|
كيف تمت عملية التسجيل للانتخابات الفلسطينية؟
ناجح شاهين
الحوار المتمدن-العدد: 988 - 2004 / 10 / 16 - 12:15
المحور:
القضية الفلسطينية
وهكذا انتهت عمليات التسجيل للانتخابات بعد أن تم تمديدها مدة أسبوع: سبعة أيام بالتمام والكمال. وليس بين أيدينا نتائج واضحة لماهية ما استقرت عليه نسب وأعداد المسجلين. ولا ندري إن كان أولو الأمر قد رضوا أخيراً بما وصل إليه الحال، أم أن التسجيل لم يبلغ غايته ومنتهاه على الرغم من مسلسل الأغاني المتلفزة والمذاعة التي تفننت في تجلية مزايا التسجيل ودوره في القضاء على المرض والجهل والتخلف، وقدرته الفائقة على إحضار التكنولوجيا من ذيلها، مصحوبة بالعز والمتعة لكل بيت فلسطيني، وربما بيوت الجيران العرب أيضاً. وعلى الرغم من أنني لا أستسيغ القصيدة العصماء التي تزعم إمكان تخضير الربع الخالي بالاستعانة بالديمقراطية الليبرالية، إلا أنني والحق يقال كنت أود أن أشاهد أننا على الرغم من التصحر والقهر والجهل والمرض وتاسعة الأثافي ونعني الاحتلال، نستطيع أن نمارس نشاطاً واحدا ًبأسلوب حضاري. كنت أود توهم وجود بصيص النور مردداً مع الغزالي : فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر. وذلك على الرغم من أن طباعي وطبيعة عملي تقتضي مني التمحيص والتروي قبل توهم أن كل ما يلمع ذهب خالص. قلت في سريرتي وجوانيتي: قد نتعلم شيئاً على الأقل عن الاحتكام لإرادة المجموع، وقد نتعلم فن الإصغاء، وفن انتظار قرار الشعب الذي هو مصدر كل السلطات. لكن الذي جرى أثناء ورشة "الديمقراطية" كشف ما هو متوقع بالضبط وما لا نمل من تكراره في الحالة الفلسطينية بوصفها نموذجاً فائقا من نماذج العالم الثالث والعرب أجمعين: إنه عودة إلى أنشودة العمل التطوعي الإجباري التي ابتدعها فيما يقال أول الأمر الحجاج بن يوسف الثقفي ثم طورها أهلونا في القرن العشرين، قرن النهضة المعاصرة بامتياز. ويبدو أنه بحسب قواعد هذه الطريقة يمكن إلزام الشعب بالعمل تطوعاً عبر بعض التهديدات الخفية أو نصف المعلنة. وقد تبين أن الشعب يستجيب بالفعل وعلى نطاق واسع ويتجه "مختارا" نحو خدمة وطنه ومجتمعه غير طامع في شيء من متاع الدنيا الفانية. والظاهر أن ما يصح في حالة العمل التطوعي الجبري قد يصح في حالة الانتخابات الديمقراطية. ولا داعي لاستعادة نماذج الجيران، ولا نموذجنا الفلسطيني قبل عشر سنوات، فالنموذج الحالي كاف بذاته. لابد أننا في حاجة إلى قراءة بحثية موسعة لما جرى في الأسابيع المنصرمة فيما يتعلق بعملية التسجيل الانتخابي. ومن جانبنا فقد تابعنا الموضوع في قراءة متعثرة وسريعة بغرض مواكبة الحدث أولاً بأول. وقد وقعنا مثل شعبنا المحتار فريسة البلبلة والقلق بخصوص الجدوى من قصة الانتخابات كلها، وكتبنا بعد ذلك أن مقاطعة الانتخابات تسجيلاً وتصويتاً هو القرار الأصوب في هذه المرحلة. لكننا اكتشفنا في خضم ذلك أن المقاطعة ليست خياراً متاحاً بالفعل، وأن المرء ليس حرا تماما في أن لا يمارس الديمقراطية. إذ يبدو أن ممارسة هذا الحق هو أمر إجباري. ويبدو أن الإجبار قد تم في التطبيق بعدة طرق نرغب في ذكرها هنا على وجه السرعة تاركين لأعمال أكثر تعمقاً أن تقوم برصد الموضوع على وجه أدق. في استطلاع سريع للرأي شمل حوالي مائة وخمسين من الموظفين والموظفات في وكالة الغوث ( وقد استغل الباحث فرصة تجمعهم بسبب إضراب يخوضونه للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية) اتضح أن الذين يقولون بأن التسجيل حق يمثلون حوالي 12% من الذين تم استطلاعهم. ومثل الذي سجلوا خوفا نسبة مقاربة هي 10% وهؤلاء خافوا من سحب جوازات سفرهم أو مضايقتهم في لقمة العيش أو منعهم من السفر أو حرمانهم من الترقية خصوصا الموظفين في قطاعات العسكر والشرطة. لقد تم نشر إشاعات مفادها أن من لا يسجل سوف يعرض نفسه لمشاكل هو في غنى عنها. أود أن أقول إن خمسة يحملون درجة الدكتوراة ويعملون في الجامعة قد سجلوا خوفاً من العاقبةِ، وذلك مؤشر خطير على درجة الخوف التي اتصف بها السلوك الانتخابي أثناء عملية التسجيل. إننا لم نستمع