|
الحب والموت و سؤال الكتابة قراءة في مجموعة- حبيباتي - (1) لجمعة الفاخري من ليبيا
حميد ركاطة
الحوار المتمدن-العدد: 3303 - 2011 / 3 / 12 - 20:33
المحور:
الادب والفن
الحب والموت و سؤال الكتابة قراءة في مجموعة" حبيباتي " (1) لجمعة الفاخري من ليبيا
حميد ركاطة المغرب
تطرح مجموعة "حبيباتي "للقاص اللبيبي جمعة الفاخري العديد من الأسئلة الموغلة في عمق الواقع الذي قاربته من زوايا متعددة إلى درجة الارتقاء بتحويله إلى كتابة نفسية في بعض النصوص حيث تم توظيف المنولوغ والتأثيث السينوغرافي المسرحي ، فالنصوص بقدر ما راعت تحقيق بعدها الجمالي عملت من جهة أخرى أن تكون في تشكيلها البصري أقرب إلى قصيدة النثر منها إلى القصة القصيرة جدا ما يوحي بكون التشكيل البصري نابع من رغبة الكاتب في جعل الملفوظ في الكثير من النصوص ومن خلال التداعي الحر أن يكون مقتضبا ومليئا بالصور ومحافظا على خاصية تشكيلية مع خلق إثارة من خلال تعدد نقط الحذف التي لازمت اغلب النصوص كتعبير عن المضمر والمحذوف والمسكوت عنه . فالنصوص منها ما تناص مع النص القرآني أو الأسطوري ومنها ما اتخذ وضعية الالتقاط المباشر للأحداث كركيزة لخلق النص بل صناعة القصة القصيرة جدا وفق ضوابط مشددة فأطول النصوص لا يتعدى ستة عشر سطرا ، وللإشارة فالمجموعة ضمت إثنان وخمسون نصا قصصيا قصيرا جدا مع تقديم ( فاتحة ) للأستاذ إبراهيم النجمي من اجذابيا بتاريخ 12/10/2009 عمل جمعة الفاخري على تحقيب نصوص امتدت على مساحة زمنية من سنة 2006 إلى سنة 2009 وبإلقاء نظرة سريعة عليها نجد أن بعضها كتب في نفس اليوم أو بشكل متوالي يوما بعد يوم وهو أمر يبرز أن قريحة الكاتب وانفتاح شهيتة للكتابة ولمزاجه المرح كذلك . كما أن بعض النصوص كتبت خارج اجذابيا ، كبنغازي ، وحلب ، والدار البيضاء ، وطربلس ، وبعضها الأخر بدون تاريخ أو مكان كتابتها . جمعة الفاخري كاتب متعدد جمع بين العمل الصحفي والجمعوي والكتابة ( مقالة / شعر / قصة ..) تولى مهام متعددة من أعماله : صفر على شمال الحب سنة 2003 / امرأة مترامية الأطراف 2004 / شيء من وهج القلب سنة 2004 / حدث في مثل هذا القلب سنة 2004 / اعترافات شرقي معاصر سنة 2004 / توقيعات على وجنة العمر سنة 2006 وحبيباتي سنة 2009 . فما هي أهم القضايا التي طرحتها المجموعة وما هي مرتكزات هذا الكاتب الفنية والإبداعية ؟ تتوزع تيمات المجموعة بين الحب والقتل والكتابة والخيانة ، والتأمل ، مرورا عبر تأمل مجموعة من المفاهيم كالحلم والزمن والحقيقة وهو ما يجعل منها تفتح بابها لأسئلة وجودية قلقة كعلاقة الإنسان بذاته وصورة الأنا في المرآة عوالم مجموعة حبيباتي تميط اللثام عن جانب من طفولة الكاتب وعلاقته بعالم الإناث بصفة عامة .
