|
جودت الملط وعصام شرف: كبرياء العتاب.. ونبل الاعتذار
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 3306 - 2011 / 3 / 15 - 15:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بصوت يقطر مرارة وحسرة، وتخنقه العبرات، تحدث المستشار الجليل الدكتور جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات إلي فضائية »الحيام اليوم«، رداً علي تصريحات صحفية اتهمته بــ »التقاعس« عن كشف وقائع الفساد التي انتشرت ــ كالسرطان ــ في ظل النظام السابق للرئيس المخلوع حسني مبارك. وفي سياق رده قدم الرجل ما يشبه بــ »كشف حساب« للأعوام الاثني عشر التي تولي فيها رئاسة هذا الجهاز الرقابي المهم، مشيراً إلي أنه قدم 2000 تقرير تحتوي علي مخالفات جسيمة وملاحظات جوهرية علي أداء حكومتي الدكتور عاطف عبيد والدكتور أحمد نظيف، تم إرسالها إلي رئاسة الجمهورية، والحكومة، ومجلسي الشعب والشوري. لكن كل هذه الجهات وضعت هذه التقارير علي الرف ولم تبحث ما ورد فيها من انتقادات وملاحظات ومخالفات صارخة، مؤكداً أن مجلس الشعب ــ علي سبيل المثال ــ لم يبحث سوي 10% من هذه التقارير.. وكان تناوله لها تناولاً شكلياً ينتهي في كل الأحوال بالجملة التقليدية »الانتقال إلي جدول الأعمال«، وهو التعبير »المهذب« عن إهمال كل ما جاء في هذه التقارير وإلقائها في سلة المهملات، رغم ما تحتويه من تحذيرات ومن أمور بالغة الخطورة، منها علي سبيل المثال كيف وصل الدين الداخلي في السنة المالية 2009/2010 إلي 888 مليار جنيه، وكيف وصل صافي الدين العام إلي 1020 مليار جنيه، أي إلي 5.89% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مخيفة بكل المعايير، ونتائجها علي الاقتصاد الوطني وخيمة. كما احتوت التقارير وقائع لا تقل خطورة عن ملفات ملغومة عديدة أخري، منها ملف الخصخصة وملف أراضي الدولة المنهوبة.. مشيراً ــ علي سبيل المثال ــ إلي كشف تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات أن الأراضي التي تم تخصيصها لحفنة من المحظوظين و»المحاسيب« بأسعار رمزية ــ بحجة الاستصلاح والاستزراع خدمة للأمن الغذائي ــ قد تم استغلالها في بناء منتجعات وملاعب جولف. فماذا فعلت الحكومة بعد الوقائع الدامغة التي كشفتها تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات؟! كل الذي فعلته أنها فرضت »غرامة« علي هؤلاء المحاسيب المحظوظين قيمتها 47 قرشاً عن كل متر، تسدد بالتقسيط علي خمس سنوات.. فيالها من غرامة رادعة؟!! * * * هذه المعلومات التي جاءت علي لسان المستشار الدكتور جودت الملط محزنة جداً، وهي في حد ذاتها كانت كافية لاندلاع ثورة ضد نظام كان يمثل في حقيقة الأمر تحالفاً بين الاستبداد والفساد. لكنها ليست معلومات جديدة، فقد رصدناها وأشبعناها بحثاً وتحليلاً وبالذات في الأعوام الأخيرة من عمر النظام السابق. بيد أن هناك فارقاً كبيراً بين أن تأتي علي لسان رئيس أهم جهاز للرقابة وبين أن تأتي علي ألسنتنا نحن الكتاب والصحفيين. فضلاً عن أن ما شدد عليه المستشار جودت الملط يبدد تلك الأوهام والخرافات التي يروجها البعض في معرض الدفاع عن الرئيس السابق حسني مبارك، ونظامه المتداعي، حيث دأب هؤلاء علي الزعم بأن مبارك لم يكن علي علم بحجم هذا الفساد العظيم.. وهو زعم خائب لأن الرئيس السابق إذا لم يكن يعلم فتلك مصيبة عظمي، فما بالك وأن ما قاله جودت الملط يعني أنه قد أحيط علماً بكل كبيرة وصغيرة في هذا الملف الذي باتت رائحته تزكم الأنوف، ولم يفعل شيئاً رغم استلامه ألف تقرير من الجهاز المركزي للمحاسبات بــ »علم الوصول«!! * * * وما قاله المستشار الجليل بهذا الصدد يبين كيف تغلغل الفساد وأصبحت له الكلمة العليا. لكن الجانب »الذاتي« لا يقل دلالة عن ذلك الجانب »الموضوعي« الذي ذكره الدكتور جودت الملط. والجانب الذاتي الذي نقصده هو ما ورد علي لسان الرجل ــ بشعور عميق بالحرج الممزوج بإحساس أصيل بالكرامة واحترام الذات ــ حين أشار إلي أن مرتبه الشهري بعد 43 عاماً من العمل في أرفع مناصب القضاء