|
عناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي
جواد الحسب
الحوار المتمدن-العدد: 3302 - 2011 / 3 / 11 - 19:44
المحور:
الادب والفن
إن المكونات الفنية للعرض المسرحي من العناصر السينوغرافية والحركية والأدائية للممثل، وغيرها من المكونات الأخرى التي تسهم في بنية العرض. تتحد جميعها لتصب في هدف واحد هو إنتاج ( لغة الصورة )، فدينامية الصورة في تواصل مستمر، وهي تشكل سلسلة من الصور تشير إلى أفكار ومعانٍ، وتقرأ بالمستوى الفكري والنفسي وبالتالى فإن محاولة القراءة هذه هي الوقوف على مكونات الصورة ومسح عن معالمها ماهو لامنتمي منها وما هوغامض ومشوّش، وبأكثر دقة ما لايقرأ أو ليس له معنى. المتفرج يبحث دائماً عن الهدف والمعنى من خلال الصور، ومن خلال التشكيل الحركي للمشهد. فــ "القدرة على فهم بناء تركيب الصور والقطع وعلى فهم كيفية تربيط الألوان هي الإسهام الخاص الذي يمكن للسينوغرافي أن يقدمه للعمل المسرحي."(1) يتطور المسرح وفقاً للتطور الذي يحصل في الحياة فظهورالسينوغرافيا وحضورها المهيمن في المسرح المعاصر لهو أمر طبيعي، من خلال تطوّر المسرح وتقدمه، ومن خلال استخداماتها مع حركة جسد الممثل، فحركة الديكور تؤدي بالضرورة إلى حركة الممثل، من خلال هذا يتضح أن المسرح هو عبارة عن لوحات متناغمة ومتدفقة تحقق اللغة البصرية لسياق العرض بكامله. فمن خلال السينوغرافيا وجسد الممثل، يتكّوّن الهدف والمعنى(2). ومن دون ذلك لاطائل من وجودهما. ففي العرض المسرحي تتحد جميع العناصر، حركة الممثل والإضاءة والديكور والموسيقى والأزياء والمكياج وسواها مع تنوّع الإيقاع، وهو المنظم لهذا التشابك، وبعد انصهار جميع العناصرالسينوغرافية في بوتقة المشهد منسجمة هارمونياً في إيقاعات متباينة ومتفاوتة في الطول والقصر في نسق واحد، نستخلص منها رسالة بصرية وسمعية تتجه إلى المتفرج، ففي حالة وجود عائق أو خلل في عدم وضوح الرسالة، هو في الحقيقة خلل في مفردات الصورة وإخلال في التوازن والانسجام." ان السينوغرافيا لا تقدم أكثر مما يشاهده المتفرج من تلقاء نفسه حين تستهويه لحظة إبداع تتفق مع استقباله، والتي تثير دهشته للجزء المرئي من كامل السينوغرافيا وليس كلها – أحيانا – كما في الكاميرا التي تلتقط الجزء الهام من وجهة نظر الفوتوغرافي"(3). فعين الإنسان أول ما يولد أشبه بالكاميرا تلتقط كل ما يحيط بها من صور والوان قبل أن يتعرف على الأصوات ولغة الكلام، لذا تترسخ الصور والوانها في ذاكرته أكثر رسوخاً من لغة الكلام. تأكيداً على ذلك أن لغة الحوار والكلام لها مدلولاتها المحددة مثلاً : حينما نقول باب، نشير بقولنا هذا إلى ماهو متفق عليه، أي الباب دون أن نأخذ بقولنا هذا إلى تأويل أو أحالة إلى ماهو غير الباب المقصود والمعلوم لدى المتلقي ولكن حينما يكون الباب موجود بالفعل على الخشبة مع تأثير العناصر السينوغرافية تصبح صورة الباب أكثر بلاغة، واكثر اتساعاً وإمكانية للتأويل، مما تحيل الصورة إلى الخيال، أي لمنشأها الأول، ومن ثم تفسيرها، وإضفاء الدلالات المناسبة عليها. وللصورة في بعض الأحيان تلك القدرة العجيبة على تحريك أفعال النفس عند (المتلقي) وتبقى محفوظة في نفسه، ثم تعود لتتحوّل إلى أفكار خاضعة للتفسير. لقد تصرفت بعض العروض باعتمادها على الشكل، دون أن يكون للمضمون أهمية تذكر، فهذا الشكل قد يستهوي مجتمع معين ويؤثر فيه ، وهنا تلعب الصورة الدور الأساسي في تأكيد جمالية الشكل، وما يثيره هذا الشكل من تجليات في نفس(المتلقي). إن معرفة الصورة المسرحية يأتي من خلال الادراك، وهو الانطباع الذي تكونت من خلاله معالمها داخل النفس، وترسخت فيها، وبهذا يخرج تفسيرنا عنها إما سلبي أو إيجابي تبعاً لحالات النفس، وهي التي تحدد تفسيراتنا للصورة واطلاق أحكامنا عنها، فالصورة " سلطة خاصّة في كلّ العصور، فهي في ظاهرها مجرّد وسيط، وفي جوهرها قوّة تتجاوز الوسيط لتتملك المشاهد، ومن هنا يأتي خطرها إنها أشبه بالعصا التي تستحيل إلى أفعى في صيغة إعجازيّة مهما تعددت أشكالها ومادّة صوغها وطرق عرضها."(4) فالصورة تأتي مكثفة بحركة الممثل وعمل عناصر السينوغرافيا على المكان والزمان وهذا التكثيف وهو كالمجاز في اللغة، فالمسرح يختلف عن باقي الفنون الأخرى كالسينما مثلاً، حيث الحركة التي ليس لها حدود، والفضاء الواسع أو المكان الرحب. في المسرح هناك محددات مثل حدود المكان والزمان، كل شيء يخضع لهذه المحددات فالزمن فيها لايمثل زمن الحياة الرتيب بل هو الزمن المسرحي وفيه تتحرك الشخصية وتتحّول في دقائق، من الشباب إلى الشيخوخة، ومن ثم إلى الموت في بعض الأحيان فهذا الزمن القصير على المسرح، له حساب آخر في مرجعياتنا على أنه زمن طويل يحسب بأعوام متعددة، هذا التطوّر في الزمن وتحّولات الشخصية صنعته عناصر السينوغرافيا. "في أوروبا وفي فرنسا، استخدم مصطلح سينوغرافيا بمعناه المعاصر بصورة نشطة منذ منتصف القرن العشرين"(5). لكن رغم هذه المدة الزمنية إلا أن الإقرار بعمل هذا المصطلح في مسارحنا مازال متعثراً ، بل أحياناً يكون مصمم الإضاءة هو ما يطلق عليه بالسينوغراف، أو مصمم الديكور. مازال هذا المصطلح يبحث عن مسرح يقر بوجوده بعيداً عن المسميات الأخرى. لاشك بأن التجربة الفنية بكل مجالاتها باتت تثبت بان الحالة الابداعية تتمخض عنها أسس وقواعد معرفية التي من خلالها نحدد الصفة الإبداعية المبتكرة، فمن خلال التجارب التي عرفت في الماضي واستنباط النتائج المثمرة، قد افادت الحاضر كثيراً، ومهدت السبل لاكتشافات جديدة في تقدم المسرح. " ويمكننا أن نجد في العروض المسرحية المعاصرة تأثيرات واضحة لكل من ستانسلافسكي ومايرهولد وبريخت وذلك من خلال أبحاثهم ودراستهم الفنية لتحقيق الوحدة ما بين خشبة المسرح وصالة المتفرجين"(6) لقد أنتج المسرح عروضاً مهمة ومتطوّرة خلال السنوات الأخيرة يفوق ما أنتجه طوال عمره الطويل، على مستوى العرض وليس على مستوى النص. فما من شك أن (شكسبير) خير من كتب للمسرح بعبقرية فذة لا مثيل لها لكن العروض في زمن (شكسبير) لا ترتقي إلى نصوصه، وفي عصرنا الحديث قدموا عروضاً لنصوص (شكسبير) تفوق الخيال، فالتطوّر الذي حصل للمسرح في العصر الحديث هو من خلال تطوّر استخدامات التكنولوجيا، والوسائل الفنية الأخرى واستخدامات عناصر السينوغرافيا بشكل جيد على المستوى العلمي والفني في آن واحد. ومن المعروف غالبية المصادر المعروفة تشير إلى إن "الميلاد الحقيقي الكامل لفن المخرج بمعناه المعاصر يتكامل في المانيا وبالذات في دوقية ساكس - مايننجن Meiningen- Saxe وعلى يد جورج الثاني George2 (1826 – 1914) دوق المقاطعة، الذي أحب المسرح، وقاد بنفسه فرقة الدوقية المسرحية"(7) وهو الذي قام بالتشكيل المسرحي نحو خلق منظومة جمالية تهيمن على فضاء العرض المسرحي، وهو الذي طالب بالدقة التاريخية. وعندما اخرج مسرحية ( يوليوس قيصر) كان فيها مقلداً للأساليب القديمة في جميع تشكيلاته السينوغرافية على مستوى الديكور والازياء والاكسسوارات. "وقد أفاد من كافة التجديدات التي لجأ اليها معاصروه وسابقوه ممن حاولوا تمهيد طريق الاخراج (...) فالدراسات الدقيقة للواقع التاريخي للديكور والأزياء والاكسسوار، سعياً الى خلق صورة واقعية على المسرح. (...) ولقد لجأ في ذلك الى وضع الممثل في حركة تعبيرية دائبة، حركة تشريحية تجسد الاحداث الدرامية."