I الحب والموت
يشير الاستاذ عثمان بنعليلا قائلا " كان الحب ، ولا يزال هو المحرك الأساسي لأعمال الإنسانية الجليلة ، أس كل عمل عظيم حب ، بدايته حب انتصار الإنسان على وحشيته ، على همجيته وبربريته ...أكتب بدافع السؤال الذي يحاصرني يوميا ، كيف ومتى أضحى الإنسان يهوى محاصرة إنسانيته ؟ " (2) فإذا كان الحب هاجس المبدع في الحياة والكتابة لاستمرار الحياة فإننا نجده أحيانا مغلفا بالرغبة في سلب ما للآخرين لكن هل يمكن مقاومة إغراء ما للآخرين حتى لو امتلكنا العالم ؟ في نص " وردة " ص 9 يسقط قناع العقل ويفتح بوابة القلب لتحلق الرغبات المجنونة الممزوجة برفض البطل ومنع اللافتة له من قطف الورد " الوردة في يدك لك .. وفي الحديقة للجميع " ص 9 وهو ما ولد رد فعل قوي كانت أكثر من يحتويها عقل رصين يقول السارد " فليأخذوا كل ورود الأرض ..وليتركوا هذه لي ... !"ص 9 تدفعه الرغبة حينها لاختراق كل محظور وخرق قوانين العالم ، فالممنوع والمحرم لا يقاوم وسيظل مخترقا إلى الأبد وهو ما ابرز رد فعل بالبطل بتصويبه نظرة هازئة نحو اللافتة البلهاء . فالإنسان هو الكائن المختلف جدا والمتميز عن باقي المخلوقات لامتلاكه العقل الذي هو جوهر عقد الحكمة لكن غالبا ما تؤثر العاطفة فيه وبالتالي تستنفر المشاعر لتخلق نوعا من الإنسانية والعطف في هذا الحيوان الناطق الذي قد يفقد السيطرة عليها بغضبه وجنونه وقمعه لمشاعره التي أضحت هي المحرك الرئيسي في كل قرار يتم اتخاذه ، ولعل الوقائع بقدر ما تجلب النسيان وتخلق الذكرى تعمل على توطين الفرد داخل منظومة القيم من جديد منظومة بالفعل ينتمي إليها تحكمها ضوابط معينة حول مفاهيم بحد ذاتها في الحب والموت والخير والشر هذا الاستحضار هو المكون للشخصية والمميز لطابعها عن الآخرين فالأحلام لا تنهار أبدا بمجرد التفكير في الموت بل تنهار حينما ندرك أننا لم نحلم قط في حياتنا يقول السارد " جنازة عبرت أمامي .. أدركت وقتها .. أن كل الأحلام الجميلة قد تنهار في لحظة واحدة .. ! " ص 19 فهل يمكن للموت أن تهز غصن الحياة النضير وتحيله إلى شبح اسود ؟ في نص " الفخ " نجد تصوير لحظة قنص مليئة بالموت والمواجع لم تكن الشجرة وحدها من تحملت عبء أمية الصياد ، بل حتى العصفور القتيل ، ففي مهب العاصفة تجتاح الموت في طريقها كل شيئ لا تحفل بهول الخسائر التي تخلفها في طريقها أو من أردته تحتها ، بقدر ما تضعنا اللحظة داخل مقاربة مفهوم القضاء والقدر وبالتالي جوع الإنسان وسعيه نحو الامتلاك اعتمادا على القوة والقمع . فإذا كان الموت محركا يسبب الرغبة في التملك فإن الحب محرك أساسي للكتابة وكل حديث عن الحب هو في الواقع تعبير عن خلق تحول جذري في أفراح راكدة يلفها السكون وهو ما يدفعنا بالضرورة إلى البحث عن إنسانية الإنسان داخل أدغال النفس ، ولعل نص " مباكرة " ص 29 شيد مفارقته على أساسه على أروع الأحاسيس الإنسانية النبيلة ليتحول إلى نوع من اليأس والانتظار وبالتالي الكره وهو ما سيخلق تذمرا ونسفا للإنسانية التي تشيدها الرسائل فجأة يقول السارد " كتب عبر رسالة قصيرة " هل سيكون صوتك أول ترنيمة تباكر قلبي .. تراقصه عند مطلع الأشواق ؟" سأخرس سمعي عن كل صوت حتى تطرق موسيقاك باب قلبي .. أرسلها باكرا كان هاتفه مشغولا لدى عشرة هواتف مبكرة كانت تطلبه " ص 29 فالحب من خلال المجموعة له مساراته الدالة على تنويع غريب ومتعدد ، في نص " وطن " ص 44 يتحول الورد من مجال إثارته ودلالة لونه في نص حبيباتي " إلى مفهوم خاص بالوطن الذي يضم ورودا وقلوبا تحولت الوردة إلى قلب ومن ثمة إلى وطن حابل بالورود والقلوب دلالة على التعلق والولاء الذي يفرضه الحب وليس الحزب يقول السارد " تحولت ابتسامتها إلى وطن من ورد وقلوب" ص 44 فالحب بقدر ما يحيل من خلال التشبيه على التعدد فإن نص يلقي بظلاله على مرحلة من طفولة السارد بقدر ما أبرزت شغبا جميلا ، أحالنا على واقع التحول الذي يطال ذات الفرد أثناء المراهقة وما يحفه من أنانية وبالتالي فرض الأمر الواقع على الآخرين يقول السارد " صغارا نصطف على الساقية وفي أيدينا ورودنا الحمراء .. نلقي بها في الماء الجاري .. يحملها الماء إلى الطرف الآخر .. تلتقطها الفتيات الصغيرات بحب كبير .. كبرت قليلا .. صار بإمكاني أن أتفوق على رفاقي فمنعتهم من رمي الورود في الماء .. صرت ألقي الورود في الماء وحيدا .. وصرن كلهن .. حبيباتي أنا .. أنا فقط .." ص 43 إنها نوع من الفتوة والشغب الممارس في الحب والذي يمكن إسقاطه على واقع الحياة في مختلف مجالاتها أمر يفتح نص حبيباتي على عواهنه ليبلغ رسائل أبلغ من رسائل الحب والوجد .
