|
اتجاوز ،،، لا تتجاوز
خالد احمد العلاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3307 - 2011 / 3 / 16 - 11:24
المحور:
كتابات ساخرة
في بلدي الاردن عبارات نسمعها وإشارات نراها كثيرا ونقف محتارين بين أن نلتزم بها أو لا نلتزم ، فعندما يسير السائق بسيارته يجد على الطرقات كثيرا من الإشارات التحذيرية التي تنبهه إلى عدم التجاوز في هذا المكان ، لان في ذلك خطرا على حياته ومن معه ، ناهيك عن أنه إذا ركب معه أحد كبار السن يظل يردد على مسامعه ( لاتتجاوز ) وعندما يرغب المرء المشاركة في حوارٍ ، ما سياسيا كان أو اجتماعيا ، أو غير ذلك يسمع كثيرا من النداءات التي تحذره ( لا تتجاوز ) ، وعندما تريد أن تنتقد بعض السياسات أو القرارات في البيت أو المدرسة أو الجامعة أو العمل ، فإنك تسمع عبارة ( إوعى تتجاوز ) ، حتى العامل في عمله يسمع كلمات كثيرة عن التجاوز مثل ( لا تتجاوز الحد المسموح فيه ) ( إوعى تتجاوز الخط ) (دير بالك تتجاوز الكمية المطلوبة ) ، حتى عندما يريد احدنا أن يخرج مع أصحابه وأصدقائه تظل العبارات التحذيرية من الأسرة، بأن لا يتجاوز ساعة معينه في العودة إلى البيت تلاحقه خلال اللقاء ، حتى الموظف إذا ما طالب بإجازة عرضيه أو اضطرارية يفاجئ بقول المسؤول ( تجاوزت مجموع إجازاتك ) ، حتى الخاطب عندما يزور خطيبته ويرغب بالجلوس إليها لا يسلم من التحذير الدائم من التجاوز ، ويعمد الأهل أحيانا إلى الزج بأصغر أطفالهم ليجلس بين الخطيبين ليضمنوا عدم التجاوز عن الحديث العادي فلا لمس ولا همس ولا غزل . في المقابل نسمع كثيرا من العبارات التي تحثنا على التجاوز فعلينا مثلا أن نسعى لتجاوز أزمةٍ ما قد تواجهنا ، وعلينا أن نتجاوز إساءات شخص هنا أو تصريحات مسؤول هناك ، ولا بد أن نتحمل ، ومطلوب منا أيضا أن نتجاوز مرحلة معينه لنتيح المجال للبدء بمرحلة جديدة ، فكان علينا أن نتجاوز قضية الكازينو مثلا ، وان نعطي الفرصة لأبطالها ، فهم اليوم غير الأمس ، وعلينا أن نتجاوز ممارسات حكومة سمير الرفاعي وخاصة تمديد عقود المحسوبين والمقربين قبل المغادرة بساعات ، ولا ضير علينا إن تجاوزنا قضية تعيين محمد صقر رئيسا للعقبة الخاصة ، وان نغض الطرف عن الأسباب التي دفعته إلى الإقامة في فندق فخم على نفقة أبنائنا ، وعلينا أن نتجاوز ممارسات وتغول رؤساء الجامعات لكي لا نضع العصا في عجلة التعليم العالي الذي فيه كل شيء عاليا ( الرسوم الجامعية ، العقوبات ، المياومات ، السفرات ، الولائم ، المحسوبيات ، الواسطات ، الشللية ) إلا التعليم فلا يعرف من العلو شيئا واسألوا الطلبة والخريجين ، كما علينا أن نتجاوز مسألة إخراج خالد شاهين من السجن بعد إدانته بالفساد وذلك بحجة الأسباب الإنسانيه ، بينما مئات السجناء ليسوا في قائمة الإنسان ، وعلينا أن نتجاوز عن السرقات والرشوات والنهب والسلب والخاوات ، وعلينا أن نتجاوز عن التعيينات والمحسوبيات وتصفية الحسابات والشللية والواسطة ، وعلينا أن نتجاوز أخطاء وفساد المجالس البلدية التي أهدرت موازناتها في دفع رواتب لأناس بعضهم لا يعمل في شهره ساعة لأنه عين لأسباب