(8) وكذلك المخرج الفرنسي أندريه أنطوان (1858 – 1943) الذي أسس المسرح الحر متأثراً بالمذهب الطبيعي الذي أول من دعا إليه الكاتب اميل زولا ولقد حاكى الحياة الطبيعية ونقلها إلى المسرح. وأنطوان هوالذي أوجد (الجدارالرابع) ليحقق بذلك نظرية الإيهام، وحدَّ من التقارِبِ بينَ الممثل والمتفرج ليظلَّ كلٌ منهما في حدودهِ وإضفاء حالة من الاحترام بينهما. "على أننا يجب أن نسجل لحركة المسرح الطبيعي التي قادها اندريه أنطوان عاملاً من أكثر العوامل ايجابية في تاريخ المسرح ، هو التحول العميق في أخلاقيات المهنة المسرحية: فلقد عاد للمؤلف احترامه، وأرسيت نظم جديدة للتعامل داخل الفرقة المسرحية وأدينت ظاهرة الفردية عند الممثلين النجوم أو الابطال، وسادت قاعدة الجماعية في العمل وأصبح على الممثل أن يدرس كافة عناصر الفن المسرحي"(9). كما ان أنطوان قد حدد اتجاهين لعمل المخرج، الاتجاه الأول وهو التشكيلي ويقصد به الديكور والأزياء، والإضاءة والاكسسوارات والمكياج .. الخ . والاتجاه الثاني فهو ما أسماه بالاسرار النفسية والفلسفية التي يستنبطها من النص ومن ثم تقوم حركة الممثل بتجسيد ما وراء الكلمات، التي يمليها عليه النص. ويقول اندريه أنطوان عن عمله المسرحي: " لقد وجدت من الضروري، ومن المفيد، أن أبدأ عملي بابداع المنظر والبيئة، بصرف النظرعن الاحداث والحركات التي ستجري على خشبة المسرح ذلك أن المكان هو الذي سيقرر حركة الشخصيات، وليست حركة الشخصيات هي التي ستقرر المكان"(10). ان المتفرج حينما يذهب إلى المسرح يخضع لعملية التلقي وبالتالي فهو مؤمن بآلية عمل المسرح، بمعنى أن التكنيك المسرحي والحيل الفنية يدرك مبتغاها مسبقاً ولا تنطوي عليه أساليبها، ولكن إيمانه بفن المسرح يجعله يصدق بكل ما يراه ولو لحين من الزمن، أي زمن العرض، وهو يريد أن يرى الأشياء كما في المسرح، لا كما في الواقع، لأن الواقع قد تعامل معه بالفعل، وهو حين يتركه أو يهرب منه، إنما جاء ليبحث عن البديل، وهذا البديل يحتاج منه أن يهيئ خياله، ويكون في حالة أخرى تختلف أختلافاً كبيراً عن نظرته إلى واقعه. " يرى فرويد، أن الخلق الفني يقترن لديه (باللعب) بدلالة الهروب من الواقع بالخيال الطفولي وكذلك (بالتحليل) المراهق عن تدعيم (الأنا) بالمجد والحب وأخيراً ( بالحلم ) للتخلص من الرقيب والتعامل مع شرط مطلق أو نسبي وخير مطلق أو نسبي لصراعات (المبدعين) الداخلية وتميزهم"(11). منذ أن نشأ المسرح كمنصة وجمهور، أصبح حالة تمتلك جاذبيتها، ولأنه الفن الوحيد الذي تحدث فيه المجابهه بين الممثل والمتفرج وكلاهما يجدان المتعة في وجودهما فيه، وهو أيضاً يمثل نوع من التنفيس، يمكن للمرء فيه أن يتأمل تقلبات الحياة، وأن يبحث عن مرشد بشأن القضايا الكبرى. كما كان مكاناً لاستيعاب تلك القوى التي تتحكم في حياته في الخارج، من خلال الممثلين، ومن خلال تجسيدها على خشبة المسرح في صورة الأبطال والآلهة، والمهمات المسرحية فالمتفرج في زمن الإغريق قد يكون اتخذ من عروض المسرح الدليل الحقيقي في بحث الأحداث العظيمة ومعرفتها من خلال الأساطير، وقصص البطولات والمآسي، وفي واقعه الذي يضطره دائماً أن يحلق إلى عوالم من الخيال(12)،. تلك الحالات التي يستنبط منها معرفة نفسه والعالم المحيط به. فالمتفرج الأثيني" حتى ذلك الجاهل بالقراءة والكتابة كان قادراً على قراءة تلك المفردات الفنية التي تكون لغة خشبة المسرح بإعتبارها أحد الروابط التي تربطهم بأنفسهم، وبالعالم من حولهم، وبالآخرين،"(13). فالمسرح مكان معرفي، إذا صح التعبير، يبحث فيه الإنسان عن أسرار الكون ومعرفة نواميسها ولاسيما أن هذه المدة بالذات أي في القرن الخامس قبل الميلاد انتعشت فيها الفلسفة على يد (سقراط) و(فلاطون) و(ارسطو)، ولقد شهد هذا القرن أيضاً " ازدهار وسقوط حضارة كانت مؤسسة على الفنون المرئية: كان ذلك هو عصر المعماري والرسام والكاتب المسرحي ولم تتقلص مكانة هذه الأشكال لصالح الكلمة المنطوقة إلا في القرن الرابع قبل الميلاد ساعتها أبقى المؤرخون والفلاسفة والخطباء أثينا مركزاً للسعي للاكتمال الثقافي."(14). فالمتفرج جاء للمسرح ليبحث عن سر القوى التي تتحكم في مصيره ومصائر البشر. من خلال أداء الممثلين على الخشبة، كأبطال وآلهة وأنصاف آلهة وعرافين. فكل مايحدث على خشبة المسرح لم يكن أمراً مجانياً مطلقاً وإنما له صلة بالقضايا التي تشغل إنسان ذلك العصر. ولايتحقق ذلك إلا من خلال المسرح،" فالمسرح إذن هو اتصال قائم بين أناس أحياء على الخشبة وأناس أحياء آخرين في الصالة، وعلى أساس هذا الشرط يقوم أو يعتمد العرض المسرحي.(15) وتساعد التقنيات الفنية والعناصرالسينوغرافية على إبراز الموضوعات بشكل جلي مع وجود الممثل. فالزي والديكور والأقنعة والأكسسوارات، كلها تسهم وتتفاعل لتشكل في النهاية سلسلة من الصور التي توضح فحوى القضية المطروحة وملابساتها. " والمسرح في كليته قد يتوسل الرقص ويتوسل الأنغام وربما الجوقة وكل تهويل آخر ليبدع الأجواء التجسيدية وخلاصة ذلك كله أن المسرح فنّ متكامل"(16). فكلمة عرض لاتعني أسمع، وإنما أرى، وبعبارة أخرى أن العرض هو الصورة السينوغرافية، فعلاقة الكتلة بالفراغ، علاقة مقرونة بالمقاربات والتشابه ولاتؤخذ الأشياء بحجمها الطبيعي كما في الواقع، وإنما الأشياء على المسرح لها خصوصية، ولا تتم المقارنة بينها وبين الأشياء الاستعمالية التي نتعامل معها في حياتنا العادية، فالأشياء على المسرح لها رموز ودلالات، " أي في إنتاج المعنى وإيصاله من خلال العرض نفسه والأنساق التي تشكل أساساً له(17)،"وتحقق من خلال تكويناتها وتشكيلاتها لغة العرض. فالكرسي على المسرح ليس هو الكرسي الذي نستعمله في المنزل، الكرسي على المسرح ينتج دلالات كثيرة تتفق هذه الدلالات مع رؤية المخرج وما يقصده من هدف ومعنى. فالصورة هي اللغة المعبرة، حتى في بدايات المسرح، "إن العرض المسرحي يتدفق من خلال علاقات درامية خاصة مابين العناصر والتفصيلات التي لو أخذت بشكل منعزل عن بعضها الآخر تبدو غير درامية وكأنها لا تحمل خصوصيات مشتركة"(18). فعناصر السينوغرافيا كلها تصب في هدف واحد، هو إنتاج معنى أو بلورة لغة صورية تشترك في صياغتها كل العناصر بشكل متوازن، فلو كان هناك أكثر من هدف لتشتت المعنى، وبالتالي اختلت مفردات اللغة في العرض المسرحي." كل حركة أو شارة ترى وتسمع على المسرح ينبغي أن تضبط فتنضبط عبر الإيقاع العام للمسرحية."