IIالقتل وسؤال الغياب
1 ) القتل الخطأ الأخطاء أحيانا قاتلة ، لكن أحيانا أخرى مريعة لا يمكن أن تخلق ولو لحظة سعادة مختلسة من زمن المعاناة والنسيان والنبذ ، بطلة نص خذلان ص 11 بقدر ما جفاها الزمان عصفت بها هواجسها النفسية وهي تتلقى رسالة قصيرة عبر هاتفها النقال بالخطأ يقول السارد " شفتاك حديقتا أحلام .. عيناك بحران من فرح .. ووجهك النهاري قصيدة " ورغم ما خلفته اللحظة من خروج مفاجئ فإن واقع الأمر أمام المرآة كان عكسيا وصادقا دون تزييف " أ خبرتها المرآة بكلام مختلف سقط هاتفها الجوال من يدها " بهذا تشكل الخاتمة صفعة للقارئ والسارد على السواء وخيبة بل تدفعه للتعاطف وكتابة نهاية قصته مادامت الرسالة قد وصلت عن طريق الخطأ . إنه نوع من القتل والطعن في الصدر ، خذلان شكل بحد ذاته مشنقة لشخوص عديدة في هذه المجموعة . في نص فتنة " تبدو قوة الأنثى ودهاؤها أقوى بكثير من محاولات إغراء الرجل لها فهي بصبرها السلس تحاول درء الفتنة مادام الانجذاب كان فقط لذاتها وتبدو الحيلة التي كانت الحل الأنسب لتلافي تداعيات ومطب غير آمن فبقدر ما كان الهمس المصوب نحو العينين يقول السارد " كم تسحرني السماء في عينيك الفاتنتين ! " ص 22 نجد أن الصد سيتوقف عند هذا الحد دون التدرج نحو أجزاء أخرى من الذات من خلال رد الفعل الحاسم يقول السارد " خلعت عدستيها الملونتين وأعطتهما له " وهو ما أحدث قطيعة للنزول إلى باقي تضاريس الجسد وبتر وصالا وجسورا ، وفخاخ نصبت على حين غرة ما جعل القطيعة تعبير عن من الموت والوأد والحنكة في تعاطي المرأة مع قضايا التحرش الجنسي الأشد من القتل . ب ) القتل المرضي وسؤال الموت المضمر
للقتل لذة بقدر ما شكلت هاجسا للقاتل عبر التاريخ شكلته كذلك بالنسبة للأشياء حسب النص كالمشنقة نفسها كاختصاص وتعبير عن موقف مرعب ونهاية كئيبة وهي تسلب أرواح الآخرين بالغصب حينا والمصادرة حينا آخر وعن طواعية أحايين كثيرة غير أن المثير في العملية هو ما أثاره سارد نص المشنقة " ص 10 من كونها نحت هي الأخرى عن طواعية لشنق نفسها وكأن حياتها الرتيبة والميكانيكية لا يمكنها أن تتوقف عن الممارسة . فالتوقف سبب ألما بليغا وخسائر فادحة هكذا " أخذت رأسها في أنشوطتها المرهقة مصدرة الأمر لها بالشنق .. !" فالموت سيظل تلك الأسطورة التي تذكرنا بالنزوع نحو تلافيها بحثا عن خلود فمن غرائب النفس البشرية التفكير في الموت وهو أمر نادر الحدوث لكن "صانع التوابيت" حسب نص مداهمة ص 30 لم يكن يفكر عكس هذا المنطق إلا لحظة إدراك الموت لأحد أقاربه أو أصدقائه ليجرفه تيار مفاجئ في النهاية على حين غرة بتخليه عن كل التوابيت التي صنع لنفسه فالموت بقدر ما نفكر فيها باستمرار تتملص وتنأى عنا لكن بمجرد ما نقصيها من حساباتنا للحظة من الزمن تداهمنا بغثة يقول السارد " وحين داهمه الموت فجأة .. / كانوا يجدون في البحث عن تابوت له ... !" فنحن أمام مفارقة حياتية بامتياز ( الموت / والحياة ) نجد أنفسنا أماما لنمارس حربا غير معلنة وغير متكافئة بسبب إغراءات النفس وطموحها ، لكن هل كان يجدر بصانع التوابيت التفريط في تابوته ؟ ذ في حين نجد نص " تربص" يدفعنا لسؤال افتتاحي حوله ، هل نتحدث عن موت حقيقي أم نطرح سؤال مضمرا حول الجسد ؟ كيف نتفادى نتفادى ونبعد الشرعية عن الجسد ؟ فكل موقف من الموت هو ربما بالضرورة موقف من الحياة ، الموت تلغي الرغبة وتحاصر الجسد بالقوة يقول السارد " تقرع باب الموت فيفتح .. (..) تسلمه لظلمات داكنة .. توصد الباب خلفها وتعود .. تسكن فوهة البندقية تربصا بروح اخرى ينفرها نوق الحياة الحقود .. !" ص 27 إنه الموت المغلف بالقتل الهادف إلى تحويل حياة ظاهرها الإلغاء وباطنها الغياب الكلي لإرادة الفرد ، هذا الغياب يطرح نص " تقويم " ص 16 سؤالا مفعما بالحرارة والاحتراق ، فالحبيب في انتظاره كالمقبل على مواجهة الموت ، موت بقدر ما تكون مدة الانتظار قصيرة فهي تبدو في نظر المحب أطول بكثير ، فالزمن الحقيقي بقدر ما يتمطط لا تساير سرعته الزمن النفسي الذي يطيل أمد العذاب بكل سرمديته ، لذا ففكرة خلق تقويم خاص فيها نوع من تخليص الروح من الاحتراق والذات من الألم أمر قد يكون دافعا للنسيان ليس إلا ، لكن هل بالفعل كل النساء سيرضيهن هذا الحل أم أنها مجرد محاولة لخلق محفز جديد لتمرد النساء على وجه البسيطة ؟
III الكتابة انعكاس لصورة الآنا في مرآة الابداع
من جماليات الكتابة القصصية عند الاستاذ جمعة الفاخري التوظيف والاشتغال داخل العيار والقالب القصصي وهو أمر لمسناه كذلك عند بعض من كتاب القصة القصيرة جدا من خلال النزوح نحو الاستيراد من حقل دلالي مخالف وتوظيفه في آخر بحيث لا يفقد النص بريقه بل يحوله إلى نص مبتكر ودال وحابل بنكهة وتوقيع خاص يقول السارد ص 14" على وجه صحراء قاحلة .. أومض برق أعمى .. قهقة رعد مخمور .. دافعا غيمة حبلى .. فهوت .. إلى حيث أضاء البرق الكفيف .. !" كتابة تستلهم التراث الأسطوري العالمي كذلك كما هو المر في نص " نارسيس ص 33 من خلال إحداث تناص جاء كغذاء منعش لروح القص القصير جدا فهي إحدى مصادر الالهام وهو أمر لاحظناه من قبل في أعمال السياب" إرم ذات العمد ، والبياتي " مرتية إلى عائشة " وفي الرواية كذلك ، ما ساعد على التوظيف الأسطوري العمل الأدبي وألهمه بنوع من الغموض في نص " نارسيس " إحياء للأسطورة وتناصها المطلق الذي جاء بدافع السؤال هذه المرة وهو يحاصر إحدى المحركات الأساسية للإبداع الإنساني " هل كانت مرآة أم وجها ؟ " ص 33 هذا النفس الحكائي بقدر ما يحقق للنص القصصي جماليته يدفع به نحو أفق كتابة متميزة ، وبقدر ما يسيطر الحوار على نص وشاية مثلا نجد أن الخيال يجنح ليأنسن مكونات الطبيعة ويمنح نص الكاتب سلطة جديدة ويرتقي بها لمدارج شاعرية صادقة وجميلة . إننا دائما نعث بين ثنايا النصوص عن تماهي للخاطرة بالنص القصصي وبالانطباع أو الوصف الذي يكون مهيمنا بدرجات متفاوتة فنقل الأحداث أحيانا بقدر ما يضحى عاديا يكون في الواقع متمنعا يساهم في تحويل اللحظات الحياتية الهاربة إلى محطات للتأمل وبقدر ما تكون مقدمة النص مغرقة في التوضيح نجد أن خاتمته تعج بكل المفارقات كما هو الأمر في نص "رفرفة " ما يحول مسار النص الهادئ إلى نص عاصف وعجائبي .
