقائي كلمة بهذه المناسبة الشعبية الوطنية , ووقوفهم معنا في محنتنا وإيصال صوتنا لمنظمات حقوق الإنسان في أوربا .
ولا أنسى إستقبال ومساعدة الأخ والصديق ( صلاح بدر الدين وعائلته ) في بيروت , يوم كان منزله مفتوحا لتأييد وخدمة كل الأحرارو ..
المناضلين في سوريا ولبنان وفلسطين وغيرها .
تحية خاصة إلى الرفيق الشهيد ( شهاب ) من الماركسيين العراقيين الأكراد , الذي جسد عمليا الروح النضالية العالية والعلاقة الأخوية النبيلة
للتضامن والوفاء الإنساني لحزبه .
والرفاق الثوريين من إيران وتركيا تحية نضالية .
تحية وشكر كبير ل د . عبد الرحمن شقير - الذي قدم لي ولعائلتي كل المساعدات الطبية مجانا .. وكذلك ل د . ( ف . ب ) .
للفلاحين الأكراد في الجزيرة السورية الذين كانوا دائما يتوافدون جماعات جماعات للإطمئنان والسؤال عنا وعن زوجي السجين
المحامي المدافع عن حقوقهم القومية المشروعة في عام 1973 تحية حب وامتنان .
تحية وشكر للاّباءالكهنة الذين قاموا في منتهى الواجب الأخلاقي والروحي والإنساني الكاهن : يوسف معمر , الكاهن : قسطنطين يني ,
والكاهن : .. إميل مرقدة الذي كان في منتهى الذكاء والديبلوماسية والثقافة والإطلاع - حين اكتشف في لمحة ما وكلمة ما حين كان يسألني عن
بعض من محطات حياتي ودراستي ليقول : اليوم اكتشفت وعرفت كيفية استقلال خطكم وحزبكم .
تحية وتقدير للسفير الفيتنامي وأعضاء سفارته في دمشق الذين تربطنا بهم صداقة حميمة وزيارات متبادلة ووحدة نضال وقد وجهوا لنا
دعوة لزيارة فيتنام بعد خروج زوجي من السجن .
وهنا لا بد لي من تسجيل جملة قالها السفير الفييتنامي يوم زيارتهم على رأس وفد شعبي نظمناه للتهنئة بإنتصار الثورة الفيتنامية البطلة على
الإمبريالية الأميركية حيث قال أمام الجميع : إننا لا نخاف على سوريا وشعبها لأنني أري أمامي ثلاثة أجيال من المناضلين : الأم .. ..
الإبنة .. والحفيدة .
وأخيرا .. إن هذه التجارب والخواطر المرّة والحلوة التي كتبتها وسجلتها .. هذه المعاناة هي جزء من السيرة الشخصية , وبالتأكيد هي
واحدة من معاناة شعبي في هذا الوطن الكبير المترامي الأطراف من الماء للماء .. ومن الشمال إلى خط الإستواء . أسجلها على وريقات
الورد .. وأبر الشوك , ليطلع عليها الاّخرون أينما كانوا وفي أي موقع , وحزب , وتنظيم , وجمعية أو نقابة , لتطلع عليها الأجيال ..
الحاضرة والقادمة , لدراستها وتقييمها وانتقادها , أو أخذ العبر والدروس من ثناياها .
ومما لا شك فيه إن هذا العمل جزء من واجب إجتماعي ووطني وإنساني وتربوي أخذته على عاتقي على أن أنقله بأمانة وصدق وحب .
وهو جزء بسيط من هذه التجربة القاسية . مهما حاولنا أن نجملها ونضع لها المثبلات والتلاوين والإخراج على مائدة ومسرح الحياة
اليومي .. ستبقى ..
ستبقى هذه التجربة الإنسانية الصغيرة والبسيطة .. لوحة خالدة في ( متحف الحرية ) بخصائصها وصورها , بألوانها وموادها
وخطوطها - إن شئنا أم أبينا .
وبالتالي .. لكي أكتب على تمثال مسلة الحرية في ساحة الوطن أصدق الكلمات وأحرها .. بتعبير وأسلوب بسيط لكنه نابع من القلب
ومن الجرح .. والوجع الصامت في زوايا اليوم كله . لأني لست بأديبة أو كاتبة .. أو شاعرة ,
فليعذرني القارئ وأساتذة اللغة العربية .
إنني فقط .. . إنسانة عادية , لدي مشاعري وعواطفي وأحاسيسي وتجربتي الإنسانية الخاصة -
أملك الحب الفياض الكبير لزوجي ( سجيني ) .. ورفيق الدرب -
أملك حبي لأبنائي .. وكل أبناء شعبي .
ومع كل ورود الحب أقدم هذه الخواطر ...
..!! لتكون هدية لكل أحرار العالم .. وسجناء الحرية .
1984 - م ن - الكادحة -
بهذا انتهت .. مقدمة مؤلف : خواطر زوجة سجين - أما الخواطر وقطع النثر , فقد نشرت واحدة منها بعنوان : علامة الإمتحان -
في هذا المنبر الحر وسأنشر بعضها أيضا في أوقات أخرى .ة .
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