(19) فتأثير العناصر السينوغرافية على بعضها البعض، من أجل تكوين فضاء العرض وإنتاج صور مؤثرة تنحو إلى قوة الارتباط بالمخيلة وبالواقع في الوقت نفسه، تثير فينا قوة هذا الارتباط وتشدنا نحو أحداثه التي صنعها العرض، وهذا يؤكد لنا على أن مفاهيم كثيرة عززت ارتباطنا بالصورة والمفهوم البصري في عصرنا الحالي الذي يسمى بحق عصر الإنفو- ميديا،info- midia أي الاتصال بالصورة. إن وزن الكلمات لا يساوي صدمة الصور وكما يؤكد خبراء علم الاتصال: عندما تكون الصورة قوية ومؤثرة تطمس الصوت وتتغلب العين على الأذن(20). ولقد تطور مفهوم الاتصال بالصورة كثيراً، وحقق غرضه في مجال المسرح، من خلال السينوغرافيا، فالسينوغرافيا تعني أيضاً تنظيم الفضاء من جميع النواحي أو هي "فن تصميم خشبة المسرح بهدف خلق فضاء مناسب للنص وهو يتحول إلى عرض ويجد فنان السينوغرافيا نفسه أمام مهام أخرى لصيغة بتنظيم هذا الفضاء(21)،"والسينوغرافيا هي المسؤولة أولاً وأخيراً عن تأمين فضاء الممثل. وتسهم في التأثيرعلى المتفرج، بكل مجالاتها، فحركة الديكور والإضاءة والزي والموسيقى والأكسسوارات، يؤدي ذلك بشكل أكيد مع تنسيق حركة الممثل في صياغة صور متتالية ومتناغمة، في خلق عرض مسرحي مؤثر، ومنسجم تكوينياً وتشكيلياً. "في الثمانينيات اكتمل نوع من الثورة على طريقة الإخراج المسرحي خارج أسلوب النص والمشهدية، فالمسرح لم يعد يبحث عن تناغم وتصميم رائع بين مكوناته كنوع مصطنع ومركب، بل كنموذج لقوى فنية تجتمع في قالب مسرحي كبير"(22). بعد الثمانينيات تأتي مرحلة التسعينيات وان كانت هذه المرحلة تقدم فيها عروض مسرحية مختلفة، تخالف ماكان مألوفاً من عروض في مسرح الماضي حيث " قامت عروض مسرحية في المخازن وصالات المصانع والأقبية، تحت الأرض وفي إسطبلات الخيول، في (الهنكارات) في الشوارع والشقق، كما قدمت عروض في المجمعات التجارية لتعيد هذه العروض إعادة اكتشاف الأقمشة الكتانية وخيم السيرك وسينما الحي ولتبدو هذه الظاهرة – لأسباب سياسية وتجارية – على أنها موضة أو نزوة لمخرجين حقيقيين استخدموا تكنولوجيا المكان في مشاهد جمالية"(23). فالصورة بتشكيلاتها سواء على مستوى الكتلة أو اللون، تسهم في خلق التوازن والتناغم محققة أهدافها في دلالات لغوية، فهذه العملية ينبغي أن تعمل بوعي لجميع العناصر السينوغرافية التي تتحد من أجل خلق معنى في عملية الاتصال، وتأسيساً على ذلك، لم يعد الفضاء المسرحي يقف عند حدود الخشبة أو المنصة التي ينهض عليها العرض، وإنما تغيرت حدوده بتعدد وتغير المنصات في العرض الواحد، وبناء العلاقة القائمة بين طرفين كل منهما يكمل الآخر هو العرض والمتفرج.(24) والسينوغرافيا تقوم بخلق المكان الفني الذي تتحرك فيه الشخصيات، مع الإضاءة والديكور، والعناصر السينوغرافية الأخرى، في تأكيد قيمها الجمالية للصورة المشهدية في تتابعها وتواصلها لصناعة عرض ينحو إلى التكامل. وهي" فن مركب، يمتلك التعددية في المعنى أيضا، فهو الجامع لكل الفنون وهو أحد تعريفات المسرح الذي نطلق عليه مصطلحاً "أبو الفنون"، أو هو نتيجة حتمية لجمع شمل كل الفنون في تركيبة واحدة نطلق عليها "العرض المسرحي"، في وحدة أسلوبية وفنية بقيادة " السينوغراف " أو المخرج " – الرجل الأهم في المسرح – فهو المفكر، والقائد والمنظم لكامل العملية في تنسيق الفضاء"(25). والعمل الفني يسعى دائماً أن لاتكون دلالاته فيها لبساً أو غموضاً وأن لا تكون واضحة كل الوضوح، وإلا سوف تتوقف عملية التتابع والأتصال من قبل المتفرج، فالعمل الفني يجب أن يحيا لذاته منشغلاً بخصوصياته الأسلوبية والتجريبية أحياناً، وعبر الأساليب والصياغات يحصل على هويته كعمل مسرحي . فالمسرح هو كيان عمليات ينحو بمفاهيمه ومقولاته وفلسفته للجمال والصفات الخلاقة لأهدافه. والمسرح لا يتوّقف أبداً فهو في صيرورة مستمرة لا تعرف الثبات. فالسينوغرافيا كيان عياني، وهي تمثل جسد المسرح، والممثل روحه، يشتركا معاً، لخلق التناسق والانسجام في لغة تعبيرية ماهيتها الصورة، وتحقق معنىً فكرياً، من خلال قراءة العرض المسرحي بصرياً. أكدت السينوغرافيا ودورها البارز على أهميتها بوصفها مجموعة عناصر ومهارات منتجة تحقق لغة العرض. فالتطور والتحول في وسائل إنتاج المسرح جاء من خلال المعرفة الأكيدة لعناصر السينوغرافيا بكل تصميماتها التي جاءت توافق حركة الممثل على الخشبة مما جعل رجال المسرح يهتمون بالتصميمات السينوغرافية التي تخلق الفضاء تقول: باميلا هاورد "إن السينوغرافيا : أي خلق فضاء فوق خشبة المسرح، والسينوغرافيا عمل غير كامل دائما حتى يدخل الممثل في فضاء التمثيل ويلتحم بالجمهور"(26). لهذا فإن السينوغرافيا لوحدها لا تحقق غرض المسرح، ولا تتم عملية المسرحة من دون الممثل. فالممثل هو أداة توصيل بين أفكار النص ورؤية العرض إذا صح التعبير، ولا يتم ذلك إلا من خلال النظر ومشاهدة الممثل (الأداة التعبيرية) الذي يفعّـل طاقاته بصورة ظاهرة وخافية تتحقق ضمن سياق الظهور والحضور، لتشكيل الصورة وهيمنتها من خلاله مع عمل السينوغرافيا في منطقة القراءة البصرية، ويجري تلقيها والتفاعل معها على هذا الأساس، ومن خلال هذا تبرز عدة انطباعات مؤثرة في (المتلقي). لقد تفاعل المتفرج بشكل أكيد مع ابتكارات كتاب التراجيديا في زمن الإغريق وخصوصاً في ما يتعلق بالرسوم على الألواح الخشبية المرسوم عليها أشياء تتعلق بالحدث المسرحي، وهي رسومات تزينية، تشكل خلفيات لدعم الممثل، " إن شكل وأسلوب ورموز التراجيديات الإغريقية كانت تنطلق في رأيي، من فهم خاص للصورة كان سائداً في حياة اثينا الكلاسيكية: في نظام تعليمها، وثقافتها، وديانتها.