IV الكتابة والحلم
كل شيء يمر عبر الزمن ، ومن خلاله الزمن نلمس التحول الرهيب على الأشياء من حولنا ( الطبيعة / الذات ) أشياء بقدر ما تعلن عن سفر أبدي تجعل من المحطات التي تستوقفنا حافلة بالتأمل والرهبة . في نص الحلم " ص 60 استحضر قولة عالم الاجتماع الألماني هارتمونت روزا الذي قال " إننا نركض لنظل في نفس المكان ، نطارد زمنا لا يتوقف ولو توقفنا ثانية واحدة عن الجري وراء العمل والبريد الاليكتروني المسرع تسقطنا في هاوية البطالة والفقر والنسيان والنبذ الاجتماعي " ( 3) إن الزمن الذي نقصيه من حياتنا وحساباتنا أحيانا هو نفس الزمن الذي يدفع بإيقاع حياتنا نحو الخراب والتوقف لكن في مقابل حبنا للأشياء يضحى الزمن فاقدا للمعانه وبريقه وهويته وهو طرح يؤكده بطل نص " وهم" الذي تتأخر ساعته الذهبية وتتقدم ساعة أو اثنتين يقول السارد " ومع أنها أخرته على ألف موعد مهم إلا أنه ظل ينتظر أن تكسب خبرة الانضباط " فارتباطاتنا تصنع لها عوالم ضا جة بما نرتضيه ونرغب فيه ونحلم به عالم تتشكل فلسفته من خلال تحليقات القصة القصيرة جدا والبحث عن الجانب الآخر للأشياء وكأنه انتقال من الميتافيزيقي نحو الواقعي فالحلم شكل بصوره الواضحة تحقق رغبات ما أو ربما استحضارها في أكثر من مناسبة حسب سارد نص " أسر" بين الحقيقة والحلم تنجلي صورة الأنا الكاتبة نازفة بالعديد من الصور كتعبير عن احتراق وهوس حتى الجنون في حين بين تثاؤب شهريار والصباح تبدأ الحكاية في تبادل للأدوار المتثائبة في حركة ذات إيقاع رتيب لا يمكن للتثاؤب الأول التوقف دون إعلان الثاني اجل حلول أمده وبين الحركتين تنسج الحكايات تحت تهديد القتل والموت الذي سيطول أمده بل سيتوقف وحفه بفعل سحر الحكاية ( المعرفة) في مواجهة عنف السلطة ( الموت) وهو ما خلق انشطارا رهيبا كما هو الأمر في نص "تثاؤب"يقول الناقد محمد رمصيص " إن فعل الحكي استطاع محو فعل القتل ، في الوقت الذي عجز فيه القتل عن محو فعل الخيانة" (4) إن شخير شهريار ناتج بفعل التعب والإرهاق والرضى والراحة النفسية المطلقة التي حققت إشباعا أبلغ من إشباع الجنس ما يحيل على انتصار المعرفة لأن " المعرفة وحدها قادرة على مواجهة الموت ، وقبلها الحياة " ( 5) فتظل الكتابة حالة إنسانية وتفاعل كيميائي يحقق ذات المبدع ويخلق به العديد من التغييرات ، في نص "عصر " ص 42 نلمس حالة ولادة النص بين إرهاف الذات ( الإحساس) والعقل رغبة في بلوغ لحظة القطاف وهي لحظة عند تحققها تغيب كل الوسائل الكفيلة بجمعها والحفاظ عليها ما يحيل على الهدر والأسى الذي يعتري الكاتب بل الخيبة التي تكون أعسر من لحظة ولادة نص .
