أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ارونداتي روي - مقاومة خطر المنظمات غير الحكومية














المزيد.....


مقاومة خطر المنظمات غير الحكومية


ارونداتي روي

الحوار المتمدن-العدد: 987 - 2004 / 10 / 15 - 08:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد وسعت العولمة الاقتصادية المسافة بين من يتخذون القرارات ومن يتحملون تبعاتها [1]. وتتيح اللقاءات من نوع "المنتدى الاجتماعي الدولي" المجال أمام حركات المقاومة المحلية لردم هذه المسافة والتعاون مع نظرائها في البلدان الغنية. فعندما تم مثلاً بناء أول سد خاص في ماهيشاوار، سمحت العلاقة بين كل من منظمة "نارمادا باشاو اندولان" والمنظمة الألمانية "اورجوالد" و"إعلان برن" في سويسرا والشبكة الدولية للأنهر في بركلي، بإخراج المشروع من بين أيدي مجموعة من المصارف والشركات الدولية. وما كان هذا التعاون ليحصل لولا المقاومة الثابتة على الأرض وإيصال صوت هذه الحركة المحلية بفضل ما لقيته من مساندة الدولية لتحرج المستثمرين وترغمهم على الانسحاب (...).

ومن بين الأخطار التي تواجهها الحركات الجماهيرية، يجب التوقف عند خطر تحول هذه المقاومة إلى شكل من المنظمات الغير حكومية. يمكن بسهولة تحويل ما سأقوله إلى اتهام موجه إلى جميع المنظمات غير الحكومية، لكن لن يكون دقيقاً. فإذا عمدت بعض المنظمات الوهمية المصطادة في الماء العكر إلى "شفط" المساعدات أو التهرب من الضرائب فإن عدداً آخر منها يقوم بعمل قيّم. وهكذا علينا في مطلق الأحوال النظر إلى الظاهرة ضمن إطار سياسي أكثر اتساعاً.

ففي الهند مثلا بدأ انفجار ظاهرة المنظمات غير الحكومية المدعومة في نهاية الثمانينات وخلال التسعينات وقد تطابق ذلك مع انفتاح الأسواق الهندية على الليبرالية. في حينه، كانت الدولة المنصاعة لمقتضيات إعادة الهيكلة البنيوية تحدّ من الدعم للتنمية الريفية الزراعية وللطاقة والنقل والصحة العامة. ومع تخلي الدولة عن دورها التقليدي، بدأت المنظمات غير الحكومية تنشط في هذه القطاعات. والفارق بالطبع هو أن الأموال التي توضع في تصرفها لا تمثل سوى جزء يسير من المبالغ التي اقتطعت من الموازنات المخصصة للنفقات العامة.

تقوم وكالات المساعدة في التنمية بتمويل غالبية المنظمات غير الحكومية ورعايتها، وهذه الوكالات تمولها الحكومات الغربية والبنك الدولي والأمم المتحدة وبعض الشركات المتعددة الجنسية. ومع أنها ليست نسخاً متشابهة عن بعضها البعض، فإن هذه الوكالات تنتمي إلى مجمع سياسي غير واضح المعالم يشرف على المشروع النيوليبرالي والذي من أولوياته المطالبة بخفض كبير في النفقات الحكومية.

لماذا تمول هذه الوكالات المنظمات غير الحكومية؟ هل هي نزعة تبشيرية عفا على مثيلاتها الزمن؟ أم شعور بالذنب؟ ربما الاحتمال الأخير أكثر صحةً من غيره. فالمنظمات غير الحكومية تعطي الانطباع بأنها تملأ الفراغ الذي تركته الدولة المتراجعة. وهذا ما تقوم به في طريقة متناقضة. فمساهمتها الحقيقية هي في تنفيس الغضب وتوزيع قطرات من المساعدات أو الأعمال الخيرية لما هو أصلاً حق للناس.

المنظمات غير الحكومية تغيّر من النفسية العامة فتحول الناس إلى ضحايا تابعين وتنهك المقاومة السياسية إذ تشكل نوعاً من واق للصدمات بين الامبراطورية ورعاياها أو بين "الساركار" [2] والعام. وهي تحولت إلى حكم في النزاعات وإلى وسيط ومترجم.

