|
واشنطن واهتزاز الحليفين شاه ايران وحسني مبارك
محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 3291 - 2011 / 2 / 28 - 07:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أقام شاه ايران محمد رضا بهلوي حفلة على شرف الرئيس الأميركي جيمي كارتر،في ليلة رأس سنة1978،بقصرنيافاران في طهران. في كلمته بتلك الحفلة قال الرئيس كارتر الكلمات التالية:" ايران هي جزيرة الاستقرار في المنطقة". بعد شهرين من ذلك اليوم،قدم راي كلاينز،النائب السابق لمديرCIA،التقييم التالي للوضع الايراني من حيث معايير(القوة الوطنية):"ايران تعد الخامسة بعد الاتحاد السوفياتي،والولايات المتحدة،وألمانية الغربية،واليابان،وفق معايير محددة للقوة الوطنية تشمل الجاهزية العسكرية،والقوة الاقتصادية،والصحة السياسية،والإرادة الوطنية" (مجلة "الميدل ايست"،لندن،العدد43،أيار1978،ص 26). قبيل أسابيع من انتصار ثورة الخميني في 11شباط1979كشفت مجلة "التايم"(15كانون ثانييناير1979،ص 11)أن الذين يعرفون الفارسية من طاقم CIAفي طهران لم يكن يتجاوز أصابع اليد الواحدة،وأن هذا الطاقم لم تكن لديه أي اتصالات مع المعارضة الايرانية . لذلك لم يكن مستغرباً أن يرفع هذا الطاقم في آب1978،وبعد ثمانية أشهر من المظاهرات التي قامت على احياء أربعين ضحايا تلك المظاهرات(بالآلاف التي لم تتجاوز العشرة في مدينة قم يوم 10كانون ثانييناير1978،إلى تبريز بالربيع،ثم أصفهان في الصيف)، التقرير السري التالي إلى واشنطن،المتضمن التالي:"ايران ليست في وضع ثوري،وليست أيضاً في وضع ماقبل ثوري"( مجلة"نيوزويك"،29كانون ثانييناير1979،ص 12). في يوم 8أيلولسبتمبر1978،أوماأطلق عليه اسم "يوم الجمعة الأسود"،انطلقت مظاهرة لأول مرة في العاصمة طهران ضمت 8آلاف.تدخل الجيش وقتل 84 من المتظاهرين. كان هذا اليوم تدشيناً لاضطراب عام شمل ايران كلها،كانت ذروته في اضراب عام شمل البلاد بأكملها خلال الشهر التالي،ماأعطى مؤشراً قوياً على دخول نظام الشاه في حالة قوية من الاهتزاز. خلال شهر تشرين ثانينوفمبر تفتَحت العيون الأميركية على ايران بوصفها في"حالة أزمة":لم يكن هذا التأخر الأميركي في القبض المعرفي على مايجري في بلد حيوي من العالم ناتجاً فقط عن الجهل بماهو كامن (أوبمايظهر على السطح) في المجتمع الايراني،وإنما بحكم مفاعيل رؤية عشعشت في عقول صانعي القرار بواشنطن،منذ عام1972،ترجمت عند الولايات المتحدة في سياسة رأت في شاه ايران "شرطي الخليج"عقب استكمال الانسحاب البريطاني من منطقة شرق السويس،وقد زاد تمسك الأميركان بالشاه بعد المكاسب السوفياتية في إثيوبيا(شباط1977)وأفغانستان(نيسان1978)واليمن الجنوبي(حزيران1978)وإثرالاضطراب الباكستاني الذي أعقب انقلاب الجنرال ضياء الحق على ذوالفقار علي بوتو(5تموزيوليو1977)،وعقب الدور الذي قام به الشاه في دعم الرئيس المصري السادات منذ زيارته لاسرائيل(19تشرين ثانينوفمبر1977)وحتى توقيع اتفاقيات كامب دافيد(17أيلولسبتمبر1978)ضد المعارضة العربية شبه الجماعية. لم يقد الشهر الحادي عشر من عام1978إلى سياسة أميركيةمحددة تجاه الأزمة الايرانية:كانت الخارجية الأميركية مقتنعة منذ ذلك الشهر بأنه لايمكن ايقاف الثورة،فيماأعطى مستشار الأمن القومي زبيغنيو بريجنسكي "دعم الولايات المتحدة للشاه" في مكالمة تليفونية يوم4نوفمبر،وهو بالتأكيد ماشجع الأخير على تشكيل حكومة عسكرية بعد يومين برئاسة الجنرال غلام رضا أصغري.