انتخابية ، كل هذا طبعا علينا أن نتجاوزه في سبيل دفع عملية الإصلاح التي ننوي السير بها لتغيير الحال من حال إلى حال ولا نعرف كيف نغير ما هو محال أما آخر التجاوزات التي طالبنا بها احد المسؤولين هي أن نتجاوز ثقافة العيب ، ولا أعرف ما هو العيب الذي يقصدون وكم أتمنى أن يفهمني احدهم ما هو العيب الذي يريدوننا أن نتجاوزه ، ربما يعني أن على الشاب الذي أنهى دراسته الجامعية مثلا بعد أن أنفقت عليه أسرته دم القلب ودمع العين أن يتجاوز حدود شهادته ليذهب للعمل في مطعم أو مقهى أو معمل طوب ، عليه أن يتجاوز سنوات الضياع التي قضاها من كلية إلى كليه ومن محاضرة إلى محاضره ليعمل في الباطون أو أن يصبح معلم بلاط أو صبي قصاره ، أو أن يكون مزارعا متخصصاً في قطف البند وره ، وهو يرى غيره يتجاوزه والآلاف مثله ليجد وظيفته مفصله في مكتب يكفي ثمن أثاثه لسد رواتب ثلاثة موظفين ليس إلا لأنه ابن أحد أولئك الذين طلب منا أن نتجاوز عن فسادهم وإساءاتهم وممارساتهم التي أوصلتنا إلى مصاف الدول المبتلاة بعجز موازنتها وارتفاع مديونيتها ، ولا يحق لنا التجاوز لنسأل عن الذين أعجزوها وأدانوها وأين ذهبوا بأموالها . لو كان التعليم لنا ـ نحن الفقراء ـ مجانيا ، ولو كانت الخدمات الصحية لنا مجانية ، ولو كانت وسائط النقل مجانية ، ولو كانت رواتبنا تكفينا لما بعد اليوم السادس من كل شهر ، ولو كانت المواد الأساسية متوفرة لنا بأسعار معقولة ، ولو كانت لدينا القدرة على بناء بيوت تأوينا بدل أن نعيش في بيوت استنزفت ايجاراتها مواردنا سنوات طوال ، ولو أننا نحصل على إعفاءات وامتيازات وأعطيات ، كالتي تعطى للآخرين ، ولو أننا لا ندفع رسوم وضرائب وخاوات ، لقلنا عجز مبرر ومديونية مشروعه ، لكن عندما نرى مسؤولا يرافقه أسطول من السيارات ومئات من المرافقين ، وتحيط بمكتبه جيوش من الخدم والحشم والحرس ، وعندما نرى مئات المستشارين الذين لا يستشارون ومدراء مكاتب وسكرتيرات خاصة وعامه ، ويقبضون في نهاية الشهر آلاف الدنانير ، وعندما نسمع عن سفرات ومياومات ومكافآت وأعطيات تصرف دون وجه حق ، نعي جيدا أنهم تجاوزوا على قوتنا ومالنا وحقنا ، وأوقعونا في حيرة من أمرنا ، نتجاوز أو لا نتجاوز ، فما يطلب منا أن لا نتجاوزه لهم الحق في أن يتجاوزوه ، فكم من وزير شتمنا ، وكم من مسؤول أساء لنا ، وكم من مدير كذَبنا ، وكم من رئيس جامعة أهملنا ، وما علينا أن نتجاوزه فهم غير معنيين بتجاوزه ، فهم لا يتجاوزون ثقافة العيب . بل من العيب أن لا يجد أبنائهم وظائف بمقاسهم ، ولا يتجاوزون قلة الإمكانات ومحدوديتها فينفقون ويبذرون ويولمون وينهبون . في النهاية أرى أننا نظل دائما كالسائق الحديث العهد بالسواقة يسير خلف مركبة يريد أن يتجاوزها ويظل طوال الطريق يتقدم خطوه ويتراجع خطوات وهو يحدث نفسه ( أتجاوز ولا ما أتجاوز ) فيقطع مئات الكيلو مترات وكأني به يحمل وردة يبدأ بقطع أوراقها وهو يردد (إتجاوز ، لا تتجاوز ) تماما مثلنا فمنذ عشرات السنين وهم يقولون لنا ( إتجاوز ،،، لا تتجاوز ) .
#خالد_احمد_العلاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|