V للطفولة صور متعددة " نص حبيباتي نموذجا"
بقدر ما تحيل العتبة على التعدد فإن نص حبيباتي يلقي بظلاله على مرحلة طفولة السارد التي بقدر ما لأبرزت شغبا جميلا أحلتنا على واقع التحول الذي يطال نمو الفرد وتغلغل الأنانية فيه وبالتالي فرض الأمر الواقع على الآخرين , إنها نوع من الفتوة والشغب الممارس في الحب والذي يمكن إسقاطه على واقع الحياة في مختلف مجالاتها ( سياسية/ حكم / اقتصاد..) أمر يفتح نص حبيباتي على عواهنه ليبلغ رسائل أبلغ من رسائل الحب والوجد . في حين نجد أحيانا أن المصيبة أقرب إلى بوابة مفتوحة على عواهنها لتتحقق سعادة أطفال ما ، زما دمنا نفكر بعقلية أطفال صغار فإن ل" لا شيء يمكنه أن يحجب متعة الحصول على حلوى" مهما كانت نتائج وعواقب ذلك ، فالصغار بقدر ما يفكرون فقط في الوسيلة لا يستحضرون عواقب ونتائج سعيهم وشغبهم . يقول السارد " حمل سائق السيارة الفارهة علبة حلوى إلى بيت الطفل الذي صدمه فكسر رجله ..وزعت والدة الطفل الحلوى على أطفال الشارع شكرا لله على سلامة ابنها ../ من حينها .../ غدت لأحلام الصغار المعبأة بالحلوى ../ أرجل ممتدة ../ باتجاه سيارات فارهة تعبر أحلامهم الجوعى باتصال .. ! " ص 18
على سبيل الختم هكذا تتنوع مضامين المجموعة القصصية " حبيباتي " للقاص الليبي جمعة الفاخري في محاولة لطرح قضايا متعددة ( الحب / الطفولة / الجنس / الموت / الكتابة / الحلم / صورة الأنا / ..) مواضيع لقدر ما تنوعت حاولت من خلالها النصوص الحفاظ على مقومات الكتابة القصصية في أغلبها في حين وجدنا في بعض النصوص النزوح نحو الوصف مع غالبية التأثيث الكاليغرافي النازع نحو تحيقي شعرية النص في حين ظلت بعض المضامين في ومضها تروم الحفاظ على إضمارها وكثافتها وحذفها وبياضها المعجز أحيانا . فقصص جمعة الفاخري بقدر ما حملت للقارئ كتابة قصصية قصيرة جدا حملت معها مواقف الكاتب من قضايا معاصرة حول الكتابة والموقف منها سواء في انسيابها او استحالتها ولعل نص " عصر " كان من أجمل النصوص التي جسدت هذا الأمر ص 42 فقد أضحى من الصعب التفريق بين كتابة قصصية قصيرة جدا وكتابة نص شعري إلتباس خلفه تداخل وتشكيل كاليغرافي جعل من تداعي الصور مؤثرا بامتياز وبالتالي امتداده للمعنى من خلال الانزياحات والاستعارة إلى درجة ذوبان النص القصصي وسط استيهامات وأنفاس متعددة ، وقد لمسنا هذا الأمر في نص "اغتيال" ص 35 وهو ما خلق تلك الشاعرية الساحرة للنص القصصي القصير جدا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) جمعة الفاخري "حبيباتي " (1) قصص قصيرة جدا مداد للطباعة والنشر والتوزيع والانتاج الفني سلسلة القصة (3) الطبعة الأولى 2009 (2) عثمان بنعليلا " توابل الكتابة " العلم الثقافي عدد 8520 إبريل 2007 (3) جريدة المنعطف عدد 3852/ أكتوبر 2010
(4) د محمد رمصيص " سحر الحكاية وسلطة المعرفة في ألف ليلة وليلة المنعطف الثقافي عدد 120 / سنة 2006
(5) د محمد رمصيص نفس المرجع السابق
#حميد_ركاطة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلة إفريقية لمصطفى لغتيري رواية الإنسان في عمق التاريخ و ال
...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|