لم ينفع هذا العلاج،وخاصة بعد تحول الأزمة الايرانية إلى أزمة نفطية عالمية مع اضراب عمال حقول النفط ،ثم مع يوم2ديسمبر ،والدخول في شهر محرم،عندما تحولت مظاهرة ساحة آزادي في طهران إلى رقم تجاوز المليونين،قبل أن تتفوق الثورة الايرانية ،على الفرنسية عام1789والروسية بين شباط وأوكتوبر1917،عندما تجاوزت مظاهرات يومي10-11ديسمبر نسبة10%من مجموع السكان فيمالم تتجاوز في تلك الثورات حدود1%. أيضاً،زاد من عدم قدرة الحكومة العسكرية على ضبط الوضع سلبية رئيس الأركان الجنرال غلام علي عويسي،الذي على مايبدو كان يأمل بأن تفاقم الوضع سيدفع واشنطن إلى تبنيه ك"بينوشيه ايراني". لم يكن هذا بعيداً عن تفكير جورج بول،نائب وزير الخارجية الأميركي السابق،الذي طلب كارتر مشورته.من هنا كانت معارضة الجنرال عويسي للحل التي تبنته واشنطن لاحقاً في الشهر الأول من عام1979(بالترافق مع ارسال الجنرال روبرت هويسر إلى طهران لمنع قيام الجيش بانقلاب عسكري) المتمثل في حكومة يرأسها أحد قادة المعارضة المنشقين،وهو شاهبور بختيار الذي كان نائب رئيس (الجبهة الوطنية) بزعامة كريم سنجابي ،مع خطوات منها رحيل الشاه للخارج وتشكيل"مجلس وصاية على العرش"باعتبار ولي العهد لم يبلغ سن الواحد والعشرين:أدى اجتماع سلبية الجيش الايراني،خلال الأسابيع الثلاثة التي فصلت بين مغادرة الشاه ويوم11شباط،مع معارضة الخميني لحكومة بختيار، إلى انهيار الأخير،الذي لم يستطع(الحرس الامبراطوري)أن يشكل عائقاً كافياً من أمام تحوله إلى"كرنسكي ايراني" على حد وصف سفير غربي في طهران له ("نيوزويك"،29كانون ثانييناير1979،ص8). كانت طهران11شباطفبراير1979نكسة استراتيجية بالغة لواشنطن،لم تفق منها خلال ثلاثة عقود لاحقة:لم يتعلم الأميركان كثيراً من ذلك الدرس الكبير.مع هذا يمكن القول بأن أداء الولايات المتحدة في أحداث مصر،بين يومي25يناير-11شباط2011،كان يعبر عن اتساق أكبر في التعبير عن رؤية تفاعلية مع الأحداث واجتراح حلول "ناجعة" ،لم يكن يملكها الرئيس كارتر"الذي أغرقته الأحداث الايرانية"،والذي يميل اليمين الأميركي الحالي، وهو الوريث للمحافظين الجدد الذين هيمنوا في عهد بوش الابن،إلى تشبيه باراك أوباما به. كان تعليق وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ،خلال ساعات (كل الاستشهادات من جريدة"نيويورك تايمز")من بدء مظاهرات25يناير بالقاهرة،هو التالي:"الانطباع لدينا هو أن الحكومة المصرية مستقرة"،فيماأتبع هذا باليومين التاليين نائب الرئيس جو بايدن:"لايمكن الإشارة إلى الرئيس مبارك بأنه دكتاتور"،"مبارك حليف"،وأجاب ب"لا"على موضوع رحيل مبارك. كانت كلينتون في الضفة الأخرى بالقياس لبايدن لمابدأت في أخذ مسافة منذ26يناير،مع اتساع حجم المظاهرات المصرية، تجاه مبارك:"أمام الحكومة المصرية فرصة مهمة في الوقت الحالي لتنفيذ اصلاحات"،من دون الدعوة لخطوات أخرى تزيد المسافة بين واشنطن والرئيس المصري،مثل "تخويل الصلاحيات"أو"الرحيل". قفز جون كيري،رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي ،ليقطع مسافة كبيرة مع غموض في الملامح،لما دعا،إثر ادراكه قوة مظاهرات يوم الجمعة28يناير، مصر لأن "تختار قائداً جديداً لها هذا العام عبر انتخابات حرة نزيهة وديموقراطية"،ولكن من دون أن يوضح إن كان هذا يعني انتظار مبارك حتى انتهاء ولايته في الخريف القادم،أو"التخويل للصلاحيات"،أو"الرحيل". في يوم28يناير انهارت قوات وزارة الداخلية المصرية ونزل الجيش للشارع لحفظ الأمن. باليوم التالي كان هناك تناغماً بين تعيين مبارك لعمر سليمان نائباً للرئيس ،مع لهجة أميركية جديدة أطلقتها كلينتون تقول ب"انتقال منظَم للسلطة" بالترادف مع قولها ب"رفض تنحي مبارك"،وإن كانت قد أرفقت بأن تلك الخطوات"ليست كافية..هذه هي البداية...نحو تحقيق الاصلاح الديموقراطي". وفق تعبير السفير الأميركي السابق في عهد الرئيس كلينتون مارتن إنديك :منذ صباح الأحد30 يناير"فهمت الإدارة بأن مبارك قد انتهى.