أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - طارق الطوزي - الشيخ الفصيح














المزيد.....

الشيخ الفصيح


طارق الطوزي

الحوار المتمدن-العدد: 3293 - 2011 / 3 / 2 - 16:46
المحور: كتابات ساخرة
    


بعنفوان نزق ويقين راسخ صلب تنبّه لكفري، قال لي بنبرة هادئة عطوفة: «قد غرّروا بك». كان شيخا جليلا أشيب تلحّف برداء الحلم والصواب. أوجز قائلا:«إليك الحقّ» واختلى إلى صمته. لم أتبيّن ممّا تلفّظ معنا، فبادرته بالسؤال حائرا. ابتسم، ثمّ قال:« لا تغترّ بلؤم الإمكان فتعتصم بخسر الجحود؛ ففي كلّ اثنين لابدّ من واحد.» أنست نفسي لحكمة هذا القول، وانتهى لساني إلى الخرس. أذلّني الشيخ. قال لي بعدها، وسط دهشتي وعجزي:«ساق النملة، برغم دقّتها، تحمل في طيّاتها عددا، أليست هي الواحد؟» هكذا حدّثني الشيخ، فأهلكني فراغ دليلي أمام إعجاز برهانه.
جلست على الحصير مواجها شيخي وانتظرت حديثه. بعد برهة، انفرجت أساريره لتنبأ ضياء، وأخبرني بوجه تملّك النور والرحمة: «في ما مضى، سافرت إلى بلاد الطاغوت، فزعم لي بعض الصادقين هناك أنّ شخصا يجتمع إليهم تلبس عراء الشكّ. قلت لهم، بلسان الحرص: أدعوه غدا إلى مجلسكم حتى أجادله في ضلاله. أقبل إلى الموعد، غير آبه لحضوري، ونطق مبشّرا بالإفك. عندها، قلت له، بحزم منصف: أليس فوقك سقف الآن؟ قال: بلى، قلت: أتدري إن كان فوقه أحد أم لا؟ قال، بتردّد: لا أعرف على وجه اليقين، قلت: فما أدراك، يقينا، خلو السماء من بهاء ربّاني؟ فخرّ الجبّار، على هدي قولي، ساجدا مصدّقا ومسلما.»
دخلت على الشيخ يوما، في غفلة منه، فوجدته قائما على هامة رأسه. كان انقلابا بهلوانيّا هائلا. تسمّرت أتأمّل بيان العجب على صراط التقوى، وأبحث، يائسا، عن آية ما تفسّر جنون تأوّل المشهد. تبيّن للشيخ حضوري، فأومأ لي حتى أجلس ثمّ قال لي، بعدها: «يا بنيّ، تقلّبي جبر لما انقطع عني من عظيم التشابه» سكت قليلا وهو يستطلع أثر كلامه على محيّاي ثمّ أردف، قائلا: «حجتي الدامغة تماثل يستلب القلوب». تهافت فضولي، فآثرت الرضا بما أنعم عليّ الشيخ من كلم حتّى ولو بدا ملغزا.
قال الشيخ: «أنا كالأتراك»* تلبستني بلادة الحيرة، فتلفظت مندفعا بالحمق، قلت بلا هدي التروّي: «كيف يستقيم هذا المذهب؟! يا شيخ، قد ركب جيش الجبّارين على عروش الأتراك ورقابهم فما ترك لهم دعوى تستظهر من فقه أسلافنا شيئا، وظهر من أرباب الريب والإلحاد بساحتهم ما يرقب نهضة الدين ويعاند في لجم الحقّ. يا شيخ، هم من حللوا الحرام حتى يدلفوا حياض الطغيان. تعبّدهم كذب وافتراء؛ لقد استظلوا بزينة الأحزاب سنين عديدة ففسقوا عن الوحي الأوحد. يا شيخ، نحن على ديدن السلف لا نحيد، إن انفض عنّا زنادقة السوء هؤلاء لن نرضى إلّا بالجهاد طريقا، نحن قوم الوهابين و آل المعروف فلم تحشرنا في ثوب المولى» ضحك الشيخ حتى استلقى وطالعني بعين اللطف، ثمّ قال بصوت أجشّ: «يا ولدي، تمعّن في رايتي سترى الأحمر والأبيض والهلال والنجمة، جميعها ترتسم على راية الأتراك أيضا، أليس بهذا تبدى لك وجه الصواب؟ أنا منهم وهم مني والشاهد تلك الراية» أُفحمت فذُهلت وطأطأت الرأس مصدقا لما بين يدي شيخي وما خلفه.

* أنبأنا البعض ممن نثق فيهم أن بلادنا التونسية قد تنزل بها داء عضال إخواني من صفته المضحكة أنهم كلّما تسمّى شيئا على وجه الاستحسان عند الغرب إلّا وتلمّسوا تشبيها ذاتيا ينتسبون به إليه، وقد ظهر لهم اليوم، فجأة، أن يتماهوا مع الحزب التركي الحاكم عسى أن يصيبهم بعضا من شيم أولائك عند الغرب.



#طارق_الطوزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طيف
- مهذبون، على الأرجح...
- اللاشيء 1
- الصخرة
- تأبين ( قصة قصيرة )
- سمنون المحب
- محمد ولد السلطان
- هي/ انعكاس
- سقم
- عيون وقحة
- عجوز الستوت
- الكأس و المعاد
- الرحيق المختوم


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - طارق الطوزي - الشيخ الفصيح