(26) من هنا بدأ عمل السينوغرافيا في هذا العصر، ولكن ليس كما تشير إليه السينوغرافيا في الوقت الحالي، حيث إنها تحقق الانسجام والتضافر في عناصرها، أي تنسيق الفضاء المسرحي بالتشكيل الحركي والصوت والإضاءة والأزياء والديكور، وهذه جميعهاً تتخذ من الفضاء مكاناً لها وتتحكم فيه. هذا ما يؤكد اشتغال السينوغرافيا في العصر الحديث. أما مانعني به الزخرفة وتجميل واجهة المسرح، المقصود هو (المنظر)، ولكن السينوغرافيا بعناصرها التي نعرفها اليوم، أشار إليها (أرسطو) في كتابه (فن الشعر) وأسماها "المرئيات المسرحية،(opsis) ، ويعني أرسطو بـ(المرئيات المسرحية) المنظر، والأثاث والملابس، والإضاءة، والمكياج وتحركات الممثلين وإيماءاتهم، وكل العناصر الأخرى المشوفة، والمسهمة في تكوين الطقس العام."(27) والمرئيات المسرحية التي أسماها (أرسطو) بالأمس هي نفسها التي نعنيها اليوم ونطلق عليها (السينوغرافيا)، فقط المسميات هي التي اختلفت، لكن العناصر هي نفسها في كلا التسميتين. وقد رافقت السينوغرافيا المسرح منذ بداياته حتى يومنا هذا، ولم يتم عرض مسرحي بدونها مطلقاً، حتى وإن نادى بعض المخرجين بفردية أداء العنصر الواحد هو الممثل في العرض، إلا أن ذلك لا ينفي من وجود بعض من عناصر السينوغرافيا فطالما هناك مسرح إذن توجد سينوغرافيا. ولكنها لم تثبت على اسم محدد، بل تعددت تسمياتها، حتى استقر بها الحال في العصر الحديث، واستخدمت كمصطلح (سينوغرافيا)، وأصبح لها مصمم يعني باستخداماتها، وهو المسؤول عن حركتها وتصميم تشكيلاتها، وتأمين حضورها في العرض المسرحي، وهو المصمم الذي يشترك مع المخرج في رؤياه، ونقصد به السينوغراف. " اشتقت كلمة سينوغرافيا من skenegraphein – والمفهوم الخاص لهذه الكلمة في عصر النهضة : فكلمة skenegraphia اليونانية تعني زخرفة، أي تجميل واجهة المسرح ، skene بألواح مرسومة حيث كان المسرح خيمة أو كوخاً من الخشب ثم مبنى يحيط بساحة التمثيل في المسرح الإغريقي . كانت هذه الزخارف التي ظهرت في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد في تراجيديا سوفوكليس ، تمثل مناظر معمارية أو طبيعية لتوضيح موقع الحدث"(28 ). فالسينغرافين هي تزينية المسرح، للإيهام بمكان الحدث، من حيث الديكور والرسوم. إن معمارية المسرح الإغريقي الأكثر ثباتاً في المنظر المسرحي،حيث كان "وجه بناية المناظر بالطبع، هو نفسه بالنسبة لجميع المسرحيات، وكان يؤلف ما يمكن ان نسميه منظراً مسرحياً ثابتاً"(29). يسهم في تحديد مكانة الممثل الذي يؤدي الشخصية الدرامية، فدخوله من الباب الوسط لبناية المنظر يختلف عن دخوله من أحد البابين الجانبيين، ذلك أن الباب الوسط هو للشخصيات المرموقة مثل الملوك والأمراء، وهذا يعني أن معمارية المسرح بأبوابها الثلاثة لها دلالاتها التي أعتاد على معرفتها المتفرج. وهي" ملائمة لدخول المواكب أو الجماهير. وكانت هذه المداخل اكثر فعالية في ذلك الزمن منها في معظم المسارح الحديثة."(30). فهذه الأبواب تعطي مكانة الممثل من الناحية الاجتماعية، وتعمق دور الشخصيات داخل العرض. "إن السينوغرافيا تصف اتجاهاً كلياً لصناعة المسرح من منظور بصري. وهي تشتق اسمها من المصطلحين الإغريقيين " سينو وجرافيكا " وتترجم إلى كتابة فراغ المسرح. إنها كلمة مسرحية دولية. ومع انتشار الكلمة بشكل موسع في البلاد التي لم تكن تعرفها من قبل تم تفسيرها وترجمتها محلياً"(31). إن السينوغرافيا ولدت في المسرح، أو هكذا أراد لها مصمموها أن تبقى بالرغم من أنها مورست في ميادين شتى، ففي عصر النهضة كانت تعني العمارة وتخطيط المدن وتزيين الطرق والشوارع وواجهات المحلات وديكوراتها وغيرها من التأسيسات التي تهتم بالجمال والتنظيم. ولكنها عادت إلى المسرح بفضل السينوغرافيين وجعلوا اشتغالاتها تقتصر على الفضاء المسرحي فقط. " والسينوغراف لا يهتم بالمنصة أو الخشبة فقط، بل بالمكان الذي يشغله المتفرجون المشاهدون، وهكذا يغدو هؤلاء جزءاً من (اللوحة البصرية)."(32) وتأسيساً على ذلك أصبحت للسينوغرافيا دلالاتها البصرية ويلعب المخرج دوراً كبيراً في استنطاق عناصرها، ليحيل تفاعلاتها إلى لغة صورية حيث أن لهذه اللغة علاماتها وإشاراتها، وهي تؤدي إلى معنى وبالتالي من خلال تجليات البصري والسمعي يستخلص هذا المعنى، ويتحقق هدف العرض المسرحي. فالمعنى المعاصر للسينوغرافيا هو عملية تشكيلية تتحد فيها جميع العناصر من حركة وصوت وموسيقى وديكور وإضاءة وأزياء وماكياج . فمن المؤكد أن هذه العناصر تحتاج من يجعلها تتضافر أو تتناسق فيما بينها وذلك بدخول الممثل، فالممثل المحرك للعناصر السينوغرافية، التي جاءت جميع العناصر لتدعم حضوره وتسهم في إبراز الأداء من الناحية التجسيدية والتعبيرية، وهو يمثل الكتلة الحية الفيزيقية، إذا قورن بالكتل الأخرى الجامدة التي تتناسق في فضاء العرض. "فالعناصر الأسلوبية تتضافر لتخلق الجمال، لا مجرد أداء المعنى وحده، بل صياغة الشكل الأروّع، وتبقى المسافة بين المؤلف وعمله مثل المسافة التي تفصل (الحقيقي) عن (التخيلي)"(33). فوظيفة السينوغرافيا هي تكييف المكان لكي يكون ملائماً للعرض المسرحي. من خلال تضافر الصوت والحركة والأزياء والتشكيل والمنظر والإضاءة ، فهذا التضافر والانسجام يعني التنسيق في الفضاء ومن ثم التحكم الفني في عمل السينوغرافيا وتطويعها لخدمة العرض. فخاصية المسرح تشير إلى أنه فن مركب. أو هو منظومة بصرية في خلق مشاهد يكون أنتمائها للصورة لا للكلام، والسينوغرافيا لايحدها قانون معين، وتبقى في طور التجريب والمحاولات في خلق قراءات متعددة ولغة تأويلية للعرض المسرحي. "السينوغرافيا : ويقصد بهذا المصطلح رسم الصورة المسرحية. ومع أن المخرج هو المسؤول عن هذه المهمة ولكن العمل الاساسي يقع على عاتق المصممين. وتصبح مهمة القائم بالسينوغرافيا توحيد افكار المخرج مع افكار المصممين وايجاد العلاقة من نتائج اعمالهم"(34). والسينوغرافيا تشمل أيضاً الصالة وجوانبها على أن تكون هذه الجوانب جزءاً من المكان المسرحي. فهي تعني ببساطة تنظيم الخشبة أو غيرها فضائياً بحيث يحقق الغرض المطلوب، ويؤدي الممثلون أدوارهم عليه. ولو رجعنا إلى عملية تنظيم المكان نجد أنها منذ البدء كانت تعني مكان المسرح، لكي يتحقق من خلال هذا التنظيم، خلق الصورة المعبرة انطلاقاً من النص إلى العرض، أي من المؤلف إلى الممثل. "حين فكر المخرجون التوّاقون إلى الارتقاء بالظاهرة المسرحية، أن يقتربوا بالمسرح