إلى أية محاولة ولو من باب رفع العتب لطمأنة الجمهور أن أحداً لن يضرب على أيديه إذا هو قاطع التسجيل، بل إن العكس هو ما نخشى وقوعه فقد تم استثمار الخوف وتشجيع الناس على سلوك القطيع الذي يتطلب وضع الرأس بين الرؤوس بدل التفكير الجدي في دوافع إنسانية عقلانية تفسر الفعل وتعطيه أبعاداً عاقلة بالفعل. ومن الواضح أن دمج البلديات في السياسة ساهم في إجبار قطاع واسع على التسجيل. بل إن هناك تيارات مهمة مثل حماس ربما تكون قد سجلت لغاية الانتخابات البلدية فقط. وهو ما يعني أن النزاهة والجدية واحترام العملية الديمقراطية كان يقتضي من القائمين على التسجيل التمييز بين الأمرين. وطبعاً لا نستطيع أن ننسى أن هناك من سجل تعصباً قبلياً أو عصبية سياسية كما قال أحد المعلمين حرفياً. وهذا للأسف يذكرنا بأن العملية الانتخابية قد ترتد بالناس إلى مستوى التجمعات ما قبل الحداثية، وتسهم تبعاً لذلك في التراجع بدل التقدم. ولعل متابعة الأرقام تكفي للدلالة على سوء الممارسة على نحو مخيف بالفعل. فقد عبر حوالي عشرين بالمائة من المسجلين أنهم فعلوا ذلك من باب أن الناس تسجل. فهم سجلوا " زي " الناس لا أكثر ولا أقل. وعند سؤالهم هل يعلقون أية آمال على الموضوع أجابوا بحسم مدهش: كلا البتة. والواقع أن هناك إجابات أكثر إثارة للشفقة، ومنها حوالي 12% من المسجلين الذين قالوا أنهم فعلوا ذلك لأنهم ُأخذوا على حين غرة وتعرضوا لموقف لم يستطيعوا فعل شيء حياله. ومن هؤلاء تبرز الزوجات اللائى سجلن تحت إشارة من الأزواج الذين يقررون في هذه الأمور كما غيرها نيابة عن نسائهم. وهناك فئة من الناس الذين سجلوا دون سبب أي أنهم سجلوا لأنهم وجدوا أنفسهم في الجوار فقالوا وما يضيرنا إن سجلنا؟ وقد كان رد هذه الفئة على السؤال لماذا قمت بالتسجيل هو" هيك ". وهي إجابة واضحة بذاتها في الثقافة الفلسطينية الرسمية والشعبية على السواء. وقد وجدنا أن نسبة لا بأس بها تزيد عن عشرين في المائة من المسجلين مقتنعة بأن التسجيل والانتخاب قد يشكلان المدخل الصحيح لتغيير الأوضاع القائمة. وبمعنى من المعاني فإن هذه الفئة فقط يمكن اعتبارها قد سجلت بالفعل بينما البقية هم أدلة على وجود الأمراض ولا يشيرون إلى وضع صحي أبدا. ومن هذه الفئات فئة طريفة تكبدت مشقة التسجيل لكي تمتنع لاحقا عن التصويت فتسهم في إفشال عملية الانتخابات التي تعتبرها غير ذات جدوى سلفا، وتقدر أنها ستزور وأنها حتى لو لم تزور لا تفيد الشعب الفلسطيني في شيء. هناك في الواقع نسبة وإن تكن قليلة سجلت حباً في الرئيس عرفات. وقالت إنها لولا دعوة الرئيس للتسجيل لما اهتمت بالقصة من ألفها إلى يائها. وفي مقابل المسجلين تأتي فئة الممتنعين عن التسجيل وقد أجاب أعضاؤها بحذر واضح وأرادوا التأكد من هوية الباحث ونواياه وأصروا على عدم ذكر أسمائهم. ولكنهم بعد إذابة الجليد كانوا لا يتورعون عن نقد العملية كلها من حيث المبدأ موضحين أنها تمثيلية غربية يقوم عليها مجموعة مرتزقة ولاؤها الأساس للمال وإيمانها بالديمقراطية هزيل وينكشف عند أول محك جدي. هذه الفئة مثلت حوالي أربعين في المائة من الذين تم استطلاعهم.
#ناجح_شاهين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميتافيزيقا التفجيرات في طابا
-
الحق في عدم التسجيل
-
اختراعات وكالة الغوث الدولية
-
قاطعوا التسجيل للانتخابات
-
حول موضوعة الانتخابات
-
إسرائيل لن تبقي ولن تذر
-
الوطن يسع الجميع نحو حقوق إنسان بمشاركة القادة الدينيين
-
عذاب الجسور تحية لشرطي المعابر على الرغم من المعاناة
-
المرأة والعنصرية
-
الماء أولاً، الحريات الغربية أخيرا
-
يقتلون ويبتسمون
-
إرهاب الاحتلال وإهاب المقاومة ومجموعة ال55
-
ما جرى في أبي غريب ليس بغريب
-
ماذا بعد الرنتيسي؟
-
حقوق المرأة كل لا يتجزأ
-
أولاد آرنا
-
المرأة إنسان في المطلق لا في النسبي
-
لماذا لا نغلق المدارس والجامعات؟
-
أغنية - الكليب - وحقوق الإنسان
-
حول الفرق بين الإرهاب والمقاومة إلى إبراهيم وبقية الضحايا
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|