منذ ذلك الحين فهموا وحاولوا ايجاد آلية لكيف يمكن أن يحصل ذلك". في الساعة الثانية من بعد ظهرذلك اليوم بواشنطن أقلعت طائرة نحو القاهرة كانت تقل السفير الأميركي السابق بمصر فرانك ويزنر،للاجتماع مع مبارك ،و هوماحصل يوم الثلاثاء،وسط واقعة"حياد الجيش المعلن منذ الاثنين". في مساء الثلاثاء أعلن الرئيس المصري نيته"عدم الترشح ثانية". بعد قليل من خطاب الرئيس المصري،حصل تصعيد من قبل أوباما تجاهه لماأعلن أن"التغيير يجب أن يبدأ الآن": لم يؤد هذا التصريح إلى وضوح في أجندات واشنطن المصرية،باستثناء نقطة واحدة وهي اقتناع واشنطن بعدم قدرة مبارك على الاحتفاظ بوضعيته في مرحلة ماقبل25يناير.بالرغم من هذا ،كان واضحاً هنا بأن واشنطن قد بدأت بالاعتماد على عمر سليمان لقيادة عملية"انتقال منظَم للسلطة"،مع فتح نافذة على المعارضة المصرية التي قال طاقم البيت الأبيض أثناء اجتماع بيوم30يناير،برئاسة بنجامين رودز نائب مستشار الأمن القومي لشؤون الاتصالات الاستراتيجية،بأنهم "لايستبعدون علاقة مع الاخوان المسلمين كجزء من مسار نظامي للأمور..وبأن السياسة المصرية تحتاج لأن تضم أحزاباً غير علمانية" بالترافق عند واشنطن مع سياسات تجاه "ميدان التحرير" أعادت للأذهان بعض ماانتهجته إدارة بوش الأب تجاه ماجرى في خريف1989بشوارع أوروبة الشرقية والوسطى. كان الجيش (مديح أوباما للمؤسسة العسكرية المصرية يوم1شباط ل"وطنيتها واحترافيتها")هو احتياطي( وربما ثالوثها )هذه الثنائية ،التي وضح استحالة تشكيلها من خلال فشل محادثات عمر سليمان مع المعارضة،مع استمرار بقاء مبارك في الزاوية الخلفية،وخاصة بعد عدم استطاعة سليمان أخذ مسافة من مبارك(أخذها شاهبور بختيار من الشاه،ولكن بدون جدوى)الذي عاد للصورة التلفزيونية لترأس اجتماعات كان نائبه حاضراً بأحدها،أوأن يقترب من"ميدان التحرير" لماأعلن يوم6شباط عن قناعاته ب"عدم جاهزية البلد للديموقراطية" ولماقال يوم8شباط بأن"رحيل مبارك الآن ،كمايطالب المتظاهرون،أمر ضد أخلاق المصريين".هذا قاد لأن يكون"تخويل الصلاحيات"،في مساء الخميس10شباط،من مبارك إلى سليمان مؤدياً إلى مفاعيل عكسية نحو زيادة غليان"ميدان التحرير"،ولأن تكون هناك ثنائية بين الأخير والمؤسسة العسكرية،نجح خطاب التنحي(الذي أعلنه سليمان نيابة عن مبارك في مغرب يوم11شباط والذي هو عملياً يشمل بمفاعيله كلاً منهما)في أن يقيم جسراً بين طرفيها. كان سرور أوباما بعد تنحي الرئيس المصري وتشبيهه سقوط حليفه مبارك ب"سقوط جدار برلين" معاكساً لوجوم كارتر تجاه ماحدث بطهران في اليوم نفسه من عام1979: هل سيكون اليوم المصري ،ذاك،مختلفاً عن ذلك اليوم الايراني بالنسبة لواشنطن؟.....
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الترجمات المحلية لتبدل التوازن الاقليمي
-
هل نحن أمام بداية النهاية لاستهداف مصر ودورها؟!-
-
علامات موجة ديموقراطية عربية متفاوتة المظاهر
-
الجغرافية المتقلصة للسودان
-
حركة شعبية بلاأحزاب أطاحت بالحكم التونسي
-
المصريون والسودان
-
السودان:تصدع البيت المشترك للعرب والأفارقة
-
البيئة الخارجية للنزعة الانفصالية
-
دمشق وبيروت
-
مابعد لشبونة: بداية احتواء روسيا في المنظومة الغربية
-
مأزق نموذج الديموقراطية المصرية المحدودة
-
الهند والولايات المتحدة في مرحلة مابعد الحرب الباردة
-
التوتر اللبناني وعملية التسوية للصراع العربي الاسرائيلي
-
محمد سيد رصاص في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: التنمية
...
-
اشكاليات العلمانية في العالم الاسلامي
-
الدولة – الساحة
-
المحتل الفاشل
-
الحراك في بنية النظام الشرق الأوسطي الحديث
-
بيروت وبغداد
-
تفارق المصائر بين جوبا وأربيل
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|