من التكنولوجيا، فكروا بالتشكيل في الفضاء وبفنون التنسيق فيه بوساطة ( السينوغرافيا scenography )"(35). إن الأساس في عمل السينوغرافيا هو التنظيم أو التنسيق لخلق فضاء مسرحي مناسب. فالسينوغراف، وهو الرجل المعني بتصميم السينوغرافيا، مهمته تكمن في إخضاع العناصرالسينوغرافية إلى رؤية واحدة. "يجب أن تكون هناك رؤية واضحة وينبغي تجريب واختبار أفكار العرض من النواحي التخيلية والجمالية والعملية. يجب ألا يوضع أي شيء خارج الميزان. فالتعاون هو معركة التجانس على الخشبة"(36). فكل عنصر من العناصر يحقق أهميته في العرض، فالديكور مهم، سواء في النص، أو في العرض، فالكاتب المسرحي لايمكن أن يكتب نصه مالم يضع في مخيلته شكل الديكور وتفصيلاته، ففي النص هنالك ديكور مرسوم بدقة، "هناك ثلاثة أنواع رئيسة للديكور: الواقعي والتعبيري والخشبة العارية، وبالرغم من أنه ليس هناك خطوط واضحة تفصل بين هذه الأنواع الثلاثة إلا أن لكل منها خصائصه التي لا يشاركه فيها النوعان الآخران والأهم من ذلك هو أن لكل منها ميزاته ومساوئه"(37). كذلك المخرج المسرحي حينما يريد أن يخرج نصاً، فحتماً سوف يضع في تصوره الشكل العام للديكور، والإضاءة، والملابس، والموسيقى، وغيرها من التشكيلات السينوغرافية، التي من خلالها يتكامل العرض المسرحي. في بعض الاحيان يستدعي المخرج بعض الرسامين المعروفين، ليشاركوه في رؤياه الفنية، مما يجعل العمل ينحو إلى الجمالية التشكيلية. إن خلق رؤية أحادية القراءة من قبل المخرج، قد لاتقدم عرضاً مسرحياً متكاملاً، وإنما يسانده الكثير من المصممين، مثل مصمم الإضاءة والديكور والملابس، كي يتم التوحّد في خلق رؤية واحدة مع المخرج، "مع بداية القرن العشرين تغير دور المخرج من مجرد منظم لخشبة المسرح إلى مهنة فنية كبيرة. وبحلول الخمسينيات من القرن نفسه تطورت وظيفة المخرج لتصبح مهنة يهيمن فيها المخرج على العرض"(38). إن تاثير جميع العناصر السينوغرافية على بعضها البعض، لخلق الحالة التشكيلية للعرض، وهو الحل المكاني لخشبة المسرح، فالديكور والإضاءة والأزياء والمكياج والموسيقى، هذه العناصر مجتمعة، تكون من اختصاص واحد هو السينوغراف، في المدة التي لم يشغل هذا الاختصاص أحد، كان لكل عنصر من هذه العناصر مصمم أي في حدود خمسة إلى ستة مصممين، وهناك المنفذون لهذه العناصر، لكن وبعد ظهور السينوغراف أصبح هو الوحيد المشرف على منفذي العناصر،" ويجد السينوغراف نفسه مسؤولاً عن ورشة عمل من نجارين ورسامين ومصممي أزياء، وهؤلاء عملياً يترجمون أفكاره إلى واقع ملموس." (39) أن هدف السينوغرافيا هو أنصهار جميع العناصر، لتصب في اتجاه واحد من أجل تحقيق رؤية المخرج. فالأزياء والإضاءة تخلق حالة من التوافق مع الديكور، ليتكون فضاء منسق مكانياً وتشكيلياً. "كل ما يحقق الصورة المسرحية بكاملها أمام المتفرج وبعكسه ستصبح السينوغرافيا ناقصة بغياب واحدة من مكوناتها، وعليه فإن السينوغرافيا هي: (الفن الذي يرسم التصورات من أجل إضفاء معنى على الفضاء.) وإضفاء المعنى في وصول الفكرة لن يترك مكوناً من المكونات التي تحقق تشكيل الفضاء وتنسيقه إلا استخدمتها. إذن هي العملية الأهم في عمل المخرج على إعداد العرض المسرحي من أجل الوصول إلى التكامل الفني في العرض المسرحي"(40). هناك نوعان من الفضاء الأول هو الفضاء الدرامي، والمقصود به النص، والفضاء الثاني فهو المسرح، وهو الذي يرى، والمتجسد أمام المتفرج بشكل مادي ملموس، " فالفضاء بالنسبة للمصمم المسرحي معنى بخلق فضاء درامي داخلي إلى جانب الاستجابة للفضاء المعماري الخارجي، ومن أجل خلق صور مسرحية فعالة تصف الفضاء الدرامي."(41). فالفضاء النصي، يتحوّل بفعل المخرج والسينوغراف إلى فضاء مسرحي، وهنا تصبح عملية المشاهدة مقرونة بالفضاء المسرحي، هو العرض. إن السينوغرافيا هي إعادة خلق للنص المسرحي بدلاً من مجرد تجسيده على المسرح بمعنى أن الكاتب المسرحي يضع في نصه مجموعة من الإشارات والتعليمات الموجهة للمخرج ومصمم السينوغرافيا، وفيها تحديد المكان والأشياء التي تخص الأزياء والديكور والإضاءة وألوانها وكذلك الحركة، لكن بعض مصممي السينوغرافيا لايعتمدون على ما موجود بالنص من إشارات وتعليمات، وذلك لأن الكاتب كتب نصه في زمان ومكان مختلفين عن زمان ومكان مصمم السينوغرافيا فضلاً عن أن هذه الإشارات والتعليمات قد تحد من عمل السينوغراف، ومن ثم فالإمكانات المتاحة في المسرح قد تختلف عما كانت عليه في زمن المؤلف، لذلك يلجأ السينوغراف إلى الاعتماد على خياله وتصوراته تاركاً كل ما مكتوب في النص من تعليمات وإشارات لأنها تحدده وتقيده. لكن هذا لايعفي السينوغراف من قراءة النص بشكل عميق حتى يستشف ما خلف الكلام، ولكي يصل إلى تصوّر حقيقي لأفكار الكاتب، وأفكاره هو أيضاً ليصل إلى الهدف. قد يكون من الخطأ حينما نخلط مابين الديكور والسينوغرافيا وهذا ما يتصوّره معظم المشتغلين في المسرح، فالديكور لايشكل بمفرده عالم السينوغرافيا بل هو جزء منها. لأن تحت لواء السينوغرافيا تنطوي العناصر الأخرى "(السينوغرافيا scenography)، التي اختلف المعنيون ذاتهم حول معناها وتعريفها فمنهم اعتقد بأن المعنى فيها يقف عند حدود المنظر (الديكور)، والآخر في الضوء (الإنارة)، وغيرهم اعتبروها (الزخرفة)، وآخرون اعتبروها في المستلزمات البقية للتكوين الفني للصورة المسرحية، وهكذا. ومثلما اختلف المعنى المحدد لها، تعددت كذلك التعاريف الكثيرة لها"(42). في السابق كان مصمم الديكور يعمل بمعزل عن الآخرين، أي كل واحد من المصممين يعمل بمفرده، مصمم الإضاءة ومصمم الديكور ومصمم الأزياء والماكياج ومن ثم يتم الاتفاق بينهم وبين المخرج. "ينتمي العاملون في السينوغرافيا إلى ثلاث فئات تختص الأولى بخشبة المسرح والفنيين المتصلين بها ( مدير تجهيزات خشبة المسرح والمدير الاداري والمدير الفني) ثم العاملين بالديكور من مصممي الديكور وأخيرا الفئة المختصة بالعمارة ( المعماري والرسام)"(43). تتمخض عن هذه الفئات السينوغرافيا بكل تشكيلاتها، والكل يصب في الرؤية الإخراجية في سبيل تحقيق النجاح للعرض المسرحي. فالعرض هو الوحدة العضوية الذي يضم في بنيته جميع العناصر الفنية، وهي مترابطة فيما بينها بمجموعة من العلاقات المعقدة هي التي تحدد دور ووظيفة كل عنصر مما يجعل استيعاب العرض المسرحي، وتذوقه وفهمه، لايمكن أن يتم دون معرفة عميقة بهذه البنية الفنية المركبة والمعقدة في الوقت نفسه. وتجدر الإشارة إلى أن المسرح