على المدى الطويل، فإن المنظمات غير الحكومية مسؤولة تجاه المانحين وليس تجاه الناس الذين تعمل في صفوفهم. وهي كما في قاموس علماء النبات، مؤشر إلى ظهور الأنواع. فكلما كان الاجتياح النيوليبرالي عنيفاً، تكاثرت هذه المنظمات. وأكثر الدلائل إيلاماً، ظاهرة استعداد الولايات المتحدة لاجتياح بلد من البلدان وإعدادها بالتزامن مع ذلك منظمات غير الحكومية تنتشر فيه من أجل إصلاح الأضرار التي سيتسبب بها هذا الاجتياح. ومن أجل التأكد من أن تمويلها لا يتعرض للخطر ومن أن حكومات البلدان التي تنشط فيها ستسمح لها بمزاولة أعمالها، يفترض بالمنظمات غير الحكومية تقديم برامجها بشكل سطحي منفصلة إلى حدٍ ما عن الإطار السياسي أو التاريخي وفي مطلق الأحوال ضمن إطار تاريخي أو سياسي في غير محله.

فالتقارير حول المآسي غير السياسية ـ وهي في الواقع سياسية بامتياز ـ المتوافرة حول البلدان الفقيرة أو مناطق الحروب تقدم في النهاية الأهالي (التعساء) لهذه البلدان (التعيسة) باعتبارها ضحايا أمراض. فهنا هندي إضافي يموت من سوء التغذية أو حبشي يموت جوعاً أو مخيم للاجئين الأفغان أو سوداني مقطع الأوصال... والجميع في أمس الحاجة لمساعدة الرجل الأبيض. فالمنظمات غير الحكومية ومن دون قصد منها، ترسخ الصورة النمطية العنصرية وتشدد على نجاحات الحضارة الغربية ومنافعها وشفقتها (الشفقة المُحِبَّة والقاسية). فهم المبشرون العلمانيون بالعالم الحديث.

في نهاية المطاف، وعلى نطاق أضيق ولكن أكثر مكراً، فإن الأموال الموضوعة في تصرف المنظمات غير الحكومية تلعب في السياسات البديلة الدور نفسه الذي تلعبه الرساميل المضاربة التي تدخل اقتصادات الدول الفقيرة وتخرج منها. فهو يبدأ بفرض جدول الأعمال ويحول المواجهة إلى مفاوضة، نازعاً الطابع السياسي عن المقاومة متداخلاً مع الحركات الشعبية المحلية التي تتمتع تقليدياً بطابعها الاستقلالي. فهذه المنظمات تتصرف بموازنات تسمح لها بتشغيل العمال المحليين الذين لولاها كانوا انخرطوا في نضال حركات المقاومة والذين باتوا يشعرون بأنهم يفعلون الخير بصورة مباشرة وخلاقة (ويكسبون قوتهم في الوقت نفسه). إن المقاومة السياسية الحقيقية لا توفر هذا النوع من الدروب المختصرة.






--------------------------------------------------------------------------------

* * كاتبة، من مؤلفاتها Dieu des Petits Riens, Gallimard, 1998.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] مقتطفات من محاضرة ألقيت في سان فرنسيسكو، كاليفورنيا في 16/8/2004.

[2] التمييز في "الهندي" بين "ساركار" او الحكومة والعام اي الخاص بالسكان.



#ارونداتي_روي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ويتكوف: وفد أمريكي سيتوجه إلى السعودية لإجراء محادثات مع وفد ...
- إيطاليا.. الجليد والنار يلتقيان في مشهد نادر لثوران بركان إت ...
- كيف يبدو مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل؟
- روبيو ونتنياهو يحملان إيران عدم الاستقرار في المنطقة، ويؤكدا ...
- فيديو: مناوشات مع مؤيدين لإسرائيل أثناء مظاهرة مؤيدة لفلسطين ...
- رئيس دولة الإمارات يستقبل النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ال ...
- سوريا.. هجوم على دورية تابعة لوزارة الداخلية في اللاذقية يسف ...
- سيناتور أمريكي يوجه اتهاما خطيرا لـ USAID بتمويل -داعش- والق ...
- السعودية.. القبض على 3 وافدات لممارستهن الدعارة بأحد فنادق ا ...
- الخارجية الروسية تعلق على كلمات كالاس حول ضحايا النزاع الأوك ...


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ارونداتي روي - مقاومة خطر المنظمات غير الحكومية