|
الشعب يريد ....!
مسَلم الكساسبة
الحوار المتمدن-العدد: 3307 - 2011 / 3 / 16 - 14:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مما لا شك فيه وهو ما تجلى بأوضح صوره في الثورات الشعبية الأخيرة التي اتخذت شعارا موحدا لها هو : ((الشعب يريد ...... )) مع اختلاف في ما لذي يريده أي العبارة التي تتبع عبارة الشعب يريد فقد تراوحت بين أسقاط النظام وتغيير النظام وإصلاح النظام .. لكن الرسالة المستخلصة هي أن هذا زمن إرادة الشعوب والأمم وليس إرادة السلطات والحكومات والحكام. وزمن إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ليكون صاحب الولاية الحقيقي هو صاحب الإرادة ويكون القول الفصل قوله بعد أن سلب هذا الحق وقلب الهرم رأسا على عقب لحقب طويلة.
شعار "الشعب يريد" يكثف ويختصر الكثير ، ويعيد المسائل إلى نصابها الحقيقي والشرعي .
فإذا كانت الأمة هي صاحبة الولاية وهي تبعا لذلك مصدر السلطات ..
وإذا كانت الأمة كمصطلح أو وصف مطلق إنما تتجسد بشكل مادي ملموس في الشعب .
فان الذي يريد في النهاية والذي تعلو إرادته كل الإرادات التي هي في الواقع مستمدة من إرادته هو هذا الشعب وليس غيره..
فالشعوب بهذا الشعار تـُذكّر السلطات أنها هي صاحبة الإرادة وهي صاحبة الولاية ، الإرادة إرادتها والشأن شأنها ، وتـُذكر السلطات إنها ليست سيدة للشعوب بل خادمة لها .. فإذا قصرت أو حادت عن شروط الخدمة وجب أن تستعيد الشعوب إرادتها لتفوضها من جديد لمن يمتثل لتلك الإرادة ويحسن التصرف فيما منح وفوض له ويفهم جيدا معنى أن إرادة الشعب فوق إرادته ، ويتصرف كأداة وآلة لإدارة الوطن ، لا كمالك مطلق له الحرية أن يبيع ويشتري فيه كما يشاء ، متصرفا على انه هو السيد والأمة مسود .. وهو الذي يريد وهي التي تمتثل .
"الشعب يريد" شعار أعاد الأمور إلى نصابها وذكر من نسي أو تجاهل أو قفز عن هذه الحقيقة ليعود ويتذكرها جيدا أن الإرادة هي إرادة الشعوب ، والسلطة بأي شكل كانت هي شكل من أشكال تلك الإرادة وتجل من تجلياتها ومُنفذ مدبر لها بحكمة وضمن حدود ، ولا يجوز لمن فوضت له تلك الإرادة أن يتعداها أو يتغول عليها أو يحتكرها فيجعل الإرادة إرادته والقرار قراره ويتصرف بها كيفما شاء كما لو كانت شيئا يمتلكه ملكية خاصة فيتصرف بما يمتلك كيف شاء وما على الناس إلا الامتثال والرضا ؟
بعض أنظمة الحكم إما لطبيعتها كأنظمة تطورت عن نظام رئيس أو شيخ القبيلة فغدت ملكيات أو إمارات أو مشيخات ، ومثلها أنظمة رئاسية مشوهة بحكم تعاقد اعتدي عليه وشوه .. أغفلت هذه الحقيقة أو أحدثت خلطا متعمدا وراكمت غبارا عليها لدرجة أن بعض الناس اعتاد على أن هذا هو السياق الطبيعي للأمور مع انه ليس كذلك . ودعمها في ذلك بعد القهر والغلبة الذي هو أصل نشأتها وعمادها الأكبر إما فقه مدجن أو حواة وسحرة من كتبة ومرتزفة متنفعون من ذلك الوضع الذي يزينونه ويحامون عنه وهم يعرفون أنهم محاموا الشيطان .
