فؤاد ابو لبدة
الحوار المتمدن-العدد: 3292 - 2011 / 3 / 1 - 22:19
المحور:
القضية الفلسطينية
في الوقت الذي التزمت فيه علي الصعيد الرسمي حكومتي غزة ورام الله الصمت تجاه ثورات الشعوب العربية تراقب عن بعد شدة رياح التغيير وقوة الإعصار وسط حالة من الترقب والخوف من اقتراب تلك الرياح من مملكاتهم الوهمية والهشة , والاكتفاء بالنظر لما سترسو إليه الأمور وأي من الكفتين سترجح ليتم التصفيق لها وإبداء التبريكات للطرف المنتصر عبر أبواق إعلامية رسمية أصبحت تمتهن الانتهازية في الأداء وتتقن فن تغييب المبدئية تحت شعارات برغماتية لتضليل الجماهير بمواقفها السلبية وتبرير صمتها تجاه ثورات صنفت من أروع الثورات في التاريخ المعاصر , و غالبا ما تحاول أن تداري عجزها الفكري في التحليل المنطقي والواقعي والتمسك بالمواقف الجذرية والوطنية بشعارات أخري تبريرية باسم الواقعية والحفاظ علي المصلحة العليا وعدم التدخل بالشؤون الداخلية ...........الخ . لتشرع كل من الحكومتين في تجهيز المطابخ السياسية لامتصاص حالة الغليان والكبت الداخلي لدي جماهير غزة والضفة علي السواء المطالبة بإنهاء حالة الانقسام الداخلي التي دخلت عامها الخامس دون أي بصيص أمل لإعادة اللحمة الفلسطينية وتشكيل حكومة وطنية موحدة لمواجهة استحقاق المرحلة القادمة التي تشهد تطورات ميدانية خطيرة علي الأرض حيث تعمد حكومة نتنياهو للاستفادة من حالة الانقسام بفرض وقائع مادية علي الأرض من اجل تعزيز مواقع تفاوضية لها في المستقبل حين الحديث عن مفاوضات الحل النهائي وتكثيف الحملة الاستيطانية التي انتشرت كالنار في الهشيم بعد أن فشلت الدبلوماسية الفلسطينية في استصدار قرار أممي من المجلس الأمن يقضي بتجميد الاستيطان بفعل الفيتو الأمريكي والذي يعتبر هو الأول من نوعه في عهد الرئيس الأمريكي اوباما الذي كان بعول عليه الطرف الفلسطيني كثيرا بفعل دعايته الانتخابية التي تشدق بها كثيرا عن تغييرات في السياسة الخارجية لإدارة البيت الأبيض وإشاعة الديمقراطية بين الشعوب , ليثبت للجميع انه متمسك بالسياسة العامة لإدارته التي عاهدناها الكيل بمكيالين وازدواجية معايير واضحة .
تتطلع الجماهير الفلسطينية شانها شأن باقي الجماهير العربية لإنشاء مجتمع مدني ديمقراطي وتجدد الأمل بعد ان انهارت عروش الديكتاتورية في أكثر من قطر عربي ومستقبل يلوح بتواري باقي الأنظمة الدكتاتورية , وتري الجماهير أن إنهاء الانقسام هو الخطوة الأولي اتجاه المجتمع المدني وتشكيل حكومة وحدة وطنية , وهذا ما لا تتمناه كلتا الحكومتين بفعل الاستفادة الشخصية وتحقيق المصالح الفئوية الضيقة من خلال الاستغلال البشع لطبيعة الانقسام الذي أصبح أهم الموارد المالية لكلا الطرفين ويبدي كل طرف من الأطراف تخوف شديد من الجماهير في حالة نزولها للشارع تطالب بالوحدة وتعمل بكل ما أوتيت من قوة لمنع التجمعات وهذا ما أقدمت عليه بالأمس حكومة غزة او ما تعرف بالحكومة المقالة حينما فضت بالقوة تجمعا سلميا طلابيا في ساحة الجندي المجهول كأحدي الرموز السياسية في غزة يدعو لإنهاء الانقسام واعتقال القائمين علي هذا التجمع , علما ان القانون الفلسطيني يجيز التجمعات السلمية وفقا للقانون 12 لسنة 1998 الذي يوفر الحماية والتدابير اللازمة لحماية الاجتماعات العامة دون الحصول علي إذن مسبق , حيث تقتصر الإجراءات علي إشعار كتابي من الجهة المنظمة يقدم إلي مدير الشرطة او للمحافظ قبل البدء بالفعالية ب48 ساعة وعلي مدير الشرطة الرد علي الخطاب الموجه إليه كتابيا بإبداء الملاحظات والتدابير الأمنية اللازمة دون المساس بحقوق المدنيين في تنظيم الفعالية , وفي حال عدم تلقي الجهة المنظمة أي ردود علي إشعارهم الكتابي عليهم تنفيذ الفعالية في الموعد المقرر باعتبار عدم الرد هو موافقة ضمنية علي تلك الفعالية , وهنا يعتبر ما أقدمت عليه شرطة الحكومة المقالة بفض الاجتماع بالقوة انتقاصا للحقوق المدنية للمواطنين ومنعهم من ممارسة الحق الشرعي بتنظيم الاجتماع السلمي وانتهاكا للقانون .