الحديث قد ربط نفسه بعلاقة ثلاثية الأطراف وهي السينوغرافيا والممثل والمتفرج. صحيح أن مفهوم السينوغرافيا جديد إلا أنه حقق للمخرج الإبداع في الصورة، بأمكانيات وتشكيلات هائلة. "القراءات النهائية يتخذها عادة المخرج، والذي تقود رؤيته اتجاه العرض . احيانا مايكون المخرج هو نفسه كاتب العرض أو السينوغرافي، ولكن النقطة المهمة هي أن كل شخص في فريق الابداع له دور مستقل ومتكامل في آن واحد في العرض"(44). لكن وبعد أن ظهر السينوغراف أصبح هو المشرف على جميع هذه العناصر ضمن رؤياه هو، على أن لاتتعارض هذه الرؤية مع رؤية المخرج ، فلابد من أن يحصل الاتفاق بشكل أو بآخر حتى يتحقق التكامل في العرض. "تقع على السينوغرافي مسؤولية مباشرة هي عرض صور حية للحياة وللنص على المسرح حتى يتمتع الجمهور بالدراما بوصفها فناً معاصراً وحياً وليس قطعة معروضة في متحف"(45). عمل السينوغراف هو تأمين الفضاء المسرحي بكل تفاصيله وعناصره المختلفة حتى يتشكل التصوّر من خلال الخيال لأنه جوهر العملية الفنية والإبداعية. إن مصمم السينوغرافيا لابد وأن يكون موهوب، وانطلاقا من هذه الموهبة ، وقراءة النص أكثر من مرة للإلمام بكل تفاصيله ومفرداته، حتى يتسنى له وضع رؤية سينوغرافية ملائمة للعرض المسرحي، ببساطة أن السينوغرافيا هي تنظيم الفضاء لكي يتكيف مع ماهو مطلوب، فالتنظيم يشكل جميع الأنواع من دراما ورقص وأوبرا،(46). أن تطور التقنية الحديثة في مجال المسرح، تسهم بشكل فعال في تطور السينوغرافيا، فالتقنية الحديثة غزت مسارح العالم، إن التقنية تخدم مجال السينوغرافيا بشكل كبير، لأن التقنية تمثل الآن روح العصر، ولا يمكن بأي شكل من الاشكال تجاهلها، ولكن من الأجدر أن تتخلل هذه التقنية إبداع الفنان وأن تمنحه الحرية الكافية بأن يمارس فنه بشكل حقيقي. ولكن "المغالاة في استخدام التقنيات تصرف الانتباه عما هو أساسي. فلا شك أن الدراما الجادة قد تنهار إذا سيطر عليها عنصر الخدعة"(47). عمل مصمم السينوغرافيا يكمن في أن يجعل من العناصر السينوغرافية فعالة، بل وجزء من الحالة النفسية للعرض المسرحي، وتكون كذلك مساعدة للحركة المسرحية وذلك من خلال إعطاء مرادفات وحلول وإمكانيات تسهم في بلورة العرض وتكامله. إن الفضاء المسرحي هو الموضوع الرئيس لعمل السينوغرافيا، ذلك أن السينوغرافيا لاتعمل في الفراغ، فمجال السينوغرافيا هو الفضاء المسرحي كله. وببساطة شديدة عندما نريد أن نحدد الفضاء المسرحي، أو المسرح كفضاء علينا أن نمنحه هويته بحيث يكون صالح للمشاهدة، حتى يكون قد تحقق فيه عنصرا الرؤية والمسرحة(48)، أي هناك متفرج ومكان للفرجة – مرسل ومتلقي – أن مهمة السينوغراف وجل عمله هو أن يجعل العناصر السينوغرافية أن تعمل في انسجام تام مع بعضها، وهذا الانسجام هو الإيقاع. وهو يؤدي في النهاية إلى ضبط حركة العرض. فالإيقاع يضبط أجزاء المشهد المتفت ويجعل انضباطه منسجم في وحدة متناسقة تجمع الحركة واللون والصوت في سياق تكويني شامل يربط مفردات العرض ويمنحها القدرة التعبيرية من خلال الصورة التي تتدفق في نظام محكم. " وهي هنا خلق عمل موحد لا فجوات فيه، فإن إنتاج العلاقات المكانية وتأطير مساحات الاداء، والحذق في تعيين دلالات الازياء واستخدام الإضاءة كأداة للكشف كل ذلك ينضوي تحت لواء السينوغرافيا.(49) إن تنسيق الألوان في تصميم الأزياء بينها وبين الديكور حتى لايكون هناك تضارب أو تنافر في تشكيل الألوان، لابد أن يحدث الانسجام بين العناصر "فالدلالة اللونية للإضاءة هي – بشكل من الاشكال – ترميز لمعان معينة، تأتي داعمة لفكرة ما أخرى جوهرية في العرض، ناهيك عن الديكورالذي يقودنا إلى مفهوم الشرطية الذي يُعَدُّ اختزالاً شديداً لعنصر ما متكامل بحيث يصبح هذا الجزء (التفصيلي) اختزالاً لذلك العنصر الأصل"(50). كذلك هناك زوايا معينة للإضاءة لكي تسهم في خلق جماليات مع العناصر الأخرى وتضفي على العرض المسرحي جواً تسوده المتعة البصرية. إن ظهور مصمم السينوغرافيا، وهو ظهور حديث، قد غيّب عصر المنظر(الديكور)، وقد أصبح الديكور جزءاً من السينوغرافيا، إن ظهور السينوغرافيا بكل عناصرها وتشكيلاتها التي تعبرعن كل ماهو مرئي على خشبة المسرح مازالت تتعثر في مسيرتها، ذلك أنها يكتنفها بعض الغموض لدى الكثير من المشتغلين في المسرح ولاسيما المخرجين." على المخرجين أن يفهموا أن العمل مع سينوغرافي ليس كطلب سلعة وتوصيلها إلى المنزل. بل إن السينوغرافيا عمل شاق ومكثف وبطيء رغم تقدم التكنولوجيا تقدماً سريعاً ودائماً واحياناً ما يكون محالاً فالسينوغرافي دائماً ما يتلاعب بالانسجة والخامات والنسب والعلاقات ليكتشف عالماً درامياً يصلح للعرض"(51). مازالت السينوغرافيا مقيمة في بعدها النظري، لا التطبيقي، ويتناولونها مجرد مصطلح دون أن يعملوا بها، ربما يكون السبب في تعدد تعاريفها وما يكتنفها من غموض. ولقد أصبح المنظر هو البديل المرادف لها، حيث يرجعون إلى عصر الديكور، رغم أن العالم قد ضمها في اشتغالات المسرح، وحقق لها مجالها الاصطلاحي في حدود نصف قرن من الزمان. إذا كان علينا أن نرافق التطور الذي يحصل في المسرح، وهذا ما سبقنا إليه العالم، يجب أن نؤمن بهذا المصطلح، نظرياً وتطبيقياً، فهو الفن الذي يرسم التصوّرات من أجل إضفاء معنى على الفضاء، وهو العلم الذي يهتم في دراسة الفضاء المسرحي. وهو يمثل الإطار التشكيلي (صورة العرض) بكل تفاصيلها من أجل تحقيق الجانب الجوهري للمسرح وهو خلق المتعة والدهشة عند المتفرج. "إن فهم السينوغرافيا يبدأ بفهم إمكانيات الفضاء التمثيلي الفارغ، ثم تدرس السينوغرافيا الكلمة المنطوقة أو النص أو الموسيقى التي تحول الفضاء الفارغ إلى الأشياء أو الأشكال أو الألوان المناسبة لوضعها معا في تشكيل فضائي يضفى على النص حياة ورؤية جديدة"(52). لايمكن الاستغناء عن أي عنصر من عناصر السينوغرافيا، لأنها جميعاً مرتبطة بالعرض المسرحي ارتباطاً وثيقاً وبعلاقة عضوية متبادلة. طبيعة السينوغرافيا لاتتجزأ ويعمل كل جزء بمعزل عن الجزء الآخر، ولو حدث مثل هذا الأمر لفقد العرض التوازن والانسجام وكذلك فقد خطابه البصري. وبالتالي تختل مقوماته كعرض. فالأنساق السينوغرافية الدالة التي يتألف منها العرض لابد أن تتآلف وتنسجم لتعمل مع بعضها من أجل هدف واحد.