|
المالكي والبعث و25 شباط ومطالب الشعب
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 3290 - 2011 / 2 / 27 - 16:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا بد من وقفة، أو وقفات، أمام يوم الجمعة 25 شباط 2011. عاشت السلطة، وبالأخص ائتلاف دولة القانون، وبالأخص حزب الدعوة، وبأخص الأخص رئيس الوزراء نوري المالكي، حالة من التوتر والهلع والتخبط. هذا يعني أنهم خائفون من هذه الطاقة الجماهيرية، التي لم توظف بعد توظيفا كاملا. خطاب المالكي في اليوم السابق للتظاهرة، والمطالبة الغريبة بعدم المشاركة في التظاهرة، ينم عن ارتباك وتوتر وهلع انتابه. وكانت منه سابقة لم يسبقه إليها رئيس حكومة في دولة ديمقراطية، ألا هي مطالبته من الشعب بعدم المشاركة في التظاهرات. اتهامه للتظاهرة بأنها (مريبة) إساءة منه للجماهير، وعادة عندما يتهم رئيس وزراء جماهير شعبه بمثل هذه التهمة، يكفي ذلك لاستقالته عندما تثار ضجة على تصريحه ذاك، أو عليه أن يعتذر، خاصة إن تهمة البعث للجماهير المحتجة تعدّ إهانة لهذه الجماهير، كما إن المالكي مدين للشعب بالاعتذار لعدة أسباب أخرى، منها الممارسات القمعية التي مارستها أجهزته فذكّرت بالنظام الصدامي المقبور. أقول اعتبار المالكي لمخالفيه أنهم بعثيون يذكرنا بما كان الطاغية صدام يتبناه من توزيع الشعب إلى فريقين، فريق معه، فهذا إذن معه، أما من هو ليس معه ولا مع حزب البعث، ولكن أيضا ليس بالضرورة مع خصومه، فهو بالضرورة ضده وعدو له، فكانت مقولته الشهيرة (من ليس معنا فهو ضدنا). والمالكي – حاشا ثم حاشا من التشبيه – أيضا يعتبر كل صوت يعارضه بعثيا. طريقة توزيع الناس وتقسيم كل الأشياء إلى ضدين لا يجتمعان هما الأبيض والأسود، هي طريقة الأنظمة الشمولية والإيديولوجيات المتطرفة، فدائما هناك ثنائية لا ثالث معهما: حق/باطل، هداية/ضلال، مؤمن/كافر، جنة/نار، رحماني/شيطاني، وطني/خائن، مؤيد/عدو، بعث/دعوة (حسب صدام)، مؤيد للمالكي/بعثي (حسب المالكي). هذه المقاربة لا تعني التماثل بين صدام والمالكي، ولو إن هناك من يرى ذلك، لكني أجد أن المقارنة فيها الكثير من الغلو ومجانبة الموضوعية، ولو إن هناك من سيرفض مني هذا القول. لكن المقاربة اضطرنا إليها نوري المالكي نفسه، ففي خطابه وفي إجراءاته يضطر الذهن اضطرارا لاستحضار صورة المقاربة على أصعدة متعددة للأسف الشديد. فصدام قال: «جئنا لنبقى». والمالكي قال: «هو منو يگدر ياخذها حتى ننطيها بعد؟». صدام اعتبر كل من لا يكون معه ضد الحزب والثورة. والمالكي يعدّ كل من يعارضه بعثيا. تتمة: بدأت يوم أمس بكتابة الأسطر أعلاه، كمشروع مقالة، أسميتها (ماذ بعد 25 شباط)، نويت وما زلت أنوي أن أجعلها ربما حلقة من ضمن سلسلة مقالات، قد تطول أو تقتصر على عدد محدود، بشأن تظاهرات 25 ىشباط، وربما تظاهرات أخرى ستلحق، وبشأن المطالب والأهداف، وعلاقة كل ذلك بالحكومة الحالية والموقف منها من جهة، ومن حزب البعث المنحل من جهة أخرى. وموضوعة البعث والبعثيين تأخذ أهميتها لسببين؛ الأول لمحاولات مركز السلطة الحالية متمثلا بثالوث المالكي - حزب الدعوة - دولة القانون، ذلك بتصوير الاحتجاجات بأنها بعثية، أو لا أقل مدفوعة من قبل البعثيين، مستغلين – أي البعثيون - حالة التذمر عند الجماهير بسبب تردي الخدمات وغيره من الأسباب، لتوظيف هذه الاحتجاجات لأجندتهم هم. هذا من جهة التهمة الموجهة للتظاهرات، ومن جهة أخرى، فبسبب أن البعثيين ربما يحاولون فعلا توظيف القضية لأجندتهم، التي من