ثم 12 عاماً من العمل في قمة أهم جهاز للرقابة في مصر لا يزيد علي عشرة آلاف جنيه!! (قارن ذلك بالأرقام الفلكية التي نقرؤها والتي تعد بالملايين شهرياً التي يتقاضاها صغار كبار وكبار صغار البيروقراط وحتي بعض الصحفيين في مؤسسات صحفية »قومية«!!). وإذا كان هذا هو راتب الرجل، فلا عجب أن نعلم أنه يسكن في شقة بــ »إيجار قديم« مساحتها لا تزيد علي 120 متراً (قارن ذلك بثروات المسئولين في النظام السابق التي تقدر بالمليارات، والقصور والشاليهات التي بلا عدد والتي حصلوا عليها بطرق مشبوهة ومع ذلك لم يقترب منها ومنهم أحد مع أن سيرتها وسيرتهم كانت علي كل لسان). * * * وبدلاً من أن يجري تكريم المستشار النزيه علي طهارة اليد في عصر أصبح فيه خراب الذمم هو القاعدة، تم تجريحه والإساءة إليه بصورة تفتقر إلي الموضوعية والعدالة. ولذلك.. كانت لفتة نبيلة من الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء أن يسارع بمداخلة تليفونية علي الهواء يطيب فيها خاطر المستشار جودت الملط بكلمات مفعمة بالصدق والعرفان بقدر الرجل، والاعتذار عن أخطاء وخطايا وتجاوزات ليس هو نفسه مسئولاً عنها. * * * وخلاصة القول.. إن الثورة ــ أي ثورة ــ يكون لها أهداف أساسية، من بينها وأهمها القضاء علي الفساد ورموزه والسياسات التي توجد المناخ الذي يترعرع فيه. ومقتل الثورة ــ أي ثورة ــ أن يختلط الحابل بالنابل، وتتعثر الخطوات، ويفقد الثوار الاتجاه، وأن يسيروا مغمضي الأعين وراء نافخي رياح الثورة المضادة الذين لا يتورعون عن الكيد للشرفاء وتلفيق الاتهامات لهم.. ليس فقط لتصفية حسابات قديمة أو ربما حسابات شخصية، وإنما أيضاً لصرف الأنظار عن الفاسدين الحقيقيين الذين نعرف بعضهم بالاسم لكننا لا نعرف معظمهم ولا نعرف خريطة طريق شبكة علاقات التآزر الوظيفي الخفية التي تربط توليفة مذهلة من أرباب السياسة والبيزنس والصحافة والإعلام.. وربما بعض رجال الدين أيضاً. * * * وبدلاً من تشتيت الانتباه، بترويج قصص خائبة عن رجال محترمين من أمثال المستشار الدكتور جودت الملط، دعونا نركز الجهود علي الفاسدين والمفسدين الحقيقيين الذين هم ــ بكل تأكيد ــ المكون الأساسي للثورة المضادة التي تتحين الفرصة للانقضاض علي أنبل ثورة عرفتها مصر، والبشرية.. ثورة 25 يناير.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يكره الناس مباحث أمن الدولة؟
-
عصام شرف ومهمة إنقاذ الوطن
-
ما رأى المجلس الأعلى والفريق شفيق فى تصريحات وزير الداخلية و
...
-
الثورة.. »المفخرة«
-
»موضة« الموت حرقاً!:بيانات سياسية بالأجساد
-
قانون تغريبة زين العابدين: الخبز بدون حرية وبلا كرامة.. لا ي
...
-
المرجئة!
-
ثلاثية خروج مصر من فخ الطائفية
-
هل أصبح ل»القاعدة«.. قاعدة في مصر؟!
-
مصر .. على حافة المجهول
-
حائط برلين لا يزال قائماً!
-
الورطة!
-
أربعاء الغضب -الأعمى-
-
تقرير نبيل عبدالفتاح.. أفضل رد علي تقرير هيلاري كلينتون
-
دليل الصحفي النزيه .. للوصول إلي قلب القارئ الذكي
-
فوضى خصخصة الأثير.. فاصل ونواصل
-
عماد سيد أحمد .. وحديث المحرمات
-
«الشيوعى» فى حضن «الإسلامى»
-
مصر .. فوق المسجد والكنيسة (2)
-
مصر... فوق المسجد والكنيسة
المزيد.....
-
أمريكا.. السجن 11 عاما للسيناتور السابق مينينديز جراء إدانته
...
-
الرئيس السوري أحمد الشرع يطلب من روسيا تسليم الأسد
-
إصابة 24 شخصا بغارتين إسرائيليتين على النبطية.. -لم يستطيعوا
...
-
إعلام: المراحل المقبلة من وقف إطلاق النار في غزة تواجه عقبات
...
-
المحكمة الإدارية الفرنسية تؤكد صحة قرار الجزائر في قضية المؤ
...
-
عباس يرسل برقية للسيسي بشأن تهجير الفلسطينيين.. ماذا فيها؟
-
إدانة عضو مجلس الشيوخ الأمريكي السابق بوب مينينديز بالسجن 11
...
-
باكستاني يقتل ابنته لنشرها فيديوهات على -تيك توك-
-
طبيب نفسي: يوجد في سوريا من 1 إلى 3 ملايين مريض نفسي
-
الولايات المتحدة: أوامر بترحيل المئات من مواطني الدول المغار
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|