واثق الواثق
الحوار المتمدن-العدد: 3308 - 2011 / 3 / 17 - 07:45
المحور:
الادب والفن
زيد الشهيد بلغة أخرى ...
ربما يكون من المضحك فعلا إن ينبري مثلي للحديث عن أسطورة الرواية والقصة الشهيد زيد ولكن حبي وشغفي وامتناني له دفعني لخوض غمار المعركة الخاسرة والحالم بعيدة عن أجواء إصابة كبد الحقيقة بعد مخاض عسير من التناقضات والإرهاصات والتوقفات أخيرا قررت الإبحار في بحر عميق كثير الأمواج بشراع رقيق لا يقاوم هذا المد الهائج ...
والحقيقة إني لست من المختصين أو المعنيين في مجال الأدب والنقد بقدر ماانا متذوق ضعيف ومقل في هذا المجال ولكن بحر الشهيد دفعني للغوص والكشف عن الإسرار او ماوراء الإسرار دون سلاح أتسلح به سوى الإعجاب وهي صفة لأتقبل لأي ناقد أو حاكم ...ومع ذلك سأكون منصفا قدر الإمكان لكي امنح النص وكاتبه القوة والمصداقية ...فبدأت مع رحلة ( سبت ياثلاثاء .).المشحونة بسعرات عاطفية شفافة وهادرة استطاع الشهيد إن يترجمها بكلمات وتراكيب لفائفية ظفائرية معقدة بعض الشيء تحمل في طياتها عدة معاني وتفاسير تشرد بذهن القارئ تارة وتجيء به تارة فكأنه في زورق وسط بحر هائج وغاضب في نفس الوقت ...فالترميزة التي استخدمها الشهيد كعنوان الرواية للزمان والمكان والأشخاص كانت بمثابة طلاسم يصعب فك شفراتها الا المتبحر والمتفحص والمتعمق في مجال النقد أو الأدب .. بلغة شعرية خرقت قوانين التقليدية والالتزام الكلاسيكي فكان الشهيد متمردا على لغته العربية المائعة السائلة من رفوف الفصحى والبلاغية جاعلا منها مجموعة الماسات في عقد ضفائري ازوردي متين وبهيج وهو يرتب حلقاته بأجمل ترتيب وان استرق نظر الناظر إلى طريقة التكلف بعض الشيء في صياغته .. وربما لاتساع ثقافته او لتأثره بالثقافات الأخرى التي أضافت له الكثير ..مع لغته الانجليزية ..
فلم يكن مصادفة ان يكون زيد زيدا فعلامات النبوغ ربما كانت منذ الطفولة سيما ان هناك مايدل على ذلك ..فحب المطالعة والتأثر بالناس والأشياء ومحاولته لترجمة ذلك بخواطر وكتابات تدل على ذلك..
ولكي أكون منصفا للنص والكاتب حاولت ان استرق نفسي وأعيش أجواء القصة فلم ولم استطع كون اللغة التي كتبت بها القصة قد تكون لعصر غير عصرنا او لأناس غيرنا وقد يكون الشهيد كذلك ..ما شكل اشكالية في الاسلوب الجديد..لهوية الرواية العراقية المعاصرة
إما الأسلوب الذي هو طريقة الكاتب او المؤلف في الكتابة وهو البداية لكشف المنولوج الداخلي لأي مؤلف او كاتب والقراءة السيكولوجية أو المرأة الحقيقة العاكسة للهواجس والإرهاصات والترجمة الحرفية لما وراء الظاهر ..فكان أسلوب ماوراء السرد اللولبي المركب التعقيد الملغوم المثخن بالتعبير والتراميز والإيماءات والمعاني جعل مساحات الاستمتاع والاستئناس والتأمل تلتقط انفاسها حتى الرمق الأخير, من خلال منظومة بلاغية بالغة المعنى وعالية الصياغة, فهو أسبغ الكلمات البالية حلة جديدة من خلال تلاعبه بالأوزان والمشتقات والتفعيلات والتصاريف , سيما ما يتعلق بتصريف المفردات واشتقاقاتها وتدويرها بأسلوب مهاري فني حاذق ,ساعده على التخلص والتملص من التكلف والميوعة النصية وفقدان السيطرة على النص ..وبهذا أيضا نجح الشهيد في استمالة النقاد دون التعرض إليه إلا بإشارات قد تكون مصدر قوة أخر ..
فأسلوبه اللولبي الرابط القوي من خلال التلاعب بالتصريف الملون والموشح بالأساليب البلاغية الجميلة من جناس واستعارة وتورية وطباق وتضاد دون الإكثار او التكلف والممزوج بتداخل وتناسل الصور في التركيبة الواحدة ضمن افق خيالي رحب وخصب متدفق على طول الطريق الشائك .أضاف له سمة أخرى وهو يسبح في بحره المتلاطم ربما مقتديا بالمثل او الحكمة القائلة ( لاتكن يابسا فتكسر ولا لينا فتعصر ) فهو تخلص من اللغة السائحة بأسلوب قانوني مهذب وصولا إلى لغة المثقف للارتقاء بالذهن إلى اسمي المستويات وانتشال القارئ او المتلقي من غيبوبته وسباته العميق المعتاد
ومحاولته لأرشفة الواقع على اعتبار إن الكاتب ابن بيئته وعليه إن يلتزم بعض الشيء تجاه قضاياها . وهو ديدن كل الكتاب ولا غرابة في ذلك سوى انه امتاز بكونه كان أكثر دقة وإمعان لتصوير الواقع عن كثب حتى قيل ان الشهيد زيد مصور حاذق وبارع أكثر من كونه كاتب وهي نقطة أخرى تضاف له في سجله الحافل بالإبداع والمفاجئات وقد تكون تجربته الغربية المائلة إلى السرد في تفاصيل الأشياء وصولا إلى محاكاتها وألسنتها سبب في ذلك .
ومحاولة الشهيد القفز على الواقع المنافق والملبد بالغيوم والإرهاصات بجرأته النادرة في مجتمعه المحافظ أو المسروقة ..كذلك كانت مصدر قوة لطائر الجنوب المتمرد على بعض الترسبات والمخلفات الماضوية وهو يأرشف لذلك الماضي بكل تفاصيله أو ربما لكي لا يكون في خبر كان أو رفوف النسيان القديمة .بأسلوب المزاوجة بين الثقافتين العربية والغربية والذي من خلاله استطاع العبور إلى أفق العالمية من خلال ترجمة كتبه لااكثر من لغة أجنبية ما جعل منه قاصا غزير الإنتاج متدفق العطاء لايكل ولا يمل ولإيفل يراعه .. ولا يشق له غبار ..تاركا الزمن والآخرين إلى الوراء ..
وبالرغم من كل المحاولات النقدية التي تناولت نصوص الشهيد زيد وغاصت في غورها الا أنها مازلت قاصرة إمام هذا العملاق والأسطورة الذي استطاع إن يسخر ويطوع وينطق ويمنطق كل ماحاوله من جل خلق الخلق وإبداع الإبداع بلون ومسحة ونكهة جديدة استرقت العقول والقلوب وهي تتهافت على قصصه تهافت الفراش على الزهور ..دون فك رموز ها والولوج إلى عالمها الحقيقي الذي اختطه لها بطريقته السحرية الشهية العذبة المدللة لكي تبقى سرا عصيا شهيا على القراء , فكان نعم الزوج لنعم الزوجة ....
واثق الواثق
#واثق_الواثق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