(53) فليس هناك عرض بدون إضاءة، كذلك ليس هناك عرض بدون ديكور، أو بدون أزياء أو بدون موسيقى، أو مؤثرات، هذه العناصر تتمازج لتصيغ عرضاً مسرحياً يمتلك السمات الجمالية والدلالية، فعناصرالسينوغرافيا تتشكل وتتكوّن لتنتج لغة مشتركة تنطلق من العرض إلى المتفرج، "اللغة جوهر المسرح، ولذلك ظلت ملتزمة باستخدام السينوغرافيا في تعزيز وكشف النص والقصة التي وراءه، فإذا كان عرض أو تخطيط فراغ الخشبة بليغاً ويسرالنظر مكن الجمهور من سماع المسرحية بشكل أفضل"(54). ليس الممثل مجرد أداة، وإنما هو الطاقة التعبيرية التي تحيل زمن العرض إلى عالم ساحر مكتنز بالمتعة، وبمساهمة عناصر السينوغرافيا بكل اشتغالاتها في العرض المسرحي. وهي تسهم في خلق رؤية العرض وإبراز مضامينها التعبيرية، للارتباط بالمتفرج، الذي جاء من أجل أن تتم عملية المشاهدة، (الممثل والسينوغرافيا والمتفرج) وهي لاتتم إلا من خلال العرض، ويحدث تأثيراً متبادلاً بين الطرفين الممثل والمتفرج فالمشاهدة، هي التتابع الصوري والطاقات التعبيرية عبر زمن مكثف ومحدد، هو زمن العرض. فالتواصل بين العرض والمتفرج يحدث من جراء المتعة التي يحققها العرض. إن عمل السينوغراف يعتمد بالدرجة الأولى على طبيعة العين البشرية، فهي "تميل بشكل فطري إلى النظر إلى مراكز الأشياء، أي إلى نقطة تقاطع محاورها، فإذا كان هناك تطابق بين العناصر وبين هذه النقطة المركزية أدى ذلك إلى راحة في الرؤية"(55). الفعل الدرامي المسرحي يأخذ باهتمام المتفرجين، حينما تكون المسرحية محبوكة بشكل جيد، فهي كلما تتقدم تؤثر بشكل كبيرفي المتفرج. والديكور مع الإضاءة مع الأزياء مع العناصرالأخرى السينوغرافية تستمر في تأثيرها على الجو العام. "إذن " المثير"هو الذي يلعب الدور المهم في المشاهدة، سواء في الفضاء الواسع أو الضيق على حد سواء، وقد لا يثيره شيء من ذلك الفضاء، وهو ما نطلق عليه بـ " موت السينوغرافيا " أو فشلها. والسينوغرافيا المبدعة التي تحقق الدهشة، تأخذ بنظر الاعتبار ما تم عمله من قبل خوفاً من السقوط في التكرار أو التقليد"(56). إن عمل العناصر السينوغرافية محسوب بدقة، كما الرياضيات، فأي خلل في المعادلة يؤدي إلى الفشل، وهذا أمر حتمي، لاشيء يترك للصدفة. فالمخرج من خلال رؤيته الفنية أن يطلب من السينوغراف أن يقدم تصاميمه حيث يجب عليه القيام بعدة اختيارات في مرحلة مبكرة هذا معناه عليه أن يبدأ من أول نقطة تدريب كي يكون أكثر ثقافة واطلاعاً على الفنون المسرحية التي تعد جزءاً من إبداع عمل مسرحي متكامل.(57) فالمخرج هو المعني أكثر في استنطاق عناصر العرض، في خلق منظومته البصرية مع رؤيته الفنية شكلاً ومضموناً. ونظراً للعلاقة الوثيقة بين العمل الإبداعي للممثل ورؤية المخرج الفنية، فيحدث من خلال هذا التجانس انتاج اللغة الصورية، وقد تفوق هذه اللغة كل ما هو متوقع، فتكون الدهشة عند المتفرج، وهي الحالة المطلوبة لنجاح العرض. كل شيء في العرض المسرحي هو علامة بدلة العمال التي يرتديها الممثل هي علامة العامل، كذلك التاج علامة الملك، وصوت القطار وهو يقترب علامة المحطة. فالعرض المسرحي يستخدم الكثير من العلامات المرئية والسمعية، ليحقق بهذا تواصله مع المتفرج. " كل شيء يشكل واقعاً على خشبة المسرح، نص الكاتب المسرحي، تمثيل الممثل والإضاءة المسرحية – كل هذه الأشياء، وفي جميع الحالات، ترمز إلى أشياء أخرى، بمعنى آخر، العرض المسرحي هو مجموعة أشارات (signs )(58). فعناصر السينوغرافيا هي المنظومة العلاماتية التي تتجانس مع العلامة الكبرى الممثل الدعامة الأساسية للعرض المسرحي. ليس للعلامة أستقلال فكل علامة تسهم في تأكيدها الكثير من العلامات، فالعلامة لوحدها لاتحقق فاعليتها بشكل جيد إلا إذا اقترنت بعلامات أخرى، لهذا فالعرض المسرحي هو سلسلة من العلامات المتدفقة، فالسينوغرافيا يلقى على عاتقها مهمة ضرورية هي بناء التشكيل الصوري للعرض المسرحي. فحينما بدأ التطوّر يشمل العلوم الإنسانية تأثرالمسرح بهذه العلوم "وقد شكل المسرح حالة نموذجية في هذا الصدد، لاسيما أن تأثير مختلف العلوم النقدية مثل السميولوجيا والانتروبولوجيا، بات واضحاً وملموساً في الخطاب النقدي المسرحي وفي التجارب المسرحية الجديدة. ولم يعد في الامكان تفسير التطور الذي عرفه المسرح في القرن العشرين، الا في ضوء التطور المعرفي."(59). إن المخرجين ابتداءً من (جورج الثاني) وحتى (يوجينيو باربا) لايمثلون جيلاً واحداً وفي زمان معين، بل هم من أجيال مختلفة متعاقبة على طول تاريخ المسرح، ومثل هؤلاء طبيعة يختلفون من الناحية الفكرية ومن ناحية العمق والنضج العقلي وزاوية النظر وتتفاوت نظراتهم إلى الأشياء، لذا فلابد للمسرح أن يختار لغة سينوغرافية لبيان معاني صوّره وأتجاهاته الفلسفية، بحيث تكون هذه اللغة السينوغرافية متعددة الجوانب أي العناصر، كذلك لها ابعادها وزواياها، لكي يصلح كل عنصر من عناصرها للمشاركة وتأكيد الفعل العام للمسرحية. ويفهم المتفرج لغة تلك العناصر، ويفك شيفراتها ورموزها واشتغالاتها مع فعل الممثل وحركته، سواء كانت الإشارة أو الإيماءة أو حركاته التعبيرية بشكل عام. تقول باميلا هاورد: " إنني مهتمة بالطريقة التي تصبح بها السينوغرافيا راوياً بصرياً والسينوغرافي رسام خريطة الفراغ ويتعلم الجمهور قواعد اللعبة ويتعلم ما يجب أن يتوقعه من السينوغرافيا والسينوغرافي"(60). السينوغرافيا كما اكد الباحث في بداية المبحث أنها حديثة العهد في وضوح مصطلحها واستخدامها في المسرح تحت إشراف السينوغراف، وهذا معمول به في معظم مسارح العالم، والسينوغراف مهنة أخذت مكانتها في مسارح العالم ويأتي دورها بعد المخرج، وفي أغلب الأحيان يكون المخرج هو من يصمم السينوغرافيا دون الحاجة إلى سينوغراف، ويأتي عمل السينوغرافيا بشكل جلي مرهوناً بعمل الممثل. فاستخداماتها اليوم بات ضرورة تفرضها تطورات المسرح وبلوّرة لغته الصورية. وتشكل السينوغرافيا اليوم الأكثر نضوجاً في استخدامها للصورة المشهدية الأكثر صلاحية وقدرة للعرض المسرحي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش (1) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق، ص104. (2) ينظر: الحموي، حازم: في السينوغرافيا، مصدر سابق، ص72. (3) خليل، فاضل: التكنولوجيا في العرض المسرحي، مصدر سابق، ص135. (4) شقرون، نزار: معاداة الصورة، في المنظورين الغربي والشرقي، الأنتشار العربي، ط1، 2009، ص7. (5) حمادة، إبراهيم، وآخرون: مجلة السينوغرافيا اليوم ، وزارة الثقافة ، مهرجان القاهرة الدولي، القاهرة، 1993 ،ص14. (6) راينوفا، فيوليتا: المسرح والمتفرج، تر/ محمد عبد الرحمن الجبوري، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1991، ص63 (7) أردش، سعد: المخرج في المسرح المعاصر، عالم المعرفة، الكويت، 1979، ص42. (8) أردش، سعد: المخرج في المسرح المعاصر، المصدر نفسه، ص42. (9) أردش، سعد: المخرج في المسرح المعاصر، المصدر نفسه، ص57. (10) أردش، سعد: المخرج في المسرح المعاصر، المصدر نفسه، ص59 . (11) يوسف، عقيل مهدي: القرين الجمالي في فلسفة الشكل الفني، دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، 2005، ص156. (12) ينظر: والتون، ج. مايكل: المفهوم الإغريقي للمسرح، تر/محسن مصيلحي المجلس الأعلى للثقافة، 1998،ص38 (13) والتون، ج. مايكل: المفهوم الإغريقي للمسرح المصدر نفسه، ص10 (14) والتون، ج.