فجاءت "الشعب يريد" لتقرع الأسماع وتنفض الغبار وتذكر من نسي أو تناسى أو جهل أو تجاهل أن الخطأ والتعدي ولو طال به الأمد لا يخلق أمرا واقعا ولا يعطي شرعية ، وان الأمور في نهاية المطاف لابد وان تعود لنصابها الطبيعي على قاعدة لا يصح إلا الصحيح ، والصحيح هنا هو أن الحاكم ونظام الحكم هو مسخر من قبل الأمة لخدمتها بتفويض منها سواء كان مكتوبا أو متعارفا عليه - في حال كان هذا التفويض موجودا لان هناك أنظمة بالمناسبة موجودة بحكم القوة والغلبة لا بالتفويض والرضا ، والمشكلة مع تلك الأنظمة هي من نوع آخر لا تتعلق بأنها انقلبت على الشرعية بل أنها من أساسها لم تلج من باب الشرعية بل من باب القهر والغلبة ، أي ليست المشكلة معها في أنها تجاوزت حدود التفويض وتصرفت على أنها هي صاحبة الإرادة والشأن بل في أنها لا تملك تفويضا بالإرادة أصلا بل غصبت وصادرت إرادة الأمة منذ البداية وتصرفت بها بما يشبه البلطجة والغصب.. وخلقت وضعا قائما أو واقعا يشير حتى لو لم يقل أن الإرادة إرادة الحاكم والمشيئة مشيئته وان الناس ضيوف في بيته يحيون بفيض عطاياه ومكارمه؟
لذلك فإن المشترك الأكبر في كل تلك الثورات والمتمثل في "الشعب يريد" يشير إلى أن الشعب الذي هو الأمة يريد استعادة إرادته المغصوبة والمعتدى عليها .. ويريد إعادة شكل الهرم المقلوب إلى وضعه الصحيح لتنطلق الإرادة من قاعدته وتتجلى وتنفذ في قمته وليس العكس
ويريد أيضا أن يعيد التصورات والمفاهيم إلى نصابها فيذكر من نسي أو تناسى أن الشعب هو من يريد وأن الإرادة إرادته والمشيئة مشيئته وان الشأن في النهاية شانه .. وان نظام الحكم برمته هو شكل من أشكال تلك الإرادة وتجل من تجلياتها وتنفيذ وتطبيق لها فيما يخص الحكم والسياسة . فهو بهذا المعنى مجرد آلة أو إدارة لتلك الإرادة..آلة يجب أن يكون لها وصف دقيق سواء في حجمها أو شكلها أو حدود الصلاحيات المنوطة بها أو كيفية تصرفها بتلك الصلاحيات.
الشعب يريد شعار عفوي جمع فأوحى ولخص المحتوى وانطلق من حناجر أتعبها وأغضبها أن تريد عنها وباسمها حفنة من البشر فتتصرف على هواها وتستخف بتلك الجماهير دون وجه حق ولا أي شرعة ولا قانون يخولها ذلك .. حتى استمرأت ما تفعل واستهانت بالأمة وتصورت أن ذلك حق طبيعي لها لا جدال فيه إلى أن هدرت الحناجر الغاضبة المغضبة "الشعب يريد ".
#مسَلم_الكساسبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميكانيزمات الاستبداد وآلية عملها .
-
في سبيل مفاهيم حداثوية لإعادة تشكيل علاقة السلطات بمصدرها
-
الاستبداد أمة واحدة
-
تلك الجماهير الثائرة مالذي حركها ؟؟
-
متلازمة الفاد والاستبداد وثنائية الفصل والوصل .. (2)
-
متلازمة الفساد والاستبداد وثنائية الفصل والوصل.
-
مدرسة بالية ومهنة غير مشرفة ..
-
-جميعنا البوعزيزي.. جميعهم ذلك المخلوع-
المزيد.....
-
هذا الهيكل الروبوتي يساعد السياح الصينيين على تسلق أصعب جبل
...
-
في أمريكا.. قصة رومانسية تجمع بين بلدتين تحملان اسم -روميو-
...
-
الكويت.. وزارة الداخلية تعلن ضبط مواطن ومصريين وصيني وتكشف م
...
-
البطريرك الراعي: لبنان مجتمع قبل أن يكون دولة
-
الدفاع الروسية: قواتنا تواصل تقدمها على جميع المحاور
-
السيسي والأمير الحسين يؤكدان أهمية الإسراع في إعادة إعمار غز
...
-
دراسة تكشف عن فائدة غير متوقعة للقيلولة
-
ترامب يحرر شحنة ضخمة من القنابل الثقيلة لإسرائيل عطّلها بايد
...
-
تسجيل هزة أرضية بقوة 5.9 درجة قبالة الكوريل الروسية
-
مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة الفلسطينية بقصف إسرائيلي لرفح
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|