الطبيعي أنها لا تلتقي، لا بل تتقاطع تقاطعا حادا مع أجندتنا في الوسط الديمقراطي ومن يلتقي معنا من الوطنيين، الداعين للتظاهرات والمشاركين بفاعلية فيها. فالبعثيون، وأقصد البعثيين الذين يحنون إلى النظام السابق، أو الذين ينسقون مع البعث السوري الذي لا يقل سوءً عن البعث الصدامي، هؤلاء هم معادون للعملية السياسية، وعلى الضد من عملية التحول الديمقراطي في العراق. من هنا فهم يحملون شعار (إسقاط النظام). وهذا شعار خطير، فهذا يعني إسقاط التجربة لا بسلبياتها فقط التي نؤشر عليها ونناهضها، بل حتى بالجوانب الإيجابية منها، أي أصل النظام الديمقراطي والدولة الدستورية، لتحل محل النظام القائم (صدامية) جديدة، أو لا أقل بما يمهد الطريق لعودة البعث بثوب آخر، من أجل تربص الفرص للعودة بالعراق إلى الوراء ليدخل نفق حقبة سوداء أخرى. لو كنا نعلم أن للبعث بالصفات والأجندات التي ذكرتها فرصة حقيقية، فلكنا يقينا سنصطف إلى جانب الحكومة التي نعارضها، لنواجه الخطر البعثي. ولكن عودة البعث هراء في هراء، وهو أمر محال. من هنا فالمحاولات البائسة من قبل البعثيين غير البعيدين عما يسمى بالبعث الصدامي، بإعطاء صورة بأن حركة الاحتجاجات إنما هم المتصدون والقائدون والرائدون لها، وبالتالي محاولة إنزال بعض شعاراتهم عبر هذه الاحتجاجات، لا يمكن أن تغير الوجه المشرق لها، فهي عراقية، وطنية، شعبية، ديمقراطية، وتستنكف أن تقترب من قريب أو من بعيد من ثمة رائحة بعثية. إذن هذه المحاولات البعثية البائسة، إن وجدت، وهي موجودة إلى حد ما، واتهامات المالكي والدعوة للتظاهرات بأنها بعثية أو بدفع من القاعدة أو حارث الضاري، العدو اللدود لإرادة الشعب العراقي في الحرية والانعتاق والديمقراطية، وأيضا وجود بعض الشبهات عند قلة من العراقيين الطيبين، كل هذا لا يثنينا من مواصلة الضلوع بمسؤولية معارضة الحكومة الحالية، حتى تباشر بجدية وصدق وخطوات ملموسة بتلبية مطالب المحتجين. وقد ذكرت وذكر غيري هذه المطالب في أكثر من مقالة. نحن نتميز بأن شعارنا هو (إصلاح النظام)، ونرفض شعار (إسقاط النظام). ولكننا نقول هنا إن إصلاح النظام قد لا ينجز أحيانا إلا عبر (إسقاط الحكومة). وإسقاط الحكومة في الوقت الحاضر، حتى لو توفرت مبرراته، وهي على الأرجح متوفرة، إلا أن الأرضية لذلك غير متوفرة حاليا، لأن إسقاط الحكومة يعني التحضير لانتخابات جديدة، لا نجد أن الوقت مناسب لها حاليا. قد يكون ذلك ممكنا عام 2012، إلا إذا أجرت الحكومة الحالية الحد الأدنى المقبول من الإصلاحات الاقتصادية والخدمية والسياسية والإدارية والتنموية والبنيوية. لذا أوجه ندائي إلى حركة الاحتجاج الوطنية الديمقراطية، أن احذروا من شعارات ارتجالية، قد لا تكون مقصودة، أو تسرب لكم بقصد وتخطيط، تجعل الاحتجاجات تتسم ولو بملامح مخففة من ملامح البعث وأجندة أعداء العملية السياسية. هناك بالذات أمران ينبغي ألا يكونا في احتجاجاتنا وتظاهراتنا. 1. تجنب شعار إسقاط النظام كليا، فإذا هتف شخص ما بشيء من هذا القبيل، فلا ترددوا خلفه، وإن لمستم انه هتف به عن حسن نية وبدون معرفة بخلفيته فنبهوه. 