مايكل: المفهوم الإغريقي للمسرح، المصدر السابق، ص10 (15) راينوفا، فيوليتا: المسرح والمتفرج، مصدر سابق، ص14. (16) الحاوي، إيليا: الفن والحياة والمسرح، مصدر سابق، ص34. (17) إيلام، كير: سيمياء المسرح والدراما، تر/ رئيف كرم، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1992، ص7. (18) بياتلي، قاسم: دوائر المسرح، مصدر سابق، ص93. (19) الحاوي، إيليا: الفن والحياة والمسرح، مصدر سابق، ص31. (20) ينظر: رامونة، ايناسيو: الصورة وطغيان الاتصال، ترجمة، نبيل الدبس، وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2009، ص38. (21) معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص98. (22) سليم، عجاج: توظيف التكنولوجيا في المسرح الحديث، أوراق الندوة الفكرية ، مهرجان المسرح الأردني الرابع عشر، وزارة الثقافة، سنة 2007 . ص108. (23) سليم، عجاج: توظيف التكنولوجيا في المسرح الحديث، المصدر السابق، ص104. (24) ينظر: معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدرسابق، ص99. (25) خليل، فاضل: التكنولوجيا في العرض المسرحي، مصدر سابق، ص134. (26) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق، ص7. (27) والتون، ج.مايكل: المفهوم الإغريقي للمسرح، المصدر السابق، ص 40. (28) أرسطو : فن الشعر، مصدر سابق، ص106. (29) حمادة، إبراهيم، وآخرون: مجلة السينوغرافيا اليوم، مصدر سابق، ص13. (30) ميليت، فردب، وجيرالدايدس بنتلي: فن المسرحية، مصدر سابق، ص60. (31) ميليت، فردب، وجيرالدايدس بنتلي: فن المسرحية، مصدر سابق، ص61. (32) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق، ص201. (33) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق، ص201. (34) معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدرسابق، ص100. (35) يوسف، عقيل مهدي: القرين الجمالي في فلسفة الشكل الفني، مصدر سابق، ص168. (36) خليل، فاضل: التكنولوجيا في العرض المسرحي، مصدر سابق، ص130. (37)خليل، فاضل: التكنولوجيا في العرض المسرحي، المصدر نفسه، ص130. (38) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق،ص13. (39) الحكيم، زياد: الديكور والمؤثرات البصرية الأخرى في المسرح، مجلة الحياة المسرحية، العدد/ 48. وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص29. (40) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق،ص126. (41) معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص104. (42) خليل، فاضل: التكنولوجيا في العرض المسرحي، مصدر سابق، ص130. (43) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق،ص13 (44)خليل، فاضل : التكنولوجيا في العرض المسرحي، مصدر سابق، ص131. (45) إبراهيم حمادة وآخرون: مجلة السينوغرافيا اليوم، مصدر سابق، ص20. (46) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق،ص13. (47) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق،ص61. (48) ينظر: معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص98 (49) الحكيم، زياد: الديكور والمؤثرات البصرية الأخرى في المسرح، مصدر سابق، ص36. (50) ينظر: معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص100. (51) معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص41 (52) الحموي، حازم: في السينوغرافيا، مصدر سابق، ص75. (53) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق،ص124. (54) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق،ص8. (55) ينظر: معلا، نديم: لغة العرض المسرحي، مصدر سابق، ص104. (56) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق،ص39. (57) الحموي، حازم: في السينوغرافيا، مصدر سابق، ص78. (58) خليل، فاضل: التكنولوجيا في العرض المسرحي، مصدر سابق، ص135. (59) ينظر: هاورد، باميلا: ما هي السينوغرافيا، مصدر سابق،ص8 (60) هونزل، جيندريك: ديناميكية الإشارة في المسرح، تر/ادمير كورية، مجلة الحياة المسرحية، العدد/38-39،دمشق1987،ص31. (61) الياس، ماري: العلوم الانسانية والمسرح، مجلة الحياة المسرحية، ع/42، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، ص4. (62) هاورد، باميلا: ماهي السينوغرافيا، مصدر سابق،ص182.
#جواد_الحسب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الممثل والمتفرج: ( العلاقة الثالثة )
-
الممثل والعناصر السينوغرافية: ( العلاقة الثانية )
-
علاقة الممثل بعناصر السينوغرافيا في العرض المسرحي
-
الممثل والممثل الآخر: ( العلاقة الأولى ).
-
ديناميكية جسد الممثل في العرض المسرحي .
-
السيرة الذاتية للكاتب والمخرج المسرحي جواد الحسب
-
مسرح سامي عبد الحميد الانتقائي والتجريبي
-
شذرات من أعمال جواد الأسدي في المسرح
-
طقوس سامي عبد الحميد في مكبث (**)
-
تجليات مسرح الصورة عند القصب
المزيد.....
-
الفنان جمال سليمان يوجه دعوة للسوريين ويعلق على أنباء نيته ا
...
-
الأمم المتحدة: نطالب الدول بعدم التعاطي مع الروايات الإسرائي
...
-
-تسجيلات- بولص آدم.. تاريخ جيل عراقي بين مدينتين
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
-
السكك الحديدية الأوكرانية تزيل اللغة الروسية من تذاكر القطار
...
-
مهرجان -بين ثقافتين- .. انعكاس لجلسة محمد بن سلمان والسوداني
...
-
تردد قناة عمو يزيد الجديد 2025 بعد اخر تحديث من ادارة القناة
...
-
“Siyah Kalp“ مسلسل قلب اسود الحلقة 14 مترجمة بجودة عالية قصة
...
-
اللسان والإنسان.. دعوة لتيسير تعلم العربية عبر الذكاء الاصطن
...
-
والت ديزني... قصة مبدع أحبه أطفال العالم
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|