|
الحكام العراة
منتصر الديسي
الحوار المتمدن-العدد: 3299 - 2011 / 3 / 8 - 07:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما يحدث في عالمنا العربي من ثورات مفاجئة على حكام مارسوا استبدادهم علي شعوبهم لعقود طويلة اشبه بالقصةالقديمة الذي قرأناها كثيرا ونحن اطفال ، للامبراطور الذي اراد ان يفصل ثوبا ليس له نظير فتقدم اليه رجل مخادع ادعى انه خياط واقنعه انه خاط له ثوبا فريدا من نوعه، وعندما نظر الامبراطور الى نفسه بالمرآة رأى نفسه عاريا، الاانه لم يجرؤ على القول بذلك وظن ان به مرضا تحت تأثير خدعة الخياط عليه ، ففضل الصمت وابدى اعجابه بالثوب ،لأنه خشي ان تشك الرعية في عقله ،كما ان من حوله من الحاشية عندما رأوه لم يجرؤوا ان يقولوا له انه عار خوفا ورهبة من بطشه بل وصاروا يبدون اعجابهم بهذا الثوب البهي وعندما سار وسط رعيته هتفوا بحياته معبرين عن اعجابهم بثوبه خوفا من الحقيقة ، الى ان صرخ طفل بينهم إن الامبراطور عار، حين اذٍ ساد هرج ومرج بينهم واخذوا جميعا يصرخون الامبرطور عار.تلك القصة تلخص الى حد كبير واقع العلاقة التي تربط شعوب عربية بحكامها ،علاقة قائمة على ثقافة الوهم والخوف وليس على اساس الثقة والحب وصرخة الطفل ( والطفل رمز للبراءة التي لم تتأثر بثقافة الوهم )باحداثها الصدمة اعادت الوعي للشعب الذي كان اشبه بالنائم نوما مغناطيسيا ليفيق من وهمه على حقيقة الامبرطور العاري هي نفسها صرخة البوعزيزي وتمرده التي جعلت شعوب دول عربية تخلع عنها خيوط الوهم التي امتدت عقود كثيرة وكانت تظن انها خيوط بصلابة الحديد ،لتكتشف انها اوهى من بيت العنكبوت ويسقط في لحظة جدار الخوف والوهم ،ولتكتشف ان هذا الحاكم الذي رسمت له صورة اقرب الى الالوهية هو مجرد شخص خائف وعاجز. هؤلاءالحكام كانوا منذ البداية عراة امام شعوبهم يعرفون ظلمهم وفسادهم ، الا انها ثقافة الخوف والوهم التي جعلتهم يصمتون كل هذه السنين بل واقنعوا انفسهم ان هذا الوهم هو الواقع ، كما ان هؤلاء الحكام عزلوا انفسهم عن شعوبهم بسبب البطانة السيئة التي يرمز لها الخياط في القصة وحاكوا لهم عالما منفصلا وواقعا هو فوق واقع شعوبهم ليقتنع الحكام ان نزولهم من هذا الواقع فيه تهديد لصورتهم امام الشعب تماما مثل الامبراطور الذي خشي ان يقول انه عار فهم يريدون ان يظلوا في صورة مثالية منزهة ظنا منهم ان ذلك هو الذي يجعلهم يبقون اكثر على كراسي الحكم . والشعب في هتافاته وصمته ساهم في ان تظل صورة الحاكم الاقرب الى الاله هي السائدة ، اذاً فأن هذه الشعوب هي مدانة مثل لحاكم لأنها رضيت منذ البداية بأن تظل خاضعة للوهم ، فقد كنا نرى على مر السنين الملايين التي تخرج في الشوارع لتهتف لمبارك، وبن علي والقذافي وغيرهم وتكتب وتغنى القصائد في مدحهم، الا في اصوات قليلة من المعارضةلا تكاد تسمع، ونجدهم يحصلون في الانتخابات الرئاسية على نسبة عالية من الاصوات ثم نفاجأ بحجم هذا الكره داخل تلك الملايين لحكامها فأين كانوا هؤلاء؟وهل كان يجب ان يحرق البوعزيزي نفسه او ان يصرخ الطفل إن الامبراطور عار ليزول عن الشعوب وهمها؟ ان حكامنا اليوم مطالبون ان يقرأوا تلك القصة الطفولية فلقد تعلمهم مالم يتعلمونه من الكبار من بطانتهم التي عزلتهم عن شعوبهم ،وعليهم ان يدركوا ان هذه الهتافات لهم يمكن ان تنقلب في لحظة عليهم اذا مارضوا ان يعيشوا في ثقافة الخوف والوهم وظلوا تحت اسر من يتفنون في اختراع الهتافات التي تمجد هم نفاقا لمصالح شخصية وليس لمصلحة الوطن، رغم انه هؤلاءهم أول من يهرب من سفينة الحكم اذا ما هي اوشكت على الغرق . ولقد اثبتت الاحداث ان الهتفات وقصائدالولاء لاتبقي حاكما على كرسيه الا بقدر ما يقدمه للوطن والشعب . وفي تاريحنا لم تخلد قصائد المدح الحكام الا لأن ماا نجزوه من بطولات صارت الاجيال تتناقله، فلو لم يكن سيف الدولة يحمي الثغور من زحف اعدائها لما استطاعت كل بلاغة المتنبي ان تخلده ، ولو لم يهب المعتصم لنجدة المرأة التي استنجدت به ويفتح عمورية ويهزم الروم لما تمكن ابوتمام من تصويره بطلا حتى لو وظف كل مافي قاموس اللغة من مفرادات المدح ان التحرر الحقيقي ليس بالثورات فقط لكن عندما يتخلص وطننا العربي من ثقافة الوهم والخوف التي سيطرت على علاقة الشعوب بالسلطة ،عندما تدرك الشعوب ان المشكلة ليست في ازالة هذا الحاكم او ذاك بل في فيمن يحيكون ويفصلون له اثوابا من الأوهام ،لان هؤلاء اخطر على الشعب من الحاكم المستبد فهم الذين يجعلون كل من يتسلم السلطة دكتاتورامهما كان في بداية حكمه ينادي بمبادئ ثورية واصلاحية او يريد ان يخدم وطنه ،وهم الذين يقنعونه ان هذه الهتافات التي يسمعها من الشعب حقيقية تدل على حبهم له بينما هي مثل الثوب في القصة مزيفة ليحد الحاكم نفسه في النهاية عاريا في مواجهة الشعب
#منتصر_الديسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-ساعد نساء سعوديات على الفرار وارتد عن الإسلام-.. صورة ودواف
...
-
ماذا تكشف الساعات الأخيرة للسعودي المشتبه به قبل تنفيذ هجوم
...
-
الحوثيون يعلنون حجم خسائر الغارات الإسرائيلة على الحديدة
-
مخاطر الارتجاع الحمضي
-
Electrek: عطل يصيب سيارات تسلا الجديدة بسبب ماس كهربائي
-
تصعيد إسرائيلي متواصل بالضفة الغربية ومستوطنون يغلقون مدخل ق
...
-
الاحتلال يقصف مدرسة تؤوي نازحين بغزة ويستهدف مستشفى كمال عدو
...
-
اسقاط مقاتلة أمريكية فوق البحر الأحمر.. والجيش الأمريكي يعلق
...
-
مقربون من بشار الأسد فروا بشتى الطرق بعدما باغتهم هروبه
-
الولايات المتحدة تتجنب إغلاقاً حكومياً كان وشيكاً
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|