2. تجنب رفع العلم العراقي السابق، أي علم ما قبل التعديل الذي أجري عليه في مجلس النواب في دورته السابقة، برفع النجمات الثلاث، فالعلم ذو النجمات الثلاث مع عبارة (الله أكبر) هو العلم المحبب عند البعثيين، ولذا رفعه يكون ربما تعبيرا عن الولاء للبعث الصدامي المقبور، عن وعي أو عن غير وعي. في بغداد (ساحة التحرير) لم يرفع هذا العلم بتاتا، لكني رأيته عبر الفضائيات مرفوعا من قبل متظاهرين في محافظة أو محافظتين، نأمل أن يكون ذلك عن غير قصد. ولكن وكما أشرت إليه في مقالة سابقة، ينبغي الالتفات إلى مجموعة أمور أخرى، أذكر منها: 1. منع عناصر الشغب اختراق التظاهرات والاحتجاجات والإساءة إليها. وبالأخص بذل أقصى الممكن للحيلولة دون الإضرار بالمال العام أو الخاص. 2. الانتقال من طور العفوية والارتجال إلى التنظيم والتنسيق. 3. تحديد الشعارات المكتوبة منها والمنطوقة، مع التأكيد على المطالب المركزية: إصلاح النظام، اجتثاث الفساد، حريات .. خدمات. 4. تنضيج مطالب يتفق عليها من أجل جعلها ورقة تفاوض إذا تطلب الأمر مع السلطات، لتحقيق ما يجب ويمكن تحقيقه منها آنيا، أو وضع جدول زمني لتحقيق ما يحتاج إلى وقت. 5. إدامة الاحتجاج حتى تحقيق الحد الأدنى من المطالب. 6. تشخيص فريق يمثل المحتجين للتفاوض أو التحاور مع السلطات. 7. على صعيد المحافظات يفضل ألا يتورط المحتجون بمطلب حل مجلس المحافظات والمطالبة بإجراء انتخابات جديدة، ما لم تكن هناك أرضية صالحة لانتخاب بديل أفضل، وإلا فعودة نفس الوجوه ونفس القوى عبر انتخابات جديدة سيمنحها مزيدا من شرعية قد لا تستحقها. نعم يمكن العمل على إسقاط محافظ أو رئيس مجلس محافظة، إذا تطلب الأمر، ولكن دون حل المجلس كليا. هذه أفكار ورؤى ومواقف وتوضيحات وتحذيرات، لا أظنني أنفرد بها، أرجو أن تكون مفيدة. أخيرا لا بد من إدامة صرخة الإصلاح والتغيير، أما الآليات، فهذا ما يجب دراسته بشكل مستفيض، وعدم ترك الأمور لردود الفعل والارتجال. وفي نهاية المطاف يكون الظفر للديمقراطية، للعراق، للإنسان، للعدالة الاجتماعية. 27/02/2011
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين إسقاط النظام وإصلاح النظام وإسقاط الحكومة
-
القذافي ثالث ثلاثة والآخرون هم اللاحقون
-
عهد الثورات الشعبية من أجل الديمقراطية
-
تحية لشعبي تونس وجنوب السودان
-
الجعفري، المالكي، عبد المهدي: رموزا للشيعسلاموية
-
العلمانية .. بين السياسة والدين والفلسفة
-
المالكي يتشرف بمباركة الولي الفقيه
-
لماذا التهاني لإيران ثم للدعوة فللمالكي
-
تعلم عدم الاستحياء أول درس في السياسة في زماننا
-
ثالث المرشحين وكوميدراما السياسة العراقية
-
توضيح حول حديث ديني لي يرجع إلى 2005
-
ثلاث وقفات مع المالكي في حواره الخاص
-
محمد حسين فضل الله
-
مع مقولة «المرأة ناقصة عقل وحظ ودين»
-
مع تعليقات القراء المحترمين 2/2
-
مع تعليقات القراء المحترمين
-
مقولات فيها نظر
-
العلمانية والدين
-
فلسفتي في الحرية والمسؤولية
-
فلسفتي في الوطنية والإنسانية
المزيد.....
-
شاهد أول رد من رئيس وزراء كندا على فرض أمريكا رسوم جمركية عل
...
-
مستغربة طبع السعوديين وأسلوب تعاملهم مع الضيف والسائح ترويها
...
-
طائفة سرية أجبرت أتباعها من الأمهات حديثات الولادة على التخل
...
-
كيف علقت كندا والمكسيك والصين على فرض ترامب رسوماً جمركية عل
...
-
ستارمر يستقبل شولتس في مقره الريفي ويبحث معه حرب أوكرانيا
-
الولايات المتحدة.. انفجار وحريق هائل في مصفاة نفطية (فيديوها
...
-
قوات كييف تستهدف بلدة في كورسك بصواريخ -هيمارس- أمريكية (فيد
...
-
زاخاروفا تقترح تحويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى و
...
-
إجلاء 37 مريضا من غزة لتلقي العلاج في مصر
-
حاول الهرب فعلق أسفل جسر.. شاهد ما حدث لسارق تطارده الشرطة
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|