يأتي هذا التخوف والرعب من تنظيم الاعتصام السلمي خوفا من ارتفاع سقف المطالب وخصوصا بعد سلسلة من الإجراءات الضبابية في القضايا المالية وعدم خضوعها للشفافية وأجهزة الرقابة وتحديدا تلك الفضيحة التي كانت علي مرآي الجماهير وأطلقت عليها الجماهير " السماء تمطر دولارات " حينما قامت الطائرات الإسرائيلية يوم الخميس الماضي بقصف احد السيارات المحملة بالأموال أثناء خروجها من منطقة الأنفاق علي الشريط الحدودي لتتطاير في السماء رزم من الدولارات كانت تقدر كل رزمة بمائة ألف دولار ليحترق الجزء الأكبر منها بفعل القصف ويتطاير الجزء المتبقي في الهواء , وعلي الفور أقدمت قوة من جهازها الأمني والشرطي لتطويق المكان وطرد المدنيين ومنع لأي تواجد صحفي او تصوير للحدث وقامت بعملية جمع لما تبقي من الرزم السليمة والتغطية علي الخرق الأمني الواضح لتلك العملية والتي لا يوجد لها أي تحليل آخر سوي ان هناك عملية اختراق امني حدثت أثناء عملية تهريب تلك الأموال ولا سيما أن تلك العمليات تحاط بقدر كبير من السرية التامة وفي أضيق الحدود .
والأوضاع لدي حكومة رام الله بعد ان استشعرت بعقم المفاوضات ليس بأفضل حال عن مثيلتها في غزة , فقد بادرت إلي سلسلة من الإجراءات الشكلية في محاولة منها لامتصاص حالة الغضب الجماهيري من حل الحكومة السابقة وتكليف فياض بتشكيل حكومة جديدة وإعلان لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في كل من غزة والضفة دون أن تبحث عن توافق وطني لضمان نجاح تلك الانتخابات والتي لن يكتب لها النجاح في ظل حالة الانقسام الحالية وحالة الفصل القضائي ما بين شطري السلطة حيث لكل من الحكومتين جهازها القضائي الخاص واختلاف البرنامجين وتوجهات ورؤية كل طرف من الأطراف , فما تلك الإجراءات إلا مجرد إسعافات أولية لتضميد للجراح دون ان تعالج الجرح , وحسب توقعات الجميع سيطلب فياض فرصة أسبوع آخر للتشاور أكثر مع كافة الأحزاب في تشكيل الحكومة بعد أن انتهت أمس المدة القانونية الممنوحة له ليعلن عن حكومته المرجح ان تكون غالبيها من وزراء تابعين لحركة فتح حتى لو طعمت ببعض الشخصيات الوطنية المستقلة ستكون شخصيات تميل لحركة فتح والتي ستكون مثابة تبادل ادوار لبعض الوزراء وإضافة شخصيات جديدة للوزارة , فالمشكلة لا تكمن في تغيير الوزراء وإبقاء هذا الوزير واستبعاد الأخر , الأهم هنا هو وجود برنامج وطني بديل للبرنامج الاستسلامي التفريطي الذي يسير عمل الحكومة وتغيير في النهج العام والسياسة العامة التي تميزت بها عمل جميع الحكومات السابقة حيث تبدأ كل حكومة جديدة من حيث انتهت الحكومة التي تسبقها والقائمة علي البيروقراطية والضبابية وعدم الشفافية والفساد الإداري والمالي وعدم تكافؤ الفرص , وكذلك عودة المجلس التشريعي المعطل والذي بدوره سيحاسب الوزراء ويكون بمثابة الرقابة عليهم وعلي عمل وزاراتهم , والعمل علي سن التشريعات الحديثة والقوانين التي تتماشي وطبيعة التطور في المجتمعات ومراقبة تنفيذها من قبل الجهاز القضائي .
من هنا ان أصبح النزول للشارع لإنهاء حالة الانقسام ضرورة ملحة في حال تعنت الطرفين وتهربهم من استحقاق وطني وضرورة ملحة , والخطوة التي يعكف التجمع الوطني الديمقراطي التقدمي علي القيام بها بالنزول للشارع يوم 15 آذار القادم هي خطوة غاية في الأهمية لكونها أكثر الروابط الاجتماعية تنظيما علي أجهزة التواصل الاجتماعي علي الانترنت واقرب الروابط تنفيذا لقرار النزول , وفي الوقت الذي نهيب مؤسسات حقوق الإنسان وباقي المنظمات الحقوقية لرصد الانتهاكات التي من المتوقع ان تحدث من اعتقالات وتعذيب وقمع ومصادرة حقوق مدنية نثمن عاليا دور مؤسسة الميزان لحقوق الإنسان التي رصدت ووثقت حالة فض الاجتماع بالقوة الذي حدث بالأمس , ويتوجب علي جميع مؤسسات المجتمع المدني تكثيف الجهود والمشاركة بالنزول للشارع من اجل الضغط الفعلي علي حكومتي غزة ورام الله لإنهاء حالة الانقسام الداخلي لإقامة مجتمع مدني ديمقراطي تقدمي .
#فؤاد_ابو_لبدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